د.عبد العزيز المقالح
عنوان هذه الزاوية واحد من الأمثال الصنعانية القديمة و’’الديمة’’ اسم للمطبخ، والمعنى المباشر للمثل أن الذين اجتهدوا في تغيير ’’الديمة’’ أو المطبخ لم يعملوا شيئاً لإثبات معنى التغيير المطلوب سوى تغيير مكان الباب الأول في حين ظل
المطبخ على حاله من دون تغيير يستحق العناء، وهكذا تبدو وتائر التغيير التي بشر بها ’’الربيع العربي’’ على صلة وثيقة بما حدث للمطبخ الصنعاني الذي لم يتغير فيه سوى مكان الباب، أما الطباخون فهم نفسهم، والأدوات المستخدمة في الطبخ هي ذاتها، وكذلك الطعام الذي يخرج عن هذا المطبخ هو الطعام السابق نفسه، وبذات الرائحة الذي كان الآكلون قد عافوه وطالبوا بتغييره .
والسؤال الحائر والناتج عن هذه التجربة الفاشلة أو التي يراها كثير من الكتّاب والباحثين كذلك، هو: لماذا يظل العرب يدورون مع مشكلاتهم المزمنة في دائرة مفرغة؟ هل هو عجزهم الذاتي عن التجاوز؟ أو نجاح أعدائهم في أن يرسموا لهم معالم التغيير وخرائط الطريق التي لا تؤدي إلا إلى حيث لا يحلمون ولا يريدون، ولا يرغبون؟ لقد عمّ التفاؤل بالتغيير أرجاء الوطن العربي، وتوقّع كثيرون تحولاً نوعياً، يتناسب مع ذلك الاندفاع الشعبي والمطالبة بالقضاء على حالة الركود التي استولت على الواقع العربي وتضاعفت مع بداية الألفية الثالثة، وما كان على العرب جميعاً أن يقدموه على طريقها من استحقاقات تضع أقدامهم على الطريق الصحيح في مجالات كثيرة، منها السياسي والاقتصادي والاجتماعي، ومنها الثقافي والإبداعي .
وكان على القائمين بانتفاضات الربيع العربي والمؤيدين لها أن يتخلوا عن ذواتهم وما اختزنته صدورهم من خلافات وأحقاد، ويشعروا بأنهم يبدأون مع التغيير حياة جديدة تتطلب أساليب عمل تختلف عن تلك التي عرفها الشعب قبل صيحة التغيير، لكن المحزن والمؤلم في آن، أن الشباب الذين كانوا طليعة الربيع تخلوا، أو أرغموا على التخلي عن قيادة المسيرة الجديدة وتركوا الأمور بيد القيادات التقليدية التي لا تجيد شيئاً سوى المناورة والالتفاف على بعضها بعضاً، غير مدركة أن الظروف تغيرت مئة وثمانين درجة عما كانت عليه في عهودها . ومن هنا بدت الأوضاع في عدد من أقطار الربيع العربي-في نظر بعض أبنائها- أسوأ مما كان قائماً ليس في مجال الاقتصاد والنظام السياسي فحسب، وإنما في مجال الأمن، وهو الأكثر أهمية لدى المواطنين، ووجد أنصار الأمس ودعاة التراجع فرصتهم ليهاجموا كل محاولات التغيير والقدح في نوايا الشباب الذين حملوا راية الثورة والعصيان المدني إن الشعوب بحسها الثوري الوطني تنتظر وراء كل تغيير يحدث ثمرة عاجلة أو مؤجلة لوقت قصير، كما تنتظر البدء بالسير على الطريق الصحيح الذي يؤدي إلى التغيير المطلوب، فإذا مر الوقت ولم يتحقق شيء مما انتظرته الشعوب وتوقعته فإن أحلامها تتبدد وتبدأ الشكوى ثم الامتعاض، وهذا ما بدأ يحدث في الأقطار العربية التي شهدت إرهاصات الثورة وشاركت في صنعها بعد أن شدتها الأهداف والشعارات النبيلة التي لم يكن مبالغاً فيها، بل جاءت لتبشر بالحد الأدنى من الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية، ولم يعد على ألسنة الناس سوى الحديث عن المطبخ القديم الذي عاد بكل مواصفاته باستثناء تغيير لا أهمية له .*التجديد
عنوان هذه الزاوية واحد من الأمثال الصنعانية القديمة و’’الديمة’’ اسم للمطبخ، والمعنى المباشر للمثل أن الذين اجتهدوا في تغيير ’’الديمة’’ أو المطبخ لم يعملوا شيئاً لإثبات معنى التغيير المطلوب سوى تغيير مكان الباب الأول في حين ظل
المطبخ على حاله من دون تغيير يستحق العناء، وهكذا تبدو وتائر التغيير التي بشر بها ’’الربيع العربي’’ على صلة وثيقة بما حدث للمطبخ الصنعاني الذي لم يتغير فيه سوى مكان الباب، أما الطباخون فهم نفسهم، والأدوات المستخدمة في الطبخ هي ذاتها، وكذلك الطعام الذي يخرج عن هذا المطبخ هو الطعام السابق نفسه، وبذات الرائحة الذي كان الآكلون قد عافوه وطالبوا بتغييره .
والسؤال الحائر والناتج عن هذه التجربة الفاشلة أو التي يراها كثير من الكتّاب والباحثين كذلك، هو: لماذا يظل العرب يدورون مع مشكلاتهم المزمنة في دائرة مفرغة؟ هل هو عجزهم الذاتي عن التجاوز؟ أو نجاح أعدائهم في أن يرسموا لهم معالم التغيير وخرائط الطريق التي لا تؤدي إلا إلى حيث لا يحلمون ولا يريدون، ولا يرغبون؟ لقد عمّ التفاؤل بالتغيير أرجاء الوطن العربي، وتوقّع كثيرون تحولاً نوعياً، يتناسب مع ذلك الاندفاع الشعبي والمطالبة بالقضاء على حالة الركود التي استولت على الواقع العربي وتضاعفت مع بداية الألفية الثالثة، وما كان على العرب جميعاً أن يقدموه على طريقها من استحقاقات تضع أقدامهم على الطريق الصحيح في مجالات كثيرة، منها السياسي والاقتصادي والاجتماعي، ومنها الثقافي والإبداعي .
وكان على القائمين بانتفاضات الربيع العربي والمؤيدين لها أن يتخلوا عن ذواتهم وما اختزنته صدورهم من خلافات وأحقاد، ويشعروا بأنهم يبدأون مع التغيير حياة جديدة تتطلب أساليب عمل تختلف عن تلك التي عرفها الشعب قبل صيحة التغيير، لكن المحزن والمؤلم في آن، أن الشباب الذين كانوا طليعة الربيع تخلوا، أو أرغموا على التخلي عن قيادة المسيرة الجديدة وتركوا الأمور بيد القيادات التقليدية التي لا تجيد شيئاً سوى المناورة والالتفاف على بعضها بعضاً، غير مدركة أن الظروف تغيرت مئة وثمانين درجة عما كانت عليه في عهودها . ومن هنا بدت الأوضاع في عدد من أقطار الربيع العربي-في نظر بعض أبنائها- أسوأ مما كان قائماً ليس في مجال الاقتصاد والنظام السياسي فحسب، وإنما في مجال الأمن، وهو الأكثر أهمية لدى المواطنين، ووجد أنصار الأمس ودعاة التراجع فرصتهم ليهاجموا كل محاولات التغيير والقدح في نوايا الشباب الذين حملوا راية الثورة والعصيان المدني إن الشعوب بحسها الثوري الوطني تنتظر وراء كل تغيير يحدث ثمرة عاجلة أو مؤجلة لوقت قصير، كما تنتظر البدء بالسير على الطريق الصحيح الذي يؤدي إلى التغيير المطلوب، فإذا مر الوقت ولم يتحقق شيء مما انتظرته الشعوب وتوقعته فإن أحلامها تتبدد وتبدأ الشكوى ثم الامتعاض، وهذا ما بدأ يحدث في الأقطار العربية التي شهدت إرهاصات الثورة وشاركت في صنعها بعد أن شدتها الأهداف والشعارات النبيلة التي لم يكن مبالغاً فيها، بل جاءت لتبشر بالحد الأدنى من الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية، ولم يعد على ألسنة الناس سوى الحديث عن المطبخ القديم الذي عاد بكل مواصفاته باستثناء تغيير لا أهمية له .*التجديد