مركز الوفـــاق الإنمائي للدراسات والبحوث والتدريب

2014/08/17 20:10
غرائب التحالف السلفي-العلماني
عبد العزيز كحيل
حيّر تحالف بعض الفصائل السلفية مع العسكر وغلاة العلمانيّين في مصر ضدّ الرئيس محمد مرسي وجماعة الاخوان استغراب أكثر من طرف، خاصة في التيار الاسلامي على امتداد العالم العربي والإسلامي وانحيازها إلى الانقلاب على الشرعية الدستورية وتمكّن العلمانية المتوحّشة من الساحة السياسية والإعلامية، والحقيقة أن العارفين بالسلفية الحكومية لا يستغربون هذا الموقف لأنها كيان يسهل استدراجه إلى أيّ مشروع وأيّة حماقة لافتقار قادته إلى أدنى إلمام بأبجديات السياسة، كما سهل استغلال حقدهم المعروف على الاخوان المسلمين بالذات بسبب مواقف عقدية حدّية تصنّف الاسلاميّين – حتى قبل غيرهم – في خانة أعداء الدين لمجرّد خروجهم عمّا يعتبره هؤلاء القادة المغفّلون خروجا عن منهج السلف، وهو تعبير هلامي غير منضبط لا أصوليّا و لا فقهيّا، يستعمل كفزّاعة لإرهاب الدعاة والمصلحين والأتباع، وهذا ما يعرفه العلمانيون عن السلفية الحرفية الظاهرية الساذجة فاتخذوه أداة لشقّ الصف الاسلامي وإعطاء الانقلاب تأييد دينيا يعضده شيخ الازهر المعروف هو الآخر منذ الزمن الماضي ببغضه الشديد لجماعة الإخوان، ويعلم الجميع أن شيوخ هذه السلفية الجامدة ينظّرون دائما لحكم المتغلّب ويشددون النكير على الجماهير التي ترفض الاستبداد ويدعون إلى الصبر على الدكتاتوترية ’’ ولو ضربت الظهر وأخذت الأموال’’ ، أي يؤصّلون للاستبداد وحقه في انتهاك حقوق الناس والاعتداء على أمولاهم، ويرفضون التصدّي له حتى بالمظاهرات والمسيرات والاعتصام لأن ذلك في نظرهم ’’ بدعة منكرة لم يعرفها السلف ’’، لكنهم أفتوا بالخروج على الرئيس الشرعي لمصر والتحالف في سبيل ذلك مع خصومهم – بل أعدائهم بكلّ المقاييس – من ليبراليين ويساريين وشيعة وصوفيه ; وأقباط…ولا تفسير لهذا سوى ما ذكرنا من مستوى الوعي الفكري والسياسي عند شيوخهم فضلا عن عامّة أتباعهم، فمفردات مثل العقل و الحرية وحقوق الانسان تثير استياء شديدا عندهم لأنها- في أدبياتهم الثابتة - غريبة عن الاسلام ولم ترد في السنة النبوية بل هي بضاعة ماسونية تجب محاربتها... فأصحاب مثل هذه الثقافة الهزيلة يمكن استدراجهم بتحريك أبسط منديل أحمر والتلويح بأدنى هدف وهمي، وإنما أوتيت هذه السلفية من ادّعائها امتلاك الحقيقة المطلقة، لذلك نجدها تسعد بوضعها الدوني وتحسبه امتيازا، مع العلم أنها أحاطت شيوخها بهالة من التقديس بحيث يعتبر الأتباع أي نقد لهؤلاء الشيوخ طعنا في الدين ذاته، وبذلك لا مجال لحوار أو نقاش معهم، وقد غدوا – مع الاسف – مجرّد قطيع طلّق التفكير والايجابية وغرق إلى الاذقان في التقليد الذي يذمّه نظريا، وكم سهل على شيوخهم أن يقودوهم في متاهات التناقض البيّن الفجّ، مستدلين في كلّ موقف يخالف سابقه بالسنة النبوية ...فمن ثوابتهم منذ أحقاب أن العمل السياسي المنظّم والتحزّب ولانتخابات والمشاركة في المجالس النيابية والحكومات رجس من عمل الشيطان ومن الوافد الغربي الذي لا يقرّه قران و لا سنة، ومن خاض شيئا من ذلك فهو مبتدع ضالّ ،ويعلم القاصي والداني أنهم نأووا بأنفسهم عن المشاركة في ثورات الربيع العربي كلّها، وخاصة في مصر، وكانوا يتفرّجون على الأحداث ويكتفون بإطلاق شعارات الفتنة والخروج على الحاكم كعادتهم، أما الإخوان فقد تولوا أمر الثورة مع غيرهم من أفراد الشعب في تونس ومصر وليبيا واليمن ، وكان لهم دورهم المعروف في تأطيرها وتنظيم فعالياتها إلى أن توّجت بالنجاح، ثم تحوّل السلفيّون فجأة إلى استساغة كلّ ما كانوا ينكونه والتأصيل له بالقرآن والسنة، لأن أتباعهم لن يسألوهم عن هذا التناقض العجيب، فالشيوخ لا يُخطئون ولا يُسألون عما يفعلون...ثمّ تجدهم يقدحون في مبالغات الصوفية في تعظيم شيوخهم، وكلّ غرائبهم – وما أكثرها – قرّة عين العلمانية ومراكز التحكّم والتوجيه العالمية لسهولة اختراقهم لإفراغ طاقاتهم في الهوامش بل في عرقلة المشروع الإسلامي والمنحى التحرّري لدى الشعوب، ومواقف هذه السلفية السياسية ليست نابعة من بناء فكري متكامل واضح القسمات بل هو منهج انسحابي تخاذلي انبطاحي أمام الأنظمة الحاكمة وأمام العدوّ الخارجي، وحدث الاستثناء الوحيد عن القاعدة في الحالة المصرية – والتونسية كذلك إلى حدّ ما – حيث ثارت على السلطة القائمة لأنها إسلامية... وهذا الأمر العجيب نتيجة حتمية للعقلية المتخلّفة التي تجمع بين عمى البصيرة والقابلية للاستغلال من طرف خصوم الإسلام الذين استطاعوا ان يجعلوا من بعض الفصائل السلفية وقودا للفتنة العمياء وطرفا مؤجّجا لنارها التي يصطلي بها الشعب كلّه وفي مقدمته الإسلاميون، ومن استثنته الآلة العسكرية-العلمانية اليوم بسبب حسابات سهلة الإدراك فستطاله غدا من غير شكّ، ويومها يردّد مع الأغبياء ’’ أكلت يوم أكل الثور الأبيض ’’.
إنّ هذه الحقائق معروفة للجميع منذ مدّة طويلة غير أن أحداث مصر أزاحت الشبهات نهائيا ووضعت الجميع أمام واقع مأساوي غريب ينظمّ فيه فصيل ينتسب للإسلام إلى أعداء الإسلام للتآمر على الشرعية الدستورية وإعلان الحرب على اختيار الشعب وعلى الأحرار من جميع أطياف الأمة، ولئن التزم الإخوان موقفهم الثابت من الحفاظ على وحدة الصفّ الإسلامي ومبدإ الأخوّة وأخلاق المروؤة وأدب الخلاف فإن القاعدة السلفية مطالبة بمراجعات عميقة مع شيوخها، فالثقة المطلقة بهم لم تعد مستساغة بعد أن زجّوا بهم في فتنة عمياء ، فلا بدّ من المحاسبة والمتابعة للإنعتاق من أسر الأحادية المغرورة والاستغناء بالنفس، وقد رأت هذه القاعدة التلاعب الواضح بالنصوص الدينية وإقحام السنة النبوية الشريفة في معركة سياسية موجّهة ضدّ الاسلام والأمة، والحمد لله أن بعض شيوخ السلفية لم ينجرّوا إلى المستنقع والفتنة واصطفوا بكلّ قوة ووضوح مع الشرعية ومع المشروع الاسلامي ودعاته وحماته، أفليس هؤلاء أولى بالأتباع ممّن ساروا في ركاب العسكر وغلاة العلمانيّين؟ لقد آن الأوان لتفتح الأعين العمي والآذان الصمّ وتستمع إلى أصوات إسلامية حرّة أخرى غير الصوت المهترئ الذي جعل من نصوص الشريعة عجينة طيّعة تبرّر الخروج عن الصفّ الإسلامي والوطني والانخراط في المشروعات التي طبخت و نضجت في المخابر الأمريكية والصهيونية لإحداث الردّة عن الحرية وتثبيط الدعاة إلى الحلّ الإسلامي ومنع الانطلاقة التنموية والحضارية لأمّة لن تتحرّك إلاّ بمصر..
أضافة تعليق