د. محمد حسين النظاري
شعار جميل ضاع بين جملة شعارات مستوردة، تم تصديرها إلينا في علب ما يسمى بالربيع العربي، فالعلم والدعوة إليه اختفى حتى ظهر علينا شعار خبيث: لا دراسة ولا تدريس حتى يسقط الرئيس، وبين مدلولات هذه المقولة، يمكننا أن تستنتج أي مجتمع يريده البعض من التغيير، حين قصروه على تغيير الأفراد، أما تغيير مجتمع بأسره عن طريق العلم فقد بدا انه لا يقع في خارطة التغيير المنشود.
في الأسبوع الماضي تلقيت دعوة – ضمن أساتذة كلية التربية والعلوم برداع- من قبل الأستاذ احمد حسين الوريث –مدير مدرسة جمعان المحورية- محتوى الدعوة كان مفاجأة لي، فقد أتي مدير المدرسة إلى الكلية، شاكياً تدني التحصيل العلمي بين طلابه، وتأخر ترتيبهم بعد أن كانوا من أوائل الطلاب على مستوى المحافظة والوطن، مناشدة أساتذة الكلية المجيء للمدرسة، وإلقاء محاضرات لتوعيتهم بأهمية العلم، تحت شعار بالعلم نبني اليمن.
نحن بحاجة ماسة إلى أن يستشعر مدراء المدارس هذا الحس العلمي، المبني على حب الوطن.. فما جرى خلال العامين المنصرمين خلط العديد من المفاهيم، حتى أصبح الملتزم بالدراسة والتدريس إنسان غير ثوري.. وكأن الثورية تعني أن أثور على العلم نفسه، ومن هنا كان لزاماً على أساتذة الجامعات النزول الميداني للمدارس لعقد محاضرات دينية، وطنية، تربوية، ثقافية، سلوكية، اجتماعية.. فدور الكادر التدريسي لا ينحصر في إطار كليته فقط، بل بالتأثير والتأثر مع قضايا محيطه.
دائماً أثناء لقاءات الأخ الدكتور سيلان العرامي –رئيس جامعة البيضاء- بأعضاء هيئة التدريس ومساعديهم، اسمع منه حرصه على التأكيد بأن الطالب هو محور العملية التعليمية، وان كافة إمكانيات الجامعة من كادر تدريسي ومعدات وبنية تحتية، ما وجدت إلا لكي ينتفع الطالب بالعلم النافع، الذي يجعله قادراً على الإسهام في بناء وطنه، وهو يحرص ينبغي على أساتذة الجامعة تجسيده على الواقع.
وكما إنا مسرور اليوم، وأنا أرى أساتذة جامعة البيضاء ومساعديهم قد اكتمل صفهم داخل جامعتهم، من اجل خدمة الطالب، وتهيئة كافة الظروف الملائمة، لزيادة تحصيله، وكم زاد سروري بإصرار الأساتذة على مضاعفة جهودهم عبر المحاضرات الإضافية، التي نتمنى من خلالها أن يواكب الطالب ما فاته من دروس.
أن الأستاذ الجامعي وجد ليلقي دروسه على طلابه، وعلى هذا يتقاضى أجراً، قد لا يكون الأعلى بين طبقات المجتمع ولكنه الأفضل -وفق سلم مرتبات موظفي الدولة- ولهذا من الحرام ان يرمي عضو هيئة التدريس بكل ما تعلمه جانباً لينافس بقوة، وبطرق مشروعة وغير مشروعة ليتخطى غيره، ويمسك بكرسي العمادة أو إحدى نيابتها أو رئاسة القسم، متهرباً من الأعباء التدريسية التي وظف على أساسها في الجامعة، وباحثاً عن المزايا المالية لتلك الوظائف الإدارية... مع كلمة أن أستاذ مساعد أو مشارك أو دكتور، هي أفضل من كل المناصب بما في منصب رئيس الجامعة... فجميع تلك المسميات زائلة بكراسيها، لأنها لو دامت لغيرهم ما وصلت إليهم.. والباقي فقط هو اللقب العلمي، والتدرجات العلمية التي تحصل عليها، ضمن نشاطه البحثي.
متى يفهم عضو هيئة التدريس انه إنسان فاضل له قيمته الاجتماعية، بعلمه لا باللقب المرافق للوظيفة الإدارية، فوجاهته في محيطه بأستاذيته لا بكرسيه، وبقدر تأثيره في المحيط القريب أو البعيد.. لو فهم كل عضو ذلك لترفع عن الوشاية والنميمة والخداع، وإيهام بقية الأعضاء انه الأهم بحكم قربه من مصدر القرار، وانه يوزع عليهم الهبات والعطايا، ظاناً –بسذاجته- أن استطاع خداعهم، مع انه لم يستطع إلا خداع نفسه، واستمالة من تستهويهم المناصب الإدارية فقط.
بالمقابل ينبغي إعطاء تلك المناصب الإدارية للجديرين بها، الغير الباحثين عنها، ولا الزاهدين فيها.. فالعضو الزاهد بها الذي يريد تفريغ وقته لتدريسه وأبحاثه وخدمة محيطه، يتوجب على جامعته أن تتركه يعمل في هذا الميدان ليبدع، لا أن ترغمه على الأعمال المكتبية، كالإدارات والكنترول... والمصيبة إن الراغبين في المناصب ينتقون الأماكن الأكثر دسامة والأقل تعباً، ويتفننون في البحث عن إيقاع زملائهم الغير راغبين أصلا في مناصبهم بأعمال يريدون إيقاعهم من خلالها في مخالفات، لتكون ورقة ضغط عليهم متى شاءوا.
اليمن بحاجة إلى أن يدلي عضو هيئة التدريس بدلوه في القضايا المصيرية التي تهم الوطن، كالحوار الوطني، الذي هو هم الشارع بكل فئاته، فيما يكتفي الأستاذ الجامعي الحديث عنه في مقايل القات.. أين تأثير الأستاذ وتأثره في قضايا أمته؟ فالدكتوراه ليست شهادة تمنح لتعلق على الجدران بعد التوظيف بها في الجامعة، بل هي درجة أنفقت الدولة فيها الكثير ليصبح حاملوها مشعلاً للتغيير لا تابعين لهذا أو ذاك.
.
أستاذ مساعد بجامعة البيضاء
*منار اليمن
شعار جميل ضاع بين جملة شعارات مستوردة، تم تصديرها إلينا في علب ما يسمى بالربيع العربي، فالعلم والدعوة إليه اختفى حتى ظهر علينا شعار خبيث: لا دراسة ولا تدريس حتى يسقط الرئيس، وبين مدلولات هذه المقولة، يمكننا أن تستنتج أي مجتمع يريده البعض من التغيير، حين قصروه على تغيير الأفراد، أما تغيير مجتمع بأسره عن طريق العلم فقد بدا انه لا يقع في خارطة التغيير المنشود.
في الأسبوع الماضي تلقيت دعوة – ضمن أساتذة كلية التربية والعلوم برداع- من قبل الأستاذ احمد حسين الوريث –مدير مدرسة جمعان المحورية- محتوى الدعوة كان مفاجأة لي، فقد أتي مدير المدرسة إلى الكلية، شاكياً تدني التحصيل العلمي بين طلابه، وتأخر ترتيبهم بعد أن كانوا من أوائل الطلاب على مستوى المحافظة والوطن، مناشدة أساتذة الكلية المجيء للمدرسة، وإلقاء محاضرات لتوعيتهم بأهمية العلم، تحت شعار بالعلم نبني اليمن.
نحن بحاجة ماسة إلى أن يستشعر مدراء المدارس هذا الحس العلمي، المبني على حب الوطن.. فما جرى خلال العامين المنصرمين خلط العديد من المفاهيم، حتى أصبح الملتزم بالدراسة والتدريس إنسان غير ثوري.. وكأن الثورية تعني أن أثور على العلم نفسه، ومن هنا كان لزاماً على أساتذة الجامعات النزول الميداني للمدارس لعقد محاضرات دينية، وطنية، تربوية، ثقافية، سلوكية، اجتماعية.. فدور الكادر التدريسي لا ينحصر في إطار كليته فقط، بل بالتأثير والتأثر مع قضايا محيطه.
دائماً أثناء لقاءات الأخ الدكتور سيلان العرامي –رئيس جامعة البيضاء- بأعضاء هيئة التدريس ومساعديهم، اسمع منه حرصه على التأكيد بأن الطالب هو محور العملية التعليمية، وان كافة إمكانيات الجامعة من كادر تدريسي ومعدات وبنية تحتية، ما وجدت إلا لكي ينتفع الطالب بالعلم النافع، الذي يجعله قادراً على الإسهام في بناء وطنه، وهو يحرص ينبغي على أساتذة الجامعة تجسيده على الواقع.
وكما إنا مسرور اليوم، وأنا أرى أساتذة جامعة البيضاء ومساعديهم قد اكتمل صفهم داخل جامعتهم، من اجل خدمة الطالب، وتهيئة كافة الظروف الملائمة، لزيادة تحصيله، وكم زاد سروري بإصرار الأساتذة على مضاعفة جهودهم عبر المحاضرات الإضافية، التي نتمنى من خلالها أن يواكب الطالب ما فاته من دروس.
أن الأستاذ الجامعي وجد ليلقي دروسه على طلابه، وعلى هذا يتقاضى أجراً، قد لا يكون الأعلى بين طبقات المجتمع ولكنه الأفضل -وفق سلم مرتبات موظفي الدولة- ولهذا من الحرام ان يرمي عضو هيئة التدريس بكل ما تعلمه جانباً لينافس بقوة، وبطرق مشروعة وغير مشروعة ليتخطى غيره، ويمسك بكرسي العمادة أو إحدى نيابتها أو رئاسة القسم، متهرباً من الأعباء التدريسية التي وظف على أساسها في الجامعة، وباحثاً عن المزايا المالية لتلك الوظائف الإدارية... مع كلمة أن أستاذ مساعد أو مشارك أو دكتور، هي أفضل من كل المناصب بما في منصب رئيس الجامعة... فجميع تلك المسميات زائلة بكراسيها، لأنها لو دامت لغيرهم ما وصلت إليهم.. والباقي فقط هو اللقب العلمي، والتدرجات العلمية التي تحصل عليها، ضمن نشاطه البحثي.
متى يفهم عضو هيئة التدريس انه إنسان فاضل له قيمته الاجتماعية، بعلمه لا باللقب المرافق للوظيفة الإدارية، فوجاهته في محيطه بأستاذيته لا بكرسيه، وبقدر تأثيره في المحيط القريب أو البعيد.. لو فهم كل عضو ذلك لترفع عن الوشاية والنميمة والخداع، وإيهام بقية الأعضاء انه الأهم بحكم قربه من مصدر القرار، وانه يوزع عليهم الهبات والعطايا، ظاناً –بسذاجته- أن استطاع خداعهم، مع انه لم يستطع إلا خداع نفسه، واستمالة من تستهويهم المناصب الإدارية فقط.
بالمقابل ينبغي إعطاء تلك المناصب الإدارية للجديرين بها، الغير الباحثين عنها، ولا الزاهدين فيها.. فالعضو الزاهد بها الذي يريد تفريغ وقته لتدريسه وأبحاثه وخدمة محيطه، يتوجب على جامعته أن تتركه يعمل في هذا الميدان ليبدع، لا أن ترغمه على الأعمال المكتبية، كالإدارات والكنترول... والمصيبة إن الراغبين في المناصب ينتقون الأماكن الأكثر دسامة والأقل تعباً، ويتفننون في البحث عن إيقاع زملائهم الغير راغبين أصلا في مناصبهم بأعمال يريدون إيقاعهم من خلالها في مخالفات، لتكون ورقة ضغط عليهم متى شاءوا.
اليمن بحاجة إلى أن يدلي عضو هيئة التدريس بدلوه في القضايا المصيرية التي تهم الوطن، كالحوار الوطني، الذي هو هم الشارع بكل فئاته، فيما يكتفي الأستاذ الجامعي الحديث عنه في مقايل القات.. أين تأثير الأستاذ وتأثره في قضايا أمته؟ فالدكتوراه ليست شهادة تمنح لتعلق على الجدران بعد التوظيف بها في الجامعة، بل هي درجة أنفقت الدولة فيها الكثير ليصبح حاملوها مشعلاً للتغيير لا تابعين لهذا أو ذاك.
.
أستاذ مساعد بجامعة البيضاء
*منار اليمن