مركز الوفـــاق الإنمائي للدراسات والبحوث والتدريب

2014/08/17 20:10
ماذا يفعلون في الجمعية العامة؟
د. عبدالعزيز المقالح
تبدأ في نيويورك بعد أيام اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، وهي اجتماعات روتينية ثقيلة ومملة، ولا جدوى منها، بعد أن افتقدت هذه المنظمة الدولية أهميتها وتأثيرها، وصارت في أحسن الأحوال “مُضَافة” كلامية تستقبل رؤساء الدول أو من ينوب عنهم

ليلقوا على منبرها خطاباتهم التقليدية المكررة التي يتخللها تثاؤب الحضور ونعاسهم، كما أن ما تقوله تلك الخطابات الإنشائية سبق أن قيل منذ أعوام، وأغرب ما فيها إصرار أصحابها على أن يخادعوا بمحتوياتها المكرورة أنفسهم ويوهموها بأنهم قادرون على تضليل شعوبهم التي أدركت - ولو بعد حين- أن هذه المنظمة الدولية قد افتقدت مبرر وجودها، وصارت الشعوب تنظر إليها كإدارة تابعة لوزارة الخارجية الأمريكية تأتمر بأمرها وتلتزم توجيهاتها .

ولعل أقسى ما قيل عن هذه المنظمة أنها بالوعة لدفن القرارات الأممية التي تصدر عن أعضائها بالإجماع، ومنها تلك القرارات التي صدرت عن القضية الفلسطينية، وهي قرارات تلاحقت وتراكمت ثم طواها النسيان، وفي هذا ما يثبت أن هذه المنظمة الشكلية أو الديكورية لا تقدم ولا تؤخر، وليس لها من مهمة سوى فتح أبواب قاعتها للدول التي مازالت تخدع نفسها بما فيها الدول العربية هذه التي لم يسأل ممثلوها الأماجد عن مصير قرار واحد من تلك القرارات المهمة التي أصدرتها المنظمة، ولم تخضع للتنفيذ بسبب تمنع الكيان الصهيوني وغطرسته وتحديه الدائم للعالم وللمنظمة الدولية، ولكل القرارات التي تم اتخاذها بالإجماع . وكانت موضع احترام وتقدير من جميع الشعوب التي أسهمت في التصويت عليها وأكدت عليها وأكدت ضرورة الالتزام بتنفيذها لصالح الأمن الدولي ورفع الظلم الفادح عن الشعب العربي الفلسطيني .

وفي يقيني، بل في يقين جميع المتابعين أن هذه الاجتماعات الروتينية ينبغي أن تتوقف وأن يحترم القادة المشاركون في هذه المهزلة إرادة شعوبهم التي فقدت ثقتها نهائياً بكل ما يتعلق بهذه المنظمة من قريب أو بعيد لاسيما بعد أن أثبت الزمن عدم جدواها . وما أوسع الفارق بين أمس هذه المنظمة ويومها بين جمعية أممية كان يحضرها خروتشوف، وكيندي، وعبد الناصر، ونهرو، وتيتو، وكاسترو، زمن القرار الفذ الذي يؤكد التماهي الكامل بين العنصرية والصهيونية، زمن الخلافات الخلاّقة بين الكبار وما كانت تحققه من انتصارات حقيقية للدول الصغيرة المهمشة والرازحة تحت الاحتلال والفقر والتخلف، زمن التوهج السياسي والانتصار لحقوق الإنسان، مقارنة بهذا الزمن الباهت الذي يهرع فيه الساسة لإلقاء خطاباتهم المكررة الخالية من الأهداف الواضحة والمشتركة وما ينبغي أن تحرص عليه من تقديم الصورة الواقعية لشعوب تعيش في القاع وأخرى تعيش في الفضاء .

لقد تجاوز الزمن هذه المنظمة الدولية المهترئة وانتهى عمرها الافتراضي منذ عقود . وكان على المجتمع الدولي أن يتنبه لهذه الحقيقة منذ وقت مبكر، وأن يبدأ الاستعداد لاستقبال منظمة أخرى لا تكون خاضعة لقوة من القوى المسيطرة، ولا تكون أسيرة الروتين التقليدي، وأن يبدأ التفكير الجاد في تغيير مكان المنظمة إلى بلد يتمتع بالحيادية والمصداقية . وعدم تجاهل الصرخات التي ما انفكت تطالب بنقل المنظمة الحالية إلى سويسرا أو أي مكان آخر تتوافر فيه الشروط التي من شأنها أن تمكن أية منظمة جديدة من الإفلات والتحرر من قبضة القوى التي أفشلت هذه المنظمة وانحرفت بها عن رسالتها الأممية . ولم يعد هناك أدنى شك في أن حالة من التواطؤ تتم بين الكبار على إبقاء هذه المنظمة في وضعها الراهن بعد أن تم إفراغها من كل المعاني والأسس التي أنشئت من أجلها .
*النجديد
أضافة تعليق