مركز الوفـــاق الإنمائي للدراسات والبحوث والتدريب

2014/08/17 20:10
شبابنا : هيا إلى المعالي
محمد منصور
( لو أنك جمعت أئمة المكر والخبث والدهاء و خبراء البرجلة و التناقض والتعقيد و الإبهام و الغموض ( و حاوريني يا طيطا ) و طلبت منهم أن يدخنوا الجوزة حشيش كل صباح على الريق وأن يطلقوا لتفانينهم العنان و أن يعملوا بصبر وتأنٍ وأسكنتهم تكية تحتها ماخور؛ لما قدموا لك بعد عمر طويل إلا قوانين و أحكاما هيهات أن تفوق ما نطقت به حكومة الانقلاب المعتوهة وذراعها القضائي الفاسد ). [1]

وهذا ما أسفرت عنه المحاكمة الأخيرة لـ 14 فتاة في عمر الزهور و الحكم الصادر بـالسجن 11 سنة لكل زهرة منهن ، وهو حكم إجرامي ؛ لا يقره دين ولا تعترف به إنسانية وتتبرأ منه الكرامة والمروءة ويصير به أبو جهل أشرف خلقا و رجولة .

و إذا كان الانقلاب يهدف ـ من وراء ذلك ـ إرهاب الشباب و البيوت كي لا تطأ أقدامهم ساحة النضال ، فأُبشرهم بأن قد خاب سعيكم و خسر ؛ فما كانت الفكرة الحرة أن تُرْهَب لأن الأفكار لها أجنحة لا يقدر أحد على أن يمنع وصولها للناس الذين يهوون الحياة كريمة لا ذل فيها أو استخفاف بالإنسان.

و البرهان هؤلاء الزهرات حرائر الثورة ؛ قد أقبلن للمحاكمة فلم يخالط حركاتهن ارتباك أو يبدو على وجوههن بادرة من ذعر و ما كان قولهن إلا أن قلن : مكملين و يسقط يسقط حكم العسكر و كانت إشارتهن رابعة الصمود وانقلب السحر على الساحر ؛ فقوانين الانقلاب و أحكامه الرعناء الغبية و الساعية إلى خنق الثورة تنقلب إلى ماكينة توليد لدوافع أخرى جديدة للثورة.

ومَنْ ذا الذي يهزم الشباب أو لديه القدرة لمواجهة عماد الحق و وقوده و بهم تُنصر الدعوات و الذين يتمتعون بالنقاء و التوثب و معرفة الطريق ؟!

بل إن الثورة المصرية العظيمة 25 يناير كانت طليعتها وجسمها الصلب من شباب خرج بما أوتي من قوة جسدية وشدة إيمان بالمبدأ والفكرة وإصرار أسطوري ؛ لإسقاط الظلم وتحرير البلاد.

وصدق الأستاذ البنا ـ رحمه الله ـ حين قال :

( إنما تنجح الفكرة إذا قوي الإيمان بها، وتوفر الإخلاص في سبيلها، وازدادت الحماسة لها، ووجد الاستعداد الذي يحمل على التضحية والعمل لتحقيقها. وتكاد تكون هذه الأركان الأربعة: الايمان، والإخلاص، والحماسة، والعمل من خصائص الشباب ؛ لأن أساس الإيمان القلب الذكي، وأساس الاخلاص الفؤاد النقي، وأساس الحماسة الشعور القوي، وأساس العمل العزم الفتي، وهذه كلها لا تكون إلا للشباب، ومن هنا كان الشباب قديما و حديثا في كل أمة عماد نهضتها، وفي كل نهضة سر قوتها، وفي كل فكرة حامل رايتها ’’إنهم فتية آمنوا بربهم وزدناهم هدى ’’ ) .

فقد كانت هذه قراءة حسن البنا للمنهج القرآني الذي حدثنا عن فتية الكهف و عن الفتى إبراهيم ـ عليه السلام ـ حينما أشارت أصابع الاتهام إليه بتحطيم الأصنام ( قالوا سمعنا فتىً يذكرهم يقال له إبراهيم ) الأنبياء/60 ، و الفتية الذين آمنوا بموسى ـ عليه السلام ـ ( فما آمن لموسى إلا ذرية من قومه على خوف من فرعون و ملئهم أن يفتنهم ) يونس/83 ؛ فهم ليسوا صغارا عند الله الذي كلفهم عند سن البلوغ لعلمه سبحانه بقدرتهم على حمل المسؤولية و حاشا لله أن يكلف من لا يطيق هذا ( ألا يعلم من خلق و هو اللطيف الخبير ) الملك/14.

ولماذا الشباب ؟

1ـ لأنه يملك مرونة فكرية تمكنه من استقبال الأفكار الجديدة بسهولة، مع الإيمان بجدوى الحوار مع الآخرين.

2ـ لديه قدر كبير من الحرية و الاستقلالية والقدرة على اتخاذ القرار.

3ـ لديه طاقة حماس جبارة تمكنه من البذل و العطاء والتضحية، وهي عوامل مطلوبة لتحقيق الصعب وتجاوز المستحيل.

ولهذا كان من الطبيعي أن نرى ذلك جليا في سيرة رسول الله ـ صلى الله عليه و سلم ـ ؛ فقد كان الشباب هم صلب دعوة الرسول طيلة ثلاثة وعشرين عامًا، آمن فيها الرسول ـ صلى الله عليه و سلم ـ بقدرات الشباب، وأعطاهم الثقة، وحملهم مسئوليات كبرى وخطيرة ؛ فالأرقم بن أبي الأرقم تحدى الكفر باستضافة الدعوة في داره في المرحلة السرية من عمرها و على بن أبي طالب كان أول فدائي في الاسلام و أسامة بن زيد ابن السادسة عشر عاما يقود جيشا يضم كبار الصحابة.

و مصعب بن عمير سفير الاسلام مندوبًا عنه في المدينة بعد بيعة العقبة الأولى؛ كي ينشر تعاليم الإسلام ويعرف الناس بالدين الجديد بمفرده في بلد لا يعرف فيه أحدًا ولا يعرفه فيه أحد، وإذا بمصعب الشاب الصغير يحقق نجاحًا باهرًا في بلد غريب، يعاني من عدم استقرار، بعد حرب دامت طويلاً بين الأوس والخزرج.

وعندما أراد الرسول ـ صلى الله عليه و سلم ـ أن يعين أميرًا على وفد المسلمين المهاجر إلى الحبشة في الهجرة الأولى، فإذا به يختار الشاب ’’جعفر بن أبي طالب’’ ذا الخمسة والعشرين ربيعًا، ليقف أمام النجاشي رئيس الدولة، يقنعه بدعوة الإسلام أمام مؤامرات داهية العرب ’’عمرو بن العاص’’ ). [2]

وعندما أراد الرسول ـ صلى الله عليه و سلم ـ أن يختار من يكتب له الوحي، كان من بين من اختارهم الشاب ’’زيد بن ثابت’’ ابن ستة عشر عامًا.

و أسماء بنت أبي بكر ـ رضي الله عنهما ـ ذات النطاقين ، تتحدي رأس الكفر أبا جهل و تُصفع ويسقط قرطها من قوة الصفعة ؛ فما لانت قناتها و تقوم بتأمين الطعام و الشراب و تصعد به الجبل ـ وحدها ـ حيث غار ثور وهي في شهور حملها الأخيرة.

( وردَّ النبي ـ صلى الله عليه و سلم ـ جماعة من الفتيان لصغر أعمارهم إذ كانوا في سن الرابعة عشرة أو دون ذلك ، منهم عبد الله بن عمر و زيد بن ثابت و زيد بن ثابت و أسامة بن زيد و زيد بن أرقم و البراء بن عازب و أبوسعيد الخدري، بلغ عددهم أربعة عشر صبيا و قد ثبت أن ابن عمر كان منهم و أجاز رافع بن خديج لما قيل له : إنه رامٍ ؛ فبلغ ذلك سمرة بن جندب ؛ فذهب إلى زوج أمه مري بن سنان بن ثعلبة عم أبي سعيد الخدري و هو الذي ربي سمرة في حجره يبكي و قال له : يا أبت جاز رسول الله ـ صلى الله عليه و سلم ـ رافعا و ردَّني و أنا أصرع رافعا ؛ فرجع زوج أمه هذا إلى النبي الكريم فالتفت النبي إلى رافع و سمرة فقال لهما : تصارعا ، فصرع سمرة رافعا ؛ فأجازه كما أجاز رافعا و جعلهما من جنده و عسكر كتائبه و لكل منهما مجاله و اختصاصه.

فهم يقبلون على الموت بسالةً و رغبةً في الشهادة دون أن يجبرهم قانون التجنيد أو تدفع بهم قيادة إلى ميدان الجهاد.

و معاذ بن عفراء و معاذ بن عمرو بن الجموح قال عنهما ابن عوف : بينما أنا واقف في الصف يوم بدر فنظرت عن يميني و شمالي فإذا أنا بين غلامين من الأنصار حديثة أسنانهما ، فغمزني أحدهما فقال : يا عم ، هل تعرف أبا جهل؟ قال: قلت: نعم و ما حاجتك إليه يا ابن أخي ؟ ، قال أُخبرت أنه يسب رسول الله و الذي نفسي بيده ، لئن رأيته لا يفارق سوادي سواده حتى يموت الأعجل منا ، قال : فتعجبت لذلك ، فغمزني الآخر فقال لي مثلها ، و دلاهما على أبي جهل فابتدراه بسيفيهما ). [3]

ولا يسعني في الختام إلا أن أتقدم بتحية إجلال و تعظيم لأحرار مصر فتياتٍ و فتياناً و أن أوجه لشباب مصر أجمعين نصيحة الأستاذ البنا ـ رحمه الله ـ في رسالته إلى الشباب إذ قال :

( ومن هنا كثرت واجباتكم، ومن هنا عظمت تبعاتكم، ومن هنا تضاعفت حقوق أمتكم عليكم، ومن هنا ثقلت الأمانة في أعناقكم. ومن هنا وجب عليكم أن تفكروا طويلا، وأن تعملوا كثيرا، وأن تحددوا موقفكم، وأن تتقدموا للإنقاذ، وأن تعطوا الأمة حقها كاملا من هذا الشباب.

فقد ينشأ الشاب في أمة وادعة هادئة، قوي سلطانها واستبحر عمرانها، فينصرف إلى نفسه أكثر مما ينصرف إلى أمته، ويلهو ويعبث وهو هادئ النفس مرتاح الضمير. وقد ينشأ في أمة جاهدة عاملة قد استولى عليها غيرها، واستبد بشؤونها خصمها فهي تجاهد ما استطاعت في سبيل استرداد الحق المسلوب، والتراث المغصوب ، والحرية الضائعة والأمجاد الرفيعة، والمثل العالية. وحينئذ يكون من أوجب الواجبات على هذا الشباب إن ينصرف إلى أمته أكثر مما ينصرف إلى نفسه. وهو إذ يفعل ذلك يفوز بالخير العاجل في ميدان النصر، و الخير الآجل من مثوبة الله. ولعل من حسن حظنا أن كنت من الفريق الثاني فتفتحت أعيننا على أمة دائبة الجهاد مستمرة الكفاح في سبيل الحق والحرية. واستعدوا يا رجال فما أقرب النصر للمؤمنين وما أعظم النجاح للعاملين الدائبين ).

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

[1] يحيى حقي / بتصرف

[2] أ/ محمد صلاح/ بتصرف.

[3] السيرة النبوية للصلابي / بتصرف
*ينابيع
أضافة تعليق