د. حسن الحيوان
مصر أهمّ دولة في العالم تاريخيًّا وقرآنيًّا، أقدم حضارة منذ الفراعنة بناةِ الأهرام، أقدم دولة مركزيّة، أوّل دولة برلمانيّة دستوريّة في المنطقة، أقوَى مجتمع متماسِك ثقافيًّا، لدرجة أنَّ المسيحيّين الآن يتعبّدون لله بلغة القرآن التي كانوا لا يعرفونها قبل دخول الإسلام مصر.
لابدَّ من استحضار هذا الثِّقَل الاستراتيجيّ الحضاريّ حتَّى نستطيع الآن معرفة دور كلّ منّا، رئيسًا ومرؤوسًا، مجتمعًا ودولةً في إطار مسئوليّتنا الحضاريّة بعد الثّورة التى أشادَ بها زعماء ومفكرو العالم.. فوصول رئيس ذي مرجعيّة إسلاميّة لأعلى منصب في أهمّ دولة نتيجة لثورة حضاريّة، ثُمَّ انتخابات نزيهة- أمر لم يحدث من قبل، ويمثِّل إنجازًا بشريًّا يفترض أن يكون نموذجًا عالميًّا؛ حيث وصلت أنظمة الحكم، المسمّاة إسلاميّة، للسّلطة في بعض الدّول بالانقلابات العسكريّة (ليست ثورات سلميّة)، وبالتّالي فالحالة المصريّة تشير إلى أنَّ المشروع الحضاريّ الإسلاميّ سيصبح بالفعل تحت الاختبار في أهمّ دولة مركزيّة، ولتأكيد ذلك يلزمنا الآتي:
أولاً: مصر مذكورة في القرآن خمس مرّات تصريحًا وأكثر من ثلاثينَ مرةً تلميحًا، (ولا أعلم عن أيّ دولةٍ أخرَى مثل هذا الفضل)، وهذا تشريف لا مثيل له، ولا يعني إلاّ التّكليف الحضاريّ لمصر والمصريّين.
ثانيًا: ’’مصر كنانة الله في الأرض’’ والكنانة تعني الجِرَاب الذي يحمِي النّاس من الاستخدام الخاطئ للسّلاح الحادّ، مِمَّا يلزم استدعاء نماذج الثّورات العالميّة لنكتشف سموّ ثورتنا حتَّى نستطيع تقييم قدرها الحضاريّ لنكون على يقينٍ بنجاحها.
- الثّورة الفرنسيّة كانت لها موجةٌ أولى تلاعب بها الملك، فانتَفَض الشّعب في الموجة الثّانية غير السّلميّة التى زلزلت أوروبا، فنجحت في تحقيق أهدافها.
- الثّورة الإيرانيّة في خمسينيّات القرن الماضي التي تلاعب بها العسكر والأمريكان (تاريخ يتكرّر)، ونجحوا في إعادة شاه إيران للحكم، فقامَ الشّعب بموجة ثانية أكثر شراسة في السّبعينيّات والتي نجحت في التّغيير الجذريّ، والتّلاعب بثورتنا فاقَ كلّ شيء ولم يتحوَّل الشعب حتَّى الآن إلى منهج العنف.
- الجزائر: وصل الإسلاميّون للحكم بالدّيموقراطيّة، فتصرَّف بعض رموزهم وكأنَّهم سيقلبون الدّنيا رأسًا على عقب لهدم كلّ الموجود، فانزعجت التّيارات الأخرى، ممّا شجَّع العسكر المدعومين من الخارج على عزل الرّئيس المنتخب؛ فحدثت موجات من العنف بين الإسلاميّين والعسكر، وكانت المبادرة من الإسلاميّين، وهذا نموذج مستبعد تمامًا في مصر لانتهاج الإسلاميّين المنهج السّلميّ، حتى التّيارات التي مارست العنف تراجعت عنه تمامًا كفكرٍ وعقيدةٍ.
- رومانيا: بعد نجاح الثّورة في الإطاحة برأس النّظام قام فصيل منشقّ عن الحزب الشّيوعيّ (فلول) بتأسيس حزب جديدٍ نجح في الانتخابات، مِمَّا أعادَ الفلول إلى السّيطرة على السّلطة بسبب انقسام التّيارات الثّوريّة.
- أوكرانيا: وصلت الثّورة ديموقراطيًّا للسّلطة لكنّها لم تنجح في إدارة البلاد والاستجابة لمطالب الشّعب الذي قرَّر في أوّل انتخابات تالية العودة للنّظام الذي قامت عليه الثّورة.. ونحن لا نريد لمصر لا النّموذج الرّومانيّ ولا الأوكرانيّ، والمقصود هو ضرورة الاستفادة من هذه النّماذج العالميّة المعاصرة في هذه المرحلة غير المسبوقة.
فالتّوافق بين مختلف التّيارات والقوَى السّياسيّة والاجتماعيّة، المنحازة للثّورة، بشأن شتَّى الأزمات السّياسيّة الحاليّة لابدَّ أن يكون ’’فريضة شرعيّة وحتميّة دنيويّة ’’للحفاظ على أمن الوطن وعلى نجاح الثّورة، أمَّا الرّئيس فعليه ضرورة إعطاء الأولويّة القصوَى للتّوافق الوطنيّ، والحفاظ على مسافة واحدة بينَه وبينَ مختلف التّيارات، بغضّ النّظر عن الاختلافات الأيدولوجيّة، وكذلك ضرورة الحفاظ على الموجود النّافع قبل بناء الجديد؛ فليست الثّورة لهدم كلّ الموجود، والمثال هو رسولنا، صلّى الله عليه وسلّم، فلم يهدم معظم الموجود في مكة والمدينة، بل قام تدريجيًّا بالقضاء فقط على ما يتعارَض مع كرامة الإنسانيّة، وكذلك على الأفراد والمجتمع ضرورة اعتبار أنَّ تحقيق النّهضة هو دورهم ومسؤوليّتهم قبل أن يكون مسؤوليّة الدّولة، ومن البَديهيّات الإسلاميّة أن تبدأ بنفسك فى إطار الأمانة والكفاءة والاهتمام بالأمر العامّ وليس فقط الخاصّ.
- فإذا كانت مصر تستحوذ على الثّقل الحضاريّ في منطقة الأحداث الاستراتيجيّة للصّراع العالميّ الذي يشكّل حاليًّا موازين القوى الدوليّة الجديدة فلابدَّ أن تكون الثّورة المصريّة نموذجًا يُحْتَذى به في تحقيق الكرامة والنّهضة الإنسانيّة، الأمر الذي لابدَّ أن ينعكس على المنطقة والعالم، وهو تشريف ما بعده تشريف، وبقدره لابدَّ أن يكون التّكليف.
*الإسلام اليوم
مصر أهمّ دولة في العالم تاريخيًّا وقرآنيًّا، أقدم حضارة منذ الفراعنة بناةِ الأهرام، أقدم دولة مركزيّة، أوّل دولة برلمانيّة دستوريّة في المنطقة، أقوَى مجتمع متماسِك ثقافيًّا، لدرجة أنَّ المسيحيّين الآن يتعبّدون لله بلغة القرآن التي كانوا لا يعرفونها قبل دخول الإسلام مصر.
لابدَّ من استحضار هذا الثِّقَل الاستراتيجيّ الحضاريّ حتَّى نستطيع الآن معرفة دور كلّ منّا، رئيسًا ومرؤوسًا، مجتمعًا ودولةً في إطار مسئوليّتنا الحضاريّة بعد الثّورة التى أشادَ بها زعماء ومفكرو العالم.. فوصول رئيس ذي مرجعيّة إسلاميّة لأعلى منصب في أهمّ دولة نتيجة لثورة حضاريّة، ثُمَّ انتخابات نزيهة- أمر لم يحدث من قبل، ويمثِّل إنجازًا بشريًّا يفترض أن يكون نموذجًا عالميًّا؛ حيث وصلت أنظمة الحكم، المسمّاة إسلاميّة، للسّلطة في بعض الدّول بالانقلابات العسكريّة (ليست ثورات سلميّة)، وبالتّالي فالحالة المصريّة تشير إلى أنَّ المشروع الحضاريّ الإسلاميّ سيصبح بالفعل تحت الاختبار في أهمّ دولة مركزيّة، ولتأكيد ذلك يلزمنا الآتي:
أولاً: مصر مذكورة في القرآن خمس مرّات تصريحًا وأكثر من ثلاثينَ مرةً تلميحًا، (ولا أعلم عن أيّ دولةٍ أخرَى مثل هذا الفضل)، وهذا تشريف لا مثيل له، ولا يعني إلاّ التّكليف الحضاريّ لمصر والمصريّين.
ثانيًا: ’’مصر كنانة الله في الأرض’’ والكنانة تعني الجِرَاب الذي يحمِي النّاس من الاستخدام الخاطئ للسّلاح الحادّ، مِمَّا يلزم استدعاء نماذج الثّورات العالميّة لنكتشف سموّ ثورتنا حتَّى نستطيع تقييم قدرها الحضاريّ لنكون على يقينٍ بنجاحها.
- الثّورة الفرنسيّة كانت لها موجةٌ أولى تلاعب بها الملك، فانتَفَض الشّعب في الموجة الثّانية غير السّلميّة التى زلزلت أوروبا، فنجحت في تحقيق أهدافها.
- الثّورة الإيرانيّة في خمسينيّات القرن الماضي التي تلاعب بها العسكر والأمريكان (تاريخ يتكرّر)، ونجحوا في إعادة شاه إيران للحكم، فقامَ الشّعب بموجة ثانية أكثر شراسة في السّبعينيّات والتي نجحت في التّغيير الجذريّ، والتّلاعب بثورتنا فاقَ كلّ شيء ولم يتحوَّل الشعب حتَّى الآن إلى منهج العنف.
- الجزائر: وصل الإسلاميّون للحكم بالدّيموقراطيّة، فتصرَّف بعض رموزهم وكأنَّهم سيقلبون الدّنيا رأسًا على عقب لهدم كلّ الموجود، فانزعجت التّيارات الأخرى، ممّا شجَّع العسكر المدعومين من الخارج على عزل الرّئيس المنتخب؛ فحدثت موجات من العنف بين الإسلاميّين والعسكر، وكانت المبادرة من الإسلاميّين، وهذا نموذج مستبعد تمامًا في مصر لانتهاج الإسلاميّين المنهج السّلميّ، حتى التّيارات التي مارست العنف تراجعت عنه تمامًا كفكرٍ وعقيدةٍ.
- رومانيا: بعد نجاح الثّورة في الإطاحة برأس النّظام قام فصيل منشقّ عن الحزب الشّيوعيّ (فلول) بتأسيس حزب جديدٍ نجح في الانتخابات، مِمَّا أعادَ الفلول إلى السّيطرة على السّلطة بسبب انقسام التّيارات الثّوريّة.
- أوكرانيا: وصلت الثّورة ديموقراطيًّا للسّلطة لكنّها لم تنجح في إدارة البلاد والاستجابة لمطالب الشّعب الذي قرَّر في أوّل انتخابات تالية العودة للنّظام الذي قامت عليه الثّورة.. ونحن لا نريد لمصر لا النّموذج الرّومانيّ ولا الأوكرانيّ، والمقصود هو ضرورة الاستفادة من هذه النّماذج العالميّة المعاصرة في هذه المرحلة غير المسبوقة.
فالتّوافق بين مختلف التّيارات والقوَى السّياسيّة والاجتماعيّة، المنحازة للثّورة، بشأن شتَّى الأزمات السّياسيّة الحاليّة لابدَّ أن يكون ’’فريضة شرعيّة وحتميّة دنيويّة ’’للحفاظ على أمن الوطن وعلى نجاح الثّورة، أمَّا الرّئيس فعليه ضرورة إعطاء الأولويّة القصوَى للتّوافق الوطنيّ، والحفاظ على مسافة واحدة بينَه وبينَ مختلف التّيارات، بغضّ النّظر عن الاختلافات الأيدولوجيّة، وكذلك ضرورة الحفاظ على الموجود النّافع قبل بناء الجديد؛ فليست الثّورة لهدم كلّ الموجود، والمثال هو رسولنا، صلّى الله عليه وسلّم، فلم يهدم معظم الموجود في مكة والمدينة، بل قام تدريجيًّا بالقضاء فقط على ما يتعارَض مع كرامة الإنسانيّة، وكذلك على الأفراد والمجتمع ضرورة اعتبار أنَّ تحقيق النّهضة هو دورهم ومسؤوليّتهم قبل أن يكون مسؤوليّة الدّولة، ومن البَديهيّات الإسلاميّة أن تبدأ بنفسك فى إطار الأمانة والكفاءة والاهتمام بالأمر العامّ وليس فقط الخاصّ.
- فإذا كانت مصر تستحوذ على الثّقل الحضاريّ في منطقة الأحداث الاستراتيجيّة للصّراع العالميّ الذي يشكّل حاليًّا موازين القوى الدوليّة الجديدة فلابدَّ أن تكون الثّورة المصريّة نموذجًا يُحْتَذى به في تحقيق الكرامة والنّهضة الإنسانيّة، الأمر الذي لابدَّ أن ينعكس على المنطقة والعالم، وهو تشريف ما بعده تشريف، وبقدره لابدَّ أن يكون التّكليف.
*الإسلام اليوم