بسم الله الرحمن الرحيم
مفاهيم نفسية
مها المحمدي
بين النسيج الفكري والعقدي والقيمي للنفس الإنسانية اعتبارات تستطيل وتتعملق وتضرب جذوراً وتتعمق مما يجعل من هذه الذات مستقر طباع ومستودع قيم منها الجيد الإيجابي الذي يستمد بهاءه من نور العقيدة الصحيحة الموافقة لطبائع النفوس وما جُبلت عليه ومنها الردئ السلبي بعتماته والذي تلفظه العقيدة وتنكره الجبلة والمعايير الإنسانية السامية المنتجة
والمؤمن الذي يعيش في فسحة من دينه سواء كان فرداً أو أمة راصداً لذبذبات هذه النفس يختبر فجورها وتقواها شططها والتزامها الحدود في إطلالة بصيرة لكل ما تنضح به إعمالا لمنطق ’’وفي أنفسكم أفلا تبصرون ’’
وإذا كان لفظ النفس في اللغة العربية وفي كثير من اللغات الأخرى مشتق من التنفس أو من هبوب الريح وهو بهذا المعنى قريب من لفظ الروح الذي يشير أيضاً إلى الصلة بالريح ؟ ! فإن لهذه الذات الإنسانية المتفردة بين الخلق نفحات من الهبوب تقوى وتضعف فيعلوها غبار وصدأ وران أو هي المصقولة الصافية .
على خلفية ما سبق فإن مفاهيم ثلاثة تتولد من توهج الذات وانطفائها
جلد الذات ، ونقد الذات ، واعتبار الذات
أما المفهوم الأول ( جلد الذات ) ففيه تتجلى أعلى نسبة للسلبية المتنامية جراء الإحباطات الناتجة عن الهزائم النفسية والنجاح الضعيف الباهت حيث يتصدر الفشل الواجهة ويصبح الطريق الوحيد للهروب إلى الأمام وليس إلى الخلف كما يقال فما حدث يؤكد لمن يجلد ذاته بأن لا أمل في الخروج من الأزمة التي سدت بنظره طرق الحياة ودفعته إلى الانزواء والتقوقع واحتراف لغة الهزيمة بل والتلذذ باجترار الآلام في سجن يفرضه على نفسه واقع أليم يجعل منه سجانه وجلاده
ولا يكون هذا على مستوى الفرد فقط وإنما حتى على مستوى الأمم والطوائف وإلا ماذا يعني أن تقام مواسم النياحة والعزاء في فعاليات مساندة ومعبرة عن قمة التقوقع داخل حدث مرت عليه مئات السنين في مواكب بكّاءة نادبة ناعية تُجلدُ فيها الأجساد وتجري جداول الدماء والدموع في حين تعلو صراخات العويل والضرب على الصدور يشارك في ذلك الصغير المتوج ببهجة البداية المشرقة قبل الكبير !
وعلى الجهة الأخرى تنمو عاطفة غلابة مناقضة لتلك تأسر شطحاتها الذات الإنسانية تٌسمى ( اعتبار الذات ) هذه العاطفة كثيراً ما تطغى حتى يغدو المبتلى بها كلفاً بنفسه عاشقاً لذاته حد الإفراط ناسياً بل منكراً أنه من طبيعة الطين
نسي الطين مرة أنه طين .. حقير فصال تيهاً وعربد
وكسى الخز جسمه فتباهى .. وحوى المال كيسه فتمرد
نسي هذا المعتبر لذاته أنه أتى عليه حين من الدهر لم يكن شيئاً مذكورا ! وتذكر جملة واحدة ها أنا ذا !!
ينطوي في هذا الداء حتى الثمالة فيرفض كل نقد وتقف به الدنيا والأهواء بأن يُحمد بما لم يفعل فينتفخ ويورم حد الانفجار إن لم يجد من ينافقه ويتمسح عتبات ذاته التي زكاها حتى ادعى خلوصها من شوائب المعاصي والذنوب فلا يضعها تحت قاعدة كل ابن آدم خطاء ولا منطق ’’ إن تغفر اللهم تغفر جما ، وأي عبد لك ما ألما ’’
شعب بأكمله يعتقد بقوة أنهم مختارون بقرار إلهي ... أبناء الله وأحباؤه ليس عليهم في الأميين سبيل ! ’’ لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى ’’ ’’ لن تمسنا النار إلا أياماً معدودة ’’ ولا اعتبار أبداً لحوادث المسخ قردة وخنازير ؟
ربهم الذي حقق لهم الخيرية - تعالى جده وتقدست أسماؤه - فقير وهم الأغنياء ، يده مغلولة – نستغفر الله - مما يقولون
تطهير وتملص أعقب إحساس مريع بالضعة عميق بالنقص فأنتج ورم ونفخة.
وبين المفهومين السابقين يشع مفهوم ( نقد الذات ) نضج ووعي وتلمس لمواطن القوة والضعف بصدق وموضوعية بهدف التقييم إن هو إلا المُتبنى الإنساني للاستلهام والاسترشاد بل والتأسي لعقلية واعية تُجيد قراءة نفسها ومحيطها لتقف على أسباب النجاح فتصل في كل مرة للغاية والغاية بعمق ، وتتجاوز مراحل الفشل في مواجهة احتمالاته لا تطلب الصحة المطلقة في كل حين وهي تنشدها بقناعة في قفز رشيق وفّاز على الحواجز أولئك الأفراد وتلك الأمم هم أبطال وشعراء الملاحم لا شعراء الرثاء والممسوخين .
أمير المؤمنين عبد الملك بن مروان – رحمه الله - يطلب أحدهم أن ينفرد به وبعد أن يخلو المجلس بادر الرجل قبل أن يبدأ بالكلام فقال :
’’ لا تمدحني فأنا أعلم بنفسي منك ، ولا تكذبني فإنه لا رأي لمكذوب ، ولا تغتب عندي أحد ، فاستأذن الرجل دون أن يتكلم ! ’’
لا تمدحني فأنا أعلم بنفسي منك ! ؟ الأنوية الناقدة للذات جملة الصدارة في معنى هذه الجملة !!
وعلى مستوى التفات الأمة الإسلامية حالياً إلى ذاتها ماذا عن الهاربين إلى الخلف حيث يجترون أمجاد التاريخ ولا يستلهمون معالم طريقه ؟
والهاربين إلى الأمام يمجدون الآخر بخيره وشره يتكيفون معه منفصلين عن الأمة يعاقبون منهاج الدين ملقين عليه تبعات الفشل ! ولا يظل في قلوبهم منه أثر إلا الوكت ( الأثر اليسير كالنقطة ) .
إن الضمان لصحة نفسية للأمة فئة نقد الذات تُشخص أدواءها وتصف الأشفية فلا تستفحل ، تركز على نقاط قوتها فتستنبت منها مواقع القوة تلو المواقع فتكون الاستجابة الكاملة لإفراز كوامن التمكين .
مفاهيم نفسية
مها المحمدي
بين النسيج الفكري والعقدي والقيمي للنفس الإنسانية اعتبارات تستطيل وتتعملق وتضرب جذوراً وتتعمق مما يجعل من هذه الذات مستقر طباع ومستودع قيم منها الجيد الإيجابي الذي يستمد بهاءه من نور العقيدة الصحيحة الموافقة لطبائع النفوس وما جُبلت عليه ومنها الردئ السلبي بعتماته والذي تلفظه العقيدة وتنكره الجبلة والمعايير الإنسانية السامية المنتجة
والمؤمن الذي يعيش في فسحة من دينه سواء كان فرداً أو أمة راصداً لذبذبات هذه النفس يختبر فجورها وتقواها شططها والتزامها الحدود في إطلالة بصيرة لكل ما تنضح به إعمالا لمنطق ’’وفي أنفسكم أفلا تبصرون ’’
وإذا كان لفظ النفس في اللغة العربية وفي كثير من اللغات الأخرى مشتق من التنفس أو من هبوب الريح وهو بهذا المعنى قريب من لفظ الروح الذي يشير أيضاً إلى الصلة بالريح ؟ ! فإن لهذه الذات الإنسانية المتفردة بين الخلق نفحات من الهبوب تقوى وتضعف فيعلوها غبار وصدأ وران أو هي المصقولة الصافية .
على خلفية ما سبق فإن مفاهيم ثلاثة تتولد من توهج الذات وانطفائها
جلد الذات ، ونقد الذات ، واعتبار الذات
أما المفهوم الأول ( جلد الذات ) ففيه تتجلى أعلى نسبة للسلبية المتنامية جراء الإحباطات الناتجة عن الهزائم النفسية والنجاح الضعيف الباهت حيث يتصدر الفشل الواجهة ويصبح الطريق الوحيد للهروب إلى الأمام وليس إلى الخلف كما يقال فما حدث يؤكد لمن يجلد ذاته بأن لا أمل في الخروج من الأزمة التي سدت بنظره طرق الحياة ودفعته إلى الانزواء والتقوقع واحتراف لغة الهزيمة بل والتلذذ باجترار الآلام في سجن يفرضه على نفسه واقع أليم يجعل منه سجانه وجلاده
ولا يكون هذا على مستوى الفرد فقط وإنما حتى على مستوى الأمم والطوائف وإلا ماذا يعني أن تقام مواسم النياحة والعزاء في فعاليات مساندة ومعبرة عن قمة التقوقع داخل حدث مرت عليه مئات السنين في مواكب بكّاءة نادبة ناعية تُجلدُ فيها الأجساد وتجري جداول الدماء والدموع في حين تعلو صراخات العويل والضرب على الصدور يشارك في ذلك الصغير المتوج ببهجة البداية المشرقة قبل الكبير !
وعلى الجهة الأخرى تنمو عاطفة غلابة مناقضة لتلك تأسر شطحاتها الذات الإنسانية تٌسمى ( اعتبار الذات ) هذه العاطفة كثيراً ما تطغى حتى يغدو المبتلى بها كلفاً بنفسه عاشقاً لذاته حد الإفراط ناسياً بل منكراً أنه من طبيعة الطين
نسي الطين مرة أنه طين .. حقير فصال تيهاً وعربد
وكسى الخز جسمه فتباهى .. وحوى المال كيسه فتمرد
نسي هذا المعتبر لذاته أنه أتى عليه حين من الدهر لم يكن شيئاً مذكورا ! وتذكر جملة واحدة ها أنا ذا !!
ينطوي في هذا الداء حتى الثمالة فيرفض كل نقد وتقف به الدنيا والأهواء بأن يُحمد بما لم يفعل فينتفخ ويورم حد الانفجار إن لم يجد من ينافقه ويتمسح عتبات ذاته التي زكاها حتى ادعى خلوصها من شوائب المعاصي والذنوب فلا يضعها تحت قاعدة كل ابن آدم خطاء ولا منطق ’’ إن تغفر اللهم تغفر جما ، وأي عبد لك ما ألما ’’
شعب بأكمله يعتقد بقوة أنهم مختارون بقرار إلهي ... أبناء الله وأحباؤه ليس عليهم في الأميين سبيل ! ’’ لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى ’’ ’’ لن تمسنا النار إلا أياماً معدودة ’’ ولا اعتبار أبداً لحوادث المسخ قردة وخنازير ؟
ربهم الذي حقق لهم الخيرية - تعالى جده وتقدست أسماؤه - فقير وهم الأغنياء ، يده مغلولة – نستغفر الله - مما يقولون
تطهير وتملص أعقب إحساس مريع بالضعة عميق بالنقص فأنتج ورم ونفخة.
وبين المفهومين السابقين يشع مفهوم ( نقد الذات ) نضج ووعي وتلمس لمواطن القوة والضعف بصدق وموضوعية بهدف التقييم إن هو إلا المُتبنى الإنساني للاستلهام والاسترشاد بل والتأسي لعقلية واعية تُجيد قراءة نفسها ومحيطها لتقف على أسباب النجاح فتصل في كل مرة للغاية والغاية بعمق ، وتتجاوز مراحل الفشل في مواجهة احتمالاته لا تطلب الصحة المطلقة في كل حين وهي تنشدها بقناعة في قفز رشيق وفّاز على الحواجز أولئك الأفراد وتلك الأمم هم أبطال وشعراء الملاحم لا شعراء الرثاء والممسوخين .
أمير المؤمنين عبد الملك بن مروان – رحمه الله - يطلب أحدهم أن ينفرد به وبعد أن يخلو المجلس بادر الرجل قبل أن يبدأ بالكلام فقال :
’’ لا تمدحني فأنا أعلم بنفسي منك ، ولا تكذبني فإنه لا رأي لمكذوب ، ولا تغتب عندي أحد ، فاستأذن الرجل دون أن يتكلم ! ’’
لا تمدحني فأنا أعلم بنفسي منك ! ؟ الأنوية الناقدة للذات جملة الصدارة في معنى هذه الجملة !!
وعلى مستوى التفات الأمة الإسلامية حالياً إلى ذاتها ماذا عن الهاربين إلى الخلف حيث يجترون أمجاد التاريخ ولا يستلهمون معالم طريقه ؟
والهاربين إلى الأمام يمجدون الآخر بخيره وشره يتكيفون معه منفصلين عن الأمة يعاقبون منهاج الدين ملقين عليه تبعات الفشل ! ولا يظل في قلوبهم منه أثر إلا الوكت ( الأثر اليسير كالنقطة ) .
إن الضمان لصحة نفسية للأمة فئة نقد الذات تُشخص أدواءها وتصف الأشفية فلا تستفحل ، تركز على نقاط قوتها فتستنبت منها مواقع القوة تلو المواقع فتكون الاستجابة الكاملة لإفراز كوامن التمكين .