شعبان عبدالرحمن
أسقطتنا الطبقة العلمانية أو الليبرالية في حلم كبير؛ بحديثها المثالي قبيل «ثورة 25 يناير» عن مفاهيم الحكم الراشد، ومعاني الممارسة السياسية، وقيم ومبادئ حقوق الإنسان، وأصول حكم الشعوب، وإدارة المجتمعات.. حتى كاد مثلي يتوق ليوم تتخلص فيه مصر من النظام السابق لكي أرى النخبة من هذه الطبقة تشارك في حكم البلاد فتثري بذلك الحياة السياسية في مصر؛ وتطبق ما ظلت تدعو إليه عبر الفضائيات وأعمدة الصحف. ومازلت لا أنسى التعبيرات الرنانة لتلك الطبقة، ودفاعها البارع عن الديمقراطية، واحترام حرية الرأي، واحترام قرار صندوق الانتخابات النزيه والإذعان له.. كدت أحفظ هذه التعبيرات عن ظهر قلب، لكني استيقظت على وهْم كبير بعد نجاح «الثورة».. فعندما حانت لحظة التطبيق العملي لتلك المثاليات والمبادئ، كنت أتوقع أن تنشط الطبقة العلمانية بين جماهير الشعب المصري لشرح برنامجها ورؤاها للمرحلة القادمة، وتعريف الناس بفكرها بالضبط دون أي تورية.. وماذا تريد.. وإلامَ تتطلع.. حتى يفهمها الناس ويتعرفوا على رموزها عن قرب.. بل كنت أطمح أن تتحرك تلك الطبقة لتعرض بضاعتها عن الديمقراطية والحرية مقابل ما يعرضه الإسلاميون على اختلاف درجاتهم، وترى مدى التجاوب الجماهيري معها، ومدى تصديق الناس لها وإقبالهم عليها.. لكن نجوم تلك الطبقة فضّلوا البقاء قابعين وراء أعمدة صحف، وفي استوديوهات فضائيات رجال الأعمال المقربين من النظام السابق؛ ليصبّوا جام غضبهم على الإسلاميين، وخاصة الإخوان المسلمين.. تشكيكاً وتضليلاً وتجريحاً، بل وهبوطاً في مستوى الكلمات والعبارات.. ومن يراجع صفحات كثير من الصحف، ويتابع الفضائيات؛ يخرج بنتيجة واحدة؛ مفادها أن معظم قادة التيار العلماني بدرجاته المتفاوتة تفرغوا لتصويب سهامهم على «الإخوان»، وتشويه موقفهم، ومحاولة فضّ الناس عنهم، ولا مانع لدى بعضهم من مصادرة العملية الديمقراطية برمتها تحت أي مزاعم؛ بالدعوة لاستمرار المجلس العسكري في حُكم البلاد. هذا الموقف المتصاعد من الإخوان بدأ مع إعلانهم الموافقة على التعديلات الدستورية بـ«نعم»، بينما جرّد العلمانيون والكنيسة حملة ضارية لإقناع الناس بالتصويت بـ«لا»، وقد وضع الناشط الحقوقي المقيم في باريس «وليم ويصا» النقاط فوق الحروف بكل وضوح في حواره مع «المصري اليوم» بتاريخ 24/4/2011م عندما قال: إن «التصويت بـ«لا» يستهدف منع وصول «الفاشية الدينية» إلى الحكم فى مصر».. فلما كانت نتيجة الاستفتاء بـ«نعم»؛ بدأنا نسمع عبارات السّباب للشعب نفسه، واصفة إياه بالجهل والأمية والسير كالقطيع.. بل إن د. حسن نافعة خرج علينا بالقول: إن الأغلبية «ليست دائماً على حق! ليثبت الرجل أن نتيجة الاستفتاء السابق ليست بالضرورة على حق.. فالحق في عُرفهم هو النزول على رأي الأقلية من أهل الرأي السديد الذين تتنزل عليهم الحكمة من كل حدب وصوب! إن السعي من الطبقة العلمانية لإلغاء نتيجة الاستفتاء الأخير تعدى حدود التعبير عن الرأي بالسبل الراقية المتعارف عليها لإقناع الجماهير، إلى قيام البعض بتلفيق أحكام قضائية؛ ليدلل على سلامة الموقف العلماني في الدعوة لإلغاء نتيجة الاستفتاء؛ «فخرجت علينا صحيفة معروفة التوجه من أسماء مالكيها وبالتبعية محرريها.. تنسب إلى المحكمة الدستورية العليا أنها حكمت بتاريخ 17/12/1994م حكماً في القضية رقم 13 لسنة 15 قضائية حكماً يتناقض مع نصِّ المادة من الإعلان الدستوري، الذي يتضمن اختيار الجمعية التأسيسية بمعرفة مجلس الشعب والشورى بعد انتخابهما لإعداد مشروع الدستور الجديد، وهو ما سوف يؤدي إلى إهداره على حدِّ قول الصحيفة، ولكي تحبك القصة الأكذوبة زعمت أن مذكرة رفعت للمجلس الأعلى للقوات المسلحة بهذا الشأن، وتلقف هذا الكلام عدد من زعماء العلمانيين، وراحوا يرددونه في الفضائيات وفي كل مكان.. وإذا بالمحكمة الدستورية العليا ترد، ويا لهول الرد! حيث جاء به: «لم يسبق أن أقرّت المحكمة الدستورية في أيٍّ من أحكامها التي صدرت على مدى أكثر من 40 عاماً حكماً يتصل بتحديد الجهة التأسيسية التي تضع الدستور»! (د. محمود غزلان، «إخون أون لاين»، 4 يونيو 2011م). وأتساءل: كيف يصدّق الشعب أستاذاً للقانون يُدَرِّس لطلابه - وأنا كنت منهم - أن التشريع لا يلغيه إلا تشريع، والدستور لا يسقط من تلقاء ذاته، فإذا به يقول ما هو أبشع: «إن مظاهرة تُلغي الاستفتاء والإعلان الدستوري»؟! (د. عصام العريان، «إخوان أون لاين»، 30 مايو 2011م). هل وصلت الحال بقامات علمانية وعلمية إلى حد التدليس على الشعب المصري بهذه الصورة الفجة من أجل الانتصار لرأيها؟! إنه السقوط المدوي!! وشر البلية هنا هو السقوط في التعبير وانتهاج الأسلوب الجارح بكلمات لم تكن متوقعة من رجل مثل د.حسن نافعة وهو يصف الإخوان قائلاً: «لا أظن أنني أُبالغ إن قلت: إن الأداء السياسي للجماعة، الذي اتسم بالغموض في بعض المواقف، خاصة بعد الثورة أصبح، الآن مستفزّاً ومُخَرِّباً، وخطراً على الثورة، بل يهدد بضياع فرصة حقيقية تتيحها «ثورة 25 يناير» لتأسيس نظام ديمقراطي حقيقي في مصر، وتلك جريمة يتعين أن يتحمل كلُّ مَنْ يتسبب في وقوعها مسؤوليتها كاملة أمام التاريخ» («المصري اليوم»، 30/5/2011م). ويصل الهبوط في التعبيرات إلى القاع عندما يقول أحد الكتاب: «إذا وافق البعض من قيادات الجماعة (الإخوان) على عرض تصريحاتهم المتوالية على طبيب نفسي؛ فسوف يكتشف إصابتهم بمرض النرجسية اللعين..».. ثم ألقى بسلة من النفايات ليكمل بقية مقاله! إنه «المنافستو» الليبرالي الجديد.. الذي يصادر كل المخالفين في الرأي والتوجه، وهو لا يختلف عن «المنافستو» الشيوعي؛ حيث الرأي والفكر الواحد والحاكم الأوحد!
*المجتمع
أسقطتنا الطبقة العلمانية أو الليبرالية في حلم كبير؛ بحديثها المثالي قبيل «ثورة 25 يناير» عن مفاهيم الحكم الراشد، ومعاني الممارسة السياسية، وقيم ومبادئ حقوق الإنسان، وأصول حكم الشعوب، وإدارة المجتمعات.. حتى كاد مثلي يتوق ليوم تتخلص فيه مصر من النظام السابق لكي أرى النخبة من هذه الطبقة تشارك في حكم البلاد فتثري بذلك الحياة السياسية في مصر؛ وتطبق ما ظلت تدعو إليه عبر الفضائيات وأعمدة الصحف. ومازلت لا أنسى التعبيرات الرنانة لتلك الطبقة، ودفاعها البارع عن الديمقراطية، واحترام حرية الرأي، واحترام قرار صندوق الانتخابات النزيه والإذعان له.. كدت أحفظ هذه التعبيرات عن ظهر قلب، لكني استيقظت على وهْم كبير بعد نجاح «الثورة».. فعندما حانت لحظة التطبيق العملي لتلك المثاليات والمبادئ، كنت أتوقع أن تنشط الطبقة العلمانية بين جماهير الشعب المصري لشرح برنامجها ورؤاها للمرحلة القادمة، وتعريف الناس بفكرها بالضبط دون أي تورية.. وماذا تريد.. وإلامَ تتطلع.. حتى يفهمها الناس ويتعرفوا على رموزها عن قرب.. بل كنت أطمح أن تتحرك تلك الطبقة لتعرض بضاعتها عن الديمقراطية والحرية مقابل ما يعرضه الإسلاميون على اختلاف درجاتهم، وترى مدى التجاوب الجماهيري معها، ومدى تصديق الناس لها وإقبالهم عليها.. لكن نجوم تلك الطبقة فضّلوا البقاء قابعين وراء أعمدة صحف، وفي استوديوهات فضائيات رجال الأعمال المقربين من النظام السابق؛ ليصبّوا جام غضبهم على الإسلاميين، وخاصة الإخوان المسلمين.. تشكيكاً وتضليلاً وتجريحاً، بل وهبوطاً في مستوى الكلمات والعبارات.. ومن يراجع صفحات كثير من الصحف، ويتابع الفضائيات؛ يخرج بنتيجة واحدة؛ مفادها أن معظم قادة التيار العلماني بدرجاته المتفاوتة تفرغوا لتصويب سهامهم على «الإخوان»، وتشويه موقفهم، ومحاولة فضّ الناس عنهم، ولا مانع لدى بعضهم من مصادرة العملية الديمقراطية برمتها تحت أي مزاعم؛ بالدعوة لاستمرار المجلس العسكري في حُكم البلاد. هذا الموقف المتصاعد من الإخوان بدأ مع إعلانهم الموافقة على التعديلات الدستورية بـ«نعم»، بينما جرّد العلمانيون والكنيسة حملة ضارية لإقناع الناس بالتصويت بـ«لا»، وقد وضع الناشط الحقوقي المقيم في باريس «وليم ويصا» النقاط فوق الحروف بكل وضوح في حواره مع «المصري اليوم» بتاريخ 24/4/2011م عندما قال: إن «التصويت بـ«لا» يستهدف منع وصول «الفاشية الدينية» إلى الحكم فى مصر».. فلما كانت نتيجة الاستفتاء بـ«نعم»؛ بدأنا نسمع عبارات السّباب للشعب نفسه، واصفة إياه بالجهل والأمية والسير كالقطيع.. بل إن د. حسن نافعة خرج علينا بالقول: إن الأغلبية «ليست دائماً على حق! ليثبت الرجل أن نتيجة الاستفتاء السابق ليست بالضرورة على حق.. فالحق في عُرفهم هو النزول على رأي الأقلية من أهل الرأي السديد الذين تتنزل عليهم الحكمة من كل حدب وصوب! إن السعي من الطبقة العلمانية لإلغاء نتيجة الاستفتاء الأخير تعدى حدود التعبير عن الرأي بالسبل الراقية المتعارف عليها لإقناع الجماهير، إلى قيام البعض بتلفيق أحكام قضائية؛ ليدلل على سلامة الموقف العلماني في الدعوة لإلغاء نتيجة الاستفتاء؛ «فخرجت علينا صحيفة معروفة التوجه من أسماء مالكيها وبالتبعية محرريها.. تنسب إلى المحكمة الدستورية العليا أنها حكمت بتاريخ 17/12/1994م حكماً في القضية رقم 13 لسنة 15 قضائية حكماً يتناقض مع نصِّ المادة من الإعلان الدستوري، الذي يتضمن اختيار الجمعية التأسيسية بمعرفة مجلس الشعب والشورى بعد انتخابهما لإعداد مشروع الدستور الجديد، وهو ما سوف يؤدي إلى إهداره على حدِّ قول الصحيفة، ولكي تحبك القصة الأكذوبة زعمت أن مذكرة رفعت للمجلس الأعلى للقوات المسلحة بهذا الشأن، وتلقف هذا الكلام عدد من زعماء العلمانيين، وراحوا يرددونه في الفضائيات وفي كل مكان.. وإذا بالمحكمة الدستورية العليا ترد، ويا لهول الرد! حيث جاء به: «لم يسبق أن أقرّت المحكمة الدستورية في أيٍّ من أحكامها التي صدرت على مدى أكثر من 40 عاماً حكماً يتصل بتحديد الجهة التأسيسية التي تضع الدستور»! (د. محمود غزلان، «إخون أون لاين»، 4 يونيو 2011م). وأتساءل: كيف يصدّق الشعب أستاذاً للقانون يُدَرِّس لطلابه - وأنا كنت منهم - أن التشريع لا يلغيه إلا تشريع، والدستور لا يسقط من تلقاء ذاته، فإذا به يقول ما هو أبشع: «إن مظاهرة تُلغي الاستفتاء والإعلان الدستوري»؟! (د. عصام العريان، «إخوان أون لاين»، 30 مايو 2011م). هل وصلت الحال بقامات علمانية وعلمية إلى حد التدليس على الشعب المصري بهذه الصورة الفجة من أجل الانتصار لرأيها؟! إنه السقوط المدوي!! وشر البلية هنا هو السقوط في التعبير وانتهاج الأسلوب الجارح بكلمات لم تكن متوقعة من رجل مثل د.حسن نافعة وهو يصف الإخوان قائلاً: «لا أظن أنني أُبالغ إن قلت: إن الأداء السياسي للجماعة، الذي اتسم بالغموض في بعض المواقف، خاصة بعد الثورة أصبح، الآن مستفزّاً ومُخَرِّباً، وخطراً على الثورة، بل يهدد بضياع فرصة حقيقية تتيحها «ثورة 25 يناير» لتأسيس نظام ديمقراطي حقيقي في مصر، وتلك جريمة يتعين أن يتحمل كلُّ مَنْ يتسبب في وقوعها مسؤوليتها كاملة أمام التاريخ» («المصري اليوم»، 30/5/2011م). ويصل الهبوط في التعبيرات إلى القاع عندما يقول أحد الكتاب: «إذا وافق البعض من قيادات الجماعة (الإخوان) على عرض تصريحاتهم المتوالية على طبيب نفسي؛ فسوف يكتشف إصابتهم بمرض النرجسية اللعين..».. ثم ألقى بسلة من النفايات ليكمل بقية مقاله! إنه «المنافستو» الليبرالي الجديد.. الذي يصادر كل المخالفين في الرأي والتوجه، وهو لا يختلف عن «المنافستو» الشيوعي؛ حيث الرأي والفكر الواحد والحاكم الأوحد!
*المجتمع