مركز الوفـــاق الإنمائي للدراسات والبحوث والتدريب

2014/08/17 20:10
بين طريقي النــدامة والســلامة
يطالبون سوريا بأن تستوعب درس العراق‏،‏ ولاتكرر تجربته أصابوا في النصيحة‏،‏ لكن يبدو أن البعض اخطأ في الدرس‏،‏ فمنهم من قرأه من زاوية الدعوة إلي الانصياع والاصطفاف في بيت الطاعة الأمريكي‏،‏ حتي لاتتعرض سوريا لدق العنق‏،‏ وهم بذلك يدفعونها إلي طريق الندامة الذي لارجعة منه‏،‏ في حين أن أول صفحة من الدرس واجب القراءة تقول للجميع بصوت عال إن التصالح بين السلطة والمجتمع هو طوق النجاة وطريق السلامة‏،‏ حتي لاتلقي صور وتماثيل السلطة ذات المصير الذي رأيناه في بغداد‏.‏

‏(1)‏
لم يضيعوا وقتا‏،‏ وصوبوا سهامهم نحو سوريا بأسرع مما توقعنا‏،‏ نعم كنا نعلم أن سوريا وحزب الله في لبنان وإيران‏(‏ البعض أضاف ليبيا‏)‏ احتلوا صدارة المطلوبين بعد إسقاط النظام العراقي‏(‏ هناك آخرون مطلوبون ولكن دورهم يأتي في ترتيب لاحق‏).‏ لكني كنت أحد الذين تصوروا أنهم سيلجأون إلي استدعاء تلك الملفات تباعا بعد ان تستقر الأوضاع للأمريكيين في العراق ولو بصورة نسبية‏.‏ بوجه أخص بعد تشكيل حكومة انتقالية في بغداد ـ لكن يبدو أن ذلك الظن كان متفائلا بأكثر مما ينبغي‏،‏ وان نشوة النصر الظاهر‏،‏ جعلت واشنطن تبدأ في ملاحقة سوريا بمختلف الادعاءات والاتهامات‏.‏
ولست أشك في أن إسرائيل وراء استعجال الملاحقة‏،‏ لسبب جوهري هو أن الحرب علي العراق تداخلت فيها المصالح الأمريكية النفطية مع الحسابات الإسرائيلية الاستراتيجية‏،‏ خصوصا مخاوفها من تنامي القدرة العسكرية العراقية‏،(‏ لاتنس ان اسرائيل دمرت المفاعل النووي العراقي في عام‏1981)‏ ـ لكن الأمر مختلف في الحالة السورية‏،‏ لإن الإغراء النفطي غير وارد‏،‏ ومن ثم فالمصلحة الأمريكية المباشرة لا وجود لها في حقيقة الأمر‏،‏ والمصلحة المرجوة اسرائيلية خالصة‏.‏

ومن يتابع الصحافة الإسرائيلية خلال الأسبوعين الأخيرين‏،‏ يلحظ فيها بوضوح ذلك الاستعجال لقطف ثمار الحرب‏،‏ التي أريد لإسرائيل من البداية أن تقف خلالها في الظل‏،‏ وان تمارس دورها الكبير فيها من وراء ستار من باب الاحتياط‏،‏ لتهدئة غضب الشارع العربي‏،‏ وشارون نفسه هو القائل لصحيفة يديعوت أحرونوت انه خلال الحرب‏،‏ ساد مستوي في التنسيق بين إسرائيل والولايات المتحدة لم يسبق له مثيل في تاريخ البلدين‏،‏ منذ أقيمت إسرائيل‏.‏
اذا كان الدفع علي ذلك المستوي‏،‏ فقد نفهم تعجل إسرائيل في القبض‏،‏ الذي لاتمانع تل أبيب في أن يكون علي أقساط‏،‏ شريطة ان تكون سوريا هي القسط الأول‏،‏ ذلك أن بعد إسقاط النظام العراقي‏،‏ واخضاعه لقيادة جديدة موالية لإسرائيل‏،‏ وفي ظل وجود اتفاق سلام بين عمان وتل أبيب‏،‏ فان الجهة الشرقية التي ظلت تهدد إسرائيل لم تعد موجودة من الناحية العملية‏،‏ والجملة الأخيرة اقتبستها من تحليل كتبه اريك باخر في صحيفة‏(‏ معاريف‏)(‏ عدد‏4/15)‏ وفيه ذكر انه لم يبق في الجبهة الشمالية غير سوريا‏،‏ التي اذا لم تعتدل فأمامها الكثير من الكدر في السنوات القادمة‏،‏ وفي رأيه انه اذا ما واجهت سوريا موقفا أمريكيا حازما‏،‏ فان ذلك سيكون له صداه في لبنان‏،‏ الذي سوف يوقف نشاط حزب الله عند حد لايسمح له بفرض اجندته إزاء إسرائيل‏.‏

هكذا ففي تصورهم ان التخلص من الصداع الذي تسببه سوريا لإسرائيل‏،‏ سوف يكمل حلقات تأمين الجبهات المحيطة بها‏،‏ الأمر الذي يطمئنها من ناحية‏،‏ ويمكنها من الاستفراد بالملف الفلسطيني من ناحية ثانية‏.‏

‏(2)‏
حين فتح الملف اذيعت حيثيات الادعاء ضد سوريا‏،‏ التي سمعناها من قبل موجهة ضد العراق‏،‏ وقد ضمت القائمة المعروفة امتلاك أسلحة دمار شامل وصواريخ بعيدة المدي‏،‏ ودعم الإرهاب‏،(‏ المقاومة الفلسطينية وحزب الله‏)‏ وإيواء ارهابيين‏(‏ عناصر وأركان النظام البعثي العراقي‏)‏وأضيفت إلي القائمة مسألة العلاقة مع إيران‏،‏ المعادية لإسرائيل التي تدعم بدورها حزب الله‏،‏ هذه الاتهامات ترددت في واشنطن علي ألسنة الرئيس بوش ووزيري الخارجية والدفاع في حكومته‏،‏ كما رددها بشكل مواز في إسرائيل رئيس الوزراء ارييل شارون ووزير الدفاع شاؤول موفاز‏.‏

ليس عندي تعليق علي مثل هذه الاكتشافات التي برزت فجأة بعد احتلال العراق‏،‏ فملابساتها ومقاصدها مفهومة‏،‏ لكنني سأكتفي بثلاث ملاحظات في الموضوع تساعدنا علي تصور أبعاده‏،‏ منقولة عن المصادر الأمريكية والإسرائيلية‏.‏
‏*‏ الملاحظة الأولي أوردتها صحيفة واشنطن بوست ونقلتها عنها صحيفة الشرق الأوسط‏(‏ عدد‏4/19)‏ وخلاصتها أن سوريا بدأت منذ‏30‏ سنة في الحصول علي الأسلحة الكيماوية وصواريخ سكود طبقا لمعلومات المسئولين في الاستخبارات الأمريكية‏(‏ تذكروا الحكاية الآن‏!)‏ وحسب أحد المسئولين في الاستخبارات فان الرئيس السابق حافظ الأسد لجأ إلي ذلك لمواجهة تطوير إسرائيل للأسلحة النووية‏،‏ وقد اضطر إلي ذلك حين أدرك ان الاسلحة الروسية التي يعتمد عليها لايمكن ان تتكافأ مع ماطورته إسرائيل في مجال السلاح النووي‏،‏ وماتتسلمه من أسلحة من الولايات المتحدة‏.‏ أضاف تقرير واشنطن بوست أن ثمة إجماعا بين الخبراء المعنيين في واشنطن علي أن كل بلدان الشرق الأوسط تواصل تطوير برامج أسلحة الدمار الشامل‏،‏ وهي تقوم بذلك بسبب ماتمتلكه إسرائيل من أسلحة‏،‏ وهو ماصرح به جوزيف كرينسيون رئيس برنامج منع انتشار الأسلحة‏،‏ في مركز كارينجي لتحقيق السلام العالمي‏.‏

‏*‏ الملاحظة الثانية أن رئيس الوزراء الإسرائيلي قال في حوار أجرته معه صحيفة يديعوت أحرونوت في‏4/16،‏ أن لدي سوريا ترسانة ضخمة جدا من السلاح الكيماوي‏،‏ ومحاولات لامتلاك قدرة صاروخية‏(‏ انظروا‏:‏ من يتكلم؟‏)‏ غير أن إسرائيل‏(‏ التي سلطت أبواقها لتملأ الدنيا ضجيجا بسبب ذلك‏)‏ ليست في دائرة الخطر‏،‏ ولاتتوقع هجوما سوريا عليها‏،‏ وذلك يعود إلي تدهور وضع الجيش السوري‏،‏ولأنهم يقدرون ان اسرائيل تعرف كيف تدافع عن نفسها‏.(‏ لم يسأله محاوره ناحوم برنياع‏،‏ اذا كان الأمر كذلك‏،‏ فمم الخوف ولماذا الضجيج إذن‏!)‏

‏*‏ الملاحظة الثالثة وردت في تعليق آخر نشرته الصحيفة في اليوم ذاته‏،‏ وفي مستهله قال صاحب التعليق يرون لتدن مانصه‏:‏اثنان علي الأقل يبتسمان لسماع اتهامات جورج بوش بحق سوريا‏(‏ الخاصة بامتلاكها للسلاح غير التقليدي‏)‏ هما‏:‏ موردخاي فعنونو وماركوس كلينبرج‏،‏ فكلاهما يعرف جيدا طبيعة السلاح الموجود في الجعبة الإسرائيلية‏،‏ فحسب منشورات أجنبية فان ذلك السلاح يفوق بقوته الفتاكة سبعة أضعاف ماهو موجود لدي كل العرب‏.‏ الأمر الذي يثير تساؤلا حول مايسمح للبعض وما يخطر علي البعض الآخر‏،‏ ومايباح للقوي العظمي حيازته‏،‏ ومايحرم علي الآخرين‏،‏وفي اجابته قال إن المهم ليس نوع السلاح‏،‏ وإنما هوية حائزيه‏،‏ فالدول المهيمنة قررت أن أسلحة الدمار الشامل التي تحوزها ترمي إلي الردع وحسب‏،‏ بينما أن أسلحة الدمار التي توجد في أيدي الآخرين من شأنه أن يمتشق ويستخدم لأهداف عدوانية‏.‏

‏(3)‏
التسخين مستمر في واشنطن‏،‏ وفي أعقاب التنديدات والتهديدات التي صدرت عن الإدارة الأمريكية‏،‏ ترددت الأصداء في الكونجرس‏،‏ فبدأ بعض الأعضاء يتحدثون عن مشروع قانون محاسبة سوريا الذي قدم في العام الماضي‏،‏ وذهب آخرون إلي اعلان حملة تحرير سوريا‏،‏ علي غرار حملة تحرير العراق وثار لغط آخر عن توقيع عقوبات اقتصادية من قبيل تجميد الأصول والإيداعات السورية بالخارج‏،‏ ومنع الصادرات‏،‏ وتقييد حركة الدبلوماسيين السوريين‏،‏ بل تحدث البعض عن ضرورة تحميل دمشق مسئولية أي هجمات لحزب الله اللبناني‏،‏ موجهة إلي الأهداف الإسرائيلية‏(‏ نيويورك تايمز ـ‏4/18).‏
ورغم أن المشهد بدا وكأنه تسابق في استباحة سوريا والنيل منها‏،‏ إلا أنني ازعم أن الأمر لن يصل إلي درجة القيام بعمل عسكري أمريكي ضدها لأسباب عدة‏،‏ ليس بينها بطبيعة الحال احترام سيادة البلد او احترام الامة العربية‏،‏ أول تلك الاسباب ان الولايات المتحدة لاتحتاج إلي عمل عسكري ضد سوريا لكي تحقق ماتريد‏،‏ فإسرائيل يمكن ان تقوم بالعمل العسكري اذا كان ضروريا‏،‏ وهناك العديد من الذرائع التي يمكن أن تتعلل بها في ذلك‏،‏ ثم ان الولايات المتحدة ليست لها تطلعات خاصة في سوريا‏،‏ كما سبقت الإشارة‏،‏ ناهيك عن أنها تدرك جيدا انه ليست لها مشكلة مع دمشق‏،‏ وان المشاكل هي بين دمشق وتل أبيب‏،‏ الأمر الذي يجعلها تحجم عن العمل العسكري‏،‏ خصوصا ان ذلك العمل يتعذر تبريره امام الناخب الأمريكي‏،‏ فضلا عن هذا وذاك فان هناك ثقة في البيت الأبيض بأن الولايات المتحدة تستطيع أن تبلغ مرادها عن طريق الابتزاز والضغوط السياسية والاقتصادية‏،‏خصوصا أن سوريا أبدت تعاونا ملحوظا رحبت به واشنطن بعد‏11‏ سبتمبر‏،‏ فيما سمي بمكافحة الإرهاب‏.‏

ليس ذلك رأيي وحدي‏،‏ فقد وقعت في الشرق الأوسط‏(‏ عدد‏4/18)‏ علي تقرير منقول عن صحيفة لوس أنجلوس تايمز عبر عن نفس الموقف‏،‏ إذ ذكر كاتبه رونالد بروانستاين ان الذين كانوا اكثر الناس حماسا للحرب ضد العراق‏،‏ اصبحوا يتبنون الآن الدعوة إلي السلام‏،‏ أو علي الأقل التوقف المؤقت عن العمل العسكري‏،‏ وحتي في الوقت الذي يصدر فيه الرئيس جورج بوش ومعاونوه تصريحات شديدة حول سوريا‏،‏ فان منظري السياسة الخارجية من المحافظين الجدد الذين وضعوا الأسس الفكرية للحرب ضد العراق‏،‏ يقللون حاليا من احتمالات شن أعمال عسكرية جديدة في منطقة الشرق الأوسط علي الأقل في المدي القريب‏.‏
نقل الكاتب عن ارن فريدبيرج‏،‏ استاذ الشئون الدولية بجامعة برنستون‏،‏ وهو من المحافظين الجدد قوله‏:‏لا اعتقد ان هناك شهية مفتوحة لدي غالبية الناس للعمليات العسكرية التي لاتنتهي‏،‏ ولايشعر بهذه الرغبة حتي أولئك الذين يعتقدون أن الحرب ضد العراق سارت بصورة جيدة‏.‏

أضاف أن تلك النغمة الهادئة أدهشت البعض لان كل مفكري التيار المحافظ الجديد‏،‏ تقريبا ظلوا يصورون حرب العراق كفصل واحد فقط من صراع أوسع ضد مايسمونه التطرف الأصولي‏،‏ ولكن مجموعة من المقالات والتصريحات الصادرة عن هؤلاء المفكرين أنفسهم منذ سقوط بغداد‏،‏ دعت إلي أن تعتمد الخطوات اللاحقة علي الضغوط الدبلوماسية والاقتصادية وليس علي القوة العسكرية‏.‏

‏(4)‏
في مواجهة ما أطلق عليه البعض وصف الدبلوماسية الأمريكية الخشنة إزاء سوريا‏،‏ هناك مدرستان‏،‏ أولاهما الأشهر والأعلي صوتا هذه الأيام ـ في الساحة العربية كلها للأسف ـ وأسميها مدرسة التثبيط‏،‏ وهي التي تنطلق من ان الولايات المتحدة قوة ينبغي ألا ترد لها كلمة أو رغبة‏،‏ وهي لم تعد تحتمل الحلول الوسط منذ أحداث‏11‏ سبتمبر‏(‏ حين أعلنت علي الجميع اما أن تكونوا معنا أو ضدنا‏).‏ وباسم القراءة الرشيدة للسلوك الأمريكي المستجد‏،‏ يدعون إلي ضرورة التحلي بالواقعية ومن ثم التجاوب مع الرغبات الأمريكية‏،‏ التي وصفها بعضهم بأنها زعيمة العالم الحر والتجاوب المطلوب له معني واحد يتمثل في الانصياع‏،‏ وهذا الانصياع له صورة واحدة هي الانبطاح بمعني‏.‏ أن يكون الانصياع دائما ومطقا‏،‏ بحيث لايقبل الامتثال في أمر والتحفظ في أمر آخر‏،‏ ان شئت فقل انه من قبيل الامتثال الصوفي‏،‏ الذي تكون فيه علاقة المريد بشيخه كالميت بين يدي من يكفنه‏،‏ فضلا عن أن من اعترض انطرد‏!‏
وهذا الذي أقوله ليس فيه أية مبالغة‏،‏ لأنني شاهد علي حالتين نموذجيتين في هذا الصدد‏،‏ في عالمنا العربي والإسلامي بطبيعة الحال‏،‏ حدث ذلك بعد‏11‏ سبتمبر‏،‏ والبلدان اللذان اعنيهما هما إيران وقطر عربي آخر‏،‏ وقد تعاونا شأنهما في ذلك شأن بقية دول المنطقة مع الولايات المتحدة في حملتها ضد الإرهاب‏،‏ولكن إيران بحكم ثقلها وطبيعتها كان بمقدورها أن تتحفظ علي بعض الطلبات فعوملت بصد وغضب من جانب واشنطن‏،‏ ورد مرشد الثورة علي رسالتها بالمثل‏.‏

أما البلد العربي فانه لم يستطع ان يرد بكلمة‏،‏ فأغرق بالطلبات التي تجاوز بعضها كل حدود‏،‏ حتي بدا أن ضريبة الانبطاح لاسقف لها‏.‏
ادري ان سوريا محصنة بصورة نسبية ضد الانبطاح المطلوب‏،‏ ولو كانت بغير تلك الحصانة لانصاعت وامتثلت ـ وقبضت ان كان هناك قبض ـ منذ أمد بعيد‏،‏ لكن هناك من يحاول ان يسترضي الولايات المتحدة من خلال وسائل ورسائل عدة‏،‏ ترد وتفند الشبهات التي تثيرها واشنطن وأبواقها ضد دمشق قدر المستطاع‏.‏

المدرسة الثانية ترفض الانصياع والانبطاح وتدعو إلي الصمود‏،‏ وكنا في السابق نضيف التصدي والتحدي‏،‏ لكننا أصبحنا نبتلع مثل هذه المفردات للأسباب التي يعرفها الجميع‏،‏ بحيث لم يعد طموحنا يتجاوز حدود الثبات والتصدي‏،‏ والذي نفهمه والدرس الذي تعلمناه من التجربة العراقية أن للتصدي مقومات وشروطا‏،‏ أولها واهمها قوة الجبهة الداخلية وتلاحم السلطة مع المجتمع‏،‏ ولانعرف حتي الآن صيغة نجحت في احداث ذلك التلاحم‏،‏ومن ثم توفير القوة المنشودة للجبهة الداخلية‏،‏ أجدي وأكثر فعالية من ارساء أسس الديمقراطية‏،‏ التي بها يتحول الناس من رعايا تابعين إلي شركاء ومواطنين‏.‏
لقد كانت أمام النظام العراقي فرص لاحصر لها لإرساء الديمقراطية وتحقيق المصالحة الوطنية لكنه أهدرها جميعا‏،‏ وآثر ان يبقي علي المجتمع محبوسا في السراديب والزنازين‏،‏ حتي كانت النهاية المهينة للنظام بكل رموزه‏،‏ الأمر الذي وفر للأمريكيين فرصة ستر عورة الاحتلال وسوءته بذريعة تكسير السراديب وفتح الزنازين وتحريرالشعب العراقي‏.‏

قديما أرسل أحد الولاة باليمن إلي خليفة المسلمين عمر بن العزيز يستأذنه في جباية بعض الأموال من المسلمين لتحصين مدينته وتعزيز أسوارها في مواجهة ما قد تتعرض له من تهديد‏،‏ فرد عليه الخليفة برسالة من ثلاث كلمات قال فيها‏:‏ حصن ديارك بالعدل‏.‏
ألا تستحق العبارة أن نكتبها علي لافتة كبيرة تمتد بطول العالم العربي وعرضه‏،‏ وأن نحولها إلي نبراس للصمود‏،‏ ونحن مقبلون علي ما سموه بمرحلة إعادة رسم الخرائط في المنطقة؟
أضافة تعليق