عبد العزيز كحيل
بعيدا عن تحليلات المحلّلين وتعقيدات الكلام الكثير المتناقض الذي يدلي به أكثر من طرف بشأن مآسينا في تونس وسورية وليبيا وخاصة المأساة المصرية فإني أفيءُ إلى مقاربة إيمانية بسيطة لعلّها أقرب إلى الصورة الحقيقية التي تتقاسمها لوحتان بعد الانقلاب العسكري ، فمن جهة هناك باطل صارخ تعضده قوّة السلاح والإعلام والمال ، ويصطفّ معه بتبجّح سافر غلاة العلمانيّين الذين هزمتهم صناديق الانتخاب والبلطجية وبعض شيوخ السلفية الانهزامية سَهلة الانقياد لكلّ هدف موهوم وهامش مصطنع والذين لا وزن لهم في الأحداث سوى الأداء التشويشي على الثورة وفرقائها الفاعلين .
في الجهة المقابلة هناك حقّ واضح لا يكتنفه غموض ولا لُبس
، لكنّه ضعيف ، ليس معه مال ولا سلاح ولا إعلام ولا أدوات الدولة العميقة ، يدفع ثمن فوزه في الانتخابات النزيهة وانحياز الأغلبية لمشروعه التحرّري الإسلامي ، أصابه على سمع العالم وبصره التقتيل الفظيع و الاعتقالات الظالمة والمحاكمات السياسية الجائرة والتضييق على جميع المستويات مع استمرار حملات التشويه والتهم البشعة مع عدم تمكين رموزه وأفراده من الدفاع عن أنفسهم والإدلاء بحجّتهم.
كيف نقوّم هذا المشهد إيمانيّا ؟
الباطل هو الباطل دائما كما قصّ القرآن الكريم عن أصحابه وضحاياه في أكثر من مشهد وكما عانت منه البشرية في مختلف أحقاب حياتها ، يعتمد حجّة القوة لافتقاره إلى قوة الحجة ، فكيف إذا اصطفّ معه كلّ عدوّ ظاهر ومستتر يرفض أن يكون لدين الله وشرعه حضور في ساحة الإصلاح والتغيير وبناء الحضارة ؟ تنكرت أمريكا كالعادة لمزاعم الديمقراطية التي تعُدّ نفسهما رائدتها وداعيتها الأوّل ، ونسي أوباما خطاب القاهرة ، وتغلّبت المصالح مرّة أخرى على المبادئ ، واغتنم الصهاينة الفرصة لدرء ’’ الخطر الإسلامي ’’ عنهم ورحّبوا جهارا بالانقلاب العسكري وأبدوا الشماتة في الثورة والإخوان والديمقراطية ، ولعبوا دورا كبيرا في التمكين لحُكم العسكر وتأليبه على غزة وحماس والقضية الفلسطينية ، وسبق هؤلاء جميعا حكّام الخليج المعروفون بنفاقهم وافتتانهم بالإسلام السعودي وهجرانهم للإسلام الرباني منذ زمن بعيد ، وقد عَناهُم الشيخ البشير الابراهيمي رحمه الله بقوله البليغ ’’ وضَع الأجداد العِقال للرِجْل فنقلَه الأحفاد إلى الرأس ، وعدلوا به من الأباعير إلى الناس ، وما بين النقل والنقل ضاع العقل ’’ .
أمام هذا الإعصار الكاسح الذي يستهدف الواقع والأحلام والإسلام والديمقراطية وأشواق الحرية لدى الشعوب العربية كان للنفوس أن تنكسر و للصدور ان تضيق وللهمم أن تخور ولليأس ان يتسلّل لقلوب أكثر الناس تفاؤلا ويحطمها تحطيما ، لكن التربية الإيمانية كانت حاضرة وأسفرت عن وجهها الجميل من أوّل أيام المحنة العصيّة فقام أصحاب الصفوف الخلفية يقودون الركب ليوم الحسم ، وبدأت تربية العزائم لترميم التخريب المعنوي وإصلاح المجتمع وإفشال الانقلاب الذي يدلف بالأمة حثيثا إلى الموت الحضاري لتنقرض وتهلك كما يحدث عندما بتغلّب الطغاة ويسوسون الدنيا بالإفساد المادي والمعنوي ، لكن كانت لهم بالمرصاد الطائفة المنصورة الصامدة الظاهرة على الحقّ ، لا تخشى المخالف مهما بالغ في العُتُوّ ، وهي الطائفة المعافاة من الوهن التي تشكّل خميرة النهوض بإذن الله ، أتباعُها يرون في الأحداث يدَ الله قبل يد الانقلابيين والمتآمرين من كلّ صوب فلا يزيدهم اضطراب ميزان الأشياء إلاّ رجوعا إلى النفس بالتزكية واستكمال النقص ، وإنابة إلى الله تعالى بالتضرّع و الارتماء على عتبة بابه والانكسار و التذلّل بين يديه لاستمطار المدد .
إنّ المؤمنين – في مثل ظروف مصر ونحوها - لا يشتغلون بأولئك الذين غاصت أقدامهم في مستنقع الباطل وتلوّثت وجوههم بطينه ودخانه وإنما يُقبلون على الصفّ المؤمن بالتوعية والتحفيز من أجل دفع حركة الحياة في الاتجاه المعاكس لمنطق الانقلاب والطغيان ونقل الجيل الصالح إلى ميدان الرجولة والعزة ، نراهم يوميّا يركبون متن الإبداع ويرسمون لوحات راقية رائعة تنضح بالحياة والبذل والثقة بالنفس رغم التضحيات الضخمة المستمرّة والتضييق الواسع على أيّ نشاط فيه خير وصلاح ، بهذا تتمايز كتلة الحق وتأخذ مكانتها المتفرّدة في تجميع الطاقات وإبداع وسائل إفشال خطط الردّة عن الحرية التي يتفنّن المشاغبون في توسيع نطاقها لتنسى الأمة آمالها وأحلامها ، وها هو الشيخ القرضاوي في مقدمة من يقودون ركب الثبات والتحدي ، يعلّم المظلومين الانتفاضة على الباطل المدجّج بأساليب الشيطنة جميعا ، ليتحرّر الناس من الأوهام ويستعدّوا لاستئناف مسيرة الحرية بموازين البذل و الاعتدال.
إنّ الانقلابيّين ومن شايعهم من غلاة العلمانيّين والدراويش المنتسبين لتيار إسلامي متجمد دعاةُ موت وفناء بينما يحمل الأحرار رسالة إيمانية تنبض بالحياة ، تمكّنهم من الانخراط الواعي القويّ في عملية التدافع المجتمعي والحضاري ، وهم يحسّنون أداءهم بالآلام والآمال ، مسلحين بالبصيرة والعزيمة رافضين للجبرية السياسية والدينية التي يروّج لها شيوخ العبودية لغير الله الذين انكشف زيفهم حين تنكّروا للولاء الإيماني وخذلوا الأمة يوم احتاجت إليهم ، وما أجمل نصرة الحق ورحمة الخلق في أزمنة الظلم والتكالب الجاهلي على الحرية والشريعة والأخلاق والقيم ، نصرة لوجه الله على يد الدعاة المخلصين والمصلحين الراسخين الذين يواجهون الباطل بالثبات ويربتون على أكتاف المظلومين وكلّهم طيبة قلب وعفّة لسان وتواضع جمّ وأيدٍ طاهرة قوّتها في نسبها الرباني تهزم به سلاح الانقلابيين ودجل غلاة العلمانيّين .
ليس على أصحاب المشروع الشعبي أن يواجهوا الانقلاب بانقلاب لكن عليهم أن يقضّوا مضاجع المعتدين الظلمة بتعليم الناس معاني التمرّد والتحدّي والمعاكسة واجتياز الموانع وتخطّي حواجز الدهشة والذهول ورفض سحر الانقلابيين رغم سطوته وبعث الجرأة في النفوس والتنادي بالنفير لإفشال مخطّطات الباطل ونكس رايته وإعادة الأمر إلى نصابه وأهله ، وقد أبلى الرجال والنساء بلاء رفيعا في تحريك قلوب المؤمنين والأحرار ونقلوها من الخوف إلى الشجاعة ومن الانسحاب إلى الإقدام لمكابدة الواقع السياسي والصبر على إكراهات المرحلة والصمود أمام فتنة التهوّر والاستعجال لأنّ المسيرة طويلة ممتدّة وليست موسمية مؤقتّة ، ولنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحبه الكرام أحسن أسوة في البدايات والنهايات ، وما تعانيه مصر تعيش شيئا منه وبأشكال وأقدار مختلفة كلّ من سورية وتونس وليبيا ، والباطل منكشف فيها جميعا والحقّ بارز صامد في أرجائها ، والعاقبة للمتقين ، وإذا كان أبناء الدنيا المنقطعين عن المعاني الإيمانية لا يفهمون شيئا من هذا الكلام بل يسخرون منه فإنه بالنسبة للمؤمنين بلسم شافٍ ومعالم هادية تعضد القلوب وتنير العقول حتى يحقّ الله الحق ويبطل الباطل.
بعيدا عن تحليلات المحلّلين وتعقيدات الكلام الكثير المتناقض الذي يدلي به أكثر من طرف بشأن مآسينا في تونس وسورية وليبيا وخاصة المأساة المصرية فإني أفيءُ إلى مقاربة إيمانية بسيطة لعلّها أقرب إلى الصورة الحقيقية التي تتقاسمها لوحتان بعد الانقلاب العسكري ، فمن جهة هناك باطل صارخ تعضده قوّة السلاح والإعلام والمال ، ويصطفّ معه بتبجّح سافر غلاة العلمانيّين الذين هزمتهم صناديق الانتخاب والبلطجية وبعض شيوخ السلفية الانهزامية سَهلة الانقياد لكلّ هدف موهوم وهامش مصطنع والذين لا وزن لهم في الأحداث سوى الأداء التشويشي على الثورة وفرقائها الفاعلين .
في الجهة المقابلة هناك حقّ واضح لا يكتنفه غموض ولا لُبس
، لكنّه ضعيف ، ليس معه مال ولا سلاح ولا إعلام ولا أدوات الدولة العميقة ، يدفع ثمن فوزه في الانتخابات النزيهة وانحياز الأغلبية لمشروعه التحرّري الإسلامي ، أصابه على سمع العالم وبصره التقتيل الفظيع و الاعتقالات الظالمة والمحاكمات السياسية الجائرة والتضييق على جميع المستويات مع استمرار حملات التشويه والتهم البشعة مع عدم تمكين رموزه وأفراده من الدفاع عن أنفسهم والإدلاء بحجّتهم.
كيف نقوّم هذا المشهد إيمانيّا ؟
الباطل هو الباطل دائما كما قصّ القرآن الكريم عن أصحابه وضحاياه في أكثر من مشهد وكما عانت منه البشرية في مختلف أحقاب حياتها ، يعتمد حجّة القوة لافتقاره إلى قوة الحجة ، فكيف إذا اصطفّ معه كلّ عدوّ ظاهر ومستتر يرفض أن يكون لدين الله وشرعه حضور في ساحة الإصلاح والتغيير وبناء الحضارة ؟ تنكرت أمريكا كالعادة لمزاعم الديمقراطية التي تعُدّ نفسهما رائدتها وداعيتها الأوّل ، ونسي أوباما خطاب القاهرة ، وتغلّبت المصالح مرّة أخرى على المبادئ ، واغتنم الصهاينة الفرصة لدرء ’’ الخطر الإسلامي ’’ عنهم ورحّبوا جهارا بالانقلاب العسكري وأبدوا الشماتة في الثورة والإخوان والديمقراطية ، ولعبوا دورا كبيرا في التمكين لحُكم العسكر وتأليبه على غزة وحماس والقضية الفلسطينية ، وسبق هؤلاء جميعا حكّام الخليج المعروفون بنفاقهم وافتتانهم بالإسلام السعودي وهجرانهم للإسلام الرباني منذ زمن بعيد ، وقد عَناهُم الشيخ البشير الابراهيمي رحمه الله بقوله البليغ ’’ وضَع الأجداد العِقال للرِجْل فنقلَه الأحفاد إلى الرأس ، وعدلوا به من الأباعير إلى الناس ، وما بين النقل والنقل ضاع العقل ’’ .
أمام هذا الإعصار الكاسح الذي يستهدف الواقع والأحلام والإسلام والديمقراطية وأشواق الحرية لدى الشعوب العربية كان للنفوس أن تنكسر و للصدور ان تضيق وللهمم أن تخور ولليأس ان يتسلّل لقلوب أكثر الناس تفاؤلا ويحطمها تحطيما ، لكن التربية الإيمانية كانت حاضرة وأسفرت عن وجهها الجميل من أوّل أيام المحنة العصيّة فقام أصحاب الصفوف الخلفية يقودون الركب ليوم الحسم ، وبدأت تربية العزائم لترميم التخريب المعنوي وإصلاح المجتمع وإفشال الانقلاب الذي يدلف بالأمة حثيثا إلى الموت الحضاري لتنقرض وتهلك كما يحدث عندما بتغلّب الطغاة ويسوسون الدنيا بالإفساد المادي والمعنوي ، لكن كانت لهم بالمرصاد الطائفة المنصورة الصامدة الظاهرة على الحقّ ، لا تخشى المخالف مهما بالغ في العُتُوّ ، وهي الطائفة المعافاة من الوهن التي تشكّل خميرة النهوض بإذن الله ، أتباعُها يرون في الأحداث يدَ الله قبل يد الانقلابيين والمتآمرين من كلّ صوب فلا يزيدهم اضطراب ميزان الأشياء إلاّ رجوعا إلى النفس بالتزكية واستكمال النقص ، وإنابة إلى الله تعالى بالتضرّع و الارتماء على عتبة بابه والانكسار و التذلّل بين يديه لاستمطار المدد .
إنّ المؤمنين – في مثل ظروف مصر ونحوها - لا يشتغلون بأولئك الذين غاصت أقدامهم في مستنقع الباطل وتلوّثت وجوههم بطينه ودخانه وإنما يُقبلون على الصفّ المؤمن بالتوعية والتحفيز من أجل دفع حركة الحياة في الاتجاه المعاكس لمنطق الانقلاب والطغيان ونقل الجيل الصالح إلى ميدان الرجولة والعزة ، نراهم يوميّا يركبون متن الإبداع ويرسمون لوحات راقية رائعة تنضح بالحياة والبذل والثقة بالنفس رغم التضحيات الضخمة المستمرّة والتضييق الواسع على أيّ نشاط فيه خير وصلاح ، بهذا تتمايز كتلة الحق وتأخذ مكانتها المتفرّدة في تجميع الطاقات وإبداع وسائل إفشال خطط الردّة عن الحرية التي يتفنّن المشاغبون في توسيع نطاقها لتنسى الأمة آمالها وأحلامها ، وها هو الشيخ القرضاوي في مقدمة من يقودون ركب الثبات والتحدي ، يعلّم المظلومين الانتفاضة على الباطل المدجّج بأساليب الشيطنة جميعا ، ليتحرّر الناس من الأوهام ويستعدّوا لاستئناف مسيرة الحرية بموازين البذل و الاعتدال.
إنّ الانقلابيّين ومن شايعهم من غلاة العلمانيّين والدراويش المنتسبين لتيار إسلامي متجمد دعاةُ موت وفناء بينما يحمل الأحرار رسالة إيمانية تنبض بالحياة ، تمكّنهم من الانخراط الواعي القويّ في عملية التدافع المجتمعي والحضاري ، وهم يحسّنون أداءهم بالآلام والآمال ، مسلحين بالبصيرة والعزيمة رافضين للجبرية السياسية والدينية التي يروّج لها شيوخ العبودية لغير الله الذين انكشف زيفهم حين تنكّروا للولاء الإيماني وخذلوا الأمة يوم احتاجت إليهم ، وما أجمل نصرة الحق ورحمة الخلق في أزمنة الظلم والتكالب الجاهلي على الحرية والشريعة والأخلاق والقيم ، نصرة لوجه الله على يد الدعاة المخلصين والمصلحين الراسخين الذين يواجهون الباطل بالثبات ويربتون على أكتاف المظلومين وكلّهم طيبة قلب وعفّة لسان وتواضع جمّ وأيدٍ طاهرة قوّتها في نسبها الرباني تهزم به سلاح الانقلابيين ودجل غلاة العلمانيّين .
ليس على أصحاب المشروع الشعبي أن يواجهوا الانقلاب بانقلاب لكن عليهم أن يقضّوا مضاجع المعتدين الظلمة بتعليم الناس معاني التمرّد والتحدّي والمعاكسة واجتياز الموانع وتخطّي حواجز الدهشة والذهول ورفض سحر الانقلابيين رغم سطوته وبعث الجرأة في النفوس والتنادي بالنفير لإفشال مخطّطات الباطل ونكس رايته وإعادة الأمر إلى نصابه وأهله ، وقد أبلى الرجال والنساء بلاء رفيعا في تحريك قلوب المؤمنين والأحرار ونقلوها من الخوف إلى الشجاعة ومن الانسحاب إلى الإقدام لمكابدة الواقع السياسي والصبر على إكراهات المرحلة والصمود أمام فتنة التهوّر والاستعجال لأنّ المسيرة طويلة ممتدّة وليست موسمية مؤقتّة ، ولنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحبه الكرام أحسن أسوة في البدايات والنهايات ، وما تعانيه مصر تعيش شيئا منه وبأشكال وأقدار مختلفة كلّ من سورية وتونس وليبيا ، والباطل منكشف فيها جميعا والحقّ بارز صامد في أرجائها ، والعاقبة للمتقين ، وإذا كان أبناء الدنيا المنقطعين عن المعاني الإيمانية لا يفهمون شيئا من هذا الكلام بل يسخرون منه فإنه بالنسبة للمؤمنين بلسم شافٍ ومعالم هادية تعضد القلوب وتنير العقول حتى يحقّ الله الحق ويبطل الباطل.