مركز الوفـــاق الإنمائي للدراسات والبحوث والتدريب

2014/08/17 20:10
رسالة الصدمة والدهشة
فهمي هويدي
صورة تلميذات المدارس الثانوية اللاتي حكم على كل واحدة منهن بالسجن مدة 11 سنة لأنهن شاركن في إحدى المظاهرات الاحتجاجية، كانت أهم رسالة خرجت من مصر إلى عواصم العالم يوم الأربعاء (28/11). إذ نشرتها مختلف الصحف واحتل خبرها صدارة نشرات الأخبار، حيث لم يصدق أحد، ولم يتصور أن تقوم في مصر ثورة ضد استبداد مبارك ونظامه القمعي في عام 2011، ثم يعيد التاريخ نفسه مرة أخرى بحيث تصدر أمثال تلك الأحكام المفرطة في القسوة ضد 14 فتاة أعمارهن بين 15 و22 سنة، في حين يتم إيداع سبع من زملائهن إلى مركز رعاية الأحداث لمدة غير معلومة. كل ذلك لأنهن خرجن ذات صباح إلى شارع الكورنيش في الإسكندرية في مظاهرة ضد الحكومة.
لم تكن قسوة الحكم وحدها ما صدمنا وأثار دهشتنا، لأن الصدمة كانت مضاعفة لدى عدد من الأصدقاء العرب الذين سجلوا آراءهم وأعربوا عن دهشتهم إزاء حدوث ذلك في مصر الثورة من ناحية، ومن خلال قضائها «الشامخ» من ناحية ثانية. وهو ما يسوغ لي أن أقول إن الحكم بذلك الأداء أساء إلى سمعة مصر وإلى ثورتها، كما أنه شوه صورة القضاء المصري.
لا أقول ذلك من باب التخمين لأن أصداء الحكم التي تسارعت على شبكة التواصل الاجتماعى شهدت بذلك وبما هو أكثر منه. وحين قمت بتجميع تلك الشهادات في تجربة سريعة لتحليل الخطاب وجدت أن كلمتي «العار» و«الفضيحة» ترددتا في أكثرها، وأن غضب المستهجنين له انصب على الفريق السيسي والداخلية والقضاء الشامخ، ولاحظت أن المصطلح الأخير بات يتردد من قبيل الغمز والسخرية، كذلك ترددت وتواترت في الكثير من التعليقات المقارنة بين الحكم الذي يسجن طالبات الثانوي 11 عاما، وبين معاقبة قتلة خالد سعيد بالسجن سبع سنوات، أما الضابط قناص العيون فقد حكم عليه بالسجن ثلاث سنوات فقط. وأضاف أكثر من واحد أن الضابط الذي اتهم بقتل 37 شابا أخلي سبيله. وهي مقارنة فاضحة وفادحة. وهو ما دفع الأستاذ جمال عيد مدير الشبكة العربية لحقوق الإنسان إلى تذكيرنا أن الذين قتلوا خلال 18 يوما من الثورة كانوا 841 شخصا وأن 215 شهيدا قتلوا في فترة حكم المجلس العسكري وأن 154 شهيدا سقطوا أثناء حكم الدكتور مرسي، في حين أن 740 شخصا قتلوا في يوم واحد جراء فض اعتصام رابعة.
لقد شاءت المقادير أن يتزامن صدور الأحكام على فتيات الإسكندرية مع صدمة اعتقال نائب رئيس النقض السابق المستشار محمود الخضيري ومع التظاهرات التي خرجت في القاهرة ومدن أخرى رفضا لقانون التظاهر الجديد. وهي التي قمعتها قوات الشرطة التي اعتقلت بعضا من المشاركين فيها وعرضت المشاركات لصور مختلفة من الترويع والإهانة، الأمر الذي كان له صداه السريع على شبكة التواصل الاجتماعي التي نقلت أصوات الاحتجاج والنقمة وفتحت ملف المعتقلين وما يلقونه من عنت وفظاظة في أقسام الشرطة ومعسكرات الأمن المركزي. وزاد الطين بلة أن مقدمي البرامج التليفزيونية وضيوفهم من أركان النظام القائم ومؤيديه شنوا حملة تنديد موازية بالمتظاهرين. وقد رد أنصارهم ومؤيدوهم بسرعة على الحملة بما تستحقه وانهالوا بالسب والتجريح لمقدمي البرامج وضيوفهم.
الخلاصة أن ما جرى يستدعي مجموعة من الملاحظات هي:

• إن حكم القضاء وأسلوب تعامل الشرطة مع المتظاهرين أعاد إلى الأذهان سجل الممارسات المذلة والمهينة التي تمنى كثيرون تجاوزها وطي صفحتها بعد الثورة، بل إنها كانت أحد الأسباب التي دفعت المصريين إلى الثورة.
• إن صدمة الحكم على فتيات الإسكندرية والقمع الذي مورس ضد المتظاهرين والإهانات التي وجهت إلى المتظاهرات هزت من صورة النظام القائم على نحو كان له تأثيره على المزاج العام الذي ظهرت فيه بوادر النقمة على الشرطة وحكم العسكر. وقد عبرت عنه هتافات المتظاهرين وتغريدات المعلقين. ومن هؤلاء زميلنا الأستاذ أسامة غريب الذي عاتب في تغريدته من خرج في 26 يوليو قائلا: فوَضت يا فالح!
• إن النقمة لم توجه ضد الشرطة وحكم العسكر فحسب، ولكنها شملت أيضا المثقفين والإعلاميين الذين أيدوا سياسات السلطة وحاولوا الدفاع عنها وتبريرها.
• الملاحظة الأخيرة والأهم أن الصدمات التي تلقاها المجتمع خلال الأسبوع الأخير وسّعت من دائرة الاشتباك في الساحة المصرية. إذ إنه في حين ظل طرفا الاشتباك طوال الأشهر الأربعة الماضية هما السلطة والإخوان، فإن التصعيد الأخير أدخل أطرافا أخرى من خارج الإخوان في دائرة الاشتباك، وقد عبر عن ذلك أحد النشطاء عبر تويتر حين ذكر أن مصر قبل الحكم على فتيات الإسكندرية ستكون مختلفة عن مصر بعدها.
ما جرى ذكرنا بقصة الدبة التي أرادت أن تهش الذباب عن وجه صاحبها فألقت عليه حجرا قتل الرجل. فإذا كنت قد عرفت الدبة وخمنت من هم الذباب فلا تسألني عن الرجل!
أضافة تعليق