عبد العزيز كحيل
شاءت الأقدار أن يتنحّى حسني مبارك عن السلطة عشيّة الذكرى الثالثة والخمسين لاغتيال الإمام الشهيد حسن البنا – رحمه الله –، وكأنّ في ذلك رسالةً من عالم الغيب تبشّر بانتهاء عهود الحكم الاستبداديّ الظالم وانتصار الحركة الّتي أنشأها الإمام وعاش لها ومات من أجلها.
وتحلّ ذكرى استشهاده هذا العام والحال في مصر غير الحال، فقد دشّنت بثورتها المباركة حكم الشعب الملتفّ حول المشروع الإسلاميّ الّذي يحمل معاني الحريّة والعدل والشورى والكرامة والتنميّة والقوّة، تلك المعاني الّتي كانت لبّ دعوة حسن البنا وجماعته، وقد اتّبعت جماعة الإخوان السنن الربانيّة وقوانين الاجتماع فتحقّق لها ما يشبه المعجزة، فقد انتقلت من ’’جماعة محظورة’’ إلى جماعة محظوظة، وترك قادتها زنزاناتهم لرموز العهد البائد وتبوّؤوا مراكز القيادة في البرلمان بأغلبيّة منحها لهم الشعب عن قناعة، ولو رغبوا في رئاسة الجمهوريّة لنالوها من غير شكّ.
يا للعجب ! من كان يتصوّر أنّ اجتماع ستّة شبان في العشرين من أعمارهم سنة 1928 سيتحوّل إلى أكبر جماعة إسلاميّة تعمل على إعادة بعث الحياة الإسلاميّة في أقطار الأرض؟ وحتّى بعد أن عرفها الناس في مصر وغيرها، من كان يتخيّل أنّها ستحقّق هذه الغاية رغم تعرّضها للاضطهاد في كلّ مكان على مدار أكثر من ستّين عامًا؟
لقد تمّ ذلك بفضل الله تعالى الّذي بنعمته تتمّ الصالحات، ثم بفضل البناء الإسلاميّ المتكامل الّذي شيّده المرشد العام الأوّل – رحمه الله – بما حباه الله من صفات الحكمة والنبوغ والدراية وغيرها من خصال الأفذاذ الّتي قلّما تجتمع في رجل واحد.
· رجل ربّانيّ: كان الإمام الشهيد إنساناً موصولاً بالله، صوّامًا قوّامًا، حافظًا للقرآن الكريم ، كثير التلاوة له والتدبّر في آياته، وذلك منذ صباه الأوّل، ونشأ يحسن فنّ الكلمة، يصيب كلامه سويداء القلوب فيحوّلها تحويلاً بإذن الله، وكان يدرك جيّداً فاعليّة الإيمان إذا جمع بين قلب يحترق وعاطفة دفاقة تتحرّك، وكان هو نفسه حارّ العاطفة ليّن الجانب حسن العشرة، يستجيش المشاعر لكنّه لا يقف عند ذلك وإنّما يحشدها حشداً في العمل الفكريّ والاجتماعيّ المنظّم، ويوصي دائماً بالمزاوجة المتلازمة بين نزوات العواطف ونظرات العقول، التزم طول مشواره الدعويّ بالاعتدال في القول والعمل مع مختلف الوقائع ومستويات التحدّي وكلّ من يتعامل معهم من مؤيّدين ومخالفين، وشخصيّات وهيئات، وأصحاب مرجعيّة متقاربة معه أو متباعدة، فلم يكن هجّاماً على أحد ولكن دأب على طرح فهم تجديدي للإسلام يحشد له الطاقات، يفعل ذلك وهو يوسّع دائرة القواسم المشتركة مع الجميع، ولا تُعرَف له مجاهرة بالعداء والقطيعة سوى مع اليهود الّذين اغتصبوا فلسطين والانجليز الّذين يحتلّون مصر، فقد حدّد بوضوح أنّهم هم العدوّ، وخاض ضدّهم المعارك الحربيّة المعروفة.
وقد ميّزته ربّانيّته المتلألئة عن كثير من العاملين في الحقل الإسلاميّ، فلم يجعل من الدين مطيّةً للوصول إلى القيادة والمنصب والجاه، ولا اتّخذه محلاًّ تجاريّاً يجلب له المنافع أو سوقاً تدرّ الأموال، بل باع نفسه ووقته وجهده وأهله لله وللدعوة إلى سبيله، لذلك حرص على الاعتماد على الأيدي المتوضّئة ولو صاحبَتها حداثة السن والفقر والضعف الماديّ، واستبعد الأيدي المتلوّثة رغم ما تعرضُه من مغانم.
· جماعة فذّة: تمكّن الإمام الشهيد – رحمه الله – من تأسيس جماعة دعويّة رائدة متميّزة وحدّد لها أهدافاً واضحةً وفق أدوات بيّنة، وكان يحدوه أمل إقامة النظام الإسلاميّ على أنقاض الخلافة العثمانية التي ألغاها أتاترك من قريب، على ان يستند هذا البعث إلى خطّة علمية واقعية واضحة المعالم مدروسة الخطى، لأن ثقافته الشرعية والإنسانية الواسعة مكّنته من قراءة التاريخ والواقع قراءة شاملة واعية فوضع يده على مكمن الداء من جهة وأحسن إبصار أدوات التغيير المناسبة من جهة أخرى، فابتعد بدعوته وجماعته عن العمليّات القيصرية التي تستهوي ’’ الثوّار’’ المستعجلين وعمد إلى الحلّ الطبيعي المستند إلى المرحلية والتدرّج في التغيير وفق رؤية كلّية تستبطن غايات محدّدة وأهدافا واضحة ، ولم تَحد الجماعة عن الخطّة في حياة مؤسّسها أو بعد موته رغم التقلّبات السياسية والفخاخ المنصوبة والظروف الحالكة التي ألجأها إليها خصومها أكثر من مرّة وفي أكثر من بلد عربي، وما زالت تربّي منتسبيها على وصايا الإمام المرشد: ’’ أيها الإخوان المسلمون وبخاصة المتحمّسون المتعجّلون منكم ، اسمعوها مني كلمة عالية داوية من فوق هذا المنبر في مؤتمركم هذا الجامع : إن طريقكم هذا مرسومة خطواته موضوعة حدوده . ولست مخالفا هذه الحدود التي اقتنعت كل الاقتناع بأنها أسلم للوصول ، أجل قد تكون طريقا طويلة ولكن ليس هناك غيرها،إنما تظهر الرجولة بالصبر والمثابرة والجد والعمل الدائب ، فمن أراد منكم أن يستعجل ثمرة قبل نضجها أو يقتطف زهرة قبل أوانها فلست معه في ذلك بحال ، وخيرٌ له أن ينصرف عن هذه الدعوة إلى غيرها من الدعوات ، ومن صبر معي حتى تنمو البذرة وتنبت الشجرة وتصلح الثمرة ويحين القطاف فأجره في ذلك على الله ، ولن يفوتنا وإياه أجر المحسنين : إما النصر والسيادة ، وإما الشهادة والسعادة .
أيها الإخوان المسلمون : ألجموا نزوات العواطف بنظرات العقول ، وأنيروا أشعّة العقول بلهيب العواطف ( ... ) ، ولا تصادموا نواميس الكون فإنها غلّابة ، ولكن غالبوها واستخدموها وحوّلوا تيارها واستعينوا ببعضها على بعض ، وترقّبوا ساعة النصر وما هي منكم ببعيد .’’
’’ إنّ غاية الاخوان المسلمين تنحصر في تكوين جيل جديد من المؤمنين بتعاليم الاسلام الصحيح يعمل على صبغ الأمّة بالصبغة الاسلامية الكاملة في كلّ مظاهر حياتها، ووسيلتهم في ذلك تنحصر في تغيير العرف العامّ وتربية انصار الدعوة على هذه التعاليم حتى يكونوا قدوة لغيرهم في التمسّك بها والحرص عليها والنزول على حكمها، وإنهم ساروا إلى غايتهم في حدود وسيلتهم ...’’
التزمت الجماعة بهذا المنهج ، بأهدافه ووسائله، إلى اليوم ، ولا إخالها تحيد عنه وهي تعتبره جزءا من الدين، وبه وصلت اليوم إلى السلطة في مصر – وقد وصلت أحزاب تابعة لها أو متقاربة معها إلى سدّة الحكم في أكثر من بلد بعد الربيع العربي – وهي تجرّب بذلك وسيلة أخرى ذات فاعلية وأهمية وخطورة لخدمة الاسلام والشعوب كما كانت تبشّر...أليس هذا انتصارًا للإمام حسن البنا ؟ لقد كان – رحمه الله – يساوره القلق الحضاري لا القلق النصوصي، لأنّه كان جامعًا بين العقل المؤمن والإيمان العاقل ، فعمل على الامتداد بالإسلام بدل الوقوف عند أشكال تاريخية ، وأتقن الصناعة الفكرية والتدريبية لتنشئة جيل مسلم يكون أهلا لقيادة عملية الإصلاح والتغيير، فكان الاسلام عنده هو الدافع وهو الهدف، وذلك ما عليه الإخوان اليوم ودائما أينما تواجدوا، ومن أعظم ما تركهم عليه حسن البنّا اجتنابهم للمعارك الخاطئة وبُعدُهم عن الحرب مع غير عدوّ بسبب اختلافات فقهية تسع أكثر من رأي، وهذا ما حدا بهم إلى انتزاع الأعشاب الضارّة من الحقل الإسلامي كجزء ضروري لجمع المسلمين وتوحيد صفّهم من أجل إعادة بعث الحياة الإسلامية.
يقول الأستاذ طارق البشري:’’ لقد أرسى الأفغاني فكرة الاسلام المجاهد وأضاف محمد عبده فكرة التجديد في الفقه والتفسير وأضاف رشيد رضا الربط بين التجديد والسلفية وأضاف حسن البنا شمولية الاسلام والترابط الوثيق بين العقيدة والشريعة والسياسة وبين الفكر والتنظيم الحركي ، ومزج بين فكريات فقه الأزهر ووجدانيات الصوفية ووطنيات الحزب الوطني ’’ .) هو لا يقصد حزب مبارك بطبيعة الحال(.
هكذا قاد حسن البنا جماعته إلى النصر وهو في قبره، لأنّ العظماء لا يموتون...ألم يلتحق بربّه وعمره 43 سنة فقط ؟
شاءت الأقدار أن يتنحّى حسني مبارك عن السلطة عشيّة الذكرى الثالثة والخمسين لاغتيال الإمام الشهيد حسن البنا – رحمه الله –، وكأنّ في ذلك رسالةً من عالم الغيب تبشّر بانتهاء عهود الحكم الاستبداديّ الظالم وانتصار الحركة الّتي أنشأها الإمام وعاش لها ومات من أجلها.
وتحلّ ذكرى استشهاده هذا العام والحال في مصر غير الحال، فقد دشّنت بثورتها المباركة حكم الشعب الملتفّ حول المشروع الإسلاميّ الّذي يحمل معاني الحريّة والعدل والشورى والكرامة والتنميّة والقوّة، تلك المعاني الّتي كانت لبّ دعوة حسن البنا وجماعته، وقد اتّبعت جماعة الإخوان السنن الربانيّة وقوانين الاجتماع فتحقّق لها ما يشبه المعجزة، فقد انتقلت من ’’جماعة محظورة’’ إلى جماعة محظوظة، وترك قادتها زنزاناتهم لرموز العهد البائد وتبوّؤوا مراكز القيادة في البرلمان بأغلبيّة منحها لهم الشعب عن قناعة، ولو رغبوا في رئاسة الجمهوريّة لنالوها من غير شكّ.
يا للعجب ! من كان يتصوّر أنّ اجتماع ستّة شبان في العشرين من أعمارهم سنة 1928 سيتحوّل إلى أكبر جماعة إسلاميّة تعمل على إعادة بعث الحياة الإسلاميّة في أقطار الأرض؟ وحتّى بعد أن عرفها الناس في مصر وغيرها، من كان يتخيّل أنّها ستحقّق هذه الغاية رغم تعرّضها للاضطهاد في كلّ مكان على مدار أكثر من ستّين عامًا؟
لقد تمّ ذلك بفضل الله تعالى الّذي بنعمته تتمّ الصالحات، ثم بفضل البناء الإسلاميّ المتكامل الّذي شيّده المرشد العام الأوّل – رحمه الله – بما حباه الله من صفات الحكمة والنبوغ والدراية وغيرها من خصال الأفذاذ الّتي قلّما تجتمع في رجل واحد.
· رجل ربّانيّ: كان الإمام الشهيد إنساناً موصولاً بالله، صوّامًا قوّامًا، حافظًا للقرآن الكريم ، كثير التلاوة له والتدبّر في آياته، وذلك منذ صباه الأوّل، ونشأ يحسن فنّ الكلمة، يصيب كلامه سويداء القلوب فيحوّلها تحويلاً بإذن الله، وكان يدرك جيّداً فاعليّة الإيمان إذا جمع بين قلب يحترق وعاطفة دفاقة تتحرّك، وكان هو نفسه حارّ العاطفة ليّن الجانب حسن العشرة، يستجيش المشاعر لكنّه لا يقف عند ذلك وإنّما يحشدها حشداً في العمل الفكريّ والاجتماعيّ المنظّم، ويوصي دائماً بالمزاوجة المتلازمة بين نزوات العواطف ونظرات العقول، التزم طول مشواره الدعويّ بالاعتدال في القول والعمل مع مختلف الوقائع ومستويات التحدّي وكلّ من يتعامل معهم من مؤيّدين ومخالفين، وشخصيّات وهيئات، وأصحاب مرجعيّة متقاربة معه أو متباعدة، فلم يكن هجّاماً على أحد ولكن دأب على طرح فهم تجديدي للإسلام يحشد له الطاقات، يفعل ذلك وهو يوسّع دائرة القواسم المشتركة مع الجميع، ولا تُعرَف له مجاهرة بالعداء والقطيعة سوى مع اليهود الّذين اغتصبوا فلسطين والانجليز الّذين يحتلّون مصر، فقد حدّد بوضوح أنّهم هم العدوّ، وخاض ضدّهم المعارك الحربيّة المعروفة.
وقد ميّزته ربّانيّته المتلألئة عن كثير من العاملين في الحقل الإسلاميّ، فلم يجعل من الدين مطيّةً للوصول إلى القيادة والمنصب والجاه، ولا اتّخذه محلاًّ تجاريّاً يجلب له المنافع أو سوقاً تدرّ الأموال، بل باع نفسه ووقته وجهده وأهله لله وللدعوة إلى سبيله، لذلك حرص على الاعتماد على الأيدي المتوضّئة ولو صاحبَتها حداثة السن والفقر والضعف الماديّ، واستبعد الأيدي المتلوّثة رغم ما تعرضُه من مغانم.
· جماعة فذّة: تمكّن الإمام الشهيد – رحمه الله – من تأسيس جماعة دعويّة رائدة متميّزة وحدّد لها أهدافاً واضحةً وفق أدوات بيّنة، وكان يحدوه أمل إقامة النظام الإسلاميّ على أنقاض الخلافة العثمانية التي ألغاها أتاترك من قريب، على ان يستند هذا البعث إلى خطّة علمية واقعية واضحة المعالم مدروسة الخطى، لأن ثقافته الشرعية والإنسانية الواسعة مكّنته من قراءة التاريخ والواقع قراءة شاملة واعية فوضع يده على مكمن الداء من جهة وأحسن إبصار أدوات التغيير المناسبة من جهة أخرى، فابتعد بدعوته وجماعته عن العمليّات القيصرية التي تستهوي ’’ الثوّار’’ المستعجلين وعمد إلى الحلّ الطبيعي المستند إلى المرحلية والتدرّج في التغيير وفق رؤية كلّية تستبطن غايات محدّدة وأهدافا واضحة ، ولم تَحد الجماعة عن الخطّة في حياة مؤسّسها أو بعد موته رغم التقلّبات السياسية والفخاخ المنصوبة والظروف الحالكة التي ألجأها إليها خصومها أكثر من مرّة وفي أكثر من بلد عربي، وما زالت تربّي منتسبيها على وصايا الإمام المرشد: ’’ أيها الإخوان المسلمون وبخاصة المتحمّسون المتعجّلون منكم ، اسمعوها مني كلمة عالية داوية من فوق هذا المنبر في مؤتمركم هذا الجامع : إن طريقكم هذا مرسومة خطواته موضوعة حدوده . ولست مخالفا هذه الحدود التي اقتنعت كل الاقتناع بأنها أسلم للوصول ، أجل قد تكون طريقا طويلة ولكن ليس هناك غيرها،إنما تظهر الرجولة بالصبر والمثابرة والجد والعمل الدائب ، فمن أراد منكم أن يستعجل ثمرة قبل نضجها أو يقتطف زهرة قبل أوانها فلست معه في ذلك بحال ، وخيرٌ له أن ينصرف عن هذه الدعوة إلى غيرها من الدعوات ، ومن صبر معي حتى تنمو البذرة وتنبت الشجرة وتصلح الثمرة ويحين القطاف فأجره في ذلك على الله ، ولن يفوتنا وإياه أجر المحسنين : إما النصر والسيادة ، وإما الشهادة والسعادة .
أيها الإخوان المسلمون : ألجموا نزوات العواطف بنظرات العقول ، وأنيروا أشعّة العقول بلهيب العواطف ( ... ) ، ولا تصادموا نواميس الكون فإنها غلّابة ، ولكن غالبوها واستخدموها وحوّلوا تيارها واستعينوا ببعضها على بعض ، وترقّبوا ساعة النصر وما هي منكم ببعيد .’’
’’ إنّ غاية الاخوان المسلمين تنحصر في تكوين جيل جديد من المؤمنين بتعاليم الاسلام الصحيح يعمل على صبغ الأمّة بالصبغة الاسلامية الكاملة في كلّ مظاهر حياتها، ووسيلتهم في ذلك تنحصر في تغيير العرف العامّ وتربية انصار الدعوة على هذه التعاليم حتى يكونوا قدوة لغيرهم في التمسّك بها والحرص عليها والنزول على حكمها، وإنهم ساروا إلى غايتهم في حدود وسيلتهم ...’’
التزمت الجماعة بهذا المنهج ، بأهدافه ووسائله، إلى اليوم ، ولا إخالها تحيد عنه وهي تعتبره جزءا من الدين، وبه وصلت اليوم إلى السلطة في مصر – وقد وصلت أحزاب تابعة لها أو متقاربة معها إلى سدّة الحكم في أكثر من بلد بعد الربيع العربي – وهي تجرّب بذلك وسيلة أخرى ذات فاعلية وأهمية وخطورة لخدمة الاسلام والشعوب كما كانت تبشّر...أليس هذا انتصارًا للإمام حسن البنا ؟ لقد كان – رحمه الله – يساوره القلق الحضاري لا القلق النصوصي، لأنّه كان جامعًا بين العقل المؤمن والإيمان العاقل ، فعمل على الامتداد بالإسلام بدل الوقوف عند أشكال تاريخية ، وأتقن الصناعة الفكرية والتدريبية لتنشئة جيل مسلم يكون أهلا لقيادة عملية الإصلاح والتغيير، فكان الاسلام عنده هو الدافع وهو الهدف، وذلك ما عليه الإخوان اليوم ودائما أينما تواجدوا، ومن أعظم ما تركهم عليه حسن البنّا اجتنابهم للمعارك الخاطئة وبُعدُهم عن الحرب مع غير عدوّ بسبب اختلافات فقهية تسع أكثر من رأي، وهذا ما حدا بهم إلى انتزاع الأعشاب الضارّة من الحقل الإسلامي كجزء ضروري لجمع المسلمين وتوحيد صفّهم من أجل إعادة بعث الحياة الإسلامية.
يقول الأستاذ طارق البشري:’’ لقد أرسى الأفغاني فكرة الاسلام المجاهد وأضاف محمد عبده فكرة التجديد في الفقه والتفسير وأضاف رشيد رضا الربط بين التجديد والسلفية وأضاف حسن البنا شمولية الاسلام والترابط الوثيق بين العقيدة والشريعة والسياسة وبين الفكر والتنظيم الحركي ، ومزج بين فكريات فقه الأزهر ووجدانيات الصوفية ووطنيات الحزب الوطني ’’ .) هو لا يقصد حزب مبارك بطبيعة الحال(.
هكذا قاد حسن البنا جماعته إلى النصر وهو في قبره، لأنّ العظماء لا يموتون...ألم يلتحق بربّه وعمره 43 سنة فقط ؟