محمد منصور :
يحكى أن رجلاً أراد شراء حمار ، فسأله تاجر الحمير: ما المواصفات المطلوبة فيه ؟ فقال الرجل : أريد حمارا ليس بالطويل المشتهر و لا بالقصير المحتقر ، إذا أعطيته شكر و إذا لم أعطه صبر ، و إن كان بالطريق سعة تدفق و إن كان به ضيق ترفق . فنظر إليه التاجر و قال : إذاً انتظر حتى يمسخ الله القاضي حماراً فتشتريه .
و إن تعجب فعجب حال كثير من المصريين الذين يبتغون العيش الكريم و تأمين لقمة العيش في ذات الوقت الذي يحجمون فيه عن المشاركة في مناهضة الانقلاب الذي خدعهم و سعى ليفسد في الوطن و يلوث مباهج الحياة و يجعل من روائع القيم ألعوبة يتلهى بها ؛ حتى أصبح الناس يعيشون عصر الانقسام و الاستقطاب الحاد و الكراهية المفرطة والحيرة الكبرى ، والأدهى أن معظمهم قد فوضوه ليسحق مَنْ قام بمهمة الكفاح الوطني من أجلهم ولتمكين قيم الحق و العدل و الحرية.
و في محاولة لفهم هذا التناقض لأجل بناء الوعي ، أجد أن الشعب لم ينل القسط الوافي من التربية التي تمكنه من معرفة مَنْ هو؟ و ماذا يريد ؟ و مَنْ أعداؤه الحقيقيون ؟ و ما طبيعة الطريق ومعالمه ؟ و ما أهدافه ؟ و ما خطته لتحقيقها ؟ و ما الرابطة التي تجمعه بأبناء وطنه ؟ و ذلك أن 18 يوم ـ عمر ثورة يناير ـ لم تكن كافية البته لتكتمل عناصر تربيته بعدما كان الخوف يعقد لسانه و يرسف في أغلال الفقر و اللهث وراء لقمة العيش 24 ساعة طيلة عدة عقود حتى كسرت إرادته.
فكان لا بد أن يُفطم كي لا تنحصر رغباته و طموحاته و آماله في لقمة عيش و مسكن و يتخطى الفردية الأنانية و يتجاوز مرحلة الشعب يريد إلى الشعب يشارك و كل ذلك ليتخطى عتبة النصر إلى ما بعدها مع الحفاظ على التيار الثوري الذي يدفع بعضه بعضا حتى تمام التطهير و التمكين و هذا ما لم يحدث ؛ فهو قد تجمع على هدف وحيد و هو الشعب يريد إسقاط النظام ، و بعدما سقط النظام لم يدر ماذا بعد ؟ و ما الأهداف و الخطة و من الرأس الرشيد للقيادة و ما دور الثوار بجانبها ؟ و من هنا بدأت عملية خداعه و الالتفاف عليه و تم إعادة إنتاج النظام بوجه أقبح و أشرس .
فكان لابد من إعادة تربيته بمعاركة أحداث ظاهرها المحنة و باطنها المنحة ليتربى ؛ لأن بعض الكربات قد تحمل في طياتها كرامات ؛ فيتعود الكفاح و الأمل و العمل و الصبر حتى و إن طال به البلاء ؛ فمريم ابنة عمران قالت ( يا ليتني مت قبل هذا و كنت نسيا منسيا ) و لم تعلم أن في بطنها نبي .
و حتى لا يغيب عنه أن الكفاح ليس نزهة بل هو وظيفة شاقة عنيفة ؛ إذ التحديات تتضافر من أجل فرض واقع أليم ذقنا مرارته سنين عجاف ، واقع يخطط له أن تختفي فيه الهوية الإسلامية من شخصيتنا و ليدرك أنه لن يتقدم إلا إذا ذهب إلى الله و إلا فما قيمة عبادة تجعل صاحبها محايدا ( إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم ) و أن النصر طريق نسلكه و ليس نهاية نبتغيها ( ألا إلى الله تصير الأمور ).
و بداية الطريق أن يحذو حذو ورقة بن نوفل حينما علم أن ما جاء به الرسول ـ صلى الله عليه و سلم ـ هو الحق من عند الله ، عرف العمل المطلوب منه و هو نصرة الحق بكل قوة ؛ لذا قال : ليتني فيها جذعا ؛ ليواجه التحديات ويشارك في التغيير و صنع مستقبل أفضل للحق الذي آمن به ؛ إذ لابد للحق من قوة تحميه .
وكذلك فعل ذو القرنين لما قال لمن سألوه النصرة ببناء سد منيع ؛ فقال : ( أعينوني بقوة ) ، أي لابد من أن تشاركوني العمل كي تنقذوا أنفسكم ، فأشعل الحماسة في قلوبهم و جمع صفوفهم و استنفر قوتهم ليعملوا لقضيتهم المصيرية ويتوحدوا عليها ؛ فهو ليس بديلا عنهم ، بل علم وجوب تعبئتهم لحل كل مشاكلهم بأنفسهم ؛ أي نقلهم من شعب يريد إلى شعب يشارك ( أعينوني بقوة ـ آتوني زبر الحديد ـ آتوني أفرغ ) نعم شاركوا معتمدين على ذواتهم ، نابذين الحلول المستوردة ، مستغلين الإمكانات المتاحة والمواد الأولية المتوفرة ؛ فكان النجاح حليفهم وكان سدا منيعا محصنا ضد أعدائهم ( فما اسطاعوا أن يظهروه و ما استطاعوا له نقبا ) ، كل هذا والقوم كانوا لا يكادون يفقهون قولا ، فما منعهم أن يفهمهم و يفهموه ؛ فالهدف وحدهم وكان اللغة التي جمعتهم .
تلكم طريق النصر و الفلاح و قد وجب الكفاح وأن تشيع ثقافة أداء الواجب قبل ثقافة تحصيل الحقوق و إن البطولة في الكفاح ليست في الاعتماد علي الرئيس أو الإخوان أو تحالف دعم الشرعية فقط ؛ بل البطولة كل البطولة أن نكون نحن الأبطال وصدق الشاعر:
إذا المرء لم يدفع يد الجور إن سطت *** عليه فلا يأسف إذا ضاع مجده
و إن تأخير هذا النموذج أمر يؤثر سلبا في نهضة الأمة و يعني في ذات الوقت أن الكثيرين سيتساقطون في أثناء الطريق .
*نوافذ
يحكى أن رجلاً أراد شراء حمار ، فسأله تاجر الحمير: ما المواصفات المطلوبة فيه ؟ فقال الرجل : أريد حمارا ليس بالطويل المشتهر و لا بالقصير المحتقر ، إذا أعطيته شكر و إذا لم أعطه صبر ، و إن كان بالطريق سعة تدفق و إن كان به ضيق ترفق . فنظر إليه التاجر و قال : إذاً انتظر حتى يمسخ الله القاضي حماراً فتشتريه .
و إن تعجب فعجب حال كثير من المصريين الذين يبتغون العيش الكريم و تأمين لقمة العيش في ذات الوقت الذي يحجمون فيه عن المشاركة في مناهضة الانقلاب الذي خدعهم و سعى ليفسد في الوطن و يلوث مباهج الحياة و يجعل من روائع القيم ألعوبة يتلهى بها ؛ حتى أصبح الناس يعيشون عصر الانقسام و الاستقطاب الحاد و الكراهية المفرطة والحيرة الكبرى ، والأدهى أن معظمهم قد فوضوه ليسحق مَنْ قام بمهمة الكفاح الوطني من أجلهم ولتمكين قيم الحق و العدل و الحرية.
و في محاولة لفهم هذا التناقض لأجل بناء الوعي ، أجد أن الشعب لم ينل القسط الوافي من التربية التي تمكنه من معرفة مَنْ هو؟ و ماذا يريد ؟ و مَنْ أعداؤه الحقيقيون ؟ و ما طبيعة الطريق ومعالمه ؟ و ما أهدافه ؟ و ما خطته لتحقيقها ؟ و ما الرابطة التي تجمعه بأبناء وطنه ؟ و ذلك أن 18 يوم ـ عمر ثورة يناير ـ لم تكن كافية البته لتكتمل عناصر تربيته بعدما كان الخوف يعقد لسانه و يرسف في أغلال الفقر و اللهث وراء لقمة العيش 24 ساعة طيلة عدة عقود حتى كسرت إرادته.
فكان لا بد أن يُفطم كي لا تنحصر رغباته و طموحاته و آماله في لقمة عيش و مسكن و يتخطى الفردية الأنانية و يتجاوز مرحلة الشعب يريد إلى الشعب يشارك و كل ذلك ليتخطى عتبة النصر إلى ما بعدها مع الحفاظ على التيار الثوري الذي يدفع بعضه بعضا حتى تمام التطهير و التمكين و هذا ما لم يحدث ؛ فهو قد تجمع على هدف وحيد و هو الشعب يريد إسقاط النظام ، و بعدما سقط النظام لم يدر ماذا بعد ؟ و ما الأهداف و الخطة و من الرأس الرشيد للقيادة و ما دور الثوار بجانبها ؟ و من هنا بدأت عملية خداعه و الالتفاف عليه و تم إعادة إنتاج النظام بوجه أقبح و أشرس .
فكان لابد من إعادة تربيته بمعاركة أحداث ظاهرها المحنة و باطنها المنحة ليتربى ؛ لأن بعض الكربات قد تحمل في طياتها كرامات ؛ فيتعود الكفاح و الأمل و العمل و الصبر حتى و إن طال به البلاء ؛ فمريم ابنة عمران قالت ( يا ليتني مت قبل هذا و كنت نسيا منسيا ) و لم تعلم أن في بطنها نبي .
و حتى لا يغيب عنه أن الكفاح ليس نزهة بل هو وظيفة شاقة عنيفة ؛ إذ التحديات تتضافر من أجل فرض واقع أليم ذقنا مرارته سنين عجاف ، واقع يخطط له أن تختفي فيه الهوية الإسلامية من شخصيتنا و ليدرك أنه لن يتقدم إلا إذا ذهب إلى الله و إلا فما قيمة عبادة تجعل صاحبها محايدا ( إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم ) و أن النصر طريق نسلكه و ليس نهاية نبتغيها ( ألا إلى الله تصير الأمور ).
و بداية الطريق أن يحذو حذو ورقة بن نوفل حينما علم أن ما جاء به الرسول ـ صلى الله عليه و سلم ـ هو الحق من عند الله ، عرف العمل المطلوب منه و هو نصرة الحق بكل قوة ؛ لذا قال : ليتني فيها جذعا ؛ ليواجه التحديات ويشارك في التغيير و صنع مستقبل أفضل للحق الذي آمن به ؛ إذ لابد للحق من قوة تحميه .
وكذلك فعل ذو القرنين لما قال لمن سألوه النصرة ببناء سد منيع ؛ فقال : ( أعينوني بقوة ) ، أي لابد من أن تشاركوني العمل كي تنقذوا أنفسكم ، فأشعل الحماسة في قلوبهم و جمع صفوفهم و استنفر قوتهم ليعملوا لقضيتهم المصيرية ويتوحدوا عليها ؛ فهو ليس بديلا عنهم ، بل علم وجوب تعبئتهم لحل كل مشاكلهم بأنفسهم ؛ أي نقلهم من شعب يريد إلى شعب يشارك ( أعينوني بقوة ـ آتوني زبر الحديد ـ آتوني أفرغ ) نعم شاركوا معتمدين على ذواتهم ، نابذين الحلول المستوردة ، مستغلين الإمكانات المتاحة والمواد الأولية المتوفرة ؛ فكان النجاح حليفهم وكان سدا منيعا محصنا ضد أعدائهم ( فما اسطاعوا أن يظهروه و ما استطاعوا له نقبا ) ، كل هذا والقوم كانوا لا يكادون يفقهون قولا ، فما منعهم أن يفهمهم و يفهموه ؛ فالهدف وحدهم وكان اللغة التي جمعتهم .
تلكم طريق النصر و الفلاح و قد وجب الكفاح وأن تشيع ثقافة أداء الواجب قبل ثقافة تحصيل الحقوق و إن البطولة في الكفاح ليست في الاعتماد علي الرئيس أو الإخوان أو تحالف دعم الشرعية فقط ؛ بل البطولة كل البطولة أن نكون نحن الأبطال وصدق الشاعر:
إذا المرء لم يدفع يد الجور إن سطت *** عليه فلا يأسف إذا ضاع مجده
و إن تأخير هذا النموذج أمر يؤثر سلبا في نهضة الأمة و يعني في ذات الوقت أن الكثيرين سيتساقطون في أثناء الطريق .
*نوافذ