د. سامي الدلال
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فهو المهتدي، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمداً عبده ورسوله، اللهم صل على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم. أعوذ بالله من الشيطان الرجيم }يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون{، }يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاً كثيراً ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيباً{، }يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولاً سديداً يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزاً عظيماً{.
سيكون البحث ضمن المحاور التالية:
المحور الأول: الواقع العقدي للجماهير.
المحور الثاني: القاسم المشترك.
المحور الثالث: ميزان الغرب.
المحور الرابع: دعم الغرب للصوفية.
المحور الخامس: ليسوا سواء.
المحور السادس: التوصيات.
المحور الأول: وهو الواقع العقدي للجماهير:
خرجت الجماهير من كل فئاتها من داخل المدن ومن القرى ومن الريف إلى مواقع التجمعات في تونس ومصر وسورية واليمن وليبيا، وضمت الميادين والساحات مختلف الفئات وبكل تفرعاتها العقدية وانتماءاتها المذهبية، فما مكونات هذا الواقع العقدي للجماهير؟
وفيما يلي نذكر هذه المكونات:
أولاً: الملتزمون:
وهم جماعة الإخوان المسلمين والسلفيون والوسطيون كحزب الوسط في مصر، والصوفيون عامة، وهؤلاء ناس يقولون لا إله إلا الله محمد رسول الله، ويصلون، ويصومون، ويزكون، كل بحسب توجهه العقدي في فهم العقيدة السليمة الصحيحة.
ثانياً: الليبراليون والعلمانيون، وينقسمون إلى أقسام عدة، وهي:
القسم الأول: مخلفات الأحزاب، ففي مصر مثلاً مخلفات الحزب الوطني، وفي تونس مخلفات حزب زين العابدين، وفي ليبيا مخلفات القذافي، وفي سورية مخلفات بشار الأسد، وفي اليمن مخلفات علي عبد الله صالح.. وهكذا، فهؤلاء شراذم من الليبراليين والعلمانيين لكنهم يشكلون واقعاً له حضوره بين الجماهير، وأيضاً لهم ساحاتهم.
القسم الثاني: الفنانون، فهم بشكل أو بآخر محسوبون على التوجه الليبرالي العلماني.
القسم الثالث: المثقفون ذوو التوجه الليبرالي والعلماني بأطيافهم شتى؛ فمنهم الأدباء، ومنهم أساتذة الجامعات، ومنهم الكتّاب، ومنهم المحررون في الصحف، ومنهم الصحفيون، ومنهم الأحزاب العلمانية كحزب الوفد وغيره، ومنهم المهنيون، ومنهم النقابيون... إلى آخره، فهؤلاء كلهم يطلق عليهم ’’المثقفون’’.
القسم الرابع: الوطنيون، وهم مخلفات الفكر القومي والناصري، ولهم امتدادهم الجماهيري في المنطقة العربية، وأيضاً لهم دور في الربيع العربي، سواء كان ذلك في مصر أو تونس أو حتى في ليبيا وفي سورية، وهم في الأغلب الذين في الخارج ويحاولون أن يقطفوا ثمرة ما يجري الآن في سورية.
القسم الخامس: اليساريون وهم في الأغلب مخلفات الأحزاب الشيوعية والتوجه اليساري السابق.
القسم السادس: السياسيون، والوزراء، والنواب، والسلك الدبلوماسي، ورؤساء الأحزاب، وأعضاء مجالس الشورى السابقون.
القسم السابع: المنظمات النسوية، حيث لها جمعيات ومدارس ومؤسسات تدعو كلها إلى تحرير المرأة بالمفهوم العلماني والليبرالي.
القسم الثامن: الشباب الثوريون، فهم ليسوا أصحاب انتماء قومي وإنما انتماء وطني، أي: ليس عندهم فكر قومي ولكنهم يركزون على التنمية وإعادة إحياء البلد من جديد... إلخ، بغض النظر عن الخلفية الفكرية التي تقوم وراء ذلك، ويطالبون بالحرية المفتوحة والانفتاح على الغرب.
ونعود إلى سرد المكونات:
ثالثاً: الأقباط بالنسبة إلى مصر، وأصحاب الأديان الأخرى الموجودة في المنطقة. والأقباط لهم رؤية بالنسبة إلى مصر، وعموم التوجهات النصرانية لها رؤية فيما يتعلق بحقوقها على مختلف مدارسهم، سواء كانوا كاثوليكيين أو بروتستانتيين، ثم هناك الشيعة في بعض المناطق كالحوثيين في اليمن، حيث لهم وجود وقوة، والنصيريين في سورية، وبعض المدارس الشيعية التي أنشأتها إيران في مصر وفي تونس، إضافة طبعاً إلى حزب الله الذي يغذي هذه الحركات بما فيها حركة الشيعة في البحرين وغيرها.
فهؤلاء المجموعة كلها من أولها إلى آخرها التي ذكرتها شاركت في مفهوم الربيع العربي، وكل يريد أن يقطف حصته ويأخذ لقمته من هذه الكعكة الكبيرة، ومن المتوقع أنه سيتصادم هؤلاء فيما بينهم لأجل الحصول على أكبر مساحة ممكنة وأكبر حجم ممكن من هذه الحصة. هذا هو المحور الأول.
المحور الثاني: القاسم المشترك:
ما القاسم المشترك الذي اتفقت عليه الآن جماهير الربيع العربي بشتى أطيافها العقدية التي ذكرتها آنفاً؟
إن القاسم المشترك - سواء كان بين الملتزمين أو الليبراليين أو الأقباط أو غيرهم - هو أنهم توافقوا على مفهوم الديمقراطية بوصفها نظام حكم، وضمن المنهج الديمقراطي والأسلوب الديمقراطي كل سيقطف حصته ويأخذ لقمته، فالاحتكام إلى الديمقراطية بمفهومها الذي يتألف من المجلس النيابي ومجلس الشورى ورئاسة الدولة والدستور، هذه الأربعة هي التي تمثل ضمن إطار مفهوم الانتخابات، والجميع تقريباً متفقون على أن يكون هذا هو القاسم المشترك الذي يصلون إليه.
وحتى يصلوا إلى ذلك لا بد من توافر بعض الأمور، وهي:
الأمر الأول: يتم التنازل أحياناً عن بعض الأصول العقدية لكل فئة، وذلك بالتحالف مع الفئة المناوئة في إطار القوائم الانتخابية وفي إطار التشريعات والرقابة في داخل المجلسين النيابي والشورى، وهذا الذي حصل مثلاً في الانتخابات في مصر، والانتخابات في تونس، حيث حصل في بعض المناطق تحالف ما بين الإسلاميين والأقباط، وما بين الإسلاميين والليبراليين، ونزلوا في قائمة واحدة لأجل ماذا؟ لأجل أن يرفع بعضهم بعضاً بالحصول على أكبر عدد ممكن من الأصوات للوصول إلى المجلس، فلأجل أن ينزل الإسلاميون مع الأقباط في قائمة واحدة لا بد أن يكون هناك تنازل في بعض المسائل من هؤلاء ووعود بأنه إذا حصل كذا فسنفعل كذا وكذا، وتنازل الأقباط للإسلاميين بالطريقة نفسها، وتنازل الليبراليون للإسلاميين بالطريقة ذاتها، وتنازل الإسلاميون لليبراليين بالطريقة نفسها، فلا بد من حصول شيء ما من التنازل من كل طرف لصالح الطرف الآخر حتى تعوم السفينة الديمقراطية ولا يغرق الجميع.
الأمر الثاني: للوصول إلى القاسم المشترك لا بد من أن يتوافق الإسلاميون فيما بينهم، ولكن للأسف هذا لم يحصل؛ لأنه عندما ينزل سلفي مع الإخوان في موقع واحد وكل يريد أن يدفع بنفسه للواجهة، ينقسم الشارع؛ هذا يدعو للسلفيين وهذا يدعو للإخوان، فللوصول إلى هذا القاسم المشترك ’’الديمقراطية’’ لا بد من حصول انقسام في داخل الشريحة ذاتها، فالإسلاميون ينقسمون فيما بينهم، والليبراليون كذلك، وغيرهم، ويكونون ضمن شرائح منوعة للوصول في النهاية إلى الديمقراطية.
الأمر الثالث: للوصول إلى هذا القاسم المشترك فيما يتعلق بالإسلاميين فإنهم يتناسون خلافاتهم العقدية لأجل التحالفات الانتخابية، وهذا الشيء طبيعي، فإذا كانوا قد تناسوا الأمر في القضايا الأساسية مع الليبراليين ومع غيرهم، فمن باب أولى أن يتناسوا هذا الأمر فيما بينهم في قضاياهم الخاصة، فهناك مكونات من السلفيين ومكونات من الأشاعرة ومكونات من الصوفيين ومن الشيعة، وكل هذه الفئات العقدية المختلفة داخل الإطار الإسلامي من الممكن أن تتحالف مع بعضها أو تتعارض لأجل الوصول إلى القاسم المشترك. هذا هو المحور الثاني.
المحور الثالث: ميزان الغرب:
ما ميزان الغرب في الجانب العقدي فيما يخص الربيع العربي؟
وفق التحليلات ومراكز البحوث يرى الغرب أن الإسلام قادم لا محالة، وذكرت لكم في المرة الأولى كيف أن وزير الداخلية الإسرائيلي قبل الربيع العربي بسنة ألقى خطبة في كنيسة وذكر فيها أنه وصل الأمر في بعض البلدان العربية إلى المستوى النهائي وإلى فوهة المدفع ومن المتوقع أن يحصل الانفجار الجماهيري. وكيف أن دولة الكيان الصهيوني نسقت مع أمريكا قبل نحو سنة للتباحث في هذا الموضوع وكيفية احتوائه إذا حصل، لكن عندما حصل حسب التحليلات اليهودية حصل بأكبر مما كان متوقعاً وبأوسع مما كان متوقعاً وبأعمق مما كان متوقعاً، فقد كانوا متوقعين شيئاً وجاء الأمر بأكبر من هذه التوقعات، فأُسقط في أيديهم.
وكان الغرب يرى من قبل أنه في النهاية لا بد أن الإسلام سيظهر لأن جذور المنطقة إسلامية وفي النهاية لا بد أن يبزغ الجذر وينبت إذا غذي بالماء، وهذه النبتة ستكبر وتصبح شجرة، وبعد الشجرة تثمر وتورق، فهذه المنطقة إذا كانت الشجرة الأساسية التي فيها قد أصابها بعض السوس خلال عشرات السنين الماضية لكنها بقيت مع ذلك، فإذا تخلصت من عوامل التلف التي حلت بها سترجع إلى أصلها، ولذلك كان يرى الغرب أن الإسلام في النهاية سيعود إلى هذه المنطقة ويبزغ من جديد فيها وسيؤثر على العالم أجمع، فما الخطط إذن لأجل أنه يتلقوا هذا الأمر بطريقة ليست اجتثاثاً وإنما بطريقة احتواء التوجه، إذن لا بد من التعامل مع الإسلام. الغرب يرى في ميزانه أنه لا بد من التعامل مع الإسلام.
وإذا أراد الغرب التعامل مع الإسلام فإنهم سيتعاملون مع الإسلام الذي يحقق مصالحهم، فإذا كان الإسلام يحقق مصالح الغرب فهو بالتأكيد أفضل من الإسلام الذي يعادي الغرب، وقالوا فيما بينهم: إذن فلنحاول أن نأخذ بهذه الجماهير الإسلامية وندخلها في منهج معين وبدل أن نتصادم معهم فلنحتويهم ونعطيهم بعض ما يريدون ونأخذ نحن ما نريد. يعني يخففون الأضرار بالنسبة لهم ويحافظون على المصالح والمكاسب التي يريدونها، فكيف يفعلون ذلك؟ يفعلون ذلك من خلال اختراق الأصول الإسلامية التي تنبني عليها هذه الشجرة الكبرى شجرة الإسلام.
وهناك ثلاث منظومات ينبغي أن توظف في هذا الإطار:
المنظومة الأولى: الديمقراطية.
المنظومة الثانية: الصوفية.
المنظومة الثالثة: التيار الليبرالي.
أما الديمقراطية فهي منظومة ستوظف لصالح المفهوم والمنهج الغربي لتمييع الجانب العقدي في التعامل السياسي الإسلامي.
وأتيت لكم بما ذكره أستاذ العلوم السياسية والشؤون الدولية في جامعة جوج تاون الدكتور ناثان برون منذ فترة قريبة جداً ونشر بتاريخ 14/ ديسمبر /2011، حيث يقول: ’’إن الجمهور الأمريكي متعطش إلى فهم طبيعة الأحزاب السياسية الإسلامية الموجودة في العالم العربي’’. جاء ذلك خلال ندوة نظمتها جامعة أمريكية تحت عنوان (الحركات السياسية والإسلامية في العالم العربي.. المشاركة لا المغالبة). وأشار إلى أن الكثير من الناس ينظرون إلى الأحزاب الإسلامية على أنها معادية للديمقراطية رغم أنها في طبيعة عملها تشبه الأحزاب المسيحية، وأن التيارات الإسلامية لا تعادي الديمقراطية وغايتها الإصلاح، يقول: ’’إنه من الخطأ اعتبار الحركات الإسلامية على أنها أحزاب سياسية، فالأحزاب السياسية الإسلامية تسعى إلى إعادة تأهيل المجتمع والأفراد سياسياً واجتماعياً’’، فالإصلاح وإعادة تأهيل المجتمع على رأس هذه الأحزاب والحركات السياسية، هذا من حيث المنهج، لكن من حيث ما يحدث فيقول براون: ’’إن الأحزاب والحركات الإسلامية بدأت تفكر بطريقة مختلفة تماماً تزامناً مع الربيع العربي الذي يشهده العالم العربي وهي تحضر نفسها لخوض الانتخابات بدلاً من التفكير لوصول الفرد إلى المجتمع’’. أي: صار عندنا توظيف العمل الإسلامي والحركات الإسلامية في الإطار السياسي بدل أن توظف في الإطار البنيوي التربوي الذي ينشئ الفرد. ويقول أيضاً: ’’فلذلك غيرت الحركات والأحزاب الإسلامية أولوياتها بحيث جعلت تنظيم الحزب لنفسه والدخول في العملية السياسية في قمة أولويات هذه الأحزاب بالرغم من أن ذلك سيأخذ منها وقتاً طويلاً’’.
إذن هذه المنظومة الأولى التي تميع الجانب العقدي.
والمنظومة الثانية التي هي الصوفية سيتعامل معها لتمييع الجانب العقدي في الأصول الاعتقادية الإيمانية.
وأما المنظومة الثالثة في ميزان الغرب فتتعلق بالتيار الليبرالي وتحدثنا عن هذه المنظومة.
المحور الرابع: دعم الغرب للصوفية:
وسنركز في حديثنا على المنظومة الصوفية وذلك لخطورتها وأهميتها وانتشارها وبُعدها التاريخي وسهولة اختراقها وإمكانية توظيفها واستيعابها لمختلف الشرائح الثقافية والمهنية والدينية.
وهناك سبعة أشياء مهمة جداً من أجلها سيركز الغرب على التيار الصوفي في الربيع العربي، وهو الذي سوف نشهده في المرحلة القادمة. وسأذكر بعض الأشياء المهمة لأجل أن تستحضروها وأنتم تتابعون التطورات السياسية التي تحدث والتغيرات التي ستفرز شخصيات، ويصبح عندنا قاعدة في الفهم والمنطلق العقدي لنحلل كثيراً مما يجري في الساحة.
والمصدر الذي سأستعين به بعد سبحانه وتعالى في النقولات كتاب (ولتستبين سبيل المجرمين) للدكتور محمد يسري ويمكن الرجوع إليه. ونسيت أن أنوه بأنه فيما يخص المحاضرة الأولى من النافذة السياسية يمكن الرجوع إلى كتاب (الإسلام الذي يريده الغرب) لصالح بن عبد الله حساب الغامدي، وهو كتاب ممتاز جداً وقد استعنت ببعض النقولات منه.
ما الوسائل والرؤى لدعم الغرب للصوفية؟
سأذكرها لكم فيما يلي:
الرؤية العامة:
قالت وكيلة وزيرة الخارجية الأمريكية للشؤون العالمية بولا دوبريانسكي: ’’يجب أن نفكر خارج الإطار التقليدي ونوظف وسائل خلاقة للنمو بالحرية الدينية، وهنا أفكر في تمويل علماء مسلمين أو أئمة وأصوات أخرى للمسلمين’’ أي: دعاة مدرسون وأساتذة جامعات... إلخ، الكلام الآن من جهة رسمية وهي وكيلة وزارة الخارجية فهي تتبنى موضوع إيجاد فرصة تمويلية لبعض الجهات التي تريد أن توظفها ضمن هذه العناوين ’’علماء مسلمون’’ ’’أئمة’’.
وأنشأ دانيال بايبس الكاتب الأمريكي المتعصب ضد الإسلام ورئيس مؤسسة منبر الشرق الأوسط للأبحاث ومقرها أمريكا؛ مركز التعددية الإسلامية؛ لتشجيع الإسلام المعتدل وإحباط التوجهات الوهابية، وضم إلى مركزه أحمد صبحي منصور الأزهري المفصول من الأزهر لإنكاره السنة النبوية وتهجمه عليها، وأبرز الداعمين لهذا المركز بولز ووفتز رئيس البنك الدولي، ويقول أحمد صبحي منصور: ’’إن الغرب يسعى إلى مصالحة التصوف الإسلامي ودعمه لكي يستطيع ملء الساحة الإسلامية والسياسية وفق ضوابط فصل الدين عن الحياة وإقصائه نهائياً عن قضايا السياسة والاقتصاد وبالطريقة نفسها التي استخدمت في تهميش المسيحية في أوروبا والولايات المتحدة’’.
إذن نحن أيضاً أمام تصور أن هناك فئات من الصوفية ستدخل الملعب السياسي لأجل سحب البساط السياسي من تحت المساهمة الإسلامية في التأثير على الأحداث.
وفي 24 أكتوبر 2003 استضاف مركز نيكسون برنامج مؤتمر الأمن الدولي في واشنطن، وعقد هذا المؤتمر ضمن ثلاث جلسات، الجلسة الأولى كانت حول الصوفية، واقترحت الدكتورة هاديمير ثلاث طرق مهمة لدعم أمريكا للتصوف فقالت: ’’أولاً الحفاظ على أضرحة الأولياء أو إعادة بنائها وكذا مراكزهم التعليمية المرتبطة بهم لإعادة هيبة الناس لها، الأمر الثاني: إعادة تذكير الناس بهذه الأماكن وبناء جسور التسامح، الأمر الثالث: تمويل إنشاء مراكز تعليمية يمكن أن تساعد على تأهيل أولئك الشباب الذين تحرروا من عدوانية الفكر الوهابي (يعني الفكر السلفي يسمونه الفكر الوهابي). وفي الجلسة الثانية حول الصوفية في أوروبا وآسيا طالب الدكتور ألان توكلس بدعم النقشبندية التقليدية على وجه الخصوص وقدَّم مقترحات للإدارة الأمريكية، وهي:
المقترح الأول: تشجيع نشر أعمال حول الصوفيين المحليين ونشر ترجمات النصوص الصوفية الكلاسيكية باللغات المحلية الحديثة والإنجليزية.
المقترح الثاني: تشجيع دمج القيم الصوفية مع قيم المجتمع المدني والمؤسسات التعليمية.
المقترح الثالث: نصح مختلف أمم آسيا الوسطى باعتماد سياسة منفتحة تجاه إحياء النقشبندية.
المقترح الرابع: تشجيع إحياء الثقافة والأدب الصوفيين تحديداً فيما يتصل بالتقاليد الموجودة والمتعلقة بزيارة المقامات في كل دولة.
إذن دعم المنهج الصوفي ليس وليد الربيع العربي وإنما سبقه، ويأتي الربيع العربي الآن لأجل أن يستثمر هذا التخطيط المسبق ولأجل أن يوظف تلك الجهود السابقة في إطار التأثير على مجمل الساحة.
وأريد أن ألقي نظرة خاصة على الموقف الأمريكي بالذات، لأن الموقف الأمريكي موقف مؤثر جداً في الوضع السياسي والإقليمي في منطقتنا وفي العالم كله، ولذلك يهمنا أن نلقي الضوء على هذا الموقف.
يقول الدكتور برنارد لويس: ’’نحن كأمريكيين سندعم الصوفيين، وإذا عملنا مع الوهابيين فإننا سنخاطر’’. بينما ليس هناك خطر مع الصوفيين، هو كان يتساءل: هل ندعم الصوفيين أم نعمل مع الوهابيين؟ فالعمل مع الوهابيين خطر، والعمل مع الصوفيين ليس فيه خطر.
وفي 25/4/2005 نشرت مجلة (يو أس نيوز أند ورلد ريبوت) تقريراً بعنوان ’’عقول وقلوب ودولارات’’، وجاء في إحدى فقرات هذا التقرير: يعتقد الاستراتيجيون الأمريكيون بشكل متزايد أن الحركة الصوفية بأفرعها العالمية قد تكون واحداً من أفضل الأسلحة ضد تنظيم القاعدة والإسلام الجهادي. بالمقابل توجد مجموعة من الصوفيين في الولايات المتحدة تستفيد من هذا التوجه الأمريكي مادياً ومعنوياً وإعلامياً لأنها تمثل الصوفية ومن ثم هي رأس حربة لهذا التوجه.
وقال ستيفن شوارتز: ’’يجب على أعضاء السلك الدبلوماسي الأمريكي في المدن الإسلامية من ابرتشينا في كوسوفا إلى كشغار في غرب الصين ومن فاس في المغرب إلى عاصمة إندونيسيا جاكرتا، أن يضيفوا الصوفيين المحليين إلى قائمة زياراتهم الدورية’’. أي: ينبغي على وزارة الخارجية الأمريكية أن تضع ضمن مخططات زياراتها أن يكون هناك زيارات للمدارس والمجالس والمراكز والتجمعات الصوفية. وبناء عليه لم يكن مصادفة أن يزور السفير الأمريكي بالقاهرة مولد البدوي في طنطا وأن يبدي إعجابه بالصوفية وينتسب إليها ويقول: ’’أنا صوفي’’ وأن يأخذ العهد على أحد شيوخها في المولد وأن ينشر خبر ذلك علناً في الصحف القومية المصرية (انظر صحيفة الأهرام 10/8/2004).
ويقول الدكتور عبد الوهاب المسيري - رحمة الله عليه -: ’’إن العالم الغربي الذي يحارب الإسلام يشجع الحركات الصوفية، ومن أكثر الكتب انتشاراً الآن في الغرب مؤلفات محيي الدين بن عربي وأشعار جلال الدين الرومي، وقد أوصت لجنة الحريات الدينية التابعة للكونجرس بأن تقوم الدول العربية بتشجيع الحركات الصوفية في الزهد في الدنيا والانصراف عنها وعن عالم السياسة وهذا يضعف ولا شك صلابة مقاومة الاستعمار الغربي’’. هذا ضمن مقال كتبه الدكتور عبد الوهاب المسيري بعنوان (الإسلام والغرب) نشر في 14/ 11/1425هـ 26/12/2004م.
إذن هذه هي الرؤية الأولى وهي: الرؤية العامة.
وهل هناك إرهاصات لبلورة هذه الرؤية العامة في الواقع العملي؟ الجواب: نعم.
ففي 12/7/2003 نظم المركز الثقافي الأوروبي البلغاري ندوة حول التصوف الإسلامي، وفي عام 2003 كلفت دار هردر الألمانية الدكتور نصر حامد أبو زيد بتأليف كتاب عن ابن عربي ضمن سلسلة عن الأعلام الروحانية في الشرق والغرب معاً، وتحت كلمة ’’كلفت’’ ضعوا كذا خط، واربطوها مع كلمة ’’دولارات’’.
وتُرجمت تائية ابن الفارض إلى الألمانية والإيطالية والإنجليزية، وترجم حمزة يوسف قصيدة البردة إلى الإنجليزية، وفي الدانمارك في عام 2004 أقيمت على مدار 20 يوماً محاضرات عن ابن الحلاج وابن عربي.
ونقلت مجلة يو إس نيوز في تقريرها أن واشنطن قامت بتمويل محطات إذاعة إسلامية وبرامج تلفزيونية ونظمت دورات تعليمية في المدارس البحثية وورش عمل سياسي لترويج الإسلام المعتدل في أكثر من 24 دولة إسلامية على الأقل، كما سعت إلى ترميم أضرحة المساجد - لاحظوا ’’أمريكا ترمم أضرحة المساجد’’ - وإنشاء المدارس الإسلامية من خلال المساعدات الأمريكية، كما مولت الإدارة الأمريكية تدريب أئمة المساجد وعمليات ترميم مساجد وآثار إسلامية في 9 دول منها: مصر، وتركمانستان، وإندونيسيا، وباكستان، وقرقيزيا، وأوزبكستان، وهو ما يدل على أن النظرة الأمريكية في موضوع دعم التصوف ليس في مستوى العالم العربي، وإنما على مستوى العالم الإسلامي كله.
وذكرت مجلة التصوف الإسلامي أن السفير الأمريكي روني قابل شيخ مشايخ الطرق الصوفية في مقر المشيخة العامة بالحسين.
وتم تأسيس كيانات واتحادات صوفية؛ ففي يناير عام 2003 أعلن عن تأسيس الاتحاد الوطني للزوايا الجزائرية.
وفي 8/5/2007 أعلن عن إنشاء المجلس الصوفي العالمي بالقاهرة.
وفي سبتمبر عام 2009 أعلن عن أول اتحاد نسائي لنشر الفكر الصوفي بمصر وإنشاء دار النساء الصوفيات.
وفي أبريل عام 2010 أعلن بالمغرب عن إنشاء اتحاد للزوايا الشاذلية.
وفي مصر تم وضع حجر الأساس لمبنى جديد للمشيخة الصوفية في 1/10/2010 يعني قبل حوالي سنة وشهرين، وذلك بحضور مفتي الديار المصرية الذي تبرع بمبلغ مائة ألف جنيه متوعداً من يعادي الصوفية بأن ليلته ظلماء وستكون أسود من قرن الخرنوب.
وفي أكتوبر عام 2002 أقيم بالمغرب بالتعاون مع مصر مؤسسة ’’كونراد ايدناور’’ الألمانية ندوة دولية حول (ابن عربي في أفق ما بعد الحداثة) وانتبهوا إلى التركيز على ابن عربي.
وفي عام 2003 شهدت الإسكندرية المؤتمر العالمي للطريقة الشاذلية.
وفي سبتمبر عام 2004 أقيم مؤتمر للصوفية في المغرب برعاية ملك المغرب محمد السادس.
وفي ديسمبر عام 2004 أقيم في عاصمة مالي المؤتمر العالمي الأول للطرق الصوفية بغرب إفريقيا.
وفي أول سبتمبر عام 2005 أقيم في ليبيا مؤتمر دولي بعنوان (الطرق الصوفية في إفريقيا حاضرها ومستقبلها)، وكان شعار المؤتمر (معاً من أجل تفعيل دور الطرق الصوفية والزوايا الصوفية في إفريقيا).
وفي يونيو عام 2005 أقيمت ندوة في القاهرة بواسطة العشيرة المحمدية بعنوان (التصوف ودوره في الإصلاح).
وفي نوفمبر عام 2005 عقد مؤتمر دولي علمي حول الصوفية في تلمسان الجزائرية.
وفي عام 2006 أقيمت حلقة نقاشية بعنوان (التصوف في مقابل التطرف) تحت رعاية الجمعية العالمية للدعوة بالاشتراك مع مشيخة الطرق الصوفية.
وفي أبريل عام 2006 انعقد المؤتمر الدولي حول دور الزوايا المغاربية.
وفي أبريل عام 2006 أيضاً عقدت أكاديمية القاسمي بالاشتراك مع الجامعة العبرية في القدس مؤتمراً بعنوان (التصوف في فلسطين في الماضي والحاضر)، وافتتح المؤتمر بكلمة ترحيبية من البروفيسورة ساره سترومزا نائبة عميد الجامعة العبرية.
وفي سبتمبر عام 2006 اختتم المنتدى الدولي الثالث حول الصوفية بوجود أربعين أكاديمية من دول عربية إضافة إلى إيران وأمريكا وألمانيا وفرنسا وبلغاريا والصين، ودعا الدكتور محمد بريك الناطق الرسمي للطريقة القادرية في الجزائر وعموم إفريقيا إلى اقتراحه المتمثل في بناء مدينة التيجانية التي ستستقطب 350 مليون تيجاني من شتى أنحاء العالم لدعم ما يسمى السياحة الدينية.
وفي يوليو عام 2007 عقد بالمغرب مؤتمر الطريقة التيجانية بمشاركة أكثر من أربعين دولة يتعاهدون على نشر طريقتهم في إفريقيا.
وفي ديسمبر عام 2007 عقد بالجزائر وبرعاية الدولة الملتقى الدولي للتصوف بالجزائر.
وفي يوليو عام 2008 عقد بالمغرب أول ملتقى عالمي للزوايا الشاذلية المشيشية في العالم بكل من طنجة وتطوان بحضور مفتي الديار المصرية الدكتور علي جمعة.
وفي يونيو عام 2009 عقد مؤتمر صوفي بالقاهرة انتهى بإصدار بيان للطرق الصوفية المشاركة دعت فيه إلى تشكيل لجان من علماء المسلمين لبحث كيفية التقارب بين العالم الإسلامي والولايات المتحدة ودراسة القيم المشتركة التي يمكن التعاون فيها.
وفي آخر يونيو عام 2009 وجهت السفير الأمريكية بالقاهرة دعوة إلى تسع طرق صوفية لحضور حفل السفارة بعيد الاستقلال الأمريكي في أول يوليو.
وفي 3/8/2010 نشر في صحيفة الدستور المصرية خبر اجتماع شيوخ الصوفية مع ممثل الإدارة الأمريكية بحضور مندوب من أمن الدولة، أي: قبل الربيع العربي بثلاثة شهور تقريباً، وذلك بمقر الطرق العزمية بالسيدة زينب لمدة ساعتين، وذلك للتنسيق بين شيوخ الصوفية في مصر وبين الإدارة الأمريكية لنشر الإسلام الصوفي المعتدل بين المسلمين الأمريكيين، وتم الاتفاق على اختيار الشيخ علاء الدين شيخ الطريقة العزمية منسقاً بين الصوفية في مصر والإدارة الأمريكية. وفي الوقت نفسه أبرم شيخ مشايخ الطرق الصوفية عبد الهادي القصبي اتفاقاً مع مؤسسة الأهرام لتنظيم مؤتمر سنوي يحضره أعضاء الطرق الصوفية من مصر والبلاد العربية والإسلامية بدعم من مؤسسة الأهرام الصحفية لمواجهة المد السلفي والفكر الإخواني، كما تتولى المؤسسة أيضاً تنظيم مؤتمر مشابه لنقابة الأشراف بحضور المنتسبين لآل البيت في مصر والعالم، كما اتفق على نشر سلسلة من الكتب والأبحاث التي تتناول الفكر الصوفي المعتدل وطرحها بأسعار تكون في متناول العامة.
وتم افتتاح كليات ومعاهد وأكاديميات لصالح الفكر الصوفي؛ ففي عام 2003 تم افتتاح كلية دار العلوم بالحديدة وذلك لتقريب التصوف وترسيخه وتأهيل أهله لتولي المناصب وأماكن التوجيه والتأثير في المجتمع اليمني.
وفي مصر جرى سعي حثيث لافتتاح كلية باسم التصوف وعلومه داخل جامعة الأزهر، لكن اعترض عليه من قبل جهات أمنية ورسمية فافتتحت عوضاً عنها في سبتمبر عام 2004 أكاديمية التصوف التابعة لطريقة العشيرة المحمدية في أربع سنوات دراسية، وافتتح في عام 2010 قسم للدراسات العليا بالأكاديمية المذكورة.
وفي عام 2005 افتتح في جدة مركز الروحة للتعلم والتعليم، وهو من مراكز الصوفية في جدة بالسعودية.
هذا بالإضافة إلى ما هو موجود قبل ذلك من المعاهد والدور في مختلف بقاع العالم الإسلامي كدار المصطفى بتريم في جنوب اليمن، ومعاهد كفتارو والفتح في سورية، وبيادر السلام في الكويت.
إضافة إلى ذلك هناك مراكز بحثية مهمتها أن تنشر الفكر الصوفي عن طريق المؤلفات والدراسات والمجلات والكتب وغيرها، ففي أغسطس عام 2003 صدر العدد الأول من مجلة البحوث والدراسات الصوفية، وهي من مطبوعات العشيرة المحمدية بمصر وتصدر عن المركز العلمي الصوفي الهادف إلى إحياء التصوف ونشره.
وفي عام 2005 بدأ مركز البحوث والدراسات التابع للطريقة العزمية في مصر بإصدار سلسلة من الكتب التي تقوم بمهاجمة التيارات العلمية والدعوية كافة، ولا فرق في ذلك بين الجمعيات المرخصة من قبل الدولة كالجمعية الشرعية أو أنصار السنة، أو الجماعات الدعوية كالإخوان والسلفيين، واتهمتها بمختلف التهم والتي منها العمالة لليهود، كما أفردت مجالاً واسعاً لمهاجمة الوهابية فكراً ومعتقداً ومنهجاً وسلفاً وفقهاء واختيارات علمية، وأضافت إلى ذلك هجوماً على شخصيات علمية تاريخية كابن تيمية - رحمه الله - وابن عبد الوهاب - رحمه الله - وأخرى معاصرة.
وفي القاهرة ومنذ سنوات تقوم جهة بحثية هي المكنز الإسلامي بإشراف الدكتور علي جمعة مفتي الديار المصرية، على تحقيق تراث ابن عربي بأموال بعض الصوفية من غير العرب ليُخرَج في طبعات فاخرة، كما تقوم جهة أخرى بالتنقيب في تراث الشيخ السبكي - رحمه الله - مؤسس الجمعية الشرعية في مصر، وذلك بالبحث عن كتبه الأولى التي رجع عنها؛ وذلك لإثبات أن الجمعية الشرعية بمصر هي جمعية صوفية المنشأ قد انحرف مسارها، وصدرت كتيبات جمعت فتاوى موجهة لترويج المعتقدات والأفكار الكلامية وتجاهل العقائد الشرعية الصحيحة وتسويغ بدع العبادات المنسوبة للصوفية كأنواع الذكر المبتدع وتسويغ بناء المساجد على القبور تعظيماً لها وقصدها بالصلاة والعبادة.
وباسم الدكتور عبد الله عمر كامل خرج كتاب كبير بعنوان ’’الإنصاف’’ يناقش فيه قضايا تتعلق بتسويغ الاختيارات الصوفية في المسائل العلمية والعملية والرد على المخالفين بطريقة تناسب المثقفين وتتبنى التقريب بين الصوفية وبعض طوائف الدعوة الإسلامية المعاصرة.
ونلقي الآن نظرة على دعم الحكام والأنظمة للصوفية، فيقول الدكتور عامر النجار: ’’إنه قد يكون مما ساعد على انتشار الطرق الصوفية في مصر انتشاراً عجيباً واندفاع عشرات الألوف من المصريين للانضمام تحت لواء هذه الطرق، هو تشجيع الحكام أنفسهم لحركات الطرق الصوفية ليشغلوا الشعب المصري عن التفكير في ظروفه الاجتماعية والاقتصادية السيئة’’.
ويقول الدكتور عمار حسن: ’’وفي الفترة الأخيرة في مصر ظهر جلياً تقرب الحكومة من المتصوفة وتقرب المتصوفة من الحكومة، بل والسعي من الطرفين للتقارب... ’’ إلى آخر الكلام.
ويقول الفرنسي المسلم أريك جوفري المختص في الصوفية بجامعة لكسون بورم بشمال فرنسا في حوار صحفي عن هذا الشأن: ’’وفي علاقاتها بالحركات الإسلامية بالذات نجد أن الأنظمة العربية عملت على إدماج الصوفية في الحكم بهدف محاربة الظاهرة الإسلامية، فوزير الأوقاف المغربي هو أحمد التوفيق الصوفي، كما أن الشيخ أحمد الطيب في مصر أصبح رئيس جامعة الأزهر بعد أن كان مفتياً للديار المصرية، وفي الجزائر نجد أن بو تفليقة قريب جداً من الصوفية وهو ما برز في حملته الأخيرة، حتى في أيام صدام حسين كان عزت الدوري الرجل الثاني في النظام العراقي محسوباً أيضاً على الصوفيين، بل كان رأس الصوفيين في حزب البعث، وقد قام الرئيس الجزائري بو تفليقة بزيارة عدد من الزوايا وأضرحة الأولياء لزيادة شعبيته ولنفي اتهامات وجهت له بالتواطؤ مع التيار الإسلامي السلفي، وذلك قبيل الانتخابات الرئاسية التي أقيمت في 8 إبريل عام 2004’’.
وقد صنع اللورد كرومر الصنيع نفسه، فقد كان أول من أسس مجلساً أعلى للطرق الصوفية واختار لرئاسته ما سماه شيخ مشايخ الطرق.
إضافة إلى ما ذُكر سابقاً فإن الإعلام الرسمي والمصرح به أيضاً كان في خدمة الصوفية، فمن ذلك مثلاً ما ذكرته مجلة روز اليوسف في 16/4/2005 تحت ملف كامل عن الصوفية صدّرته بقولها: يجب أن نعترف بالإهمال والتقصير، الإهمال لأننا أهملنا كتلة إسلامية ضخمة منتشرة في كل قرى ومدن وربوع مصر، وهي الطرق الصوفية، والتقصير لأننا لم نمد لها أيادي العون وتركناهم يواجهون اتهامات بالتشويه قامت بها وما زالت تيارات وجماعات إسلامية. ثم تبين روز اليوسف أسباب ذلك الدعم الإعلامي فتقول: كل ذلك من أجل إسلام نقي وسطي معتدل يواجه التطرف الديني.
ودشنت أيضاً قناة مؤخراً باسم الصوفية تبث أشعاراً وأغاني صوفية من خلال مجموعات من المنشدين بصحبة آلاتهم الموسيقية. وتحت التأسيس الآن قناتان صوفيتان والفضائيات العربية والإسلامية تعج بأخبارهم وأنشطتهم.
وفي إطار الإعلام فإن الدول أتاحت الفرصة للصوفيين للقيام بشعائرهم الصوفية الخاصة بهم في نطاق واسع وكانت تيسر لهم هذا الأمر وتدعمهم، فمن ذلك مثلاً: صورة حية نقلها الدكتور محمد هشام الراغب قال: ’’بعد يوم واحد من إغلاق الحكومة (يعني في مصر) لأربع فضائيات إسلامية دفعة واحد أطل علينا التلفزيون الرسمي الحكومي من خلال برنامجه مصر النهاردة، بسهرة دينية على الهواء مباشرة من مسجد السيد البدوي بطنطا للاحتفال بمولده، ونقل إلينا التلفزيون الرسمي صورة مشوهة عن الإسلام وأخذ يروج لها ويكيل المديح على طقوسها وخزعبلاتها، وكنا نتصور أن يكون للتلفزيون الرسمي أدنى شعور بالمسؤولية تجاه تثقيف المسلمين وتوعيتهم بدينهم ودفعهم لئن يكون الإسلام راعياً لأخلاقهم وحافظاً لصلاح دنياهم وآخرتهم، لا أن يتبنى التلفزيون والدولة هذه الصورة المقيتة والتي لا يقرها علماء الدين، حتى المتصوفة منهم.. أين دعاة التنوير الذين صدعوا رؤوسنا؟ لقد رأينا في التغطية الحية المباشرة فرقة موسيقية كاملة داخل الساحة الخارجية للمسجد وأمامهم مطرب دكتور وإلى جواره مذيع البرنامج يتغزل في صوته وأدائه وألحانه، وطاف البرنامج بصور المشعوذين والدراويش والراقصين والبسطاء الذين أتوا من كل حدب وصوب يفترشون الأرصفة ويتبرعون بأموالهم القليلة لمقام البدوي وزواره ولا ترى بينهم عالماً واحداً ولا تسمع في التغطية كلها قال الله ولا قال الرسول، ولا تجد مسؤولاً واحداً يشفق على بسطاء الناس الذين يتمسحون بمقام البدوي ويدعونه من دون الله، بل تجد تغطية لعباءة البدوي التي تزن عشرين كيلو غراماً والتي لا يتم إخراجها إلا مرة واحدة في السنة، وملابس البدوي والخرافات المحيطة بسيرته الغامضة.. كيف يقدم الإسلام بهذه الصورة المشوهة في مصر قلب العالم الإسلامي وبلد الأزهر الشريف؟ هذا المولد هو الذي حضره السفير الأمريكي ريتشرد روني.
وفي إطار الإعلام أيضاً ذكر تقرير في برنامج ’’مصر النهاردة’’ أن نحو مليوني مصري يتوجهون لحضور المولد الذي تمتد احتفالاته لمدة أسبوع كامل. أَمَا للأزهر الشريف أو دار الإفتاء رأي في هذه الموالد وما يقع فيها؟
وآخر بند في هذا الموقف الغربي هو: الصوفية مع الغرب ضد الجهاد، وأذكر بعض المقتطفات، قال الحاكم الفرنسي في الجزائر: ’’إن الحكومة الفرنسية تعظم زاوية من زوايا الطرق أكثر من تعظيمها لشؤون جنودها وقواتها وأن الذي يحارب الطرق إنما يحارب فرنسا’’.
ومثل هذا الموقف وقفه الإنجليز في مصر من الشيخ محمد إبراهيم الجمل شيخ الطريقة السمانية الذي وصلت به الحال في تأييد الإنجليز إلى جمع توقيعات المواطنين ضد ثورة 1919 والدعوة إلى بقاء الإنجليز، وبهذا يتضح أن كل من يقوم ضد الإنجليز أو ضد الفرنسيين فالصوفيون ضده ويقفون مع المستعمر.
بل في الهند وقف أيضاً موقفاً مشابهاً لهذا، لأن جميع الطرق الصوفية تقريباً لها نفس الموقف، يقول إن الباحث والقارئ يندهش عندما يرى أنه لم تقم حركة في شبه القارة لمواجهة الاستعمار إلا وخالفها البريلوي وكفر زعماءها، فقد كتب البريلوي كتيباً مستقلاً قال فيه بكل صراحة: لا جهاد علينا نحن مسلمي الهند بنصوص القرآن العظيم، ومن يقول بوجوبه فهو مخالف للمسلمين ويريد ضررهم.
ويقول الصادق المهدي، وهو من أحفاد المهدي صاحب الحركة المهدية في السودان: الإسلام الصوفي منذ نشأته اتسم بإسقاط واجب الجهاد وبالتخلي عن الإيجابية الاجتماعية فكان أشبه بحركة انطواء وهو ما سهل على جماعته التعايش مع نظم سياسية فرضت سلطاناً على المجتمع. ونلخص ما سبق فيما يلي:
أولاً: ينبغي فضح هؤلاء وعدم التعاون معهم في أي أنشطة سياسية أو غيرها.
ثانياً: ليسوا سواء - يعني الصوفية - فلا نستطيع أن نضعهم كلهم في سلة واحدة، وما ذكرته يخص غلاة الصوفية الذين يقفون المواقف التي ذكرتها لكم، وهناك بعض الصوفيين ليست لهم هذه المواقف وقد تكون عندهم بعض البدع والممارسات والآراء لكن ليست هي الآراء والممارسات الذي يمارسها غلاة الصوفية التي ذكرتها لكم.
المحور الخامس: ليسوا سواءً:
ليس الصوفية سواءً، فهناك مواقف عدة لبعض الحركات الصوفية والعلماء الصوفيين ضد غلاة الصوفية، خذ مثلاً الحركة السنوسية، فقد كان علماؤها يحاربون العقائد الفاسدة بين القبائل في الصحراء الكبرى ويرشدون إلى حرمة الغلو في تقديس المشايخ الأحياء والأموات ولا تأذن لأتباعها بأن يذكروا ميتاً عند قبره بغير الدعاء له والترحم عليه، هذا من كتاب الحركة السنوسية في ليبيا للدكتور علي الصلابي.
وللأزهر أيضاً مواقف، سابقاً وحالياً، ومن مشايخ الأزهر الذين لهم مواقف ضد الصوفية الأستاذ الدكتور أحمد علي طاهر أيال عميد كلية الشريعة ورئيس قسم الفقه المقارن، والأستاذ الدكتور نصر فريد مفتي الديار المصرية الأسبق، وصاحب المواقف المشهورة والفتوى الحرة فضيلة الشيخ الأستاذ الدكتور محمد الراوي عضو مجمع البحوث الإسلامية وأستاذ التفسير بجامعة العالم الإسلامي، وفضيلة الشيخ الأستاذ الدكتور عبد الستار فتح الله سعيد أستاذ التفسير بجامعة العالم الإسلامي وغيرهم.
وممن كانت لهم آراء في قضية الصوفية محمد عبده، ومفتي الديار المصرية الشيخ عبد المجيد سليم، والشيخ محمود شلتوت، والشيخ حسن مأمون، والدكتور محمد حسين الذهبي، والشيخ أحمد حسن باقوري، والشيخ حسنين محمد مخلوف، والشيخ محمد الغزالي، والشيخ عبد الحميد كشك، والشيخ سيد سابق، والدكتور محمد سيد طنطاوي، وأيضاً الدكتور يوسف القرضاوي.
حيث يقول الشيخ محمد عبده: التوسل بلفظ الجاه مبتدع بعد القرون الثلاثة وفيه شبهة الشرك والعياذ بالله وشبهة العدول عما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، فلِمَ الإصرار على تحسين هذه البدعة؟
ويقول الشيخ الدكتور عبد المجيد سليم مفتي الديار المصرية في شأن المولد: عمل الموالد بالصفة التي يعملها العامة الآن لم يفعله أحد من السلف الصالح ولو كان ذلك من القرب لفعلوه.
ويقول الشيخ محمود شلتوت شيخ الأزهر المعروف: ومهما قال عشاق الموالد والمتكسبون بها ومروجوها أن فيها ذكراً لله والمواعظ وفيها الصدقات وإطعام الفقراء فإن بعض ما تراه فيها ويراه كل الناس من ألوان الفسوق وأنواع المخازي وصور التهتك والإسراف في المال ما يحتم على رجال الشؤون الاجتماعية وقادة الإصلاح الخلقي والديني المبادرة بالعمل على إبطالها ومنعها ووضع حل لمخازيها وتطهير البلاد من وصمتها... إلى آخره.
ويقول الشيخ حسن مأمون وهو شيخ الأزهر والإمام الأكبر ومفتي الديار المصرية: أود أن أذكر أولاً أن أصل الدعوة الإسلامية يقوم على التوحيد، والإسلام يحارب جاهداً كل ما يقرب الإنسان من مزالق الشرك بالله، ولا شك أن التوسل بالأضرحة والموتى أحد هذه المزالق وهي رواسب الجاهلية. ثم قال: فلو نظرنا إلى ما قاله المشركون عندما نعى عليهم الرسول صلى الله عليه وسلم عبادتهم الأصنام قالوا له: ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى، فهي نفس الحجة التي يسوقها اليوم الداعون للتوسل بالأولياء لقضاء حاجة عند الله أو التقرب منه. ومن مظاهر هذه الزيارة أفعال تتنافى مع عبادة إسلامية ثابتة، فالطواف في الإسلام لم يشرع إلا حول الكعبة الشريفة وكل طواف حول أي مكان آخر حرام شرعاً، والتقبيل في الإسلام لم يسن إلا للحجر الأسود وحتى الحجر الأسود قال فيه عمر رضي الله عنه وهو يقبله: والله لولا أني رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يقبلك ما فعلت... إلى آخر الكلام.
ويقول الشيخ الدكتور محمد حسين الذهبي: ليس للوزارة سلطان على الطرق الصوفية، وهناك المجلس الأعلى للطرق الصوفية هو المسؤول، ولقد نبهنا إلى خطورة الطريقة البرهانية، وأصدرت وزارة الداخلية قراراً بحظر نشاطها، ومع ذلك ما زالت موجودة ولها مريدون بالآلاف ولا بد أن ننقذ هؤلاء من ضحايا التضليل.
المحور السادس: التوصيات:
أولاً: الانطلاق من الكتاب والسنة في أي موقف عقدي.
ثانياً: الديمقراطية منزلق عقدي يدعمه الغرب.
ثالثاً: ينبغي تنقية الصفوف وتمييز المواقف ومواجهة الليبراليين والعلمانيين والصوفيين وعدم التحالف أو التعاون معهم.
رابعاً: ’’الغاية تبرر الوسيلة’’ تحت غطاء المصالح والمفاسد مبدأ لا يقره الإسلام وخاصة في مجال العقيدة.
خامساً: لا بد من فضح علاقات الغرب مع الصوفيين والعلمانيين والليبراليين، والعمل على عزلهم عن التأثير الجماهيري.
سادساً: توحيد صفوف الإسلاميين تحت راية الحق.
وما كان من الحق فمن الله وحده، وما كان غير ذلك فمن نفسي والشيطان.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
*مجلة البيان
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فهو المهتدي، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمداً عبده ورسوله، اللهم صل على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم. أعوذ بالله من الشيطان الرجيم }يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون{، }يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاً كثيراً ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيباً{، }يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولاً سديداً يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزاً عظيماً{.
سيكون البحث ضمن المحاور التالية:
المحور الأول: الواقع العقدي للجماهير.
المحور الثاني: القاسم المشترك.
المحور الثالث: ميزان الغرب.
المحور الرابع: دعم الغرب للصوفية.
المحور الخامس: ليسوا سواء.
المحور السادس: التوصيات.
المحور الأول: وهو الواقع العقدي للجماهير:
خرجت الجماهير من كل فئاتها من داخل المدن ومن القرى ومن الريف إلى مواقع التجمعات في تونس ومصر وسورية واليمن وليبيا، وضمت الميادين والساحات مختلف الفئات وبكل تفرعاتها العقدية وانتماءاتها المذهبية، فما مكونات هذا الواقع العقدي للجماهير؟
وفيما يلي نذكر هذه المكونات:
أولاً: الملتزمون:
وهم جماعة الإخوان المسلمين والسلفيون والوسطيون كحزب الوسط في مصر، والصوفيون عامة، وهؤلاء ناس يقولون لا إله إلا الله محمد رسول الله، ويصلون، ويصومون، ويزكون، كل بحسب توجهه العقدي في فهم العقيدة السليمة الصحيحة.
ثانياً: الليبراليون والعلمانيون، وينقسمون إلى أقسام عدة، وهي:
القسم الأول: مخلفات الأحزاب، ففي مصر مثلاً مخلفات الحزب الوطني، وفي تونس مخلفات حزب زين العابدين، وفي ليبيا مخلفات القذافي، وفي سورية مخلفات بشار الأسد، وفي اليمن مخلفات علي عبد الله صالح.. وهكذا، فهؤلاء شراذم من الليبراليين والعلمانيين لكنهم يشكلون واقعاً له حضوره بين الجماهير، وأيضاً لهم ساحاتهم.
القسم الثاني: الفنانون، فهم بشكل أو بآخر محسوبون على التوجه الليبرالي العلماني.
القسم الثالث: المثقفون ذوو التوجه الليبرالي والعلماني بأطيافهم شتى؛ فمنهم الأدباء، ومنهم أساتذة الجامعات، ومنهم الكتّاب، ومنهم المحررون في الصحف، ومنهم الصحفيون، ومنهم الأحزاب العلمانية كحزب الوفد وغيره، ومنهم المهنيون، ومنهم النقابيون... إلى آخره، فهؤلاء كلهم يطلق عليهم ’’المثقفون’’.
القسم الرابع: الوطنيون، وهم مخلفات الفكر القومي والناصري، ولهم امتدادهم الجماهيري في المنطقة العربية، وأيضاً لهم دور في الربيع العربي، سواء كان ذلك في مصر أو تونس أو حتى في ليبيا وفي سورية، وهم في الأغلب الذين في الخارج ويحاولون أن يقطفوا ثمرة ما يجري الآن في سورية.
القسم الخامس: اليساريون وهم في الأغلب مخلفات الأحزاب الشيوعية والتوجه اليساري السابق.
القسم السادس: السياسيون، والوزراء، والنواب، والسلك الدبلوماسي، ورؤساء الأحزاب، وأعضاء مجالس الشورى السابقون.
القسم السابع: المنظمات النسوية، حيث لها جمعيات ومدارس ومؤسسات تدعو كلها إلى تحرير المرأة بالمفهوم العلماني والليبرالي.
القسم الثامن: الشباب الثوريون، فهم ليسوا أصحاب انتماء قومي وإنما انتماء وطني، أي: ليس عندهم فكر قومي ولكنهم يركزون على التنمية وإعادة إحياء البلد من جديد... إلخ، بغض النظر عن الخلفية الفكرية التي تقوم وراء ذلك، ويطالبون بالحرية المفتوحة والانفتاح على الغرب.
ونعود إلى سرد المكونات:
ثالثاً: الأقباط بالنسبة إلى مصر، وأصحاب الأديان الأخرى الموجودة في المنطقة. والأقباط لهم رؤية بالنسبة إلى مصر، وعموم التوجهات النصرانية لها رؤية فيما يتعلق بحقوقها على مختلف مدارسهم، سواء كانوا كاثوليكيين أو بروتستانتيين، ثم هناك الشيعة في بعض المناطق كالحوثيين في اليمن، حيث لهم وجود وقوة، والنصيريين في سورية، وبعض المدارس الشيعية التي أنشأتها إيران في مصر وفي تونس، إضافة طبعاً إلى حزب الله الذي يغذي هذه الحركات بما فيها حركة الشيعة في البحرين وغيرها.
فهؤلاء المجموعة كلها من أولها إلى آخرها التي ذكرتها شاركت في مفهوم الربيع العربي، وكل يريد أن يقطف حصته ويأخذ لقمته من هذه الكعكة الكبيرة، ومن المتوقع أنه سيتصادم هؤلاء فيما بينهم لأجل الحصول على أكبر مساحة ممكنة وأكبر حجم ممكن من هذه الحصة. هذا هو المحور الأول.
المحور الثاني: القاسم المشترك:
ما القاسم المشترك الذي اتفقت عليه الآن جماهير الربيع العربي بشتى أطيافها العقدية التي ذكرتها آنفاً؟
إن القاسم المشترك - سواء كان بين الملتزمين أو الليبراليين أو الأقباط أو غيرهم - هو أنهم توافقوا على مفهوم الديمقراطية بوصفها نظام حكم، وضمن المنهج الديمقراطي والأسلوب الديمقراطي كل سيقطف حصته ويأخذ لقمته، فالاحتكام إلى الديمقراطية بمفهومها الذي يتألف من المجلس النيابي ومجلس الشورى ورئاسة الدولة والدستور، هذه الأربعة هي التي تمثل ضمن إطار مفهوم الانتخابات، والجميع تقريباً متفقون على أن يكون هذا هو القاسم المشترك الذي يصلون إليه.
وحتى يصلوا إلى ذلك لا بد من توافر بعض الأمور، وهي:
الأمر الأول: يتم التنازل أحياناً عن بعض الأصول العقدية لكل فئة، وذلك بالتحالف مع الفئة المناوئة في إطار القوائم الانتخابية وفي إطار التشريعات والرقابة في داخل المجلسين النيابي والشورى، وهذا الذي حصل مثلاً في الانتخابات في مصر، والانتخابات في تونس، حيث حصل في بعض المناطق تحالف ما بين الإسلاميين والأقباط، وما بين الإسلاميين والليبراليين، ونزلوا في قائمة واحدة لأجل ماذا؟ لأجل أن يرفع بعضهم بعضاً بالحصول على أكبر عدد ممكن من الأصوات للوصول إلى المجلس، فلأجل أن ينزل الإسلاميون مع الأقباط في قائمة واحدة لا بد أن يكون هناك تنازل في بعض المسائل من هؤلاء ووعود بأنه إذا حصل كذا فسنفعل كذا وكذا، وتنازل الأقباط للإسلاميين بالطريقة نفسها، وتنازل الليبراليون للإسلاميين بالطريقة ذاتها، وتنازل الإسلاميون لليبراليين بالطريقة نفسها، فلا بد من حصول شيء ما من التنازل من كل طرف لصالح الطرف الآخر حتى تعوم السفينة الديمقراطية ولا يغرق الجميع.
الأمر الثاني: للوصول إلى القاسم المشترك لا بد من أن يتوافق الإسلاميون فيما بينهم، ولكن للأسف هذا لم يحصل؛ لأنه عندما ينزل سلفي مع الإخوان في موقع واحد وكل يريد أن يدفع بنفسه للواجهة، ينقسم الشارع؛ هذا يدعو للسلفيين وهذا يدعو للإخوان، فللوصول إلى هذا القاسم المشترك ’’الديمقراطية’’ لا بد من حصول انقسام في داخل الشريحة ذاتها، فالإسلاميون ينقسمون فيما بينهم، والليبراليون كذلك، وغيرهم، ويكونون ضمن شرائح منوعة للوصول في النهاية إلى الديمقراطية.
الأمر الثالث: للوصول إلى هذا القاسم المشترك فيما يتعلق بالإسلاميين فإنهم يتناسون خلافاتهم العقدية لأجل التحالفات الانتخابية، وهذا الشيء طبيعي، فإذا كانوا قد تناسوا الأمر في القضايا الأساسية مع الليبراليين ومع غيرهم، فمن باب أولى أن يتناسوا هذا الأمر فيما بينهم في قضاياهم الخاصة، فهناك مكونات من السلفيين ومكونات من الأشاعرة ومكونات من الصوفيين ومن الشيعة، وكل هذه الفئات العقدية المختلفة داخل الإطار الإسلامي من الممكن أن تتحالف مع بعضها أو تتعارض لأجل الوصول إلى القاسم المشترك. هذا هو المحور الثاني.
المحور الثالث: ميزان الغرب:
ما ميزان الغرب في الجانب العقدي فيما يخص الربيع العربي؟
وفق التحليلات ومراكز البحوث يرى الغرب أن الإسلام قادم لا محالة، وذكرت لكم في المرة الأولى كيف أن وزير الداخلية الإسرائيلي قبل الربيع العربي بسنة ألقى خطبة في كنيسة وذكر فيها أنه وصل الأمر في بعض البلدان العربية إلى المستوى النهائي وإلى فوهة المدفع ومن المتوقع أن يحصل الانفجار الجماهيري. وكيف أن دولة الكيان الصهيوني نسقت مع أمريكا قبل نحو سنة للتباحث في هذا الموضوع وكيفية احتوائه إذا حصل، لكن عندما حصل حسب التحليلات اليهودية حصل بأكبر مما كان متوقعاً وبأوسع مما كان متوقعاً وبأعمق مما كان متوقعاً، فقد كانوا متوقعين شيئاً وجاء الأمر بأكبر من هذه التوقعات، فأُسقط في أيديهم.
وكان الغرب يرى من قبل أنه في النهاية لا بد أن الإسلام سيظهر لأن جذور المنطقة إسلامية وفي النهاية لا بد أن يبزغ الجذر وينبت إذا غذي بالماء، وهذه النبتة ستكبر وتصبح شجرة، وبعد الشجرة تثمر وتورق، فهذه المنطقة إذا كانت الشجرة الأساسية التي فيها قد أصابها بعض السوس خلال عشرات السنين الماضية لكنها بقيت مع ذلك، فإذا تخلصت من عوامل التلف التي حلت بها سترجع إلى أصلها، ولذلك كان يرى الغرب أن الإسلام في النهاية سيعود إلى هذه المنطقة ويبزغ من جديد فيها وسيؤثر على العالم أجمع، فما الخطط إذن لأجل أنه يتلقوا هذا الأمر بطريقة ليست اجتثاثاً وإنما بطريقة احتواء التوجه، إذن لا بد من التعامل مع الإسلام. الغرب يرى في ميزانه أنه لا بد من التعامل مع الإسلام.
وإذا أراد الغرب التعامل مع الإسلام فإنهم سيتعاملون مع الإسلام الذي يحقق مصالحهم، فإذا كان الإسلام يحقق مصالح الغرب فهو بالتأكيد أفضل من الإسلام الذي يعادي الغرب، وقالوا فيما بينهم: إذن فلنحاول أن نأخذ بهذه الجماهير الإسلامية وندخلها في منهج معين وبدل أن نتصادم معهم فلنحتويهم ونعطيهم بعض ما يريدون ونأخذ نحن ما نريد. يعني يخففون الأضرار بالنسبة لهم ويحافظون على المصالح والمكاسب التي يريدونها، فكيف يفعلون ذلك؟ يفعلون ذلك من خلال اختراق الأصول الإسلامية التي تنبني عليها هذه الشجرة الكبرى شجرة الإسلام.
وهناك ثلاث منظومات ينبغي أن توظف في هذا الإطار:
المنظومة الأولى: الديمقراطية.
المنظومة الثانية: الصوفية.
المنظومة الثالثة: التيار الليبرالي.
أما الديمقراطية فهي منظومة ستوظف لصالح المفهوم والمنهج الغربي لتمييع الجانب العقدي في التعامل السياسي الإسلامي.
وأتيت لكم بما ذكره أستاذ العلوم السياسية والشؤون الدولية في جامعة جوج تاون الدكتور ناثان برون منذ فترة قريبة جداً ونشر بتاريخ 14/ ديسمبر /2011، حيث يقول: ’’إن الجمهور الأمريكي متعطش إلى فهم طبيعة الأحزاب السياسية الإسلامية الموجودة في العالم العربي’’. جاء ذلك خلال ندوة نظمتها جامعة أمريكية تحت عنوان (الحركات السياسية والإسلامية في العالم العربي.. المشاركة لا المغالبة). وأشار إلى أن الكثير من الناس ينظرون إلى الأحزاب الإسلامية على أنها معادية للديمقراطية رغم أنها في طبيعة عملها تشبه الأحزاب المسيحية، وأن التيارات الإسلامية لا تعادي الديمقراطية وغايتها الإصلاح، يقول: ’’إنه من الخطأ اعتبار الحركات الإسلامية على أنها أحزاب سياسية، فالأحزاب السياسية الإسلامية تسعى إلى إعادة تأهيل المجتمع والأفراد سياسياً واجتماعياً’’، فالإصلاح وإعادة تأهيل المجتمع على رأس هذه الأحزاب والحركات السياسية، هذا من حيث المنهج، لكن من حيث ما يحدث فيقول براون: ’’إن الأحزاب والحركات الإسلامية بدأت تفكر بطريقة مختلفة تماماً تزامناً مع الربيع العربي الذي يشهده العالم العربي وهي تحضر نفسها لخوض الانتخابات بدلاً من التفكير لوصول الفرد إلى المجتمع’’. أي: صار عندنا توظيف العمل الإسلامي والحركات الإسلامية في الإطار السياسي بدل أن توظف في الإطار البنيوي التربوي الذي ينشئ الفرد. ويقول أيضاً: ’’فلذلك غيرت الحركات والأحزاب الإسلامية أولوياتها بحيث جعلت تنظيم الحزب لنفسه والدخول في العملية السياسية في قمة أولويات هذه الأحزاب بالرغم من أن ذلك سيأخذ منها وقتاً طويلاً’’.
إذن هذه المنظومة الأولى التي تميع الجانب العقدي.
والمنظومة الثانية التي هي الصوفية سيتعامل معها لتمييع الجانب العقدي في الأصول الاعتقادية الإيمانية.
وأما المنظومة الثالثة في ميزان الغرب فتتعلق بالتيار الليبرالي وتحدثنا عن هذه المنظومة.
المحور الرابع: دعم الغرب للصوفية:
وسنركز في حديثنا على المنظومة الصوفية وذلك لخطورتها وأهميتها وانتشارها وبُعدها التاريخي وسهولة اختراقها وإمكانية توظيفها واستيعابها لمختلف الشرائح الثقافية والمهنية والدينية.
وهناك سبعة أشياء مهمة جداً من أجلها سيركز الغرب على التيار الصوفي في الربيع العربي، وهو الذي سوف نشهده في المرحلة القادمة. وسأذكر بعض الأشياء المهمة لأجل أن تستحضروها وأنتم تتابعون التطورات السياسية التي تحدث والتغيرات التي ستفرز شخصيات، ويصبح عندنا قاعدة في الفهم والمنطلق العقدي لنحلل كثيراً مما يجري في الساحة.
والمصدر الذي سأستعين به بعد سبحانه وتعالى في النقولات كتاب (ولتستبين سبيل المجرمين) للدكتور محمد يسري ويمكن الرجوع إليه. ونسيت أن أنوه بأنه فيما يخص المحاضرة الأولى من النافذة السياسية يمكن الرجوع إلى كتاب (الإسلام الذي يريده الغرب) لصالح بن عبد الله حساب الغامدي، وهو كتاب ممتاز جداً وقد استعنت ببعض النقولات منه.
ما الوسائل والرؤى لدعم الغرب للصوفية؟
سأذكرها لكم فيما يلي:
الرؤية العامة:
قالت وكيلة وزيرة الخارجية الأمريكية للشؤون العالمية بولا دوبريانسكي: ’’يجب أن نفكر خارج الإطار التقليدي ونوظف وسائل خلاقة للنمو بالحرية الدينية، وهنا أفكر في تمويل علماء مسلمين أو أئمة وأصوات أخرى للمسلمين’’ أي: دعاة مدرسون وأساتذة جامعات... إلخ، الكلام الآن من جهة رسمية وهي وكيلة وزارة الخارجية فهي تتبنى موضوع إيجاد فرصة تمويلية لبعض الجهات التي تريد أن توظفها ضمن هذه العناوين ’’علماء مسلمون’’ ’’أئمة’’.
وأنشأ دانيال بايبس الكاتب الأمريكي المتعصب ضد الإسلام ورئيس مؤسسة منبر الشرق الأوسط للأبحاث ومقرها أمريكا؛ مركز التعددية الإسلامية؛ لتشجيع الإسلام المعتدل وإحباط التوجهات الوهابية، وضم إلى مركزه أحمد صبحي منصور الأزهري المفصول من الأزهر لإنكاره السنة النبوية وتهجمه عليها، وأبرز الداعمين لهذا المركز بولز ووفتز رئيس البنك الدولي، ويقول أحمد صبحي منصور: ’’إن الغرب يسعى إلى مصالحة التصوف الإسلامي ودعمه لكي يستطيع ملء الساحة الإسلامية والسياسية وفق ضوابط فصل الدين عن الحياة وإقصائه نهائياً عن قضايا السياسة والاقتصاد وبالطريقة نفسها التي استخدمت في تهميش المسيحية في أوروبا والولايات المتحدة’’.
إذن نحن أيضاً أمام تصور أن هناك فئات من الصوفية ستدخل الملعب السياسي لأجل سحب البساط السياسي من تحت المساهمة الإسلامية في التأثير على الأحداث.
وفي 24 أكتوبر 2003 استضاف مركز نيكسون برنامج مؤتمر الأمن الدولي في واشنطن، وعقد هذا المؤتمر ضمن ثلاث جلسات، الجلسة الأولى كانت حول الصوفية، واقترحت الدكتورة هاديمير ثلاث طرق مهمة لدعم أمريكا للتصوف فقالت: ’’أولاً الحفاظ على أضرحة الأولياء أو إعادة بنائها وكذا مراكزهم التعليمية المرتبطة بهم لإعادة هيبة الناس لها، الأمر الثاني: إعادة تذكير الناس بهذه الأماكن وبناء جسور التسامح، الأمر الثالث: تمويل إنشاء مراكز تعليمية يمكن أن تساعد على تأهيل أولئك الشباب الذين تحرروا من عدوانية الفكر الوهابي (يعني الفكر السلفي يسمونه الفكر الوهابي). وفي الجلسة الثانية حول الصوفية في أوروبا وآسيا طالب الدكتور ألان توكلس بدعم النقشبندية التقليدية على وجه الخصوص وقدَّم مقترحات للإدارة الأمريكية، وهي:
المقترح الأول: تشجيع نشر أعمال حول الصوفيين المحليين ونشر ترجمات النصوص الصوفية الكلاسيكية باللغات المحلية الحديثة والإنجليزية.
المقترح الثاني: تشجيع دمج القيم الصوفية مع قيم المجتمع المدني والمؤسسات التعليمية.
المقترح الثالث: نصح مختلف أمم آسيا الوسطى باعتماد سياسة منفتحة تجاه إحياء النقشبندية.
المقترح الرابع: تشجيع إحياء الثقافة والأدب الصوفيين تحديداً فيما يتصل بالتقاليد الموجودة والمتعلقة بزيارة المقامات في كل دولة.
إذن دعم المنهج الصوفي ليس وليد الربيع العربي وإنما سبقه، ويأتي الربيع العربي الآن لأجل أن يستثمر هذا التخطيط المسبق ولأجل أن يوظف تلك الجهود السابقة في إطار التأثير على مجمل الساحة.
وأريد أن ألقي نظرة خاصة على الموقف الأمريكي بالذات، لأن الموقف الأمريكي موقف مؤثر جداً في الوضع السياسي والإقليمي في منطقتنا وفي العالم كله، ولذلك يهمنا أن نلقي الضوء على هذا الموقف.
يقول الدكتور برنارد لويس: ’’نحن كأمريكيين سندعم الصوفيين، وإذا عملنا مع الوهابيين فإننا سنخاطر’’. بينما ليس هناك خطر مع الصوفيين، هو كان يتساءل: هل ندعم الصوفيين أم نعمل مع الوهابيين؟ فالعمل مع الوهابيين خطر، والعمل مع الصوفيين ليس فيه خطر.
وفي 25/4/2005 نشرت مجلة (يو أس نيوز أند ورلد ريبوت) تقريراً بعنوان ’’عقول وقلوب ودولارات’’، وجاء في إحدى فقرات هذا التقرير: يعتقد الاستراتيجيون الأمريكيون بشكل متزايد أن الحركة الصوفية بأفرعها العالمية قد تكون واحداً من أفضل الأسلحة ضد تنظيم القاعدة والإسلام الجهادي. بالمقابل توجد مجموعة من الصوفيين في الولايات المتحدة تستفيد من هذا التوجه الأمريكي مادياً ومعنوياً وإعلامياً لأنها تمثل الصوفية ومن ثم هي رأس حربة لهذا التوجه.
وقال ستيفن شوارتز: ’’يجب على أعضاء السلك الدبلوماسي الأمريكي في المدن الإسلامية من ابرتشينا في كوسوفا إلى كشغار في غرب الصين ومن فاس في المغرب إلى عاصمة إندونيسيا جاكرتا، أن يضيفوا الصوفيين المحليين إلى قائمة زياراتهم الدورية’’. أي: ينبغي على وزارة الخارجية الأمريكية أن تضع ضمن مخططات زياراتها أن يكون هناك زيارات للمدارس والمجالس والمراكز والتجمعات الصوفية. وبناء عليه لم يكن مصادفة أن يزور السفير الأمريكي بالقاهرة مولد البدوي في طنطا وأن يبدي إعجابه بالصوفية وينتسب إليها ويقول: ’’أنا صوفي’’ وأن يأخذ العهد على أحد شيوخها في المولد وأن ينشر خبر ذلك علناً في الصحف القومية المصرية (انظر صحيفة الأهرام 10/8/2004).
ويقول الدكتور عبد الوهاب المسيري - رحمة الله عليه -: ’’إن العالم الغربي الذي يحارب الإسلام يشجع الحركات الصوفية، ومن أكثر الكتب انتشاراً الآن في الغرب مؤلفات محيي الدين بن عربي وأشعار جلال الدين الرومي، وقد أوصت لجنة الحريات الدينية التابعة للكونجرس بأن تقوم الدول العربية بتشجيع الحركات الصوفية في الزهد في الدنيا والانصراف عنها وعن عالم السياسة وهذا يضعف ولا شك صلابة مقاومة الاستعمار الغربي’’. هذا ضمن مقال كتبه الدكتور عبد الوهاب المسيري بعنوان (الإسلام والغرب) نشر في 14/ 11/1425هـ 26/12/2004م.
إذن هذه هي الرؤية الأولى وهي: الرؤية العامة.
وهل هناك إرهاصات لبلورة هذه الرؤية العامة في الواقع العملي؟ الجواب: نعم.
ففي 12/7/2003 نظم المركز الثقافي الأوروبي البلغاري ندوة حول التصوف الإسلامي، وفي عام 2003 كلفت دار هردر الألمانية الدكتور نصر حامد أبو زيد بتأليف كتاب عن ابن عربي ضمن سلسلة عن الأعلام الروحانية في الشرق والغرب معاً، وتحت كلمة ’’كلفت’’ ضعوا كذا خط، واربطوها مع كلمة ’’دولارات’’.
وتُرجمت تائية ابن الفارض إلى الألمانية والإيطالية والإنجليزية، وترجم حمزة يوسف قصيدة البردة إلى الإنجليزية، وفي الدانمارك في عام 2004 أقيمت على مدار 20 يوماً محاضرات عن ابن الحلاج وابن عربي.
ونقلت مجلة يو إس نيوز في تقريرها أن واشنطن قامت بتمويل محطات إذاعة إسلامية وبرامج تلفزيونية ونظمت دورات تعليمية في المدارس البحثية وورش عمل سياسي لترويج الإسلام المعتدل في أكثر من 24 دولة إسلامية على الأقل، كما سعت إلى ترميم أضرحة المساجد - لاحظوا ’’أمريكا ترمم أضرحة المساجد’’ - وإنشاء المدارس الإسلامية من خلال المساعدات الأمريكية، كما مولت الإدارة الأمريكية تدريب أئمة المساجد وعمليات ترميم مساجد وآثار إسلامية في 9 دول منها: مصر، وتركمانستان، وإندونيسيا، وباكستان، وقرقيزيا، وأوزبكستان، وهو ما يدل على أن النظرة الأمريكية في موضوع دعم التصوف ليس في مستوى العالم العربي، وإنما على مستوى العالم الإسلامي كله.
وذكرت مجلة التصوف الإسلامي أن السفير الأمريكي روني قابل شيخ مشايخ الطرق الصوفية في مقر المشيخة العامة بالحسين.
وتم تأسيس كيانات واتحادات صوفية؛ ففي يناير عام 2003 أعلن عن تأسيس الاتحاد الوطني للزوايا الجزائرية.
وفي 8/5/2007 أعلن عن إنشاء المجلس الصوفي العالمي بالقاهرة.
وفي سبتمبر عام 2009 أعلن عن أول اتحاد نسائي لنشر الفكر الصوفي بمصر وإنشاء دار النساء الصوفيات.
وفي أبريل عام 2010 أعلن بالمغرب عن إنشاء اتحاد للزوايا الشاذلية.
وفي مصر تم وضع حجر الأساس لمبنى جديد للمشيخة الصوفية في 1/10/2010 يعني قبل حوالي سنة وشهرين، وذلك بحضور مفتي الديار المصرية الذي تبرع بمبلغ مائة ألف جنيه متوعداً من يعادي الصوفية بأن ليلته ظلماء وستكون أسود من قرن الخرنوب.
وفي أكتوبر عام 2002 أقيم بالمغرب بالتعاون مع مصر مؤسسة ’’كونراد ايدناور’’ الألمانية ندوة دولية حول (ابن عربي في أفق ما بعد الحداثة) وانتبهوا إلى التركيز على ابن عربي.
وفي عام 2003 شهدت الإسكندرية المؤتمر العالمي للطريقة الشاذلية.
وفي سبتمبر عام 2004 أقيم مؤتمر للصوفية في المغرب برعاية ملك المغرب محمد السادس.
وفي ديسمبر عام 2004 أقيم في عاصمة مالي المؤتمر العالمي الأول للطرق الصوفية بغرب إفريقيا.
وفي أول سبتمبر عام 2005 أقيم في ليبيا مؤتمر دولي بعنوان (الطرق الصوفية في إفريقيا حاضرها ومستقبلها)، وكان شعار المؤتمر (معاً من أجل تفعيل دور الطرق الصوفية والزوايا الصوفية في إفريقيا).
وفي يونيو عام 2005 أقيمت ندوة في القاهرة بواسطة العشيرة المحمدية بعنوان (التصوف ودوره في الإصلاح).
وفي نوفمبر عام 2005 عقد مؤتمر دولي علمي حول الصوفية في تلمسان الجزائرية.
وفي عام 2006 أقيمت حلقة نقاشية بعنوان (التصوف في مقابل التطرف) تحت رعاية الجمعية العالمية للدعوة بالاشتراك مع مشيخة الطرق الصوفية.
وفي أبريل عام 2006 انعقد المؤتمر الدولي حول دور الزوايا المغاربية.
وفي أبريل عام 2006 أيضاً عقدت أكاديمية القاسمي بالاشتراك مع الجامعة العبرية في القدس مؤتمراً بعنوان (التصوف في فلسطين في الماضي والحاضر)، وافتتح المؤتمر بكلمة ترحيبية من البروفيسورة ساره سترومزا نائبة عميد الجامعة العبرية.
وفي سبتمبر عام 2006 اختتم المنتدى الدولي الثالث حول الصوفية بوجود أربعين أكاديمية من دول عربية إضافة إلى إيران وأمريكا وألمانيا وفرنسا وبلغاريا والصين، ودعا الدكتور محمد بريك الناطق الرسمي للطريقة القادرية في الجزائر وعموم إفريقيا إلى اقتراحه المتمثل في بناء مدينة التيجانية التي ستستقطب 350 مليون تيجاني من شتى أنحاء العالم لدعم ما يسمى السياحة الدينية.
وفي يوليو عام 2007 عقد بالمغرب مؤتمر الطريقة التيجانية بمشاركة أكثر من أربعين دولة يتعاهدون على نشر طريقتهم في إفريقيا.
وفي ديسمبر عام 2007 عقد بالجزائر وبرعاية الدولة الملتقى الدولي للتصوف بالجزائر.
وفي يوليو عام 2008 عقد بالمغرب أول ملتقى عالمي للزوايا الشاذلية المشيشية في العالم بكل من طنجة وتطوان بحضور مفتي الديار المصرية الدكتور علي جمعة.
وفي يونيو عام 2009 عقد مؤتمر صوفي بالقاهرة انتهى بإصدار بيان للطرق الصوفية المشاركة دعت فيه إلى تشكيل لجان من علماء المسلمين لبحث كيفية التقارب بين العالم الإسلامي والولايات المتحدة ودراسة القيم المشتركة التي يمكن التعاون فيها.
وفي آخر يونيو عام 2009 وجهت السفير الأمريكية بالقاهرة دعوة إلى تسع طرق صوفية لحضور حفل السفارة بعيد الاستقلال الأمريكي في أول يوليو.
وفي 3/8/2010 نشر في صحيفة الدستور المصرية خبر اجتماع شيوخ الصوفية مع ممثل الإدارة الأمريكية بحضور مندوب من أمن الدولة، أي: قبل الربيع العربي بثلاثة شهور تقريباً، وذلك بمقر الطرق العزمية بالسيدة زينب لمدة ساعتين، وذلك للتنسيق بين شيوخ الصوفية في مصر وبين الإدارة الأمريكية لنشر الإسلام الصوفي المعتدل بين المسلمين الأمريكيين، وتم الاتفاق على اختيار الشيخ علاء الدين شيخ الطريقة العزمية منسقاً بين الصوفية في مصر والإدارة الأمريكية. وفي الوقت نفسه أبرم شيخ مشايخ الطرق الصوفية عبد الهادي القصبي اتفاقاً مع مؤسسة الأهرام لتنظيم مؤتمر سنوي يحضره أعضاء الطرق الصوفية من مصر والبلاد العربية والإسلامية بدعم من مؤسسة الأهرام الصحفية لمواجهة المد السلفي والفكر الإخواني، كما تتولى المؤسسة أيضاً تنظيم مؤتمر مشابه لنقابة الأشراف بحضور المنتسبين لآل البيت في مصر والعالم، كما اتفق على نشر سلسلة من الكتب والأبحاث التي تتناول الفكر الصوفي المعتدل وطرحها بأسعار تكون في متناول العامة.
وتم افتتاح كليات ومعاهد وأكاديميات لصالح الفكر الصوفي؛ ففي عام 2003 تم افتتاح كلية دار العلوم بالحديدة وذلك لتقريب التصوف وترسيخه وتأهيل أهله لتولي المناصب وأماكن التوجيه والتأثير في المجتمع اليمني.
وفي مصر جرى سعي حثيث لافتتاح كلية باسم التصوف وعلومه داخل جامعة الأزهر، لكن اعترض عليه من قبل جهات أمنية ورسمية فافتتحت عوضاً عنها في سبتمبر عام 2004 أكاديمية التصوف التابعة لطريقة العشيرة المحمدية في أربع سنوات دراسية، وافتتح في عام 2010 قسم للدراسات العليا بالأكاديمية المذكورة.
وفي عام 2005 افتتح في جدة مركز الروحة للتعلم والتعليم، وهو من مراكز الصوفية في جدة بالسعودية.
هذا بالإضافة إلى ما هو موجود قبل ذلك من المعاهد والدور في مختلف بقاع العالم الإسلامي كدار المصطفى بتريم في جنوب اليمن، ومعاهد كفتارو والفتح في سورية، وبيادر السلام في الكويت.
إضافة إلى ذلك هناك مراكز بحثية مهمتها أن تنشر الفكر الصوفي عن طريق المؤلفات والدراسات والمجلات والكتب وغيرها، ففي أغسطس عام 2003 صدر العدد الأول من مجلة البحوث والدراسات الصوفية، وهي من مطبوعات العشيرة المحمدية بمصر وتصدر عن المركز العلمي الصوفي الهادف إلى إحياء التصوف ونشره.
وفي عام 2005 بدأ مركز البحوث والدراسات التابع للطريقة العزمية في مصر بإصدار سلسلة من الكتب التي تقوم بمهاجمة التيارات العلمية والدعوية كافة، ولا فرق في ذلك بين الجمعيات المرخصة من قبل الدولة كالجمعية الشرعية أو أنصار السنة، أو الجماعات الدعوية كالإخوان والسلفيين، واتهمتها بمختلف التهم والتي منها العمالة لليهود، كما أفردت مجالاً واسعاً لمهاجمة الوهابية فكراً ومعتقداً ومنهجاً وسلفاً وفقهاء واختيارات علمية، وأضافت إلى ذلك هجوماً على شخصيات علمية تاريخية كابن تيمية - رحمه الله - وابن عبد الوهاب - رحمه الله - وأخرى معاصرة.
وفي القاهرة ومنذ سنوات تقوم جهة بحثية هي المكنز الإسلامي بإشراف الدكتور علي جمعة مفتي الديار المصرية، على تحقيق تراث ابن عربي بأموال بعض الصوفية من غير العرب ليُخرَج في طبعات فاخرة، كما تقوم جهة أخرى بالتنقيب في تراث الشيخ السبكي - رحمه الله - مؤسس الجمعية الشرعية في مصر، وذلك بالبحث عن كتبه الأولى التي رجع عنها؛ وذلك لإثبات أن الجمعية الشرعية بمصر هي جمعية صوفية المنشأ قد انحرف مسارها، وصدرت كتيبات جمعت فتاوى موجهة لترويج المعتقدات والأفكار الكلامية وتجاهل العقائد الشرعية الصحيحة وتسويغ بدع العبادات المنسوبة للصوفية كأنواع الذكر المبتدع وتسويغ بناء المساجد على القبور تعظيماً لها وقصدها بالصلاة والعبادة.
وباسم الدكتور عبد الله عمر كامل خرج كتاب كبير بعنوان ’’الإنصاف’’ يناقش فيه قضايا تتعلق بتسويغ الاختيارات الصوفية في المسائل العلمية والعملية والرد على المخالفين بطريقة تناسب المثقفين وتتبنى التقريب بين الصوفية وبعض طوائف الدعوة الإسلامية المعاصرة.
ونلقي الآن نظرة على دعم الحكام والأنظمة للصوفية، فيقول الدكتور عامر النجار: ’’إنه قد يكون مما ساعد على انتشار الطرق الصوفية في مصر انتشاراً عجيباً واندفاع عشرات الألوف من المصريين للانضمام تحت لواء هذه الطرق، هو تشجيع الحكام أنفسهم لحركات الطرق الصوفية ليشغلوا الشعب المصري عن التفكير في ظروفه الاجتماعية والاقتصادية السيئة’’.
ويقول الدكتور عمار حسن: ’’وفي الفترة الأخيرة في مصر ظهر جلياً تقرب الحكومة من المتصوفة وتقرب المتصوفة من الحكومة، بل والسعي من الطرفين للتقارب... ’’ إلى آخر الكلام.
ويقول الفرنسي المسلم أريك جوفري المختص في الصوفية بجامعة لكسون بورم بشمال فرنسا في حوار صحفي عن هذا الشأن: ’’وفي علاقاتها بالحركات الإسلامية بالذات نجد أن الأنظمة العربية عملت على إدماج الصوفية في الحكم بهدف محاربة الظاهرة الإسلامية، فوزير الأوقاف المغربي هو أحمد التوفيق الصوفي، كما أن الشيخ أحمد الطيب في مصر أصبح رئيس جامعة الأزهر بعد أن كان مفتياً للديار المصرية، وفي الجزائر نجد أن بو تفليقة قريب جداً من الصوفية وهو ما برز في حملته الأخيرة، حتى في أيام صدام حسين كان عزت الدوري الرجل الثاني في النظام العراقي محسوباً أيضاً على الصوفيين، بل كان رأس الصوفيين في حزب البعث، وقد قام الرئيس الجزائري بو تفليقة بزيارة عدد من الزوايا وأضرحة الأولياء لزيادة شعبيته ولنفي اتهامات وجهت له بالتواطؤ مع التيار الإسلامي السلفي، وذلك قبيل الانتخابات الرئاسية التي أقيمت في 8 إبريل عام 2004’’.
وقد صنع اللورد كرومر الصنيع نفسه، فقد كان أول من أسس مجلساً أعلى للطرق الصوفية واختار لرئاسته ما سماه شيخ مشايخ الطرق.
إضافة إلى ما ذُكر سابقاً فإن الإعلام الرسمي والمصرح به أيضاً كان في خدمة الصوفية، فمن ذلك مثلاً ما ذكرته مجلة روز اليوسف في 16/4/2005 تحت ملف كامل عن الصوفية صدّرته بقولها: يجب أن نعترف بالإهمال والتقصير، الإهمال لأننا أهملنا كتلة إسلامية ضخمة منتشرة في كل قرى ومدن وربوع مصر، وهي الطرق الصوفية، والتقصير لأننا لم نمد لها أيادي العون وتركناهم يواجهون اتهامات بالتشويه قامت بها وما زالت تيارات وجماعات إسلامية. ثم تبين روز اليوسف أسباب ذلك الدعم الإعلامي فتقول: كل ذلك من أجل إسلام نقي وسطي معتدل يواجه التطرف الديني.
ودشنت أيضاً قناة مؤخراً باسم الصوفية تبث أشعاراً وأغاني صوفية من خلال مجموعات من المنشدين بصحبة آلاتهم الموسيقية. وتحت التأسيس الآن قناتان صوفيتان والفضائيات العربية والإسلامية تعج بأخبارهم وأنشطتهم.
وفي إطار الإعلام فإن الدول أتاحت الفرصة للصوفيين للقيام بشعائرهم الصوفية الخاصة بهم في نطاق واسع وكانت تيسر لهم هذا الأمر وتدعمهم، فمن ذلك مثلاً: صورة حية نقلها الدكتور محمد هشام الراغب قال: ’’بعد يوم واحد من إغلاق الحكومة (يعني في مصر) لأربع فضائيات إسلامية دفعة واحد أطل علينا التلفزيون الرسمي الحكومي من خلال برنامجه مصر النهاردة، بسهرة دينية على الهواء مباشرة من مسجد السيد البدوي بطنطا للاحتفال بمولده، ونقل إلينا التلفزيون الرسمي صورة مشوهة عن الإسلام وأخذ يروج لها ويكيل المديح على طقوسها وخزعبلاتها، وكنا نتصور أن يكون للتلفزيون الرسمي أدنى شعور بالمسؤولية تجاه تثقيف المسلمين وتوعيتهم بدينهم ودفعهم لئن يكون الإسلام راعياً لأخلاقهم وحافظاً لصلاح دنياهم وآخرتهم، لا أن يتبنى التلفزيون والدولة هذه الصورة المقيتة والتي لا يقرها علماء الدين، حتى المتصوفة منهم.. أين دعاة التنوير الذين صدعوا رؤوسنا؟ لقد رأينا في التغطية الحية المباشرة فرقة موسيقية كاملة داخل الساحة الخارجية للمسجد وأمامهم مطرب دكتور وإلى جواره مذيع البرنامج يتغزل في صوته وأدائه وألحانه، وطاف البرنامج بصور المشعوذين والدراويش والراقصين والبسطاء الذين أتوا من كل حدب وصوب يفترشون الأرصفة ويتبرعون بأموالهم القليلة لمقام البدوي وزواره ولا ترى بينهم عالماً واحداً ولا تسمع في التغطية كلها قال الله ولا قال الرسول، ولا تجد مسؤولاً واحداً يشفق على بسطاء الناس الذين يتمسحون بمقام البدوي ويدعونه من دون الله، بل تجد تغطية لعباءة البدوي التي تزن عشرين كيلو غراماً والتي لا يتم إخراجها إلا مرة واحدة في السنة، وملابس البدوي والخرافات المحيطة بسيرته الغامضة.. كيف يقدم الإسلام بهذه الصورة المشوهة في مصر قلب العالم الإسلامي وبلد الأزهر الشريف؟ هذا المولد هو الذي حضره السفير الأمريكي ريتشرد روني.
وفي إطار الإعلام أيضاً ذكر تقرير في برنامج ’’مصر النهاردة’’ أن نحو مليوني مصري يتوجهون لحضور المولد الذي تمتد احتفالاته لمدة أسبوع كامل. أَمَا للأزهر الشريف أو دار الإفتاء رأي في هذه الموالد وما يقع فيها؟
وآخر بند في هذا الموقف الغربي هو: الصوفية مع الغرب ضد الجهاد، وأذكر بعض المقتطفات، قال الحاكم الفرنسي في الجزائر: ’’إن الحكومة الفرنسية تعظم زاوية من زوايا الطرق أكثر من تعظيمها لشؤون جنودها وقواتها وأن الذي يحارب الطرق إنما يحارب فرنسا’’.
ومثل هذا الموقف وقفه الإنجليز في مصر من الشيخ محمد إبراهيم الجمل شيخ الطريقة السمانية الذي وصلت به الحال في تأييد الإنجليز إلى جمع توقيعات المواطنين ضد ثورة 1919 والدعوة إلى بقاء الإنجليز، وبهذا يتضح أن كل من يقوم ضد الإنجليز أو ضد الفرنسيين فالصوفيون ضده ويقفون مع المستعمر.
بل في الهند وقف أيضاً موقفاً مشابهاً لهذا، لأن جميع الطرق الصوفية تقريباً لها نفس الموقف، يقول إن الباحث والقارئ يندهش عندما يرى أنه لم تقم حركة في شبه القارة لمواجهة الاستعمار إلا وخالفها البريلوي وكفر زعماءها، فقد كتب البريلوي كتيباً مستقلاً قال فيه بكل صراحة: لا جهاد علينا نحن مسلمي الهند بنصوص القرآن العظيم، ومن يقول بوجوبه فهو مخالف للمسلمين ويريد ضررهم.
ويقول الصادق المهدي، وهو من أحفاد المهدي صاحب الحركة المهدية في السودان: الإسلام الصوفي منذ نشأته اتسم بإسقاط واجب الجهاد وبالتخلي عن الإيجابية الاجتماعية فكان أشبه بحركة انطواء وهو ما سهل على جماعته التعايش مع نظم سياسية فرضت سلطاناً على المجتمع. ونلخص ما سبق فيما يلي:
أولاً: ينبغي فضح هؤلاء وعدم التعاون معهم في أي أنشطة سياسية أو غيرها.
ثانياً: ليسوا سواء - يعني الصوفية - فلا نستطيع أن نضعهم كلهم في سلة واحدة، وما ذكرته يخص غلاة الصوفية الذين يقفون المواقف التي ذكرتها لكم، وهناك بعض الصوفيين ليست لهم هذه المواقف وقد تكون عندهم بعض البدع والممارسات والآراء لكن ليست هي الآراء والممارسات الذي يمارسها غلاة الصوفية التي ذكرتها لكم.
المحور الخامس: ليسوا سواءً:
ليس الصوفية سواءً، فهناك مواقف عدة لبعض الحركات الصوفية والعلماء الصوفيين ضد غلاة الصوفية، خذ مثلاً الحركة السنوسية، فقد كان علماؤها يحاربون العقائد الفاسدة بين القبائل في الصحراء الكبرى ويرشدون إلى حرمة الغلو في تقديس المشايخ الأحياء والأموات ولا تأذن لأتباعها بأن يذكروا ميتاً عند قبره بغير الدعاء له والترحم عليه، هذا من كتاب الحركة السنوسية في ليبيا للدكتور علي الصلابي.
وللأزهر أيضاً مواقف، سابقاً وحالياً، ومن مشايخ الأزهر الذين لهم مواقف ضد الصوفية الأستاذ الدكتور أحمد علي طاهر أيال عميد كلية الشريعة ورئيس قسم الفقه المقارن، والأستاذ الدكتور نصر فريد مفتي الديار المصرية الأسبق، وصاحب المواقف المشهورة والفتوى الحرة فضيلة الشيخ الأستاذ الدكتور محمد الراوي عضو مجمع البحوث الإسلامية وأستاذ التفسير بجامعة العالم الإسلامي، وفضيلة الشيخ الأستاذ الدكتور عبد الستار فتح الله سعيد أستاذ التفسير بجامعة العالم الإسلامي وغيرهم.
وممن كانت لهم آراء في قضية الصوفية محمد عبده، ومفتي الديار المصرية الشيخ عبد المجيد سليم، والشيخ محمود شلتوت، والشيخ حسن مأمون، والدكتور محمد حسين الذهبي، والشيخ أحمد حسن باقوري، والشيخ حسنين محمد مخلوف، والشيخ محمد الغزالي، والشيخ عبد الحميد كشك، والشيخ سيد سابق، والدكتور محمد سيد طنطاوي، وأيضاً الدكتور يوسف القرضاوي.
حيث يقول الشيخ محمد عبده: التوسل بلفظ الجاه مبتدع بعد القرون الثلاثة وفيه شبهة الشرك والعياذ بالله وشبهة العدول عما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، فلِمَ الإصرار على تحسين هذه البدعة؟
ويقول الشيخ الدكتور عبد المجيد سليم مفتي الديار المصرية في شأن المولد: عمل الموالد بالصفة التي يعملها العامة الآن لم يفعله أحد من السلف الصالح ولو كان ذلك من القرب لفعلوه.
ويقول الشيخ محمود شلتوت شيخ الأزهر المعروف: ومهما قال عشاق الموالد والمتكسبون بها ومروجوها أن فيها ذكراً لله والمواعظ وفيها الصدقات وإطعام الفقراء فإن بعض ما تراه فيها ويراه كل الناس من ألوان الفسوق وأنواع المخازي وصور التهتك والإسراف في المال ما يحتم على رجال الشؤون الاجتماعية وقادة الإصلاح الخلقي والديني المبادرة بالعمل على إبطالها ومنعها ووضع حل لمخازيها وتطهير البلاد من وصمتها... إلى آخره.
ويقول الشيخ حسن مأمون وهو شيخ الأزهر والإمام الأكبر ومفتي الديار المصرية: أود أن أذكر أولاً أن أصل الدعوة الإسلامية يقوم على التوحيد، والإسلام يحارب جاهداً كل ما يقرب الإنسان من مزالق الشرك بالله، ولا شك أن التوسل بالأضرحة والموتى أحد هذه المزالق وهي رواسب الجاهلية. ثم قال: فلو نظرنا إلى ما قاله المشركون عندما نعى عليهم الرسول صلى الله عليه وسلم عبادتهم الأصنام قالوا له: ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى، فهي نفس الحجة التي يسوقها اليوم الداعون للتوسل بالأولياء لقضاء حاجة عند الله أو التقرب منه. ومن مظاهر هذه الزيارة أفعال تتنافى مع عبادة إسلامية ثابتة، فالطواف في الإسلام لم يشرع إلا حول الكعبة الشريفة وكل طواف حول أي مكان آخر حرام شرعاً، والتقبيل في الإسلام لم يسن إلا للحجر الأسود وحتى الحجر الأسود قال فيه عمر رضي الله عنه وهو يقبله: والله لولا أني رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يقبلك ما فعلت... إلى آخر الكلام.
ويقول الشيخ الدكتور محمد حسين الذهبي: ليس للوزارة سلطان على الطرق الصوفية، وهناك المجلس الأعلى للطرق الصوفية هو المسؤول، ولقد نبهنا إلى خطورة الطريقة البرهانية، وأصدرت وزارة الداخلية قراراً بحظر نشاطها، ومع ذلك ما زالت موجودة ولها مريدون بالآلاف ولا بد أن ننقذ هؤلاء من ضحايا التضليل.
المحور السادس: التوصيات:
أولاً: الانطلاق من الكتاب والسنة في أي موقف عقدي.
ثانياً: الديمقراطية منزلق عقدي يدعمه الغرب.
ثالثاً: ينبغي تنقية الصفوف وتمييز المواقف ومواجهة الليبراليين والعلمانيين والصوفيين وعدم التحالف أو التعاون معهم.
رابعاً: ’’الغاية تبرر الوسيلة’’ تحت غطاء المصالح والمفاسد مبدأ لا يقره الإسلام وخاصة في مجال العقيدة.
خامساً: لا بد من فضح علاقات الغرب مع الصوفيين والعلمانيين والليبراليين، والعمل على عزلهم عن التأثير الجماهيري.
سادساً: توحيد صفوف الإسلاميين تحت راية الحق.
وما كان من الحق فمن الله وحده، وما كان غير ذلك فمن نفسي والشيطان.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
*مجلة البيان