عبد الرحمن فرقاني
الاربعاء 22 جمادى الأولى 1434 الموافق 03 إبريل 2013
إنّها حقيقة، وهي أنّ مهلة عام 2014م قد بدأت تضغط و تؤثّر على عمليّة التّنمية في ميادين السّياسة، والاقتصاد، والاجتماع و الثّقافة الأفغانيّة يومًا بعد يوم، و تمهّد الطّريق لتغيّرات كبرى وجوهريّة في تلك الميادين، والأسئلة التي تطرح نفسها وتشغل بال الجميع بخصوص تلك المهلة، هي: ما الرّسالة التي تجلبها تلك المهلة لأفغانستان؟ ماذا سيحدث بعدعام 2014 م؟ إلى أين تتّجه أفغانستان بعد عام 2014م؟
مستقبل أفغانستان الجريحة لايستطيع أحد أن يتصوّره بشكل واضح ودقيق. الأطراف المختلفة في قضيّة أفغانستان تسوق عام 2014م لأهدافها،المجتمع الأفغانيّ حائر ومتشتّت الذّهن، والأطراف لا تجد ضالّتها (الصّلح)، ولاتعرف من أين تحصّلها، ولاتعرف من يمسك بيدها ليوصلها إلى برّالأمان؟! على الرّغم من أنّ حلقات داخليّة و خارجيّة أخذ تشيع في عامّة النّاس و في المجتمع الأفغانيّ عقليّة اليأس، وتؤزّم في ما يتعلّق بتبعات المهلة عام 2014م، و على أساس تلك الفرضيّة تشدّد على أنّ مع خروج قوّات حلف شمال الأطلسي والقوات الأمريكيّة تدخل البلاد مرّة أخرى في حروب أهليّة عمياء و قاسية.. تلك الحروب التي هدّدت على مدى العقود الثّلاثة الماضية مصالح أفغانستان الاقتصاديّة والسّياسيّة... و تلاشت فيها الوحدة الوطنيّة، وقُتل من قتل فيها من أبناء الشعب المنكوب، و أُخذت البلاد إلى عدم الاستقرار السّياسيّ و الإستراتيجيّ.
من ناحية أخرى -كما يدّعي بعض المحلّلين خلافًا لإشاعات و دعاية المطبوعات الغربيّة- فهنالك منطق آخر قابل للتأمّل والذي يقول: إنّ مهلة 2014م قد تجلب مع نفسها للشّعب الأفغانيّ المنكوب الذي كلّ و ملّ من ويلات الحروب المستمرّة، قد تجلب رسالة الوفاق الوطنيّ و السّلام الدّائم المبنيّ على أسسس إسلاميّة و وطنيّة معقولة و مقبولة للجميع.
إذا وُظّفت مهلة عام 2014 م بشكل صحيح و عملت (شورى الصلح) من خلال مشروع جديد، واضح و دقيق ومقبول لجميع أطراف النّزاع الأفغانيّ، فبكلّ تأكيد إنّ مهلة عام 2014 م ستجلب لأفغانستان الجريحة السّلام الشّامل والدّائم، و تكون الأمّة الأفغانيّة مرّة أخرى صاحبة حياة جديدة، حياة الحريّة، والعزّة و المجد و السّعادة الغامرة. وإذا ما وُظّفت بشكل غير صحيح فبكلّ تأكيد إنّ أفغانستان ستُواجه مصائب و آلامًا جمّة أكثر من التي واجهتها طيلة الثّلاثين عامًا من الدّمار و الخراب، و يبقى جوّ من عدم الثّقة بين أبناء الشّعب الأفغانيّ كما هو الحال، و سيلعب بمصيرها الآخرون أيضًا، وستبقى أفغانستان غارقة في نار الحرب التي أشعلها الآخرون لمصالحهم الاستعماريّة و ميدانًا لتصفية حسابات و مصالح اقتصاديّة و سياسيّة لدول الجوار ومن خلفها أهداف الدّول الاستعماريّة.
مهلة عام 2014 بصفتها تهديدًا رئيسيًّا و كبيرًا تهدّد عقليّة أطراف المجتمع الأفغانيّ المختلفة، هذا واضح وبيّن للجميع بأنّ الإدارة الحاليّة وصلت للحكم عن طريق أصول و قوانين (ديموقراطية) لا تسمح لها بالبقاء في سدّة الحكم لفترة رئاسيّة أخرى. الدّستور الحاليّ و قوانين الانتخابات لا تسمح للحكومة الحاليّة أن تواصل في إدارة شؤون البلاد، و لكنّ بعض المحلّلين يرون بأنّ الإدارة الحاليّة لديها ورقة وحيدة تضمن لها بقاءها في الحكم، ألا وهي أن تذهب قدمًا مع المعارضة المسلّحة للدّولة في مشروع المصالحة الوطنيّة، و من مطالب المعارضة الأساسيّة لتأمين الصّلح والوفاق الوطنيّ أن يتمّ تغيير بعض موادّ الدّستور، وقد شدّدت عليها عن طريق المفاوضات بباريس، و قد تحاول الإدارة الحاليّة أن تضمن و تجد لنفسها مكانًا في الحكم عبر تلك المطالب و التّغيّرات في الدّستور، و من هنا تسعى الحكومة الحاليّة جاهدةً أن ترى مشروع المصالحة الوطنيّة نورًا، ويتمّ تعديل موادّ الدّستور بشكل يضمن لها وجودها في الحكم.
وفْق هذه الفرضيّة نستطيع أن نقول: إنّ الحكومة الحاليّة إلى حدٍّ كبير مستعدّة لإرساء السّلام و الوفاق الوطنيّ في أفغانستان، وإذا كانت الحكومة الحاليّة مع اقتراب مهلة عام 2014م ترى من جهة أنّها ستواجه في طريق استمرارها في الحكم صعوبات و معوّقات، فمن جهة ثانية القوّات الأمريكيّة و حلف شمال الأطلسي المتواجدة في أفغانستان أيضًا قلقة بشأن خروجها الآمن قبل مهلة 2014م من أفغانستان، وترى مستقبلها في خطر، و تسعى أن تطرح قبل وصول تلك المهلة آليّة تضمن خروجها الآمن من أفغانستان، و أن لا تُسجَّل مغادرتهم البلاد ?فشل سياسيّ وعسكريّ ذريع في صفحات التّاريخ.
على صعيد آخر المعارضون السّياسيّون يرون بأنّ وصول الحكومة الحاليّة إلى أيّ اتّفاق مع المعارضة المسلّحة من شأنها أن تضيّق دائرة نفوذها في الدّولة، وتكون بمثابة تهديد كبير لمصالحها الاقتصاديّة الحاليّة، و تشكّل جزءًا كبيرًا من هذه المعارضة المنظّمات التي خاضت حروبًا مريرة وطويلة قبل ذلك مع خصومها (المعارضة المسلحة الحالية)، و ارت?بوا من خلالها من الجرائم ممّا تقشعرّ له الأبدان، و ذلك رغبة في السّلطة و الحكم السياسيّ، وكانت دومًا طرفًا في معضلات أفغانستان المعاصرة، ولكن عن طريق بعض الاتفاقيّات مع القوات المحتلّة والإدارة الحاليّة صارت لهم حلقة نفوذ واسعة و موضع قدم كبيرة في إدارات الدّولة المهمّة و الإستراتيجية، و امتلكوا ثروات كبيرة و طائلة عن طريق سوق العقار و سوق السّلع التّجاريّة، مع أنّه في الظّاهر يبدون كأنّهم معارضون سياسيّون للدّولة، ولكن في الحقيقة لهم يد طولى و نفوذ كبيرفي الحكومة الحاليّة.
المعارضة السّياسيّة للدّولة من جهة أخرى لاتستطيع أن تتحمّل اشتراك المعارضة المسلّحة في الدّولة، و مع دخولها في هيكل الحكومة ترى مصالحها الاقتصاديّة و السّياسيّة في خطر، و ترى حلقة نفوذها في الدّولة تضيق، من جهة ثانية في حال خروج قوّات حلف شمال الأطلسي و القوّات الأمريكيّة فإنها لا ترى نفسها محتاجة إلى محاربتهم من جديد؛ إذ هدفهم الأسمى الحفاظ على الثّروات التي جمعوها في تلك الفترة، لذلك على الأقلّ قد تكون مستعدة لإرساء السّلام و الوفاق الوطنيّ في حال ضمان مصالحها الاقتصاديّة.
وكذلك المعارضة المسلّحة مع اقتراب مهلة 2014 لا تستطيع أن تقدّم مبرّرات لمقاومتها المسلّحة لأطراف داخليّة و خارجيّة؛ فالمبرر الأساسيّ لمقاومتها هو تواجد القوّات الأمريكيّة و قوّات حلف شمال الأطلسيّ على الأراضي الأفغانيّة؛ فبخروج تلك القوّات ينتفي ذلك المبرّر من الأساس، و من هنا قد تفكّر في قبول المصالحة الوطنيّة، واشترا?ها في المفاوضات الأخيرة بباريس يأتي في نفس المحور و الإطار.
وكذلك دول الجوار أيضًا مع اقتراب وصول مهلة عام 2014م تفقد مبرّرات تدخّلها في شؤون الحكومة الأفغانيّة، ولا تستطيع أن تجد أدلّة مقنعة لمواصلة تدخّلها، أو أن تجد حلقات داخليّة تقنعها وتموّلها حتى تقاتل ضدّ حكومة أفغانستان في سبيل الوصول إلى أهدافها التّوسعيّة، وبالتّالي فإنّ الدّول المجاورة أيضًا تسعى حتى ترى مشروع المصالحة الوطنيّة نورًا، ومن خلاله تجد موضع قدم في السّاحة الأفغانيّة، و تحصل على مكاسب من قبيل معرفة ما يُعرف باسم (خط ديورند) كحدٍّ رسميّ بين أفغانستان و باكستان، و حصّة في ثروات أفغانستان الطّبيعيّة و حوافز ماديّة بدل تأمين ممرّ آمن لخروج القوّات الأمريكيّة و قوّات شمال الأطلسيّ، وامتيازات أخرى. و بخصوص تلك الدّول نستطيع أن نقول إنّ من شأنها أن تدعم مشروع السّلام في أفغانستان.
بقيت كلمة الشّعب الأفغانيّ المنكوب والمغلوب على أمره؛ فإنّه من مدّة طويلة يحترق في وسط النّار التي أوقدتها القوّات الخارجيّة المحتلّة، و الدّاخليّة العميلة، و ينتظر بفارغ الصّبر حتى يرى في أفغانستان الحبيبة دعائم السّلام الدّائم و الشّامل قد رستْ، و يرفع يديه إلى الباري المنّان و الواحد القهّار أن يستقرّ الوضع الأمنيّ، والاقتصاديّ، السّياسيّ في البلاد، و تعيش الأمّة الأفغانيّة في رخاء وتقدّم والسّلام.
وما ذلك على الله بعزيز.
*الإسلام اليوم
الاربعاء 22 جمادى الأولى 1434 الموافق 03 إبريل 2013
إنّها حقيقة، وهي أنّ مهلة عام 2014م قد بدأت تضغط و تؤثّر على عمليّة التّنمية في ميادين السّياسة، والاقتصاد، والاجتماع و الثّقافة الأفغانيّة يومًا بعد يوم، و تمهّد الطّريق لتغيّرات كبرى وجوهريّة في تلك الميادين، والأسئلة التي تطرح نفسها وتشغل بال الجميع بخصوص تلك المهلة، هي: ما الرّسالة التي تجلبها تلك المهلة لأفغانستان؟ ماذا سيحدث بعدعام 2014 م؟ إلى أين تتّجه أفغانستان بعد عام 2014م؟
مستقبل أفغانستان الجريحة لايستطيع أحد أن يتصوّره بشكل واضح ودقيق. الأطراف المختلفة في قضيّة أفغانستان تسوق عام 2014م لأهدافها،المجتمع الأفغانيّ حائر ومتشتّت الذّهن، والأطراف لا تجد ضالّتها (الصّلح)، ولاتعرف من أين تحصّلها، ولاتعرف من يمسك بيدها ليوصلها إلى برّالأمان؟! على الرّغم من أنّ حلقات داخليّة و خارجيّة أخذ تشيع في عامّة النّاس و في المجتمع الأفغانيّ عقليّة اليأس، وتؤزّم في ما يتعلّق بتبعات المهلة عام 2014م، و على أساس تلك الفرضيّة تشدّد على أنّ مع خروج قوّات حلف شمال الأطلسي والقوات الأمريكيّة تدخل البلاد مرّة أخرى في حروب أهليّة عمياء و قاسية.. تلك الحروب التي هدّدت على مدى العقود الثّلاثة الماضية مصالح أفغانستان الاقتصاديّة والسّياسيّة... و تلاشت فيها الوحدة الوطنيّة، وقُتل من قتل فيها من أبناء الشعب المنكوب، و أُخذت البلاد إلى عدم الاستقرار السّياسيّ و الإستراتيجيّ.
من ناحية أخرى -كما يدّعي بعض المحلّلين خلافًا لإشاعات و دعاية المطبوعات الغربيّة- فهنالك منطق آخر قابل للتأمّل والذي يقول: إنّ مهلة 2014م قد تجلب مع نفسها للشّعب الأفغانيّ المنكوب الذي كلّ و ملّ من ويلات الحروب المستمرّة، قد تجلب رسالة الوفاق الوطنيّ و السّلام الدّائم المبنيّ على أسسس إسلاميّة و وطنيّة معقولة و مقبولة للجميع.
إذا وُظّفت مهلة عام 2014 م بشكل صحيح و عملت (شورى الصلح) من خلال مشروع جديد، واضح و دقيق ومقبول لجميع أطراف النّزاع الأفغانيّ، فبكلّ تأكيد إنّ مهلة عام 2014 م ستجلب لأفغانستان الجريحة السّلام الشّامل والدّائم، و تكون الأمّة الأفغانيّة مرّة أخرى صاحبة حياة جديدة، حياة الحريّة، والعزّة و المجد و السّعادة الغامرة. وإذا ما وُظّفت بشكل غير صحيح فبكلّ تأكيد إنّ أفغانستان ستُواجه مصائب و آلامًا جمّة أكثر من التي واجهتها طيلة الثّلاثين عامًا من الدّمار و الخراب، و يبقى جوّ من عدم الثّقة بين أبناء الشّعب الأفغانيّ كما هو الحال، و سيلعب بمصيرها الآخرون أيضًا، وستبقى أفغانستان غارقة في نار الحرب التي أشعلها الآخرون لمصالحهم الاستعماريّة و ميدانًا لتصفية حسابات و مصالح اقتصاديّة و سياسيّة لدول الجوار ومن خلفها أهداف الدّول الاستعماريّة.
مهلة عام 2014 بصفتها تهديدًا رئيسيًّا و كبيرًا تهدّد عقليّة أطراف المجتمع الأفغانيّ المختلفة، هذا واضح وبيّن للجميع بأنّ الإدارة الحاليّة وصلت للحكم عن طريق أصول و قوانين (ديموقراطية) لا تسمح لها بالبقاء في سدّة الحكم لفترة رئاسيّة أخرى. الدّستور الحاليّ و قوانين الانتخابات لا تسمح للحكومة الحاليّة أن تواصل في إدارة شؤون البلاد، و لكنّ بعض المحلّلين يرون بأنّ الإدارة الحاليّة لديها ورقة وحيدة تضمن لها بقاءها في الحكم، ألا وهي أن تذهب قدمًا مع المعارضة المسلّحة للدّولة في مشروع المصالحة الوطنيّة، و من مطالب المعارضة الأساسيّة لتأمين الصّلح والوفاق الوطنيّ أن يتمّ تغيير بعض موادّ الدّستور، وقد شدّدت عليها عن طريق المفاوضات بباريس، و قد تحاول الإدارة الحاليّة أن تضمن و تجد لنفسها مكانًا في الحكم عبر تلك المطالب و التّغيّرات في الدّستور، و من هنا تسعى الحكومة الحاليّة جاهدةً أن ترى مشروع المصالحة الوطنيّة نورًا، ويتمّ تعديل موادّ الدّستور بشكل يضمن لها وجودها في الحكم.
وفْق هذه الفرضيّة نستطيع أن نقول: إنّ الحكومة الحاليّة إلى حدٍّ كبير مستعدّة لإرساء السّلام و الوفاق الوطنيّ في أفغانستان، وإذا كانت الحكومة الحاليّة مع اقتراب مهلة عام 2014م ترى من جهة أنّها ستواجه في طريق استمرارها في الحكم صعوبات و معوّقات، فمن جهة ثانية القوّات الأمريكيّة و حلف شمال الأطلسي المتواجدة في أفغانستان أيضًا قلقة بشأن خروجها الآمن قبل مهلة 2014م من أفغانستان، وترى مستقبلها في خطر، و تسعى أن تطرح قبل وصول تلك المهلة آليّة تضمن خروجها الآمن من أفغانستان، و أن لا تُسجَّل مغادرتهم البلاد ?فشل سياسيّ وعسكريّ ذريع في صفحات التّاريخ.
على صعيد آخر المعارضون السّياسيّون يرون بأنّ وصول الحكومة الحاليّة إلى أيّ اتّفاق مع المعارضة المسلّحة من شأنها أن تضيّق دائرة نفوذها في الدّولة، وتكون بمثابة تهديد كبير لمصالحها الاقتصاديّة الحاليّة، و تشكّل جزءًا كبيرًا من هذه المعارضة المنظّمات التي خاضت حروبًا مريرة وطويلة قبل ذلك مع خصومها (المعارضة المسلحة الحالية)، و ارت?بوا من خلالها من الجرائم ممّا تقشعرّ له الأبدان، و ذلك رغبة في السّلطة و الحكم السياسيّ، وكانت دومًا طرفًا في معضلات أفغانستان المعاصرة، ولكن عن طريق بعض الاتفاقيّات مع القوات المحتلّة والإدارة الحاليّة صارت لهم حلقة نفوذ واسعة و موضع قدم كبيرة في إدارات الدّولة المهمّة و الإستراتيجية، و امتلكوا ثروات كبيرة و طائلة عن طريق سوق العقار و سوق السّلع التّجاريّة، مع أنّه في الظّاهر يبدون كأنّهم معارضون سياسيّون للدّولة، ولكن في الحقيقة لهم يد طولى و نفوذ كبيرفي الحكومة الحاليّة.
المعارضة السّياسيّة للدّولة من جهة أخرى لاتستطيع أن تتحمّل اشتراك المعارضة المسلّحة في الدّولة، و مع دخولها في هيكل الحكومة ترى مصالحها الاقتصاديّة و السّياسيّة في خطر، و ترى حلقة نفوذها في الدّولة تضيق، من جهة ثانية في حال خروج قوّات حلف شمال الأطلسي و القوّات الأمريكيّة فإنها لا ترى نفسها محتاجة إلى محاربتهم من جديد؛ إذ هدفهم الأسمى الحفاظ على الثّروات التي جمعوها في تلك الفترة، لذلك على الأقلّ قد تكون مستعدة لإرساء السّلام و الوفاق الوطنيّ في حال ضمان مصالحها الاقتصاديّة.
وكذلك المعارضة المسلّحة مع اقتراب مهلة 2014 لا تستطيع أن تقدّم مبرّرات لمقاومتها المسلّحة لأطراف داخليّة و خارجيّة؛ فالمبرر الأساسيّ لمقاومتها هو تواجد القوّات الأمريكيّة و قوّات حلف شمال الأطلسيّ على الأراضي الأفغانيّة؛ فبخروج تلك القوّات ينتفي ذلك المبرّر من الأساس، و من هنا قد تفكّر في قبول المصالحة الوطنيّة، واشترا?ها في المفاوضات الأخيرة بباريس يأتي في نفس المحور و الإطار.
وكذلك دول الجوار أيضًا مع اقتراب وصول مهلة عام 2014م تفقد مبرّرات تدخّلها في شؤون الحكومة الأفغانيّة، ولا تستطيع أن تجد أدلّة مقنعة لمواصلة تدخّلها، أو أن تجد حلقات داخليّة تقنعها وتموّلها حتى تقاتل ضدّ حكومة أفغانستان في سبيل الوصول إلى أهدافها التّوسعيّة، وبالتّالي فإنّ الدّول المجاورة أيضًا تسعى حتى ترى مشروع المصالحة الوطنيّة نورًا، ومن خلاله تجد موضع قدم في السّاحة الأفغانيّة، و تحصل على مكاسب من قبيل معرفة ما يُعرف باسم (خط ديورند) كحدٍّ رسميّ بين أفغانستان و باكستان، و حصّة في ثروات أفغانستان الطّبيعيّة و حوافز ماديّة بدل تأمين ممرّ آمن لخروج القوّات الأمريكيّة و قوّات شمال الأطلسيّ، وامتيازات أخرى. و بخصوص تلك الدّول نستطيع أن نقول إنّ من شأنها أن تدعم مشروع السّلام في أفغانستان.
بقيت كلمة الشّعب الأفغانيّ المنكوب والمغلوب على أمره؛ فإنّه من مدّة طويلة يحترق في وسط النّار التي أوقدتها القوّات الخارجيّة المحتلّة، و الدّاخليّة العميلة، و ينتظر بفارغ الصّبر حتى يرى في أفغانستان الحبيبة دعائم السّلام الدّائم و الشّامل قد رستْ، و يرفع يديه إلى الباري المنّان و الواحد القهّار أن يستقرّ الوضع الأمنيّ، والاقتصاديّ، السّياسيّ في البلاد، و تعيش الأمّة الأفغانيّة في رخاء وتقدّم والسّلام.
وما ذلك على الله بعزيز.
*الإسلام اليوم