مركز الوفـــاق الإنمائي للدراسات والبحوث والتدريب

2014/08/17 20:10
جدل المثقفين ومحنة المنتجين
فهمي هويدي
السبت 15 جمادى الأولى 1433 – 7 أبريل 2012
لو أن أحدا ألقى نظرة على مصر من الجو، أو أنصت جيدا للأصوات العالية فيها، فسوف يكتشف أنه بصدد عالمين مختلفين.

عالم النخب في القاهرة التي تتعارك طوال الوقت. ومعركتها الأخيرة حول التمثيل في لجنة الدستور، التي استصحبت تهديد البعض بتشكيل لجنة أخرى موازية، وتنافس الصحف ملاحقة أخبار المقاطعة وجهود الوساطة والطعن المقدم إلى المحكمة الإدارية في شرعية اللجنة. ذلك إلى جانب الأصداء المدوية في مختلف وسائل الإعلام لترشيح المهندس خيرت الشاطر لرئاسة الجمهورية، وعاصفة النقد التي يتعرض لها الإخوان... إلخ.

العالم الآخر يعيش هموما أخرى لا علاقة بها بالضجيج الذي تثيره نخبة القاهرة. وقد تحدثت عن شواغل ذلك العالم في مرتين على الأقل.
الأولى في 24 مارس، حين عرضت أبرز المشكلات التي تهدد المزارعين،
والثانية يوم الخميس الماضي 5/4 حين نبهت أن التحديات والمصاعب التي تهدد القطاع الصناعي، والتي ألحقت أضرارا جسيمة بمئات المصانع أدت إلى وقف التصدير إلى الخارج.

ربما جاز لنا أن نقول إن الضجيج المثار في القاهرة صادر عن نخبة المثقفين والسياسيين «المتكلمين»،
أما الهموم التي يعاني منها الطرف الآخر فهي تعذب عالم المنتجين.

والأولون مشكلاتهم بين بعضهم البعض،
أما الآخرون فمشكلاتهم مع جهاز الإدارة والبيروقراطية بالدرجة الأولى. وللأسف فإن ضجيج المتكلمين يملأ الفضاء ويستأثر بالاهتمام، في حين أن هموم المنتجين تقبع في الظل، ولا يكاد يشعر بها أحد. رغم أنها الأهم والأخطر. ومستقبل البلد الذي يستنزف اقتصاده كل صباح، مرهون بمدى النجاح أو الفشل في التعامل مع مشكلات أولئك المنتجين.

إن الريف الذي يروعه انتشار الحمى القلاعية التي تهدد بإبادة الثروة الحيوانية، وتخنقه أزمات الصرف الصحي وتدمره مشكلات اختفاء السولار وصلاحية البذور وأسعار السماد.
والصناعيون الذين توشك مصانعهم على الإغلاق ويعجزون عن تصدير منتجاتهم وتعتصرهم ضغوط البنوك وفوائد الديون
ــ هؤلاء وهؤلاء لا تعنيهم في شيء معارك وضجيج النخبة القاهرية التي استولت على الفضاء وهمشت من عداها.

مشكلة نخب القاهرة أنها لا تثق في بعضها البعض وتعاني سوء الظن المتبادل، حيث لم تتخلص بعد من حالة الاحتراب التي انخرطت فيها طوال العقود الأخيرة، والذي أدخل مصر في حالة من الحرب الأهلية الباردة التي اصطفت فيها القوى العلمانية والليبرالية في جانب والجماعات الإسلامية في جانب آخر.

ولم يكن سرا أن جناحا من القوى الأولى تحالف مع النظام القائم آنذاك ضد الجماعات الإسلامية، التي اعتبرت الاثنين خصوما لا سبيل إلى التفاهم معهما.

وحين سقط النظام استشعر الأولون أنهم يواجهون خطرا وجوديا فاستمروا في حربهم، ولم يغير الآخرون نظرتهم إليهم فاستمروا على خصوصتهم وبادلوهم سوء الظن.
ولم يخل الأمر من مفارقة، لأن الفريق الأول مارس معركته في الفضاء الثقافي والإعلامي،
أما الثاني فإنه خاض معركته على الأرض.

وحين جاءت نتائج الانتخابات مخيبة لآمال الأولين على النحو الذي يعرفه الجميع، فإنهم ازدادوا شراسة في حملتهم. شجعهم على ذلك سلسلة الأخطاء التي وقع فيها الأخيرون.
وكانت النتيجة أن الطرفين اللذين اعتادا الاحتراب فيما بينهما، ولم يعملا معا يوما ما لم ينجحا في صياغة علاقة عمل تسمح لهما بإدارة خلافاتهما على نحو إيجابي يرشد الخصومة ويقلل من سوء الظن.

وإزاء استغراق الطرفين في الحرب الباردة الدائرة بينهما، فإنهما استسلما لما بينهما من مرارات وحسابات. وظلت القاهرة مسرحا لذلك العراك البائس، الأمر الذي أدى إلى انفصالهما بصورة تدريجية عما يجري خارج حدود العاصمة.

مشكلات المزارعين والمنتجين مع الحكومة والبيروقراطية، التي استفادت من انشغال القوى السياسية بصراعاتها، واستئثار مثقفي القاهرة وساسييها بالأضواء، فتراخت في أدائها لمهامها ولم تحل شيئا من المشكلات التي يمكن أن تعالج بقرار حازم ومواجهة صريحة ومباشرة.

وسواء كان السبب يرجع إلى الإهمال الجسيم أو الهروب من المسؤولية فالشاهد أن قطاعي الزراعة والصناعة في مصر أصبحا الضحية.
وحين يكون الأمر كذلك فمن الطبيعي أن يصبح اقتصاد البلد في خطر، كما أن أمنه القومي يصبح منكشفا ومهددا.

إن السؤال الذي يطرح نفسه في المشهد الراهن هو:
هل ذلك كله مجرد مصادفة أم أنه شيء مخطط ومرتب أو مسكوت عليه عمدا لحاجة في نفس يعقوب.
وأرجو ألا تسألني عمن يكون «يعقوب»؟
*صحيفة الشرق القطريه
أضافة تعليق