مركز الوفـــاق الإنمائي للدراسات والبحوث والتدريب

2014/08/17 20:10
دموع النبوة( 2 )
بقلم مها المحمدي- خاص بالوفاق
في نفس محمد صلى الله عليه وسلم نفوس البشر تفصلت مشاعرهم وجنحت بوجدانهم أدق تفصيل وأرق هفهفة جناح !
هي الحقيقة الأصل التي لابد وأن تقاس عليها كل النفوس .. هي الروعة في الكمال واستفراغ الجمال بهاءً على بهاء .
نادت يثرب أباه ( عبدالله ) زهرة فتيان قريش ؛ ليموت ويدفن بها وقد قضت مشيئة الله إذا كتب لنفس أن تقبض في أرض جعل حاجة لها فيها !
ونادى قبر ( عبدالله ) قلب الزوجة الفاقدة ( آمنة بنت وهب )
كانت نسمات يثرب تحمل مع كل صباح إلى مكة ذرات من ترابه إلى روح طغت فيها حلاوة الصبر على مرارة الفقد ؛ لتحمل وجدانها في ما يُشبه السحر وتنطلق بالطفل اليتيم إلى ديار أخوال أبيه تسترجع الذكريات ...
والذكريات مسافة بين الحدود حين ينطلق سهم القدر بفراق الأحبة لايملكها أحد وتملك هي نواصي القلوب ، لها وجهان وجه الجنة والنار !
مشقة النفس المفارقة تستولي على معاني العاطفة والعقل فلا بعد الزمان ولا المكان وإنما هي الدقيقة للدقيقة والثانية للثانية وشبر من الأرض يُطوى في مرتفع منها ومنخفض وخروج من سلطان الزمان والمكان إلى سلطان الذكريات نعانقها فتكوي أعطاف العناق .
قرر فؤاد (آمنة بنت وهب ) المسكون بالرحيل إلى قبر تقف عليه الذكريات
بإرادة لله سبحانه وتعالى ولإرادته حكمة تُدرك ولا تُدرك ، قرر ذلك الفؤاد النقي أن يستمع للنداء ولا يخرج من يثرب بعد الزيارة حتى يثب على الأرض يُقبلها ويرفض أن يتركها يريد الجوار على استحياء ، جاءته تقودها معاني الحب والوفاء وخرجت رقراقة كقطرة ندى تثقل وترى في السقوط على الأوراق أجمل الزلل !
توقفت دقات قلب قطرة الندى وهي تضم اليتيم وتودعه شعراً ، شاعرة بني زهرة أم اليتيم الأمي معلم الخلائق !




بارك فيك الله من غلام
يا ابن الذى من حومة الحمام
نجا بعون الملك المنعام
فودى غداة الضرب بالسهام
بمائة من إبل سوام
إن صح ما أبصرت فى منامى
فأنت مبعوث إلى الأنام
من عند ذى الجلال والإكرام
تبعث فى الحل وفى الحرام
تبعث بالتحقيق والإسلام
وبكى اليتيم أمه كما بكى قبر أبيه لكأنه سمع قلبها يتمتم قبل شفتاها وهي تُعرف الأب بالابن في الزيارة تقول : أيها الحبيب هذا من روحك وريِحك وتلتفت إلى الابن لتقول له : هذا قبر أبيك فتى هاشم الأول
وإن أنشدت رثاها له بين الحين والحين أفلا يبكي أبيه عليه الصلاة والسلام
عفا جانب البطحاء من ابن هاشم
وجاور لحدًا خارجًا فى الغماغم
دعته المنايا دعوة فأجابها
وما تركت فى الناس مثل ابن هاشم
عشيّة راحوا يحملون سريره
تعاوره أصحابه فى التزاحم
فإن تك غالته المنايا وريبها
فقد كان معطاءً كثير التراحم

تبكي طفولة نبينا الرحيم صلى الله عليه وسلم أماً وأباً ..
فأي شعور تملكه حين وريت أمه التراب أمامه وعاد مع حاضنته بدونها يلتفت إلى قبرها يودعها
هذا قدر الله تراب يثرب وطريقها إلى مكة يحتضن أبويه ليتكوم بعد ذلك تحت قدميه الشريفتين يرفعه إلى عنان السماء وينصره على قومه الذين أخرجوه بنداء الحق أشهد أن لا إله إلا الله ، أشهد أن محمد اليتيم أكرم رسل الله صلى الله عليه وسلم ويحمل اسم النور المدينة النبوية المنورة بنور نبي آخر الزمان لقد شَرف التراب !
وللموت موعد معه .. ؟ يضم جسده الشريف وتفد عليه الملايين تردد بين يديه : السلام عليك سيدي رسول الله أشهد أنك قد بلغت الرسالة وأديت الأمانة ونصحت الأمة .

دمعات يتم الأب .. ودمعات شهادة موت الأم ودفنها وفقدها ..
وسيل منها يذرفه صلى الله عليه وسلم على قبرها
في رواية عن بريدة بن الحصيب رضي الله عنه يقول :
انتهى النبي صلى الله عليه وسلم الى رسم قبر فجلس . وجلس الناس حوله . فجعل يحرك نفسه كالمخاطب . ثم بكى فاستقبله عمر بن الخطاب رضي الله عنه . فقال : يارسول الله مايبكيك ؟ فقال : هذا قبر آمنة بنت وهب . استأذنت ربي في ان أزور قبرها .فاذن لي واستاذنته في الاستغفار لها . فابى عليها . وادركتني رقتها فبكيت . فما رايت ساعة اكثر باكيا من تلك الساعة.
وفي رواية
فإنه لما مَرَّ على قبر والدته آمنة بنت وهب بالأبواء حيث دُفِنت - وهو مكان بين مكة والمدينة - ومعه أصحابه وجيشه وعددهم ألف فارس، وذلك عام الحديبية، فتوقف وذهب يزور قبر أمه، فبكى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبكى من حوله، وقال: ’’استأذنتُ ربي أن أستغفر لها فلم يأذن لي، واستأذنته أن أزور قبرها فأذِنَ لي، فزوروا القبور فإنها تذكركم الآخرة ’’ رواه البغوي في شرح السنة، وأصله في صحيح مسلم.
أي إحساس تملك سيدي رسول الله صلى الله عليك وسلم ؟ أهو إحساس البنوة ترق تشتاق إنسانيته وهو الأب والجد لأمه ويرى في قبرها محضنه الذي لم ينعم به ؟ أم هو إحساس النبوة الرقيق بعدم قدرته على الاستغفار .. ؟
بين النبوة والبنوة بتقديم النون على الباء عاطفة الرقة تنبعث بقلب الإنسان
(والنون ) تشيعها غنة الأنف وضم الشفتين بنَفَس رقيق (والباء ) همس فتح الشفتين وكلا الحرفين أنفاس النَفس !
وفي النبوة ألم النبي تتجاوز هدايته أقرب الناس إليه ولا يملك طلب المغفرة لها وفي البنوة ألم الابن يفارق وتنتصب له الذكريات ، قدرهما .. ؟يقطع حياته صلى الله عليه وسلم مع أمه الطاهرة بلألأة العين ..
أضافة تعليق