راشد الغنوشي
أريد ان أتحدث عن اشكالية الانتقال الديمقراطي والتحديات التي تواجهه. وأؤكد ان نجاح الانتقال الديمقراطي في تونس مهم لعموم المنطقة لان هذا الانتقال سيؤسس لأول دولة في المنطقة ديمقراطية ومسلمة في ذات الوقت ونحن نشعر بثقل هذه المسؤولية، ونبذل جهودنا لنجاح التجربة. وبالتأكيد ثورتنا ليست للتصدير ولكننا نأمل في تأسيس نموذج، ناجح يمكن ان يؤثر إيجابيا في بقية دول المنطقة.
لقد أعلنا وقبل الانتخابات أننا ستختار الحكم عبر ائتلاف ديمقراطي مع أحزاب علمانية. وكان بمقدورنا ان نكون حكومتنا بالحصول على دعم المستقلين، ولكننا اخترنا تكوين ائتلاف يتوفر على أوسع نطاق ممكن من الدعم من القوى السياسية.
وقناعتنا أن الأغلبية البسيطة لا تكفي في مراحل الانتقال، وأننا نحتاج ائتلافا واسعا لنوجه رسالة مفادها ان البلد للجميع.
نحن نعتقد أن الإسلاميين والعلمانيين المعتدلين بمقدورهم بل عليهم أن يعملوا مع بعضهم وعليهم ان يجدوا توافقا لبناء وفاق واسع.
لقد حاولنا كل ما في وسعنا لتجنب الاستقطاب الايديولوجي، لانه وصفة للفوضى والفشل. ولهذا السبب قدمنا عديد التنازلات سواء في ادارة شؤون الحكومة او صياغة الدستور، لتجنب هذا الخطر. ونحن نعتقد اننا في حاجة الى التعايش بين العلمانيين والاسلاميين في دائرة الترويكا على قاعدة مجموعة من القناعات منها:
- لا يوجد تناقض بين الاسلام والديمقراطية. والديمقراطية لا تعني ان الحكم يجب ان يكون فقط للعلمانيين، فحسب واعتبار الاسلام عدوا للدولة التي عليها ان تسجنهم او ترسلهم الى المنافي. ولا يعني ايضا استبعاد العلمانيين من السلطة وتهميش دورهم في السلطة او في صياغة الدستور لانهم لم يحصلوا على الاغلبية في الانتخابات.
ان صعود الاسلاميين للحكم لا يعني انهم سيستحوذون على الدولة والمجتمع لمجرد كونهم الحزب الاغلبي على النحو الذي كان يمارس في المنظومة السلطوية. ليس من دور الدولة ان تفرض نمطا معينا للحياة، بل دورها توفير الامن والخدمات لمواطنيها وان تتيح لهم حرية اختيار نمط حياتهم.
- ان الصراع بين العلمانيين والاسلاميبن والذي استمر لعقود من الزمن هدر طاقات كثيرة وساعد الدكتاتوريات على التحكم في مصير بلداننا. وعلى هذا الاساس فان التحالف بين العلمانيين والاسلاميين امر حيوي لمجتمع حر قادر على ادارة اختلافاته على اساس الحوار.
السيدات و السادة الكرام
الدستور هو وثيقة هامة لأنه يحد من سلطات الحكّام والحكومة ويرغمها على التقيد بالقانون ونحن لدينا سابقة في تاريخنا الإسلامي بما يعرف بصحيفة المدينة التي كانت اول دستور جاءت به أول دولة إسلامية اسّسها النبي محمد صلى الله عليه وسلم. هذا الدستور اسّس دولة تعددية جمعت أعراق وأديان مختلفة و وضع مبدأ المواطنة كأساس لتحديد الحقوق والمسؤوليات.
نحن الآن في تونس سعداء لأنه في الأيام القليلة الماضية ، تمكنت لجان المجلس التأسيسي أخيرا من إنهاء العمل على آخر مسودّة لمشروع الدستور.و من المؤمل أن يتم عرض ذلك على المجلس التأسيسي بكامل هيئاته خلال الأسابيع القليلة المقبلة.
المبدأ الأساسي الذي نتبنّاه في صياغة دستورنا هو ان لا يكون هذا الدّستور فقط دستور الاغلبية بل يجب ان يكون دستور كلّ التونسيين دون استثناء وأن يتسنّى لجميع التونسيون ان يروا انفسهم في هذا الدّستور و ان يشعروا بانّه يمثّلهم سواء ان كانوا اغلبية أو اقلّية.
من أجل تحقيق هذا قمنا بتنظيم مشاورات واسعة مع مختلف الأطراف السياسية ومع منظمات المجتمع المدني و من خلال هذه العملية حاولنا بلوغ اكبر قدر من التوافق حول الدستور. ولكن عندما واجهنا خلافات جدّية حول قضايا حسّاسة مثل الشريعة، نظام الحكم رئاسي أم برلماني، وحول حرية الضمير، وكونية حقوق الإنسان، قمنا بتنظيم حوار وطني بين الأحزاب الرئيسية للوصول إلى التّوافق ، وقد استمرّ لمدة تقارب الخمس أسابيع، وانتهى بنا المطاف الى التوصل إلى حلول توافقية حول هذه القضايا الشّائكة وبالتالي قبل حزب حركة النهضة على التّخلّي أعن مسألة اقحام أحكام الشريعة الإسلامية في الدستور لأن هذه الفكرة لم تكن واضحة للشعب التونسي. فيما يتعلق بالنظام السياسي، على الرغم من أننا اخترنا النظام البرلماني في البداية، الاّ انّنا انتهينا الى حلّ وسط وهو انشاء نظام مختلط يتم فيه تقسيم السلطة التنفيذية بين الرئيس ورئيس الوزراء. و قمنا أيضا بتقديم تنازلات اخرى كالقبول بكونية حقوق الإنسان وحرية الضمير. بعض الناس ضمن حزبنا يتهموننا في القيادة التي أصبح لدينا حزب وسط، لكننا نقول أن كأكبر حزب علينا مسؤولية أكبر لتقديم التنازلات اللازمة لمساعدة بلدنا المضي قدما.
بعض الاطراف في حزب حركة النهضة اصبحوا ينعتوننا بانّنا تحولنا من حزب القيادة الى حزب التنازلات، لكننا نقول لهم بما الحزب الاكبر في البلاد فانه لدينا مسؤوليات اكبرتحتّم علينا تقديم التّنازلات الضّرورية لمساعدة البلاد على المضي قدما.
نحن نأمل أنّه اصبح لدينا الآن مشروع دستور يجمع بين قيم الإسلام و الحداثة والديمقراطية. كان هذا حلم اعظم المصلحين منذ القرن 19، ونحن نأمل أنه من خلال المصادقة على الدستور نكون قد أدركنا هذا الحلم. يتضمن الدستور الجديد كل قيم المساواة و مختلف الحريات والحقوق ، والفصل بين السلطات.
نحن نأمل انّه حالما تتم الموافقة على الدستور ستبدأ البلاد كلّها في التحضير للانتخابات الثانية التي نأمل أن تكون حرّة، ونزيهة، ونأمل أن العديد من أصدقائنا في جميع أنحاء العالم سوف يأتون لمراقبة ورصد الانتخابات وليشهدوا صحتها و نزاهتها. ونأمل أن جميع الأحزاب بمختلف حساسياتها ستشارك في الانتخابات. زهرة واحدة لا تصنع ربيعا، لهذا فانّ هذه الانتخابات مهمة جدا لإثبات أن عملية الديمقراطية لا يمكن عكسها.
الآن اريد ان اتحدّث باختصار عن التحدّيات التي تواجهنا.
التحدي الأول هو الجانب الاقتصادي و الاجتماعي ونحن نعلم جميعا أن هذا العامل كان واحدا من العناصر الرئيسية الذّي قامت من اجله الثورة. إننا نواجه العديد من المشاكل، فـــتطلّعات الشّعب عالية جدا وصبرهم قليل جدا. كما انّ الوضع الاقتصادي لشركائنا التجاريين الرئيسيين في أوروبا يؤثّرسلبا على صادراتنا ويؤثر ايضا على المجال السياحي. وعلى الرغم من هذه المشاكل فقد تمكنت الحكومة من تخفيض نسبة البطالة الى 2٪ ، نسبة النّماء ايضا تجاوزت -2٪ لتبلغ أكثر من 3.5٪ لعام 2012 كما ان عدد السياح أيضا ارتفع حيث استقبلنا 6 ملايين سائح العام الماضي. لكن الشباب الذين صنعوا الثورة في سيدي بوزيد والقصرين لم أرى أي تحسن في حياتهم وهذا هو التحدي الذي سوف نحتاج سنوات عديدة لمعالجة.
والتحدي الثاني هو التحدي الأمني. الثورة قد انهكت الدولة و اضعفت سلطتها و هذا أعطى الفرصة لاطراف و مجموعات مختلفة لمحاولة تجاوز كلّ الضّوابط و القوانين. المتطرفين من كلا الجانبين، سواء اليمين الديني أو اليسار المتطرف حاولوا فرض وجهات نظرهم دون أي احترام للقانون. ونحن نقول لهؤلاء الجماعات ان لا يذهب في اعتقادهم للحظة واحدة أنّهم سيتمكّنون من اضعاف المسار الديمقراطي و أضعافه.
نحن نعيد بناء سلطة الدولة ببطيء ولكن ليس على الخوف كما هو مألوف في ظل الدكتاتورية، بل سيكون طبعا قائما على سيادة القانون.
فيما يخصّ مسألة السلفية، أود أن أشدد أولا على أن هذه الظاهرة هي من ثمار نظام بن علي وليست من ثمار الديمقراطية.
ثانيا، إن هذه الظاهرة معقدة جدّا وبالتالي فإنها تحتاج إلى حل دقيق و معقّد اضا. ونحن نرى على سبيل المثال أن هذه الظاهرة متواجدة بصفة اكبر في الاوساط الفقيرة، وبالتالي فانّ التنمية ستكون جزء من الحلّ.
يجب أيضا معرفة أن السلفية تضمّ فرق متنوعة ، وأنه ليس كل السلفيين عنيفين لذلك نحن بحاجة لدفع أكبر عدد ممكن من السلفيين بعيدا عن العنف من أجل عزل الجماعات العنيفة وجعلها أقلية. ويمكن تحقيق ذلك من خلال الحوار ومن خلال إقناعهم بأن فهمهم للإسلام خاطىء، وأنهم بحاجة إلى العمل في إطار القانون إذا كانوا يريدون حقوقهم الكاملة كمواطنين.
الجزء الثالث من الحل هو الأمن: أولئك الذين يريدون أو يحاولون خرق القانون أو فرض وجهات نظرهم على الآخرين بالعنف يجب أن يتم التعامل معهم بصرامة وهذا هو ما فعلته الحكومة خلال العام الماضي عن طريق سجن المئات من هؤلاء الذين حاولوا خرق القانون وللأسف انّه تمّ ايضا في بعض الحالات قتل البعض منهم في مواجهات عنيفة. ومع ذلك، فانّ الحل الأمني يجب تحكمه ظوابط احترام حقوق الإنسان والقانون ولا يجب ان يكون كما كان في زمن الدكتاتورية عندما تم تجاهل كل الحقوق.
كان سقوط النظام الدكتاتوري في تونس الشرارة التي أطلقت الربيع العربي. ليس هناك شك في أن نجاح التجربة التونسية سيؤدي إلى تعزيز هذا المسار السلمي والديمقراطي. وقد أظهرت التجربة التونسية أن الربيع العربي لن يتحول إلى شتاء الأصولية.
اليوم، يمكننا ان نؤكد لكم أن الربيع العربي لن يتحول إلى شتاء الأصولية ’’الدينية’’ أو ’’العلمانية’’ ولكنه حتما سيتحوّل الى الربيع الديمقراطي حيث يكون فيه مكان للجميع.
_
نص المحاضرة التي ألقاها الأستاذ راشد الغنوشي أثناء المؤتمر السنوي الرابع عشر لمركز دراسة الإسلام و الديمقراطيّة، في العاصمة الأمريكيّة واشنطن، بتاريخ ٢٩ مايو 2013.
http://www.arabsfordemocracy.org/democracy/pages/view/pageId/2967
أريد ان أتحدث عن اشكالية الانتقال الديمقراطي والتحديات التي تواجهه. وأؤكد ان نجاح الانتقال الديمقراطي في تونس مهم لعموم المنطقة لان هذا الانتقال سيؤسس لأول دولة في المنطقة ديمقراطية ومسلمة في ذات الوقت ونحن نشعر بثقل هذه المسؤولية، ونبذل جهودنا لنجاح التجربة. وبالتأكيد ثورتنا ليست للتصدير ولكننا نأمل في تأسيس نموذج، ناجح يمكن ان يؤثر إيجابيا في بقية دول المنطقة.
لقد أعلنا وقبل الانتخابات أننا ستختار الحكم عبر ائتلاف ديمقراطي مع أحزاب علمانية. وكان بمقدورنا ان نكون حكومتنا بالحصول على دعم المستقلين، ولكننا اخترنا تكوين ائتلاف يتوفر على أوسع نطاق ممكن من الدعم من القوى السياسية.
وقناعتنا أن الأغلبية البسيطة لا تكفي في مراحل الانتقال، وأننا نحتاج ائتلافا واسعا لنوجه رسالة مفادها ان البلد للجميع.
نحن نعتقد أن الإسلاميين والعلمانيين المعتدلين بمقدورهم بل عليهم أن يعملوا مع بعضهم وعليهم ان يجدوا توافقا لبناء وفاق واسع.
لقد حاولنا كل ما في وسعنا لتجنب الاستقطاب الايديولوجي، لانه وصفة للفوضى والفشل. ولهذا السبب قدمنا عديد التنازلات سواء في ادارة شؤون الحكومة او صياغة الدستور، لتجنب هذا الخطر. ونحن نعتقد اننا في حاجة الى التعايش بين العلمانيين والاسلاميين في دائرة الترويكا على قاعدة مجموعة من القناعات منها:
- لا يوجد تناقض بين الاسلام والديمقراطية. والديمقراطية لا تعني ان الحكم يجب ان يكون فقط للعلمانيين، فحسب واعتبار الاسلام عدوا للدولة التي عليها ان تسجنهم او ترسلهم الى المنافي. ولا يعني ايضا استبعاد العلمانيين من السلطة وتهميش دورهم في السلطة او في صياغة الدستور لانهم لم يحصلوا على الاغلبية في الانتخابات.
ان صعود الاسلاميين للحكم لا يعني انهم سيستحوذون على الدولة والمجتمع لمجرد كونهم الحزب الاغلبي على النحو الذي كان يمارس في المنظومة السلطوية. ليس من دور الدولة ان تفرض نمطا معينا للحياة، بل دورها توفير الامن والخدمات لمواطنيها وان تتيح لهم حرية اختيار نمط حياتهم.
- ان الصراع بين العلمانيين والاسلاميبن والذي استمر لعقود من الزمن هدر طاقات كثيرة وساعد الدكتاتوريات على التحكم في مصير بلداننا. وعلى هذا الاساس فان التحالف بين العلمانيين والاسلاميين امر حيوي لمجتمع حر قادر على ادارة اختلافاته على اساس الحوار.
السيدات و السادة الكرام
الدستور هو وثيقة هامة لأنه يحد من سلطات الحكّام والحكومة ويرغمها على التقيد بالقانون ونحن لدينا سابقة في تاريخنا الإسلامي بما يعرف بصحيفة المدينة التي كانت اول دستور جاءت به أول دولة إسلامية اسّسها النبي محمد صلى الله عليه وسلم. هذا الدستور اسّس دولة تعددية جمعت أعراق وأديان مختلفة و وضع مبدأ المواطنة كأساس لتحديد الحقوق والمسؤوليات.
نحن الآن في تونس سعداء لأنه في الأيام القليلة الماضية ، تمكنت لجان المجلس التأسيسي أخيرا من إنهاء العمل على آخر مسودّة لمشروع الدستور.و من المؤمل أن يتم عرض ذلك على المجلس التأسيسي بكامل هيئاته خلال الأسابيع القليلة المقبلة.
المبدأ الأساسي الذي نتبنّاه في صياغة دستورنا هو ان لا يكون هذا الدّستور فقط دستور الاغلبية بل يجب ان يكون دستور كلّ التونسيين دون استثناء وأن يتسنّى لجميع التونسيون ان يروا انفسهم في هذا الدّستور و ان يشعروا بانّه يمثّلهم سواء ان كانوا اغلبية أو اقلّية.
من أجل تحقيق هذا قمنا بتنظيم مشاورات واسعة مع مختلف الأطراف السياسية ومع منظمات المجتمع المدني و من خلال هذه العملية حاولنا بلوغ اكبر قدر من التوافق حول الدستور. ولكن عندما واجهنا خلافات جدّية حول قضايا حسّاسة مثل الشريعة، نظام الحكم رئاسي أم برلماني، وحول حرية الضمير، وكونية حقوق الإنسان، قمنا بتنظيم حوار وطني بين الأحزاب الرئيسية للوصول إلى التّوافق ، وقد استمرّ لمدة تقارب الخمس أسابيع، وانتهى بنا المطاف الى التوصل إلى حلول توافقية حول هذه القضايا الشّائكة وبالتالي قبل حزب حركة النهضة على التّخلّي أعن مسألة اقحام أحكام الشريعة الإسلامية في الدستور لأن هذه الفكرة لم تكن واضحة للشعب التونسي. فيما يتعلق بالنظام السياسي، على الرغم من أننا اخترنا النظام البرلماني في البداية، الاّ انّنا انتهينا الى حلّ وسط وهو انشاء نظام مختلط يتم فيه تقسيم السلطة التنفيذية بين الرئيس ورئيس الوزراء. و قمنا أيضا بتقديم تنازلات اخرى كالقبول بكونية حقوق الإنسان وحرية الضمير. بعض الناس ضمن حزبنا يتهموننا في القيادة التي أصبح لدينا حزب وسط، لكننا نقول أن كأكبر حزب علينا مسؤولية أكبر لتقديم التنازلات اللازمة لمساعدة بلدنا المضي قدما.
بعض الاطراف في حزب حركة النهضة اصبحوا ينعتوننا بانّنا تحولنا من حزب القيادة الى حزب التنازلات، لكننا نقول لهم بما الحزب الاكبر في البلاد فانه لدينا مسؤوليات اكبرتحتّم علينا تقديم التّنازلات الضّرورية لمساعدة البلاد على المضي قدما.
نحن نأمل أنّه اصبح لدينا الآن مشروع دستور يجمع بين قيم الإسلام و الحداثة والديمقراطية. كان هذا حلم اعظم المصلحين منذ القرن 19، ونحن نأمل أنه من خلال المصادقة على الدستور نكون قد أدركنا هذا الحلم. يتضمن الدستور الجديد كل قيم المساواة و مختلف الحريات والحقوق ، والفصل بين السلطات.
نحن نأمل انّه حالما تتم الموافقة على الدستور ستبدأ البلاد كلّها في التحضير للانتخابات الثانية التي نأمل أن تكون حرّة، ونزيهة، ونأمل أن العديد من أصدقائنا في جميع أنحاء العالم سوف يأتون لمراقبة ورصد الانتخابات وليشهدوا صحتها و نزاهتها. ونأمل أن جميع الأحزاب بمختلف حساسياتها ستشارك في الانتخابات. زهرة واحدة لا تصنع ربيعا، لهذا فانّ هذه الانتخابات مهمة جدا لإثبات أن عملية الديمقراطية لا يمكن عكسها.
الآن اريد ان اتحدّث باختصار عن التحدّيات التي تواجهنا.
التحدي الأول هو الجانب الاقتصادي و الاجتماعي ونحن نعلم جميعا أن هذا العامل كان واحدا من العناصر الرئيسية الذّي قامت من اجله الثورة. إننا نواجه العديد من المشاكل، فـــتطلّعات الشّعب عالية جدا وصبرهم قليل جدا. كما انّ الوضع الاقتصادي لشركائنا التجاريين الرئيسيين في أوروبا يؤثّرسلبا على صادراتنا ويؤثر ايضا على المجال السياحي. وعلى الرغم من هذه المشاكل فقد تمكنت الحكومة من تخفيض نسبة البطالة الى 2٪ ، نسبة النّماء ايضا تجاوزت -2٪ لتبلغ أكثر من 3.5٪ لعام 2012 كما ان عدد السياح أيضا ارتفع حيث استقبلنا 6 ملايين سائح العام الماضي. لكن الشباب الذين صنعوا الثورة في سيدي بوزيد والقصرين لم أرى أي تحسن في حياتهم وهذا هو التحدي الذي سوف نحتاج سنوات عديدة لمعالجة.
والتحدي الثاني هو التحدي الأمني. الثورة قد انهكت الدولة و اضعفت سلطتها و هذا أعطى الفرصة لاطراف و مجموعات مختلفة لمحاولة تجاوز كلّ الضّوابط و القوانين. المتطرفين من كلا الجانبين، سواء اليمين الديني أو اليسار المتطرف حاولوا فرض وجهات نظرهم دون أي احترام للقانون. ونحن نقول لهؤلاء الجماعات ان لا يذهب في اعتقادهم للحظة واحدة أنّهم سيتمكّنون من اضعاف المسار الديمقراطي و أضعافه.
نحن نعيد بناء سلطة الدولة ببطيء ولكن ليس على الخوف كما هو مألوف في ظل الدكتاتورية، بل سيكون طبعا قائما على سيادة القانون.
فيما يخصّ مسألة السلفية، أود أن أشدد أولا على أن هذه الظاهرة هي من ثمار نظام بن علي وليست من ثمار الديمقراطية.
ثانيا، إن هذه الظاهرة معقدة جدّا وبالتالي فإنها تحتاج إلى حل دقيق و معقّد اضا. ونحن نرى على سبيل المثال أن هذه الظاهرة متواجدة بصفة اكبر في الاوساط الفقيرة، وبالتالي فانّ التنمية ستكون جزء من الحلّ.
يجب أيضا معرفة أن السلفية تضمّ فرق متنوعة ، وأنه ليس كل السلفيين عنيفين لذلك نحن بحاجة لدفع أكبر عدد ممكن من السلفيين بعيدا عن العنف من أجل عزل الجماعات العنيفة وجعلها أقلية. ويمكن تحقيق ذلك من خلال الحوار ومن خلال إقناعهم بأن فهمهم للإسلام خاطىء، وأنهم بحاجة إلى العمل في إطار القانون إذا كانوا يريدون حقوقهم الكاملة كمواطنين.
الجزء الثالث من الحل هو الأمن: أولئك الذين يريدون أو يحاولون خرق القانون أو فرض وجهات نظرهم على الآخرين بالعنف يجب أن يتم التعامل معهم بصرامة وهذا هو ما فعلته الحكومة خلال العام الماضي عن طريق سجن المئات من هؤلاء الذين حاولوا خرق القانون وللأسف انّه تمّ ايضا في بعض الحالات قتل البعض منهم في مواجهات عنيفة. ومع ذلك، فانّ الحل الأمني يجب تحكمه ظوابط احترام حقوق الإنسان والقانون ولا يجب ان يكون كما كان في زمن الدكتاتورية عندما تم تجاهل كل الحقوق.
كان سقوط النظام الدكتاتوري في تونس الشرارة التي أطلقت الربيع العربي. ليس هناك شك في أن نجاح التجربة التونسية سيؤدي إلى تعزيز هذا المسار السلمي والديمقراطي. وقد أظهرت التجربة التونسية أن الربيع العربي لن يتحول إلى شتاء الأصولية.
اليوم، يمكننا ان نؤكد لكم أن الربيع العربي لن يتحول إلى شتاء الأصولية ’’الدينية’’ أو ’’العلمانية’’ ولكنه حتما سيتحوّل الى الربيع الديمقراطي حيث يكون فيه مكان للجميع.
_
نص المحاضرة التي ألقاها الأستاذ راشد الغنوشي أثناء المؤتمر السنوي الرابع عشر لمركز دراسة الإسلام و الديمقراطيّة، في العاصمة الأمريكيّة واشنطن، بتاريخ ٢٩ مايو 2013.
http://www.arabsfordemocracy.org/democracy/pages/view/pageId/2967