مركز الوفـــاق الإنمائي للدراسات والبحوث والتدريب

2014/08/17 20:10
بين قوة الإرادة , وإرادة القوة.. قراءة في الثورة السورية
أحمد الهواس
| 13-08-2011 02:04

تتسع الاحتجاجات في سورية لتعم كامل ترابها ، ويمضي النظام في سياسة القمع والترهيب ، وهي سياسة قديمة كان قد طبقها أيام أحداث الثمانينات وتوجها بمجزرة حماة فآتت أكلها في تخويف الشعب وزرع بذور الفرقة بين أبنائه معتمدا سياسة تخويف الكل من الكل ، واستمر النظام بحرب المدن أو بالأحرى تدمير المدن وترويع السكان تحت أكاذيب باتت معروفة للجميع ومع وصول الدبابات إلى أقصى الشرق السوري يكون نظام الممانعة قد ترك أسلحته الثقيلة دون غطاء جوي على طول 600كم تسمح لعدوه المفترض الذي يحتل الجولان بالقضاء على ترسانته العسكرية من دبابات ت 90 ، وت 80 وت 72 خلال ساعات معدودة ..؟!
في سورية تتصارعان إرادتان الأولى هي إرادة شعب يطمح للتغيير متسلحا بقوة الحق والإرادة ، والثانية إرادة البقاء أو إرادة القوة التي يمثلها النظام بما يملكه من أجهزة أمن ومن مجموعة من المنتفعين وأصحاب المصالح ، وثلة من علماء السلطان المنافقين الذين يقلبون الباطل حقا ،.
قد تكون الثورة السورية هي الثورة العربية الوحيدة التي ستحقق أهدافها دفعة واحدة ولن تنعت بالثورة المنقوصة أو تحتاج لثورة مكملة وذلك نتيجة حالة الفساد والظلم والطغيان التي خلفها هذا النظام على مدى عقود حكمه فأفرزت طبقة طفيلية لا تمت إلى الوطن بصلة ، بل أصبحت هي من يقرر مفهوم الوطنية والخيانة ، هذه الفئة هي قطعا ليست حزب البعث وهي ليست الطائفة العلوية ، بل هي مجموعة حاكمة تستمد شرعيتها من المادة الثامنة للدستور السوري بجعل حزب البعث القائد للحكم والمجتمع ، وفي داخل هذه الدائرة نواة تتجمع حولها مصالح مختلفة في توجهاتها متفقة على بقاء الحكم على ما هو عليه كي تستمر حالة الانتفاع والنهب وظلم المواطن المغلوب على أمره .
ولكن السؤال الذي يطرح نفسه ما هي معوقات الثورة السورية وهل من خوف عليها ..؟
حقيقة الأمر أن هناك معوقات داخلية ، وأخرى خارجية
ومن أبرز المعوقات الداخلية عدم تشكل جسم للثورة في دمشق بخروج مئات الآلاف إلى ساحات دمشق تشكل ضغطا شعبيا على النظام ، وهذا الأمر قد يرده بعض المتابعين للشأن السوري أن دمشق العاصمة تحكم بقبضة أمنية هائلة تمنع من تشكل هذا الجسم البشري الكبير ..؟ ولكن الحقيقة الأخرى والتي تغيب عن أذهان كثير من المراقبين أن دمشق كواقع سكاني تم تهميش الدمشقيين وباتوا الفئة الأقل في مجتمعهم بسبب موجات من النزوح السكاني إلى العاصمة ، اقترن هذا النزوح بنوعية القاطنين الجدد في دمشق وهم في غالبيتهم من عناصر الأمن الموالين للنظام وباتوا يشكلون أحياء عشوائية في العاصمة ، وهناك قسم لا يستهان به من أسر المتطوعين في الجيش وفئات استوطنت العاصمة من عمالة مختلفة تعمل بمهن تؤمن لها لقمة العيش ، إضافة لمكونات اجتماعية من مناطق سورية باتت مناطقها ذات لون واحد ، وقد ساهم غياب التنظيم العمراني في العاصمة لنشوء تجمعات سكانية باتت تعرف بالعشوائيات ، أصبحت مرتعا خصبا للجريمة والانحراف والتهريب .
على النقيض من ذلك أفاد بعض الدمشقيين من سكان الأحياء العريقة من تحول اقتصادي مذهل بعد أن باتت أسعار العقارات تنافس أسعار العقارات في باريس ..!
وقد عمل النظام منذ عقود على استمالة تجار دمشق مدركا للمقولة الشعبية السورية القديمة حكم سورية برضاء تجار دمشق ، وبات هؤلاء في تحالف قوي مع النظام .
ولعل كثيرين يبحثون عن سبب صمت مدينة حلب وهي الثانية بعد دمشق من حيث السكان والأولى اقتصاديا ، وهنا تتفق حلب مع دمشق في بعض الأمور كصمت الدولة عن البناء العشوائي وهذا ما أدى لنزوح فئات اجتماعية كانت تقطن حواف المدن إلى الاستقرار بها كالجنكل والنور وبعض سكان الريف ، كذلك تحالف التجار والصناعيين بعد أن وقعت سورية خمسين اتفاقية مع تركية تصب أغلبها في الشق الاقتصادي .
والتحالف الذي يقيمه بعض زعماء العشائر في حلب من خلال غض الطرف عنهم ، وعن أعمالهم بالتهريب ومعاقبة مخالفيهم وكذلك منح بعض هؤلاء مقاعد في مجلس الشعب .
والعامل الأخير التحالف بين بعض مشايخ وعلماء حلب مع السلطة ، ولحلب قصة في الخروج ضد السلطة فسكانها دائما ينتظرون فتوى من مساجدهم الكبيرة ، وفي حلب مساجد لها أهمية في نفوس الحلبيين منها رغم أن عدد المساجد في حلب يقترب من الألف ، كمسجد سيدنا زكريا أو أموي حلب ، ومسجد التوحيد أو كما يعرف بجكارة في الشيخ طه ، وهناك مسجد أثرياء حلب جامع الرحمن في السبيل ، وهذه المساجد يسيطر عليها علماء السلطة ، ولهذا سارع المسؤولون لإغلاق مسجد آمنة في سيف الدولة بعد ’’أن شهد مظاهرات أدت لوقوع شهيد وهذا المسجد كان أحد أهم مساجد حلب في منتصف الثمانينيات وأوائل التسعينيات حين كان يخطب به ويلقي دروس الثلاثاء المفتي الحالي أحمد حسون حيث اشتهر حينها بتحذيره من الخطر الشيعي وتهجمه على الفن والفنانين ومعالجته لمشكلات اجتماعية ، هذا ما أدى لبيع أشرطته الوعظية على أرصفة المسجد وفي محلات التسجيلات الدينية ، قبل أن ينقلب ويصبح بوقا للسلطة ومقربا من حزب الله ..؟ كحال الدكتور محمود عكام خطيب مسجد التوحيد والقائمة تطول ..!
ومن الأسباب الداخلية أيضا تخويف النظام الناس بالفتنة الطائفية ، وهذا ما أدى لتخوف كثير من الأقليات وعلى رأسها الطائفة العلوية ، وحقيقة الأمر أن الشعب السوري بتاريخه الطويل لم يعرف فتنا طائفية أو حروبا أهلية ، وهذا العامل سيزول تدريجيا عندما يدرك أبناء الطوائف أن النظام زائل ومصلحتهم مع أخوانهم وليس مع النظام .
أما المعوقات الخارجية فهي تسير بمحاور ثلاثة : عربيا ، وإقليميا ، ودوليا
على الصعيد العربي ، هناك رغبة جامحة في الدول التي لم تجتاحها الثورات ببقاء النظام السوري .. أما الجامعة العربية فقد انتقلت من مرحلة العجز في زمن عمرو موسى إلى حالة موات بعد وصول نبيل العربي ، وهو الذي أوصلته الثورة المصرية للخارجية المصرية ومن ثم لأمانة الجامعة العربية ...! فزيارة العربي لدمشق ومن ثم السعادة التي عبر عنها بعد لقائه برأس النظام ترك أكثر من علامة استفهام على مستقبل الجامعة تحت قيادة هذا الرجل الذي كان همه الأول في الخارجية المصرية تطبيع العلاقات مع إيران ..!
والدول الثورية أي التي أنهت حكامها أو أنظمتها لم تتعاف بعد من مشاكلها الداخلية ، وطول الثورات غير المنتهية في ليبيا واليمن وسورية ، لم يمكنها من فرض نفسها كقوى ثورية تساند التغيير في العالم العربي .
ودول الجوار السوري كالعراق مثلا ، يحاول حكام العراق قدر إمكانهم مساعدة النظام رغم ما كان يبدو على السطح من خلافات( فالنظام في سورية بعثي ، والنظام الطائفي في العراق المحتل قام على اجتثاث البعث ) وتهديدات المالكي لسورية في عام 2009 بالوقوف وراء التفجيرات الدامية التي حصلت في شهري 11 12 ببغداد وأنه سيلجأ للمحكمة الدولية ، إلا أن الواقع الحالي أبرز مدى عمق العلاقة بين النظاميين ،فزيارة المعلم لبغداد فسرها كثير من المراقبين للضغط على أكراد سورية من قبل قادة الحزبيين الكرديين ( طالباني ، وبرزاني ) للوقوف على الحياد في الثورة السورية ...!وعلى الصعيد الرسمي كانت تصريحات المالكي بالوقوف مع النظام السوري ، وإرسال جنوده لإغلاق الحدود العراقية في منطقة القائم بعد محاصرة القوات الأمنية السورية للبوكمال المحاذية للعراق . والتبرع بمبلغ عشرة مليارات دولار دعما للاقتصاد السوري ...؟
أما على الصعيد الإقليمي ونبدأ من تركيا التي تبدو أنها نصيرة للشعوب العربية ، وهي ذات حكومة منتخبة ديمقراطيا تدعي الوقوف إلى جانب قضايا العرب والمسلمين ، فقد تباينت موقفها مما يحدث في سورية فقد استخدمت الأسلوب الكلامي في مقولة أردوغان ’’ لن نسمح بمجزرة حماه وحمص وحلبجة ثانية ، لكن الواقع أن تصريحاته خفتت بعد نجاح حزبه بنيل الأغلبية في الانتخابات التركية ، وحين تدفقت جموع اللاجئين ادعت تركيا أن هؤلاء ضيوف وليسوا بلاجئين لينتهي المطاف بهم داخل سجن كبير فلا إعلام ولا حديث معهم وليس لهم حقوق اللاجئين الذي كفله القانون الدولي الإنساني ، وجرت مذبحة جديدة لحماة ومن ثم دير الزور ... ليتذكر السيد أردوغان أن ما يحدث بسورية هو ليس بحدث خارجي بل داخلي وسيرسل وزير خارجيته بعد أيام ولا ندري في هذه الأيام كم سيسقط من الأبرياء في دير الزور وحماه وحمص وادلب ..؟
أما إيران فقد وقفت منذ البداية مع حليفها الاستراتيجي ووصل الأمر بمرجعية الملالي إلى اعتبار ما يحدث في سورية مؤامرة تستهدف نظام الممانعة ، فبدأت بإرسال المال والسلاح وخبراء الإجرام من الباسيج ، وكذلك فعل ابنها المدلل الذي يتبع نظام ولاية الفقيه حزب الله . وإيران تعلم تماما أن سقوط هذا النظام هو بداية النهاية للتوسع الإيراني وأن العقدة التي تربط هذه الخطوط الشيطانية تكمن في دمشق ، وأن أحلامها ستتبخر وسيتحرر العراق من سلطة الطائفية ويتقزم دور حزب الله في لبنان .
وليس ببعيد مخاوف الصهاينة من انهيار نظام أمن لهم الحماية ، وترك لهم الجولان وعد عودتها من خلال السلام ، والجولان بما تعنيه من مانع استراتيجي ومياه وأراض خصبة ..!
وقد صفى لهم من قبل المقاومة الفلسطينية في لبنان ، ولم يسمح لمهجري الجولان بالقيام بمقاومة على شاكلة المقاومة الكرتونية التي يمارسها حزب الله ...!
على الصعيد العالمي فإن الغرب عموما وأمريكا على وجه الخصوص لا ترغب بتغيير النظام ، فهي تدرك أن وجود هذا النظام يعني حماية إسرائيل ، وأن عودة سورية لحكم وطني فهذا يعني ببساطة أن جبهة الجولان لن تبقى على حالها ، وأن الشخصية السورية التي مسخت عبر عقود ستكون ملامحها الجديدة عودة الشام للعب دورها العربي والإسلامي ، ولن يحول بينها وبين التواصل والتكامل مع العالم العربي ولا سيما مصر حائل ، وهذا يعني بداية النهضة للأمة .
وكل ما نراه لتأخير قرار إدانة في مجلس الأمن بذريعة الفيتو الروسي والصيني هي أكاذيب ، فلو أرادت أمريكا اتخاذ قرار في مجلس الأمن لكان لها هذا ، ولكنها ظلت تكتفي بتوجيه النصائح وضرورة الإصلاح ، ولكنها حين تدرك أن النظام ساقط لا محالة ، ستسارع للوقوف مع الشعب السوري ، أو هكذا ستدعي وقد تذهب إلى أكثر من هذا فتدخل عبر حلف عربي تركي ودولي لتدمير الآلة العسكرية السورية بذريعة حماية المدنيين ، وهي في الواقع تريد تدمير هذه القوة العسكرية حتى لا تقع بيد حكومة وطنية قادمة ، ولن تكتف بتدمير الجيش بل سيمتد الدمار ليشمل البنى التحتية بذريعة حرمان النظام من استخدامها في حربه ضد المدنيين العزل ، وهذا يعني أن سورية الجديدة ستكون ديمقراطية ، ولكنها دولة ضعيفة عسكريا ، وهي دولة تحتاج سنوات لإعادة البناء وليس الصرف على إعادة التسلح ..!
وبالتالي فإن نجاح الثورة السورية دون تدخل خارجي ، أو عسكرة الثورة سيكون ضربة قاصمة لكل من أراد نهاية الثورة أو بقاء هذا النظام أو الاستعانة بالخارج لتدمير مقومات الدولة السورية .
*المصريون
أضافة تعليق