عبد العزيز كحيل
تجد الهجمة العلمانية الشرسة المتواصلة والمتصاعدة منذ انتخاب محمد مرسي تفسيرَها في انتمائه من جهة، وفي السابقة ’’ الخطيرة ’’ التي يؤسّس لها من جهة أخرى.
لقد كان تصويت الأغلبية عليه رغم انتمائه لجماعة الإخوان المسلمين صدمة موجعة للأوساط العلمانية التي تقوم فلسفة وجودها على إبعاد الدين الإسلامي عن الحياة العامة لأن إقحامه فيها يعني إقصاءهم منها واستحالة رواج مشروعهم المجتمعي بواسطة الآليات ألديمقراطية لذلك عملوا المستحيل علنا وفي الخفاء على عرقلة إعلان فوزه بالرئاسة، فلمّا تمّ تنصيبه رغم ذلك تحرّكت آلتهم المتعدّدة الأشكال في كلّ الإتجاهات لتشويه سمعته وعرقلة أدائه وإثارة القلاقل المتواصلة له وللجماعة وللتيار الإسلامي برمّته، متغافلين أن ذلك يصيب مصر ذاتها في الصميم وينعكس على أمنها وإنتاجها وحياة الشعب اليومية فيها، فضلا عن البُعد الاستراتيجي للأزمة المتفاقمة، لكنّهم أثبتوا أن خراب البلد ثمنٌ مقبول عندهم للحيلولة دون بقاء مرسي في السلطة. وكيف يتركونه في الرئاسة وقد اجتمعت فيه ’’ خطايا ’’ لا يغتفرونها أبدا؟ فهو محافظ على السمت الديني: يحفظ القرآن الكريم، ويؤمّ الموظفين والزوار في الصلاة عندما تحين في قصر الجمهورية، ويحضر صلاة الجمعة بانتظام في مساجد مختلفة، ويصوم نافلة الإثنين والخميس كما لاحظ المتواجدون في مقرّ عمله، ويُطلق لحيتَه، وزوجته ترتدي اللباس الشرعي الصارم...فكيف يُطيق غلاة العلمانيّين كلّ هذا وهم الذين لا يسمحون للدين بالتواجد إلا في الضمائر وداخل ’’ أماكن العبادة’’ ؟
وقد ترتّب على اعتلائه سدّة الحكم تواجد وجوه إسلامية من الإخوان وغيرهم في بعض مناصب المسؤولية كالوزارات والمحافظات، وذلك يعني تعميم ما يُسمّونه ’’ الاسلام السياسي’’، و هذه قاصمة تُنذر بتواري ’’ المستنيرين ’’ وإجهاض مشروعهم الذي احتضنته الأنظمة العسكرية الاستبدادية ورعتَه خلال ستين سنة رغم أنف الشعب وتوجهاته ومشاعره، فكيف يسكتون عليه ذلك؟
استعان العلمانيون المتطرفون من أول يوم بالفلول وبالأنظمة العربية التي يهدّدها ربيع الشعوب وبالدول الغربية التي تتبنّى الديمقراطية في أدبياتها لكنّها تعرقلها بشدّة في البلاد العربية لأنها ستفضي بالضرورة إلى استقلال القرار السياسي هناك وانتهاء زمن الوصاية على الشرق الوسط وشمال إفريقيا، ولئن كانت الأوساط الغربية تتعامل مع الأمر بدهاء فإن العلمانيين العرب جاهروا الاسلام ذاته بالعداء، واستهزؤوا بقيمه ورموزه وأعلنوا رفضهم الصريح لثوابته وأحكامه، وكانت تجمعاتهم الإحتجاجية على مدى عام كامل مرتعا للخمور والمخدرات والتحرشات الجنسية، لأنهم – ببساطة – دعاة هذه البيئة الملوّثة وهذا الانحلال الذميم، ثم هم يفعلون كلّ ما من شأنه إثارة الرأي العام الاسلامي واستفزازه لإشباع رغباتهم المريضة وجلبا لردود الأفعال العنيفة التي تخدم قضيتهم الخاسرة.
إنهم لم يجدوا في محمد مرسي شيئا يشفع له عندهم، فبالإضافة لتوجّهه الاسلامي الواضح الذي ’’ يُنذر ’’ بأسلمة الدولة ( هم يقولون أخونة الدولة )، تبنّى القضية الفلسطينية بقوة- خاصة أثناء العدوان الأخير على غزة- وغيّر طرق التعامل مع العدوّ الصهيوني، ففترت العلاقة بين مصر و دولة الاحتلال، وأصبح قادة الفصائل المجاهدة يُستقبلون في قصر الرئاسة بعد عهود مطاردتهم واحتقارهم مقابل الاحتفاء بالقادة الصهاينة، حتى تنادى وجوه العلمانية العدوانية بأن فلسطين قضية أجنبية، وأثاروا بسببها الفتن واختلقوا الوقائع وأسّسوا لعلاقة عدائية مع غزّة بالذات، وكانت الطامة الأخرى وقوف محمد مرسي المدوّي مع الشعب السوري في ثورته المشروعة على الاستبداد والطغيان، فما كان من خصومه سوى التنادي بتأييد بشار الأسد ’’بطل المقاومة والممانعة’’ !!!
وكانت القاصمة في توجّه الرئيس مرسي إلى إعادة ترتيب وتوجيه سياسة مصر الخارجية وتحريرها من الهيمنة الأمريكية الصهيونية التي تحكمت فيها اكثر من ثلاثين سنة، و تصويبها نحو تنوّع إيجابي واسع يشمل الصين وروسيا وأمريكا الجنوبية فضلا عن العمق العربي الاسلامي الافريقي.
هذا ما بدأ به مرسي، فكيف تكون الأمور إذا أتمّ عهدته الرئاسية؟ لا شكّ أن المشروع العلماني سيخسر كلّ شيء لذلك لا حلّ سوى إسقاط هذا الرئيس وحلّ جماعة الإخوان وتحجيم التيار الإسلامي، أي لا بدّ من القيام بانقلاب ومن عودة الدكتاتورية العلمانية، لذلك يطالبون – في تناقض فجّ – بإعادة الانتخابات الرئاسية لكنّهم يرفضون إجراء انتخابات تشريعية في أقرب وقت، ولو كانوا متيقّنين من فوزهم فيها كما يزعمون لسارعوا إلى إجرائها.
وهذا يقودنا إلى إجماعهم على رفض أن تتأسّس سابقة خطيرة في مصر قد تعمّ البلاد العربية وهي الاحتكام إلى الديمقراطية – التي كانوا دعاتها وعبيدها من الناحية النظرية – ليقينهم أنّ ذلك يمهّد للمشروع الإسلامي وفي كلّ الأحوال سيظهر هامشية المشروع العلماني وعدم إقبال الجماهير العربية عليه، فلا يكمن الحلّ إذًا في الانتخابات ومعادلة الأغلبية والأقلية ولكن في رفض آليات الديمقراطية وتنصيب الأقلية بالقوة والغشّ والفوضى على الأكثرية مهما كان الثمن !!! وليس هذا بدعًا من أفعال العلمانيين العرب، فقد جرّبوه من قبل في الجزائر حين انقلبوا على الاختيار الشعبي ، ومهّدوا لذلك بإنشاء ’’ لجنة إنقاذ الجزائر’’ فأغرقوا البلاد في حرب مدمّرة ، ندعو الله ألا يتكرّر بلاؤها في أرض الكنانة على يد ’’ جبهة ’’ هي نسخة من تلك ’’ اللجنة ’’.
إنّ غلاة العلمانيين العرب يكرهون الحلّ الاسلامي والديمقراطية معًا، ومحمد مرسي يمثّل الأمرين كليهما، لذلك كان عداؤهم له مضاعفًا، أعماهم عن إبصار أيّ إنجاز حقّقه خلال سنة من الحكم، رغم أنه أبدى قدرة عالية على الإحاطة بالملفات الكبرى والاضطلاع بمسؤولية الإصلاح والتسيير الراشد، وقد زاد في غيّهم انحياز الاعلام والقضاء للثورة المضادّة وعملهما العلني ضدّ الرئيس المنتخب ، بينما التزم هو بقواعد الديمقراطية التزامًا كاملاً أدهش المراقبين ، وحاكم خصومه إلى الدستور والقانون، بل تنازل عن حقه في التظلم منهم.
هذه هي الخطايا التي لا يغفرها دعاة الثورة المضادّة وفلول النظام المنهار ودوائر صناعة الدكتاتورية لمحمد مرسي، وقد هالَهم أن ينتقل هو وإخوانه من الزنازين وأقبية التعذيب إلى سدّة الحكم حتى ولو كان ذلك بإرادة شعبية حرّة تُحسن التمييز بين البرامج والرموز، وكبُر عليهم تهاوي أنظمة الإستبداد والجمهوريات الوراثية تحت وطأة الغضب الشعبي المشروع، وخافوا من الحُكم الراشد المستند في آن واحد إلى الإختيار الحرّ والمشروع الإسلامي الواعد.
هل أُعطي محمد مرسي وقتا كافيا ليُطالب بتقديم عرض عن إنجازاته؟ لقد ناصبوه العداء من الشهر الأول، بل منذ يوم إعلان فوزه، ولم تتوقف الآلة الإعلامية والقضائية الجهنمية عن محاصرته بالقلاقل المفتعلة والشائعات المتواصلة والكيد الرخيص والاستقواء بدول إقليمية يرتعش حكامها الفاسدون من فرضية الاحتكام إلى الشعب، وبدول كبرى لا تستسيغ إفلات الدول العربية – ومصر خاصة – من قبضتها.
لقد رأى الناس جميعا تفاني أول رئيس عربي منتخب في عمله وتجرده من البهارج حتى إنه صاحب أضعف مرتبّ من بين رؤساء العالم، وأحرز قصب السبق في التواضع والحلم والعفو، ولاحظ الرأي العام كله انحياز أغلبية الشعب المصري له- وفي مقدمتهم الاسلاميون على اختلاف تشكيلاتهم الدعوية والسياسية- وقد اصطفّ ضدّه أيتام النظام البائد وسفهاء ’’البلاك بلوك’’ وبعض تجار السياسة المفلسين – والشيء من معدنه لا يستغرب – ولكن العجب يكمن في جماعات دينية تحالفت معهم تحالفًا دنيويا بغيضًا لا حظّ فيه للدين والعقيدة والقيَم، مثل الشيعة والمتصوفة المخرفين والكنيسة بكلّ أطيافها، ولو كان مرسي طاغية أو منحرفا لمال هؤلاء إليه ولنصروه كما هو دأبهم مع الطغاة والمفسدين
لكن هناك عامل قوة بين يدي محمد مرسي ، وإن كان العلمانيون لا يفقهونه بل يسخرون منه، هو التفاف المؤمنين حوله في العالم كله، يدعون له بإخلاص ويفدونه بالغالي والنفيس لأنه يمثّل الحاكم العربي المسلم الذي ينشدونه منذ عهود طويلة، يرفع راية الاسلام ويخدم الأمة وينتصر لقضاياها ، ولا شكّ أن البديل عن الرئيس مرسي اليوم هو الفوضى...لكن لعلّ ذلك ما يريده خصومه حتى يموت الأمل عند المصريّين والعرب والمسلمين، لكن الأمل لن يموت، ومرسي لن يُزاح، والإسلام إلى انتصار والربيع العربي سيكتسح مزيدا من البلاد المضطهدة وسيرتفع سقف الحرية فيكثر أنصارها، وحينها يتوطّد حكم محمد مرسي وكلّ من اختارهم الشعب.
وأظن ان ما بعد 30/6 سيكون مختلفا تمامًا عمّا قبله، وسيعرف منعطفا في تعامل الرئيس مع المؤامرات المتواصلة ، ولن يكون التغيير المنشود والاجراءات المرتقبة سوى اتخاذ قرارات ثورية بدل الإبقاء على الدولة العميقة بفسادها وتآمرها، لتطال منظومة القضاء والساحة الإعلامية بالتطهير والمحاسبة .
تجد الهجمة العلمانية الشرسة المتواصلة والمتصاعدة منذ انتخاب محمد مرسي تفسيرَها في انتمائه من جهة، وفي السابقة ’’ الخطيرة ’’ التي يؤسّس لها من جهة أخرى.
لقد كان تصويت الأغلبية عليه رغم انتمائه لجماعة الإخوان المسلمين صدمة موجعة للأوساط العلمانية التي تقوم فلسفة وجودها على إبعاد الدين الإسلامي عن الحياة العامة لأن إقحامه فيها يعني إقصاءهم منها واستحالة رواج مشروعهم المجتمعي بواسطة الآليات ألديمقراطية لذلك عملوا المستحيل علنا وفي الخفاء على عرقلة إعلان فوزه بالرئاسة، فلمّا تمّ تنصيبه رغم ذلك تحرّكت آلتهم المتعدّدة الأشكال في كلّ الإتجاهات لتشويه سمعته وعرقلة أدائه وإثارة القلاقل المتواصلة له وللجماعة وللتيار الإسلامي برمّته، متغافلين أن ذلك يصيب مصر ذاتها في الصميم وينعكس على أمنها وإنتاجها وحياة الشعب اليومية فيها، فضلا عن البُعد الاستراتيجي للأزمة المتفاقمة، لكنّهم أثبتوا أن خراب البلد ثمنٌ مقبول عندهم للحيلولة دون بقاء مرسي في السلطة. وكيف يتركونه في الرئاسة وقد اجتمعت فيه ’’ خطايا ’’ لا يغتفرونها أبدا؟ فهو محافظ على السمت الديني: يحفظ القرآن الكريم، ويؤمّ الموظفين والزوار في الصلاة عندما تحين في قصر الجمهورية، ويحضر صلاة الجمعة بانتظام في مساجد مختلفة، ويصوم نافلة الإثنين والخميس كما لاحظ المتواجدون في مقرّ عمله، ويُطلق لحيتَه، وزوجته ترتدي اللباس الشرعي الصارم...فكيف يُطيق غلاة العلمانيّين كلّ هذا وهم الذين لا يسمحون للدين بالتواجد إلا في الضمائر وداخل ’’ أماكن العبادة’’ ؟
وقد ترتّب على اعتلائه سدّة الحكم تواجد وجوه إسلامية من الإخوان وغيرهم في بعض مناصب المسؤولية كالوزارات والمحافظات، وذلك يعني تعميم ما يُسمّونه ’’ الاسلام السياسي’’، و هذه قاصمة تُنذر بتواري ’’ المستنيرين ’’ وإجهاض مشروعهم الذي احتضنته الأنظمة العسكرية الاستبدادية ورعتَه خلال ستين سنة رغم أنف الشعب وتوجهاته ومشاعره، فكيف يسكتون عليه ذلك؟
استعان العلمانيون المتطرفون من أول يوم بالفلول وبالأنظمة العربية التي يهدّدها ربيع الشعوب وبالدول الغربية التي تتبنّى الديمقراطية في أدبياتها لكنّها تعرقلها بشدّة في البلاد العربية لأنها ستفضي بالضرورة إلى استقلال القرار السياسي هناك وانتهاء زمن الوصاية على الشرق الوسط وشمال إفريقيا، ولئن كانت الأوساط الغربية تتعامل مع الأمر بدهاء فإن العلمانيين العرب جاهروا الاسلام ذاته بالعداء، واستهزؤوا بقيمه ورموزه وأعلنوا رفضهم الصريح لثوابته وأحكامه، وكانت تجمعاتهم الإحتجاجية على مدى عام كامل مرتعا للخمور والمخدرات والتحرشات الجنسية، لأنهم – ببساطة – دعاة هذه البيئة الملوّثة وهذا الانحلال الذميم، ثم هم يفعلون كلّ ما من شأنه إثارة الرأي العام الاسلامي واستفزازه لإشباع رغباتهم المريضة وجلبا لردود الأفعال العنيفة التي تخدم قضيتهم الخاسرة.
إنهم لم يجدوا في محمد مرسي شيئا يشفع له عندهم، فبالإضافة لتوجّهه الاسلامي الواضح الذي ’’ يُنذر ’’ بأسلمة الدولة ( هم يقولون أخونة الدولة )، تبنّى القضية الفلسطينية بقوة- خاصة أثناء العدوان الأخير على غزة- وغيّر طرق التعامل مع العدوّ الصهيوني، ففترت العلاقة بين مصر و دولة الاحتلال، وأصبح قادة الفصائل المجاهدة يُستقبلون في قصر الرئاسة بعد عهود مطاردتهم واحتقارهم مقابل الاحتفاء بالقادة الصهاينة، حتى تنادى وجوه العلمانية العدوانية بأن فلسطين قضية أجنبية، وأثاروا بسببها الفتن واختلقوا الوقائع وأسّسوا لعلاقة عدائية مع غزّة بالذات، وكانت الطامة الأخرى وقوف محمد مرسي المدوّي مع الشعب السوري في ثورته المشروعة على الاستبداد والطغيان، فما كان من خصومه سوى التنادي بتأييد بشار الأسد ’’بطل المقاومة والممانعة’’ !!!
وكانت القاصمة في توجّه الرئيس مرسي إلى إعادة ترتيب وتوجيه سياسة مصر الخارجية وتحريرها من الهيمنة الأمريكية الصهيونية التي تحكمت فيها اكثر من ثلاثين سنة، و تصويبها نحو تنوّع إيجابي واسع يشمل الصين وروسيا وأمريكا الجنوبية فضلا عن العمق العربي الاسلامي الافريقي.
هذا ما بدأ به مرسي، فكيف تكون الأمور إذا أتمّ عهدته الرئاسية؟ لا شكّ أن المشروع العلماني سيخسر كلّ شيء لذلك لا حلّ سوى إسقاط هذا الرئيس وحلّ جماعة الإخوان وتحجيم التيار الإسلامي، أي لا بدّ من القيام بانقلاب ومن عودة الدكتاتورية العلمانية، لذلك يطالبون – في تناقض فجّ – بإعادة الانتخابات الرئاسية لكنّهم يرفضون إجراء انتخابات تشريعية في أقرب وقت، ولو كانوا متيقّنين من فوزهم فيها كما يزعمون لسارعوا إلى إجرائها.
وهذا يقودنا إلى إجماعهم على رفض أن تتأسّس سابقة خطيرة في مصر قد تعمّ البلاد العربية وهي الاحتكام إلى الديمقراطية – التي كانوا دعاتها وعبيدها من الناحية النظرية – ليقينهم أنّ ذلك يمهّد للمشروع الإسلامي وفي كلّ الأحوال سيظهر هامشية المشروع العلماني وعدم إقبال الجماهير العربية عليه، فلا يكمن الحلّ إذًا في الانتخابات ومعادلة الأغلبية والأقلية ولكن في رفض آليات الديمقراطية وتنصيب الأقلية بالقوة والغشّ والفوضى على الأكثرية مهما كان الثمن !!! وليس هذا بدعًا من أفعال العلمانيين العرب، فقد جرّبوه من قبل في الجزائر حين انقلبوا على الاختيار الشعبي ، ومهّدوا لذلك بإنشاء ’’ لجنة إنقاذ الجزائر’’ فأغرقوا البلاد في حرب مدمّرة ، ندعو الله ألا يتكرّر بلاؤها في أرض الكنانة على يد ’’ جبهة ’’ هي نسخة من تلك ’’ اللجنة ’’.
إنّ غلاة العلمانيين العرب يكرهون الحلّ الاسلامي والديمقراطية معًا، ومحمد مرسي يمثّل الأمرين كليهما، لذلك كان عداؤهم له مضاعفًا، أعماهم عن إبصار أيّ إنجاز حقّقه خلال سنة من الحكم، رغم أنه أبدى قدرة عالية على الإحاطة بالملفات الكبرى والاضطلاع بمسؤولية الإصلاح والتسيير الراشد، وقد زاد في غيّهم انحياز الاعلام والقضاء للثورة المضادّة وعملهما العلني ضدّ الرئيس المنتخب ، بينما التزم هو بقواعد الديمقراطية التزامًا كاملاً أدهش المراقبين ، وحاكم خصومه إلى الدستور والقانون، بل تنازل عن حقه في التظلم منهم.
هذه هي الخطايا التي لا يغفرها دعاة الثورة المضادّة وفلول النظام المنهار ودوائر صناعة الدكتاتورية لمحمد مرسي، وقد هالَهم أن ينتقل هو وإخوانه من الزنازين وأقبية التعذيب إلى سدّة الحكم حتى ولو كان ذلك بإرادة شعبية حرّة تُحسن التمييز بين البرامج والرموز، وكبُر عليهم تهاوي أنظمة الإستبداد والجمهوريات الوراثية تحت وطأة الغضب الشعبي المشروع، وخافوا من الحُكم الراشد المستند في آن واحد إلى الإختيار الحرّ والمشروع الإسلامي الواعد.
هل أُعطي محمد مرسي وقتا كافيا ليُطالب بتقديم عرض عن إنجازاته؟ لقد ناصبوه العداء من الشهر الأول، بل منذ يوم إعلان فوزه، ولم تتوقف الآلة الإعلامية والقضائية الجهنمية عن محاصرته بالقلاقل المفتعلة والشائعات المتواصلة والكيد الرخيص والاستقواء بدول إقليمية يرتعش حكامها الفاسدون من فرضية الاحتكام إلى الشعب، وبدول كبرى لا تستسيغ إفلات الدول العربية – ومصر خاصة – من قبضتها.
لقد رأى الناس جميعا تفاني أول رئيس عربي منتخب في عمله وتجرده من البهارج حتى إنه صاحب أضعف مرتبّ من بين رؤساء العالم، وأحرز قصب السبق في التواضع والحلم والعفو، ولاحظ الرأي العام كله انحياز أغلبية الشعب المصري له- وفي مقدمتهم الاسلاميون على اختلاف تشكيلاتهم الدعوية والسياسية- وقد اصطفّ ضدّه أيتام النظام البائد وسفهاء ’’البلاك بلوك’’ وبعض تجار السياسة المفلسين – والشيء من معدنه لا يستغرب – ولكن العجب يكمن في جماعات دينية تحالفت معهم تحالفًا دنيويا بغيضًا لا حظّ فيه للدين والعقيدة والقيَم، مثل الشيعة والمتصوفة المخرفين والكنيسة بكلّ أطيافها، ولو كان مرسي طاغية أو منحرفا لمال هؤلاء إليه ولنصروه كما هو دأبهم مع الطغاة والمفسدين
لكن هناك عامل قوة بين يدي محمد مرسي ، وإن كان العلمانيون لا يفقهونه بل يسخرون منه، هو التفاف المؤمنين حوله في العالم كله، يدعون له بإخلاص ويفدونه بالغالي والنفيس لأنه يمثّل الحاكم العربي المسلم الذي ينشدونه منذ عهود طويلة، يرفع راية الاسلام ويخدم الأمة وينتصر لقضاياها ، ولا شكّ أن البديل عن الرئيس مرسي اليوم هو الفوضى...لكن لعلّ ذلك ما يريده خصومه حتى يموت الأمل عند المصريّين والعرب والمسلمين، لكن الأمل لن يموت، ومرسي لن يُزاح، والإسلام إلى انتصار والربيع العربي سيكتسح مزيدا من البلاد المضطهدة وسيرتفع سقف الحرية فيكثر أنصارها، وحينها يتوطّد حكم محمد مرسي وكلّ من اختارهم الشعب.
وأظن ان ما بعد 30/6 سيكون مختلفا تمامًا عمّا قبله، وسيعرف منعطفا في تعامل الرئيس مع المؤامرات المتواصلة ، ولن يكون التغيير المنشود والاجراءات المرتقبة سوى اتخاذ قرارات ثورية بدل الإبقاء على الدولة العميقة بفسادها وتآمرها، لتطال منظومة القضاء والساحة الإعلامية بالتطهير والمحاسبة .