فهمي هويدي
هذا حادث ينبغي ألا يمر دون تحقيق يكشف وقائعه ويحاسب المسؤولين عنه بمنتهى الحزم. إذ لا يعقل أن يقتحم نفر من السلفيين مكانا تابعا لإحدى الكنائس ويقررون من جانبهم أن يحولوه إلى مسجد. وهو الحادث الذي وقع في حي شبرا الخيمة بالقاهرة. وفصلت فيه الصحف التي صدرت أمس (7/11). وحتى إذا كان المكان متنازعا عليه وأن في الأمر مخالفة قانونية، فإن التصرف يظل مرفوضا جملة وتفصيلا، لأن هناك دولة وهناك قانونا، وليس مقبولا من أي طرف كائنا من كان أن ينوب عنهما في حفظ الحقوق وحسم المنازعات. وإذا كان تدخل الدولة في مثل هذه الحالات أمرا عاديا، فإن وقوع الحادث في إحدى مناطق التوتر الطائفي يمثل ظرفا مشددا يقتضي مزيدا من الحزم في تطبيق القانون وحماية السلم الأهلي.
أسوأ ما في الحادث أمران، أولهما أنه موجه ضد الأقباط في توقيت دقيق بالنسبة للبلد الذي تهب عليه رياح التوتر والقلق، وبالنسبة للأقباط أنفسهم الذين يتأهبون لتنصيب قيادة كنسية جديدة تعلق عليه آمال كبار في تكريس الوحدة الوطنية وتمتين نسيج الأمة. الأمر الثاني أن ذلك التصرف مؤشر على انتقال بعض السلفيين من القول إلى الفعل. ذلك أننا ظللنا طوال الأشهر الماضية نسمع منهم أقوالا وفتاوى أصابت كثيرين بالذعر، وشوهت صورة السلفيين أنفسهم، بل أساءت إلى الإسلام ذاته وأهانته. لكنهم بما فعلوه في شبرا الخيمة ذهبوا إلى أبعد من ذلك في تأزيم العلاقة مع الأقباط وتوتير الأجواء في البلد، إضافة إلى عدوانهم على القانون والنظام العام.
نقلت الصحف عن متحدث باسم الجبهة السلفية قوله إن ما رددته وسائل الإعلام في هذا الصدد يدخل ضمن الأكاذيب التي تروج عن السلفيين، ومطالبته للدولة «بالكشف عن المتورطين في الحادث وحماية مؤسساتها ومواجهة الخارجين عن القانون ومن يحاولون بث الفتنة داخل المجتمع». وقيل لي إن الدكتور ياسر برهامي نائب رئيس الدعوة السلفية أكد رفضه لذلك التصرف واستنكاره لكل وقائعه. وهو أيضا ما سمعته من السيد عادل عفيفي رئيس حزب «الأصالة» في اتصال هاتفي أجريته معه. وقال لي الدكتور صفوت عبد الغني رئيس المكتب السياسي لحزب البناء والتنمية (الذي أسسه قادة الجماعة الإسلامية) إن الوقائع إذا صحت فإن الاستيلاء على الأرض بالقوة تجب إدانته في كل الأحوال، لأنه لا يعد عدوانا على الأقباط فقط لكنه عدوان على القانون وافتئات على سلطة الدولة.
هذه الخلفية تطرح السؤال التالي: مَن مِن السلفيين إذن يقف وراء الحادث؟ تدعونا الإجابة إلى فتح الملف والإطلال على الساحة التي باتت تمتلئ بأصحاب اللحى ولابسي الجلابيب البيضاء الذين باتوا جميعا ينسبون إلى السلفيين. وقد قلت من قبل إن بعضهم لا علاقة لهم بالمجموعات السلفية، فضلا عن أن تلك المجموعات تضم شيوخا وتكتلات جهوية ظهرت في بعض المحافظات وتنافست في إثبات الحضور بعدما انفتحت أمامهم الأجواء وصار بمقدورهم أن يتحركوا بحرية في الفضاء السياسي الواسع. وقد وجد بعضهم أن ترحيب وسائل الإعلام بهم وتسليط الأضواء على أفكارهم المتطرفة والصادمة عنصر جذب شجعهم على أن يأخذوا راحتهم ويتمددوا بغير حساب.
أكرر ما سبق أن قلته من أننا أمام ساحة واسعة اختلط فيها الحابل بالنابل، وحمل العقلاء والمعتدلون بأوزار الحمقى والمتطرفين. ومنهم من فتن بالحضور الإعلامي ووجد مبتغاه في وسائل الإعلام الساعية إلى الإثارة أو الاصطياد. ومنهم من فتن بالأدوار السياسية فتعلق بها وتنكب طريقها، وأدار ظهره للدعوة والرسالة التي قضوا أعمارهم في كنفها.
إذا وضعنا في الاعتبار أن أعدادا غفيرة من الواقفين في الساحة السلفية والمنتسبين إليها عاشوا سنوات طويلة في السجون والمعتقلات، وكل واحد من قياداتهم أمضى عشرين عاما في المتوسط وراء الشمس، فقد يفسر ذلك لنا أحد أسباب قصور وعيهم وتهافت أفكارهم وسذاجتها فضلا عن انفصالهم عن المجتمع وسوء ظنهم به. وإذا صح ذلك فإنه يدعونا لأن نفتح حوارا معهم بهدف وضعهم في الصورة، وقد يسهم في ترشيد وتصويب أفكارهم وإخراجهم من القوقعة الفكرية التي عاشوا في ظلها طويلا.
لقد بادر الأزهر في وقت سابق إلى التواصل مع فئات من المثقفين الذين كان بينهم ليبراليون ويساريون، وذلك جهد طيب ومشكور. يحفزنا لأن ندعو الأزهر إلى مد الجسور مع مختلف التيارات والجماعات الموجودة في الساحة الإسلامية، لعله يتمكن من نقل الحوار إلى مستوى آخر أكثر نفعا وجدوى، خصوصا أن من بين تلك الجماعات من مارس النقد الذاتي وأجرى المراجعات التي مكنتها من أن تتعامل مع الأوضاع التي استجدت. بوعي أفضل ورشد أكبر، أقام مصالحه بين الرؤية الفكرية والمصلحة الوطنية. ولعلي في ذلك لا أذهب بعيدا إذا قلت إن حوار الأزهر مع الليبراليين تطوع مشكور ونافلة مستحبة، لكن حواره مع الإسلاميين يظل فريضة واجبة. والنهوض بالأمرين جمع بين الحسنيين لا ريب.
الشروق القطرية
هذا حادث ينبغي ألا يمر دون تحقيق يكشف وقائعه ويحاسب المسؤولين عنه بمنتهى الحزم. إذ لا يعقل أن يقتحم نفر من السلفيين مكانا تابعا لإحدى الكنائس ويقررون من جانبهم أن يحولوه إلى مسجد. وهو الحادث الذي وقع في حي شبرا الخيمة بالقاهرة. وفصلت فيه الصحف التي صدرت أمس (7/11). وحتى إذا كان المكان متنازعا عليه وأن في الأمر مخالفة قانونية، فإن التصرف يظل مرفوضا جملة وتفصيلا، لأن هناك دولة وهناك قانونا، وليس مقبولا من أي طرف كائنا من كان أن ينوب عنهما في حفظ الحقوق وحسم المنازعات. وإذا كان تدخل الدولة في مثل هذه الحالات أمرا عاديا، فإن وقوع الحادث في إحدى مناطق التوتر الطائفي يمثل ظرفا مشددا يقتضي مزيدا من الحزم في تطبيق القانون وحماية السلم الأهلي.
أسوأ ما في الحادث أمران، أولهما أنه موجه ضد الأقباط في توقيت دقيق بالنسبة للبلد الذي تهب عليه رياح التوتر والقلق، وبالنسبة للأقباط أنفسهم الذين يتأهبون لتنصيب قيادة كنسية جديدة تعلق عليه آمال كبار في تكريس الوحدة الوطنية وتمتين نسيج الأمة. الأمر الثاني أن ذلك التصرف مؤشر على انتقال بعض السلفيين من القول إلى الفعل. ذلك أننا ظللنا طوال الأشهر الماضية نسمع منهم أقوالا وفتاوى أصابت كثيرين بالذعر، وشوهت صورة السلفيين أنفسهم، بل أساءت إلى الإسلام ذاته وأهانته. لكنهم بما فعلوه في شبرا الخيمة ذهبوا إلى أبعد من ذلك في تأزيم العلاقة مع الأقباط وتوتير الأجواء في البلد، إضافة إلى عدوانهم على القانون والنظام العام.
نقلت الصحف عن متحدث باسم الجبهة السلفية قوله إن ما رددته وسائل الإعلام في هذا الصدد يدخل ضمن الأكاذيب التي تروج عن السلفيين، ومطالبته للدولة «بالكشف عن المتورطين في الحادث وحماية مؤسساتها ومواجهة الخارجين عن القانون ومن يحاولون بث الفتنة داخل المجتمع». وقيل لي إن الدكتور ياسر برهامي نائب رئيس الدعوة السلفية أكد رفضه لذلك التصرف واستنكاره لكل وقائعه. وهو أيضا ما سمعته من السيد عادل عفيفي رئيس حزب «الأصالة» في اتصال هاتفي أجريته معه. وقال لي الدكتور صفوت عبد الغني رئيس المكتب السياسي لحزب البناء والتنمية (الذي أسسه قادة الجماعة الإسلامية) إن الوقائع إذا صحت فإن الاستيلاء على الأرض بالقوة تجب إدانته في كل الأحوال، لأنه لا يعد عدوانا على الأقباط فقط لكنه عدوان على القانون وافتئات على سلطة الدولة.
هذه الخلفية تطرح السؤال التالي: مَن مِن السلفيين إذن يقف وراء الحادث؟ تدعونا الإجابة إلى فتح الملف والإطلال على الساحة التي باتت تمتلئ بأصحاب اللحى ولابسي الجلابيب البيضاء الذين باتوا جميعا ينسبون إلى السلفيين. وقد قلت من قبل إن بعضهم لا علاقة لهم بالمجموعات السلفية، فضلا عن أن تلك المجموعات تضم شيوخا وتكتلات جهوية ظهرت في بعض المحافظات وتنافست في إثبات الحضور بعدما انفتحت أمامهم الأجواء وصار بمقدورهم أن يتحركوا بحرية في الفضاء السياسي الواسع. وقد وجد بعضهم أن ترحيب وسائل الإعلام بهم وتسليط الأضواء على أفكارهم المتطرفة والصادمة عنصر جذب شجعهم على أن يأخذوا راحتهم ويتمددوا بغير حساب.
أكرر ما سبق أن قلته من أننا أمام ساحة واسعة اختلط فيها الحابل بالنابل، وحمل العقلاء والمعتدلون بأوزار الحمقى والمتطرفين. ومنهم من فتن بالحضور الإعلامي ووجد مبتغاه في وسائل الإعلام الساعية إلى الإثارة أو الاصطياد. ومنهم من فتن بالأدوار السياسية فتعلق بها وتنكب طريقها، وأدار ظهره للدعوة والرسالة التي قضوا أعمارهم في كنفها.
إذا وضعنا في الاعتبار أن أعدادا غفيرة من الواقفين في الساحة السلفية والمنتسبين إليها عاشوا سنوات طويلة في السجون والمعتقلات، وكل واحد من قياداتهم أمضى عشرين عاما في المتوسط وراء الشمس، فقد يفسر ذلك لنا أحد أسباب قصور وعيهم وتهافت أفكارهم وسذاجتها فضلا عن انفصالهم عن المجتمع وسوء ظنهم به. وإذا صح ذلك فإنه يدعونا لأن نفتح حوارا معهم بهدف وضعهم في الصورة، وقد يسهم في ترشيد وتصويب أفكارهم وإخراجهم من القوقعة الفكرية التي عاشوا في ظلها طويلا.
لقد بادر الأزهر في وقت سابق إلى التواصل مع فئات من المثقفين الذين كان بينهم ليبراليون ويساريون، وذلك جهد طيب ومشكور. يحفزنا لأن ندعو الأزهر إلى مد الجسور مع مختلف التيارات والجماعات الموجودة في الساحة الإسلامية، لعله يتمكن من نقل الحوار إلى مستوى آخر أكثر نفعا وجدوى، خصوصا أن من بين تلك الجماعات من مارس النقد الذاتي وأجرى المراجعات التي مكنتها من أن تتعامل مع الأوضاع التي استجدت. بوعي أفضل ورشد أكبر، أقام مصالحه بين الرؤية الفكرية والمصلحة الوطنية. ولعلي في ذلك لا أذهب بعيدا إذا قلت إن حوار الأزهر مع الليبراليين تطوع مشكور ونافلة مستحبة، لكن حواره مع الإسلاميين يظل فريضة واجبة. والنهوض بالأمرين جمع بين الحسنيين لا ريب.
الشروق القطرية