عبد العزيز كحيل
تعود ذكرى استشهاد الأستاذ سيّد قطب رحمه الله هذه السنة في أيام عصيبة تشبه تلك التي قاده فيها طاغية مصر إلى حبل المشنقة بعد محاكمة هزلية كما هي المحاكمات التي يقيمها العسكر في البلاد العربية دائما، وكانت التهمة الموجّهة له - كالعادة – محاولة قلب نظام الحكم، كأنّ الرجل قائد عصابة أو حامل سلاح، لكنه في الحقيقة حوكم وقُتل بسبب آرائه الجريئة في التمسك بالإسلام وكشف الجاهلية الحديثة التي تمثّلها العلمانية والعسكر المتسلطون على الأوطان، لقد ضاقوا ذرعا بقلمه القويّ الذي جدّد دعوة الأخوان المسلمين بعد سنوات الاعتقال والتشريد المنظّم والتضييق البوليسي وسياسة تجفيف منابع التديّن فقرّروا – بغباء العسكر الطاغين وحماقة المستبدّين الظالمين – التخلّص منه لإهالة التراب على فكره المتميّز، فكان ذلك سببًا في انتشار كتبه وآرائه انتشارًا هائلاُ في البلاد الاسلامية وفي الغرب،الفكر القويّ الصادق قتل مؤلّفه وأحيا جيلا كاملا تربّى عليه، وبعد مُضي أقلّ من عام على استشهاده جلّل الله طاغية مصر بهزيمة 1967 النكراء وقضى على جنونه ومات بعد ذلك وقد باءت جميع مشروعاته بالفشل الذريع، أما سيد قطب فقد ذاع سيطه وحَسُن ذكره في الآفاق وشكّل إنتاجه الفكري مدرسة متميّزة داخل الحركة الإسلامية وجماعة الإخوان المسلمين، وعلى مرّ السنين تناول بعض العلماء والدعاء آخر أفكاره بالنقد لما لمسوا فيها من حدّة عقدية وقسوة على جماهير الأمة، وكنت من الذين يجدون وجاهة في هذا النقد الأخوي البنّاء، لكن الأحداث الأخيرة التي ألمّت بمصر جعلتني أتساءل ’’ ألم يكن سيد قطب على حق حين شنّ هجومه الكاسح المركّز المتواصل على الجاهلية الحديثة وكشف زيف تمسّحها بالإسلام وأبان بجلاء عن حقائق الحاكمية والولاء والبراء ورفض أنصاف الحلول والتقاء الاسلام معها في منتصف الطريق؟ ’’، ألم نرَ كيف تظاهرت الجاهلية بالاحتكام إلى الجمهور المسلم والنزول عند توجّهه ثم ما لبثت أن أشعلت في وجهه حربا غادرة ظالمة يقودها العسكر وغلاة العلمانيّين ويدعّمها الإعلام والمال الخليجي والتوجيه الأمريكي – الصهيوني وبعض العمامات التي يغلب عليها قصور النظر وحقد القلوب وغلَبَة المصالح الدنيوية؟ ألم يجنِ على الرئيس محمد مرسي حِلمُه على هذه الجاهلية ؟ ألم يبالغ الإخوان في حسن ظنّهم برموزها والثقة بعهودهم ؟ ألم يُعلن سيد قطب إفلاس الديمقراطية الغربية والماركسية الاشتراكية سواء، وبالتالي انهيار مشروع المنبهرين بالوافد الغربي و الشرقي ؟ وإعلان الإفلاس هو بداية تصوّر جديد وقيادة جديدة للبشرية، لأن الإفلاس قد طال القيم والمبادئ فلم يعد التقدم المادي مقياسًا صالحا، والبداية الجديدة الواعدة تتمثّل في تحرير الأمّة من ركام الفلسفات والأوضاع والأنظمة التي لا صلة لها بالإسلام، أي لا بدّ من تبنّي المنهج الإسلامي الأصيل بشموله مكتملا غير منقوص، ومن أجل هذا حلّل سيد قطب الجاهلية الحديثة تحليلا علميّا دقيقًا بعد ما أعاد للمصطلح أصالته، فهو لا يشير إلى فترة زمنية محددة وإنما إلى ’’أوضاع اجتماعية وسياسية وثقافية ترفض الاهتداء بهدي الله وتستبدل بهدية شرائع الطواغيت ’’ أي تناقض قواعد الإسلام وثوابته وأحكامه ولو كانت في القرن العشرين أو الذي يليه ويليه... ولا يمكن للجيل المسلم الواعد أن يحدث النقلة البعيدة في حياة الأمة والبشرية إلاّ بالانخلاع من أعراف الجاهلية وقيمها وتصوّراتها وفنونها وقوانينها ، واستمداد كلّ ذلك من النبع الصافي المتمثّل في القرآن الكريم.
هل استعلينا على قيم الجاهلية كما أوصى سيد؟ ألم نتنازل قليلا أو كثيرا عن قيمنا ونعدّل فيها لنلتقي مع الجاهلية في منتصف الطريق ، مثلما حذّرنا رحمه الله؟ أجل، قدّمت الحركة الاسلامية تضحيات باهظة ولكنّ حسن ظنّها بالجاهلية كاد يذهب بهذه التضحيات سُدًى مرة بعد مرة بعد أن تتلاعب هذه الجاهلية وتقطف الثمار وتُضلّل كثيرا من الناس، ويكفي أنها جعلتنا نتهارش من أجل ’’ إصلاح ’’ أوضاع فاسدة صنعتها هي ’’، إصلاحٌ بأدواتها هي بدل إحداث التغيير بالإسلام وبأدواته هو ، أدوات كلّها طهر وعدل وصدق مع المحيط الوطني بجميع مكوّناته، فالإسلام منهج شامل للحياة يمتاز بالواقعية ومخاطبة جميع الناس مباشرة، فلا هو نظريات باردة أو تجريد فلسفي، ولا هو لاهوت يشتغل به معمّمون يتقوّتون منه حتى بالبيع في سوق الحُكام والكبراء المتسلّطين على رقاب الناس.
ما لنا كأنّنا لم نقرأ قول الله تعالى الذي يلفت الانتباه إلى حال الجماهير ألمخدَّرة ’’ ألم تر إلى الذين يزعمون أهم آمنوا بما أنزل إليك وما أزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أُمروا أن يكفروا به ’’ – سورة المائدة 44 ؟ لكن نخشى أن تكون بقية من العبودية لغير الله تعالى تًثقل كاهل بعض المسلمين ، وحنين لاشعوري إلى حال الرقّ، وقد حذّر الشهيد سيد قطب من ذلك في كتاباته منذ أوائل خمسينيات القرن العشرين كما حذّر ممّا أسماه بحقّ ’’ الاسلام الامريكاني ’’ ، وها نحن نعيش زمانه التعس بمباركة شيخ الأزهر وقيادات متحجّرة مغفّلة لبعض الفصائل السلفية التي تُكثر الكلام عن الولاء والبراء لكنّها توالي أعداء الاسلام وتبرأ من دعاته الأصلاء.
لقد كان سيد قطب عاشقًا للحرية، حرية الانسان ، حرية الأمة، وجعل الشرط الأساسي لقيام حضارة الإسلام التحرّر الحقيقي الكامل للإنسان ،لذلك اشتدّت حملاتُه على العبيد ومواكبهم وعقائدهم وتشريعاتهم وجاهليّتهم، وها قد لمسنا صدق تحليله ورؤيته مرّة أخرى عندما انكشفت عورات هذه الجاهلية في المشهد المصري، وبان زيف شعاراتها عن اختيار الشعب الحرّ والتداول السلمي على السلطة وحقوق الانسان والأساليب الحضارية في المجتمع المعاصر، فما رأينا – كما في باقي البلاد العربية – سوى الهمجية ودكتاتورية الأقلية والانبطاح أمام القويّ الأجنبي والمحلّي، وهذا شأن الجاهلية دائما، وهو ما يجعل أنصار المشروع الإسلامي أكثر إصرارًا على مواجهتها وتعريتها وكشف حقيقتها للقاعدة الشعبية في كلّ مكان ، وينزع عنها أيّ غطاء ديني تحاول التمويه بها، فنحن لا نثق في ’’ رجال الدين ’’ بل نتّبع العلماءَ الذين اكتسبوا مصداقيتهم من التنصّل من الجاهلية كلّها، والدعاة َالذين يواجهونها بالحجّة الدامغة والمواقف الثابتة، ولا تلين لهم قناة في دحض سحرها الكاذب ومشروعها التسلطي الذي يدور حول المصالح والشهوات ولا يعير اهتمامًا للمبادئ والقيم، بهذا نبقى نشعر أنّنا الأعلى وأتباع الجاهلية هم الأسفل لأنّ علوّهم بالباطل إلى زوال رغم الدعم الأمريكي- الصهيوني والمال القاروني المتدفّق من الخليج وتواطئ بعض العمائم التي لم تبرح الجاهلية ساحتها.
مات سيّد قطب ولم تمت أفكاره بل هي تنتعش اليوم أكثر من ذي قبل، تُعلّم المسلمين التحرّر والارتفاع والانطلاق والاستعلاء على الجاهلية وأدواتها ومناصريها الأغبياء الذين رضوا – من أجل دنيا رخيصة – أن يلبسوا طاقم الخَدَم ويقفوا في استعداد العبيد رهن إشارة طاغية هنا ومستبدّ هناك، وهم مبتهجون بأذقانهم الطويلة وعمائمهم المتّسخة وطاقيتاهم الفلكلورية، أمّا المتخّرجون من مدرسة الإيمان فلا ينهزمون أبدا وإنما ينتصرون أو يستشهدون، فهم – كما عاش سيد قطب ومات – مع الحياة الحقيقية في كلّ الأحوال.
يقول رحمه الله في ’’ المعالم ’’: ’’إن النصر في أروع صوره هو انتصار الروح على المادة وانتصار العقيدة على الإثم وانتصار الإيمان على الفتنة، انتصار يشرف الجنس البشري كله في كلّ الأعصار، وهذا هو الانتصار.’’
ألم يكن سيد قطب على حق إذًا؟ أليست أفكاره تشريحا للحالة الراهنة؟ أليس الطريق الذي رسمه هو طريق الخلاص؟ أليست المعالم التي وضعها وسقاها بدمه جديرة بأن تقودنا إلى النصر؟
في يوم 29-8-1966 نفّذ الطاغية المتجبّر الحقود حكم الإعدام في المفكر الكبير سيد قطب البالغ من العمر 60 سنة، فابتهجت بذلك الجاهلية بكلّ أشكالها وصورها، وابتهج معها مسلمون يغلب عليهم إغلاق العقل وقسوة القلب من أنصار الجامية والمدخلية الذين رمى بهم التطرف الجاهل في ملعب أعداء الإسلام،ن فليس لهم من همّ إلى اليوم سوى الطعن في دعاة الأسلام وعظمائه بينما سلم من ألسنتهم وأقلامهم الصهاينة والمستعمرون والطغاة.
تعود ذكرى استشهاد الأستاذ سيّد قطب رحمه الله هذه السنة في أيام عصيبة تشبه تلك التي قاده فيها طاغية مصر إلى حبل المشنقة بعد محاكمة هزلية كما هي المحاكمات التي يقيمها العسكر في البلاد العربية دائما، وكانت التهمة الموجّهة له - كالعادة – محاولة قلب نظام الحكم، كأنّ الرجل قائد عصابة أو حامل سلاح، لكنه في الحقيقة حوكم وقُتل بسبب آرائه الجريئة في التمسك بالإسلام وكشف الجاهلية الحديثة التي تمثّلها العلمانية والعسكر المتسلطون على الأوطان، لقد ضاقوا ذرعا بقلمه القويّ الذي جدّد دعوة الأخوان المسلمين بعد سنوات الاعتقال والتشريد المنظّم والتضييق البوليسي وسياسة تجفيف منابع التديّن فقرّروا – بغباء العسكر الطاغين وحماقة المستبدّين الظالمين – التخلّص منه لإهالة التراب على فكره المتميّز، فكان ذلك سببًا في انتشار كتبه وآرائه انتشارًا هائلاُ في البلاد الاسلامية وفي الغرب،الفكر القويّ الصادق قتل مؤلّفه وأحيا جيلا كاملا تربّى عليه، وبعد مُضي أقلّ من عام على استشهاده جلّل الله طاغية مصر بهزيمة 1967 النكراء وقضى على جنونه ومات بعد ذلك وقد باءت جميع مشروعاته بالفشل الذريع، أما سيد قطب فقد ذاع سيطه وحَسُن ذكره في الآفاق وشكّل إنتاجه الفكري مدرسة متميّزة داخل الحركة الإسلامية وجماعة الإخوان المسلمين، وعلى مرّ السنين تناول بعض العلماء والدعاء آخر أفكاره بالنقد لما لمسوا فيها من حدّة عقدية وقسوة على جماهير الأمة، وكنت من الذين يجدون وجاهة في هذا النقد الأخوي البنّاء، لكن الأحداث الأخيرة التي ألمّت بمصر جعلتني أتساءل ’’ ألم يكن سيد قطب على حق حين شنّ هجومه الكاسح المركّز المتواصل على الجاهلية الحديثة وكشف زيف تمسّحها بالإسلام وأبان بجلاء عن حقائق الحاكمية والولاء والبراء ورفض أنصاف الحلول والتقاء الاسلام معها في منتصف الطريق؟ ’’، ألم نرَ كيف تظاهرت الجاهلية بالاحتكام إلى الجمهور المسلم والنزول عند توجّهه ثم ما لبثت أن أشعلت في وجهه حربا غادرة ظالمة يقودها العسكر وغلاة العلمانيّين ويدعّمها الإعلام والمال الخليجي والتوجيه الأمريكي – الصهيوني وبعض العمامات التي يغلب عليها قصور النظر وحقد القلوب وغلَبَة المصالح الدنيوية؟ ألم يجنِ على الرئيس محمد مرسي حِلمُه على هذه الجاهلية ؟ ألم يبالغ الإخوان في حسن ظنّهم برموزها والثقة بعهودهم ؟ ألم يُعلن سيد قطب إفلاس الديمقراطية الغربية والماركسية الاشتراكية سواء، وبالتالي انهيار مشروع المنبهرين بالوافد الغربي و الشرقي ؟ وإعلان الإفلاس هو بداية تصوّر جديد وقيادة جديدة للبشرية، لأن الإفلاس قد طال القيم والمبادئ فلم يعد التقدم المادي مقياسًا صالحا، والبداية الجديدة الواعدة تتمثّل في تحرير الأمّة من ركام الفلسفات والأوضاع والأنظمة التي لا صلة لها بالإسلام، أي لا بدّ من تبنّي المنهج الإسلامي الأصيل بشموله مكتملا غير منقوص، ومن أجل هذا حلّل سيد قطب الجاهلية الحديثة تحليلا علميّا دقيقًا بعد ما أعاد للمصطلح أصالته، فهو لا يشير إلى فترة زمنية محددة وإنما إلى ’’أوضاع اجتماعية وسياسية وثقافية ترفض الاهتداء بهدي الله وتستبدل بهدية شرائع الطواغيت ’’ أي تناقض قواعد الإسلام وثوابته وأحكامه ولو كانت في القرن العشرين أو الذي يليه ويليه... ولا يمكن للجيل المسلم الواعد أن يحدث النقلة البعيدة في حياة الأمة والبشرية إلاّ بالانخلاع من أعراف الجاهلية وقيمها وتصوّراتها وفنونها وقوانينها ، واستمداد كلّ ذلك من النبع الصافي المتمثّل في القرآن الكريم.
هل استعلينا على قيم الجاهلية كما أوصى سيد؟ ألم نتنازل قليلا أو كثيرا عن قيمنا ونعدّل فيها لنلتقي مع الجاهلية في منتصف الطريق ، مثلما حذّرنا رحمه الله؟ أجل، قدّمت الحركة الاسلامية تضحيات باهظة ولكنّ حسن ظنّها بالجاهلية كاد يذهب بهذه التضحيات سُدًى مرة بعد مرة بعد أن تتلاعب هذه الجاهلية وتقطف الثمار وتُضلّل كثيرا من الناس، ويكفي أنها جعلتنا نتهارش من أجل ’’ إصلاح ’’ أوضاع فاسدة صنعتها هي ’’، إصلاحٌ بأدواتها هي بدل إحداث التغيير بالإسلام وبأدواته هو ، أدوات كلّها طهر وعدل وصدق مع المحيط الوطني بجميع مكوّناته، فالإسلام منهج شامل للحياة يمتاز بالواقعية ومخاطبة جميع الناس مباشرة، فلا هو نظريات باردة أو تجريد فلسفي، ولا هو لاهوت يشتغل به معمّمون يتقوّتون منه حتى بالبيع في سوق الحُكام والكبراء المتسلّطين على رقاب الناس.
ما لنا كأنّنا لم نقرأ قول الله تعالى الذي يلفت الانتباه إلى حال الجماهير ألمخدَّرة ’’ ألم تر إلى الذين يزعمون أهم آمنوا بما أنزل إليك وما أزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أُمروا أن يكفروا به ’’ – سورة المائدة 44 ؟ لكن نخشى أن تكون بقية من العبودية لغير الله تعالى تًثقل كاهل بعض المسلمين ، وحنين لاشعوري إلى حال الرقّ، وقد حذّر الشهيد سيد قطب من ذلك في كتاباته منذ أوائل خمسينيات القرن العشرين كما حذّر ممّا أسماه بحقّ ’’ الاسلام الامريكاني ’’ ، وها نحن نعيش زمانه التعس بمباركة شيخ الأزهر وقيادات متحجّرة مغفّلة لبعض الفصائل السلفية التي تُكثر الكلام عن الولاء والبراء لكنّها توالي أعداء الاسلام وتبرأ من دعاته الأصلاء.
لقد كان سيد قطب عاشقًا للحرية، حرية الانسان ، حرية الأمة، وجعل الشرط الأساسي لقيام حضارة الإسلام التحرّر الحقيقي الكامل للإنسان ،لذلك اشتدّت حملاتُه على العبيد ومواكبهم وعقائدهم وتشريعاتهم وجاهليّتهم، وها قد لمسنا صدق تحليله ورؤيته مرّة أخرى عندما انكشفت عورات هذه الجاهلية في المشهد المصري، وبان زيف شعاراتها عن اختيار الشعب الحرّ والتداول السلمي على السلطة وحقوق الانسان والأساليب الحضارية في المجتمع المعاصر، فما رأينا – كما في باقي البلاد العربية – سوى الهمجية ودكتاتورية الأقلية والانبطاح أمام القويّ الأجنبي والمحلّي، وهذا شأن الجاهلية دائما، وهو ما يجعل أنصار المشروع الإسلامي أكثر إصرارًا على مواجهتها وتعريتها وكشف حقيقتها للقاعدة الشعبية في كلّ مكان ، وينزع عنها أيّ غطاء ديني تحاول التمويه بها، فنحن لا نثق في ’’ رجال الدين ’’ بل نتّبع العلماءَ الذين اكتسبوا مصداقيتهم من التنصّل من الجاهلية كلّها، والدعاة َالذين يواجهونها بالحجّة الدامغة والمواقف الثابتة، ولا تلين لهم قناة في دحض سحرها الكاذب ومشروعها التسلطي الذي يدور حول المصالح والشهوات ولا يعير اهتمامًا للمبادئ والقيم، بهذا نبقى نشعر أنّنا الأعلى وأتباع الجاهلية هم الأسفل لأنّ علوّهم بالباطل إلى زوال رغم الدعم الأمريكي- الصهيوني والمال القاروني المتدفّق من الخليج وتواطئ بعض العمائم التي لم تبرح الجاهلية ساحتها.
مات سيّد قطب ولم تمت أفكاره بل هي تنتعش اليوم أكثر من ذي قبل، تُعلّم المسلمين التحرّر والارتفاع والانطلاق والاستعلاء على الجاهلية وأدواتها ومناصريها الأغبياء الذين رضوا – من أجل دنيا رخيصة – أن يلبسوا طاقم الخَدَم ويقفوا في استعداد العبيد رهن إشارة طاغية هنا ومستبدّ هناك، وهم مبتهجون بأذقانهم الطويلة وعمائمهم المتّسخة وطاقيتاهم الفلكلورية، أمّا المتخّرجون من مدرسة الإيمان فلا ينهزمون أبدا وإنما ينتصرون أو يستشهدون، فهم – كما عاش سيد قطب ومات – مع الحياة الحقيقية في كلّ الأحوال.
يقول رحمه الله في ’’ المعالم ’’: ’’إن النصر في أروع صوره هو انتصار الروح على المادة وانتصار العقيدة على الإثم وانتصار الإيمان على الفتنة، انتصار يشرف الجنس البشري كله في كلّ الأعصار، وهذا هو الانتصار.’’
ألم يكن سيد قطب على حق إذًا؟ أليست أفكاره تشريحا للحالة الراهنة؟ أليس الطريق الذي رسمه هو طريق الخلاص؟ أليست المعالم التي وضعها وسقاها بدمه جديرة بأن تقودنا إلى النصر؟
في يوم 29-8-1966 نفّذ الطاغية المتجبّر الحقود حكم الإعدام في المفكر الكبير سيد قطب البالغ من العمر 60 سنة، فابتهجت بذلك الجاهلية بكلّ أشكالها وصورها، وابتهج معها مسلمون يغلب عليهم إغلاق العقل وقسوة القلب من أنصار الجامية والمدخلية الذين رمى بهم التطرف الجاهل في ملعب أعداء الإسلام،ن فليس لهم من همّ إلى اليوم سوى الطعن في دعاة الأسلام وعظمائه بينما سلم من ألسنتهم وأقلامهم الصهاينة والمستعمرون والطغاة.