بقلم/مجيب الحميدي
نلثلاثاء 18 ديسمبر-كانون الأول 2012 12:03 ص
قال لي: هل أنت حزبي تابع في قطيع؟ فسألته: وهل أنت كائن نافر وجامح في أدغال غابات الغرائز الأنانية التي اتسم بها إنسان ما قبل الحضارة البشرية؛ حين كان يتوجس ريبة من كل صيغ النظم الجمعية، ويعتقد أنها تسلبه حريته البدائية التي هي في حقيقتها عبودية قسرية لإطار قسري تحرمه حرية الانتماء الطوعي الحر إلى الأطر التنظيمية المؤسساتية؟.
قال لي: إنه لا يعي ما أقوله، ولا يدري لماذا أقول كلاماً لا يسمعه من المثقفين. فسألته: هل تتوقع أن هذا الكائن العربي الجامح في صحراء غرائزه الأنانية، يمكن أن يتقدم شبراً نحو آفاق الحضارة البشرية قبل أن يتصالح مع العمل الجمعي والقيم التعاونية وثقافة الانتماءات الحضارية إلى الأحزاب والمؤسسات الجماعية الواسعة؟.
سألني وماذا عن المشروع الخاص؟ أكدت له أننا ما لم نتحرر من قوقعة أنانية المشاريع الصغيرة الخاصة إلى رحابة المشاريع الإنسانية العملاقة التي يجد فيها الإنسان ذاته من خلال التعاون مع إخوانه في مشروع واحد فلا سبيل إلى أي تقدم حضاري قد ينجح البعض في تحقيق الكسب المادي الفردي في مقابل خسارة المجتمع للإنجازات الجماعية العملاقة.
ومن خلال تأملنا في مسيرة الكثير من النافرين من أحزابهم إلى عالم الأحلام الفردية نجد كماً هائلاً من المشاريع الفردية الفاشلة، أو محدودة النجاح، مع غياب مرعب للمشاريع الجمعية العملاقة، مما يؤكد أننا نعاني من إعاقات ذهنية أو أخلاقية كبيرة تمنعنا من الارتقاء الإنساني ونحاول التستر عليها متبجحين بدعاوى الاستقلالية.
أليس من الملاحظ أنه كلما اجتمع شابان لتأسيس مشروع مشترك، سرعان ما يتبدد الحلم الجمعي وينشطر المشروع إلى مشروعين فاشلين، في حين نشاهد المشاريع الفردية في الدول الحضارية تتكتل وتتجمع يوماً بعد آخر في مشاريع عملاقة؟.
ألم يصل الأوروبيون إلى صيغة الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية ونحن بفضل عقدنا الأنانية والمتخلفة منتهى طموحنا تقسيم المقسم وتجزئة المجزأ وتفتيت المفتت، فهناك من يفكر بمشروع فيدراليات لليمن، ويشترط تقسيم كل فيدرالية إلى فيدراليات داخلية، حتى نصل إلى المرحلة التي يسميها بعض الطرفاء مرحلة “فيدرة لي وفيدرة لك”. ولا أتنكر هنا أن الهروب إلى الفيدرالية كان مقبولاً نوعاً ما حين كان هو السبيل البائس الوحيد المتاح للتحرر من قبضة احتكار السلطة وسوء استخدامها.
ولكني أظن استحقاق الثورة الشعبية التي قامت لتفكيك قبضة احتكار السلطة ومنع سوء الاستخدام، يستلزم إعادة النظر في هذا الخيار ولسنا الآن في سياق مناقشة هذه الجزئية.
وبالعودة إلى موضوع الانتماء والاستقلالية، أود التأكيد على أن ثقافة التزهيد في الانتماء السياسي والتحذير من الحزبية في بيئتنا اليمنية لا تقتصر على مخلفات الثقافة الرجعية البائدة، فهناك نخبة كانت تنتمي إلى مشاريع فشلت في تجديد أهدافها لتجديد كياناتها الجمعية، وبدلاً من انشغالها بإصلاح أحوالها تحاول تخريب مشاريع الآخرين بمثل هذه الدعوى التزهيدية في الانتماء الحزبي.
ولا نستطيع أن ننكر أن الروح الإبداعية تضيق ذرعاً بأنظمة السيطرة والتحكم، إلا أننا لا يمكن أن نتجاهل أن الحضارات البشرية لا تقوم ركائزها إلا على أساس عدد من الأنظمة التحكمية لضبط مسار الجهود والطاقات في اتجاه المخرجات المتوقعة على ضوء العمليات التي تستوعب جميع المدخلات.
وفي هذا السياق نختتم القول بالعبارة الآتية لجان جاك روسو:”إن ما يفقده الإنسان بالعقد الاجتماعي هو حريته الطبيعية وحقًا لا محدودًا في كل ما يغريه وما يستطيع بلوغه، أما ما يكسبه فهو الحرية المدنية.. التي وحدها تجعل الإنسان سيد نفسه حقيقة؛ إذ إن نزوة الشهوة هي وحدها عبودية، وطاعة القانون الذي نسنه لأنفسنا هو الحرية”.
*الجمهورية
نلثلاثاء 18 ديسمبر-كانون الأول 2012 12:03 ص
قال لي: هل أنت حزبي تابع في قطيع؟ فسألته: وهل أنت كائن نافر وجامح في أدغال غابات الغرائز الأنانية التي اتسم بها إنسان ما قبل الحضارة البشرية؛ حين كان يتوجس ريبة من كل صيغ النظم الجمعية، ويعتقد أنها تسلبه حريته البدائية التي هي في حقيقتها عبودية قسرية لإطار قسري تحرمه حرية الانتماء الطوعي الحر إلى الأطر التنظيمية المؤسساتية؟.
قال لي: إنه لا يعي ما أقوله، ولا يدري لماذا أقول كلاماً لا يسمعه من المثقفين. فسألته: هل تتوقع أن هذا الكائن العربي الجامح في صحراء غرائزه الأنانية، يمكن أن يتقدم شبراً نحو آفاق الحضارة البشرية قبل أن يتصالح مع العمل الجمعي والقيم التعاونية وثقافة الانتماءات الحضارية إلى الأحزاب والمؤسسات الجماعية الواسعة؟.
سألني وماذا عن المشروع الخاص؟ أكدت له أننا ما لم نتحرر من قوقعة أنانية المشاريع الصغيرة الخاصة إلى رحابة المشاريع الإنسانية العملاقة التي يجد فيها الإنسان ذاته من خلال التعاون مع إخوانه في مشروع واحد فلا سبيل إلى أي تقدم حضاري قد ينجح البعض في تحقيق الكسب المادي الفردي في مقابل خسارة المجتمع للإنجازات الجماعية العملاقة.
ومن خلال تأملنا في مسيرة الكثير من النافرين من أحزابهم إلى عالم الأحلام الفردية نجد كماً هائلاً من المشاريع الفردية الفاشلة، أو محدودة النجاح، مع غياب مرعب للمشاريع الجمعية العملاقة، مما يؤكد أننا نعاني من إعاقات ذهنية أو أخلاقية كبيرة تمنعنا من الارتقاء الإنساني ونحاول التستر عليها متبجحين بدعاوى الاستقلالية.
أليس من الملاحظ أنه كلما اجتمع شابان لتأسيس مشروع مشترك، سرعان ما يتبدد الحلم الجمعي وينشطر المشروع إلى مشروعين فاشلين، في حين نشاهد المشاريع الفردية في الدول الحضارية تتكتل وتتجمع يوماً بعد آخر في مشاريع عملاقة؟.
ألم يصل الأوروبيون إلى صيغة الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية ونحن بفضل عقدنا الأنانية والمتخلفة منتهى طموحنا تقسيم المقسم وتجزئة المجزأ وتفتيت المفتت، فهناك من يفكر بمشروع فيدراليات لليمن، ويشترط تقسيم كل فيدرالية إلى فيدراليات داخلية، حتى نصل إلى المرحلة التي يسميها بعض الطرفاء مرحلة “فيدرة لي وفيدرة لك”. ولا أتنكر هنا أن الهروب إلى الفيدرالية كان مقبولاً نوعاً ما حين كان هو السبيل البائس الوحيد المتاح للتحرر من قبضة احتكار السلطة وسوء استخدامها.
ولكني أظن استحقاق الثورة الشعبية التي قامت لتفكيك قبضة احتكار السلطة ومنع سوء الاستخدام، يستلزم إعادة النظر في هذا الخيار ولسنا الآن في سياق مناقشة هذه الجزئية.
وبالعودة إلى موضوع الانتماء والاستقلالية، أود التأكيد على أن ثقافة التزهيد في الانتماء السياسي والتحذير من الحزبية في بيئتنا اليمنية لا تقتصر على مخلفات الثقافة الرجعية البائدة، فهناك نخبة كانت تنتمي إلى مشاريع فشلت في تجديد أهدافها لتجديد كياناتها الجمعية، وبدلاً من انشغالها بإصلاح أحوالها تحاول تخريب مشاريع الآخرين بمثل هذه الدعوى التزهيدية في الانتماء الحزبي.
ولا نستطيع أن ننكر أن الروح الإبداعية تضيق ذرعاً بأنظمة السيطرة والتحكم، إلا أننا لا يمكن أن نتجاهل أن الحضارات البشرية لا تقوم ركائزها إلا على أساس عدد من الأنظمة التحكمية لضبط مسار الجهود والطاقات في اتجاه المخرجات المتوقعة على ضوء العمليات التي تستوعب جميع المدخلات.
وفي هذا السياق نختتم القول بالعبارة الآتية لجان جاك روسو:”إن ما يفقده الإنسان بالعقد الاجتماعي هو حريته الطبيعية وحقًا لا محدودًا في كل ما يغريه وما يستطيع بلوغه، أما ما يكسبه فهو الحرية المدنية.. التي وحدها تجعل الإنسان سيد نفسه حقيقة؛ إذ إن نزوة الشهوة هي وحدها عبودية، وطاعة القانون الذي نسنه لأنفسنا هو الحرية”.
*الجمهورية