مركز الوفـــاق الإنمائي للدراسات والبحوث والتدريب

2014/08/17 20:10
أين المشروع السلفي؟
عبدالله الحسين / باحث شرعي
إن افتقاد قيادات التيار السلفي لمشروع يتماشى مع مستجدات الوضع الراهن، جعله يراوح مكانه خلال العقد الذي أعقب الأحداث، ويقف أمام جدار عال يصعب تجاوزه، فضلا عن اختراقه..

حققت الدعوة الى الله تعالى على المنهج الحق انجازات عظيمة على مدار العقدين اللذين سبقا الأحداث الدولية تزايد خلالها الأتباع الممنهجين من أصحاب الفكر والعقيدة بشكل كبير بما يشبه انبعاث أمة. وكان من أهم نتائجه هو اضمحلال عموم الكيانات الدينية المبتدعة والجماعات الإسلامية المخالفة، وهي مذهولة صاغرة أمام رصانة المنهج العلمي لأهل السنة والجماعة وقوة اتباعه في الحق.


ثم ما لبث حتى خفتت حدة العمل وتناقصت وتيرته بشكل مطرد. فبعد الأحداث العالمية التي تسببت في تغير السياسة الدولية تجاه الاسلام ودعاته ومؤسساته، خفت عن كثير من أصحاب هذا التيار جذوة العمل الدعوي وانحلت عزائم الكثير من القائمين عليه، حتى عاد العمل إلى سكون لا يتناسب وحجم المسؤولية الملقاة على عاتق قادته.


فبسبب ما اقتضته المرحلة الأخيرة من السكوت عن الكثير من مفردات الدعوة المميزة للتيار السلفي، ومن أهمها: محاربة البدعة ومقارعة أهل الأباطي، حتى ظن الظان أن مواقفنا من أهل الباطل هي التي كانت تجمعنا وتستنهض العمل السلفي وتحركه على المواجهة لتقرير المنهج. ولم يستنهضنا ذات المنهج الذي كان يحمل مشروعا تصحيحيا تأسيسيا لما بعده من المراحل.


يدلل على ذلك عدد من المؤشرات من أهمها وأخطرها:


عدم تمكن أصحاب المنهج من إيجاد مشروع يتناسب مع المرحلة الراهنة، والذي حمّل الأتباع انتظارا طويلا مملا ماتت معه المبادرة، وأفضى إلى الانعزالية والاقتصار على الذات، حتى بدأت تظهر تبعاته على جسد التيار السلفي ووحدة كياناته.


فعدنا بعد الجماعة أفرادا تجمعنا مفردات المنهج — نظريا - وتفرقنا الهموم الشخصية والرؤى الخاصة والمشاريع المجتزئة، والتي كان بعضها وللأسف على حساب المنهج أو الجماعة.


وهذا ما قلص من القاعدة الشعبية للدعوة السلفية، فبالإضافة إلى ما تنتهجه السياسة الدولية ووسائل الإعلام المعادية من تشويه لهذه الدعوة، والتي تسبب فيها دون شك جماعات سلفية أظهرت الوجه العقابي للإسلام دون شموليته، وعملت بمفهوم من لم يكن معنا فهو ضدنا، وجادلت وأطالت في تقرير الحكم الأخروي من إيمان وكفر على الأفراد قبل موافاتهم لربهم، بما حمل مجموعات أخرى من الجماعات السلفية، وكرد فعل، إلى العمل بقاعدة: من لم يكن ضدنا فهو معنا.


فأدخلت في المنهج ما ليس منه وفي الجماعة ما لم يكن محسوبا عليها، خصوصاً بعد اشتداد الأزمة، حيث تكرس مفهوم العمل بفقه التيسير، وتحول بعد استمرائه الى فقه التسيير، والذي تداعت به أهم مراكز قوة المنهج، وهي رصانته العلمية وشغفه باتباع السلف.


إن افتقاد قيادات التيار السلفي لمشروع يتماشى مع مستجدات الوضع الراهن، جعله يراوح مكانه خلال العقد الذي أعقب الأحداث، ويقف أمام جدار عال يصعب تجاوزه، فضلا عن اختراقه.


والعمل على مشروع دعوي يخدم الامة ويكرس مفهوم أن الإسلام منهاج حياة ويجتث فكرة العلمنة التي كرسها بعض أتباع المنهج بالانزواء في دوائر الملتزمين دون الانفتاح على المجتمعات، إنما يكون بتأهيل الكفاءات القيادية من جميع التخصصات الأكاديمية، والتي يرجى لها من خلال إستراتيجية تكوينها، أن تخدم الدين وأن تقدم للناس البديل الطاهر وفق رؤية إسلامية تخدم الواقع ولا تكتفي بتمجيد الأسلاف، بل تصنع الأمل وتعيد للناس ثقتهم بالمشروع الإسلامي الذي يستوعب الناس ولا يستعديهم.


ويكون ذلك بالعمل على مشروع سلفي برؤية معاصرة تتوافق مع واقعنا المعايش عبر الاجتهاد في تحصيل ما يخدم المستجدات وفق رؤية سلفية اعتقادا ومنهجا، لا بالجمود على فتاوى أفتي بها في القرن الثاني لتطبق على القرن الرابع عشر.


ولو استقرأنا رأي المسوقين للتيار السلفي من الدعاة العاملين في ميادين الدعوة خارج نطاق مؤسساتها التعليمية، لوجدنا أنهم وبقدر إدراكهم حجم التراث العلمي الذي خلفه السلف، يدركون وفي الوقت نفسه حجم الهوة بين تراثنا الفقهي وبين مستجدات العصر، وابتعاد الدعوة في كل مستجد عن توجهات واحتياجات الناس، وأن تفاصيل الفقه وتشعبات العقيدة والخلافات داخل المنهج لا يحتاجها إلا أهل الاختصاص، فجعل تلك التفاصيل من الفروض الكفائية التي لا ينبغي أن تنثر بين أيدي العوام، فضلا عن الرجوع بهم في هذه القضايا الى أقوال السلف وتحقيقها لهم.


وإذ نسلم بأن التثبت في أمور الدين لايكون إلا بالرجوع الى اجتهادات السلف، نعلم أن المقصود بالرجوع إلى اجتهادات السلف، هو الرجوع إلى نقطة نظام نتوقف عندها، متأملين سبب الانحراف في المنهج من بعدهم، لا بالرجوع بالأمة إلى عهد سالف أو حقبة سابقة من التاريخ، وإلا فكيف نفهم القاعدة التي تنص على أن الفتاوى تختلف باختلاف الأزمنة والأمكنة والنيات والعوائد.


فالوقوف إذن على اجتهادات السلف بما يتوافق مع زمنهم وحالهم غير مجدي إلا لعقول استراحت لاجتهاد السلف، ووجدت أن نقل الفتاوى أهون من إعمال العقل بالبحث، وتبرمت ممن اشتغل بالاجتهاد بما يوافق عصره، فقذفته بالخروج عن دائرة السلف، إذ القذف والاتهام أيسر من إجهاد الذهن في تحقيق الاجتهاد.


لذا، فقد عاد الناس يستشعرون أن التيار السلفي يفتقد في هذه المرحلة: مرحلة ما بعد التصحيح والتأسيس، إلى مشروع لافت يجتذب الناس ويوفر لهم البدائل، وأن زمن حشد الجموع من العامة وتهييج المشاعر قد ولى، وأن الانشغال عنهم بالاعتماد على حسن توكلهم وقوة إيمانهم دون مشروع يسوسهم هو تضييع للأمانه.


’’وَلَا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِن بَعْدِ قُوَّةٍ أَنكَاثًا تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ أَن تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَى مِنْ أُمَّةٍ إِنَّمَا يَبْلُوكُمُ اللَّـهُ بِهِ ? وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ وَلَوْ شَاءَ اللَّـهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِن يُضِلُّ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ وَلَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ’’.
*العصر
أضافة تعليق