عبد العزيز كحيل
مثلما كانت هزيمة يونيو 1967 النكراء إيذانا بنهاية القومية العربية كخيار سلطويّ شعاراتي فإنّ ثورة تونس إيذان بسقوط الأصوليّة العلمانيّة الّتي كان نظام بن علي الطاغوتي أحد أكبر منظرّيها ومنفّذيها بمباركة نظرائه في الساحة العربيّة والغربيّة وبمؤازرة ترسانة ثقافيّة وإعلاميّة فرضت الإرهاب الفكريّ في ظلّ النظام المستبدّ البوليسيّ الّذي ما إن سقط حتّى تبيّن أنّه نجح في مسألة واحدة هي تأليب الشعب كلّه عليه .
والأصوليّة العلمانيّة ليست مصطلحاً أوحى به الترف الفكريّ بل هو حقيقة ماثلة في العالم العربي تريد محاكاة النموذج الأتاتركي المتطرّف في إعادة صياغة الشعوب صيّاغةً تغريبيّة تتجاوز حقائق الزمان والمكان وتستبعد الثوابت الروحيّة والفكريّة والشعوريّة للأفراد والمجتمع حتّى لا تبقى له سوى صلة رقيقة باهتة واهية بالدين والأخلاق والقيم، وهي في هذا تزعم أنّها تستنسخ تجارب ’’إنسانيّة’’ نجحت في تحرير الإنسان من سطوة اللاهوت وقيوده ليطلق يده في تحصيل العلوم واستكشاف الكون وتدبير شؤون حياته بعقله وحده ، وقد بلغ شأو بعيداً في هذا المسار، والحضارة الغربيّة شاهدة على ذلك ، بينما لا يزال العرب يراوحون مكانهم بل يتراجعون بسبب الغربة الزمانيّة الّتي تطبع طرق تفكيرهم ومناهجهم الدراسيّة وخطابهم الدينيّ ونظامهم الاجتماعيّ ، ولو اكتفت العلمانيّة العربيّة بالتمسّك بهذا الخطاب والترويج له إعلاميّاً وثقافيّاً وانتخابيا لهان الأمر لكنّها عملت على فرضه على الجماهير بالإكراه الفكريّ والسيّاسيّ، فجنّدت أقلاماً وأصواتاً تكتب وتخطب ليس للتبشير بأطروحاتها ومحاولة الإقناع بها ولكن بخلق الفراغ حولها حتّى لا يبقى في الساحة إلاّ هي، وكان العدوّ المستهدف هو الإسلام بأبعاده الأخلاقيّة والسياسيّة بالدرجة الأولى، فحاربت الإسلام ذاته تحت غطاء مواجهة الأصوليّة والإسلام السياسيّ والإرهاب ، ويستطيع أيّ إنسان أن يتلمّس استهدافها للدين في هجومها على أحكامه في الميراث والفضيلة والمحرّمات والمناهج الاقتصاديّة والجانب الغيبيّ فضلاً عن أحكام الجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وقد مرّرت هذا الخطاب عمليّاً عبر وسائل الدوّل الّتي تنصّ دساتيرها أن دين الدولة الإسلام ، وقد غدا هذا البند مجرّد شعار لا مدلول له في الواقع أغرى العلمانية بمزيد من التحرّك ضدّ ثوابت الأمّة وتوجّهاتها الأساسية.
أمّا الإكراه السيّاسيّ فأقبح نموذج عليه هو نظام تونس البائد – وإن لم يكن هو الوحيد في العالم العربيّ – الّذي حوّل البلاد في عهد بورقيبة إلى دولة بوليسيّة يأتي إقصاء الإسلام على رأس أولوياتها، ثمّ إلى سجن كبير أقامه بن علي لكلّ إسلاميّ ولكلّ معارض ولكلّ حرّ ، يكاد يقضي على التديّن نهائيّاً بتشجيع سافر لجميع أنواع وأشكال الانحراف الفكريّ والسلوكيّ مع الانفتاح التامّ على الصهيونيّة والتسامح مع المعابد اليهوديّة والانحلال بشتّى صوره، والّذي لا يجوز أن ينساه أحدّ أن العلمانيين العرب قد آزروا بن علي في حربه على الإسلام منذ مطلع التسعينيات وشدّوا أزره ووصفوه بالبطل القادر على قهر المارد الإسلاميّ، وروّجوا التهم للإسلاميّين وباركوا إقصاءهم من الحياة السيّاسيّة والثقافيّة وأفتوا بجواز سجنهم ونفيهم وإبادتهم، وكانت الأطراف العلمانيّة في مقدّمة المباركين للطاغيّة والمساندين له لأنّه يخوض الحرب ضدّ عدوّهم الأوّل ونيابة عنهم .
إن الأصوليّة العلمانيّة أثبتت في العالم العربيّ كلّه أنّها تعادي الإسلام لتخوّفها من مصدره وغاياته ووسائله، فهي لا ترفض ميزة الربانيّة فحسب بل تريد إزاحتها من الساحة ، ولو استطاعت لأزاحتها من القلوب والعقول، وقد حاولت ذلك من خلال تجفيف منابع التديّن وتغيير الخطاب الديني، كما أنّها تتبرّم ممّا يدعو إليه الإسلام من طهر معنويّ وفضائل أخلاقيّة ، وتعتبر ذلك مخالفاً للحريّة الفرديّة وحقوق الإنسان، لكنّها باركت الأنظمة العلمانيّة الشموليّة في العالم العربيّ وتركيا المعتديّة اعتداءً سافراً على الحريات والحقوق، ومارست الإرهاب بالكلمة والصورة والفكرة والإيحاء والإقصاء ، واتخذت قواعد خلفيّة وفّرتها لها الأنظمة الحاكمة وأطراف غربيّة وصهيونيّة ، كالمحطّات الإذاعيّة والتلفزيونيّة والجرائد الحكوميّة و’’المستقلّة’’ وكثير من الأوساط الثقافيّة والفنيّة المدمنة على أنواع الفساد الخلقي والانحراف الفكريّ والسلوكي، فعمل هذه الأصوليّة ليس سلمياً أبداً بل هو عنيف بكل المقاييس كلّما تعلّق الأمر بالإسلام والإسلاميّين، وهيّ الّتي مارست التطهير الإيديولوجي في أكثر من قطر عربي، ودعت إلى تعميمه في بقيّتها ، واشتهر رموزها السياسيّة والفكريّة بالاستئصاليين لأنّهم دعاة القضاء على التيارات الإسلاميّة كلّها مهما شهد العالم كلّه لها بالاعتدال وإتباع المنهج السلمي.
وقد برحوا ساحات النضال كلّها وتناسوا مظالم الأنظمة الحاكمة بل ساندوها وطالبوا بتوسيع نطاقها، وما عاد الرأي العام ينخدع بزعمهم التموقع في المعارضة ولا إرادتهم في الإصلاح وقد اشتهروا بخصائص الحقد والكراهيّة والانتهازيّة ، وأعماهم بغضهم للإسلام فسلكوا كلّ الطرق المنافية له كالتطبيع مع الصهاينة والتنسيق السياسي والأمني معهم ، والانتصار لدعاة الحرية الجنسية والمثلية والماسونية ، إلى درجة أنّهم كلّما تناولوا بالحديث مرض الإيدز - مثلا – استبعدوا أيّ إشارة إلى تدخّل التعاليم الدينية في الوقاية وكأنّهم يفضّلون انتشار هذا المرض على انتشار الإسلام !!!
يحدث كلّ ما سبق في بلاد العرب المشرقية والمغربية سواء ، وتتسمّى هذه الأصولية بأسماء مخلفة تنطوي على طينة واحدة ، فهم في مصر والخليج ليبراليون ، وفي الجزائر ديمقراطيون ، وفي تونس جمهوريون ، لكنّهم في كلّ الأحوال إقصائيّون متعجرفون معادون للإسلام.
لقد أثبت الواقع أنّ الأصوليّة العلمانيّة تبشّر بإقامة نظام عقليّ قوامه الحضور الإنسانيّ القويّ والحريّة والإبداع لكنّها تطبّق عكس ذلك كلّما أتيحت لها الفرصة وتعمد دائماً إلى البناء الفوقيّ تماماً مثل ما يفعل النظام الرسميّ العربيّ، فهي لا تمثّل ميلاداً جديداً للإنسان كما تزعم لأنّها – مثل كلّ الأنظمة الاستبدادية – تسلبه حق الاختيار وتفرض عليه خياراتها هي في الإيديولوجيا والسيّاسة لأنّها تعتبره قاصراً حيناً وواقعاً تحت ضغط الدعاية الإسلاميّة ’’ المضلّلة ’’ حيناً آخر، وتعدّت هذه العتبة لتتصرّف حتّى في توجّهاته الروحيّة الّتي تعدّها ساذجة متخلّفة عنفيّة، وقد جنّدت في هذا الإطار في أكثر من بلد عربي وجوهاً سمّتها من المفكّرين والأكاديميين والكتّاب ’’مسلمين مستنيرين’’ ، يعيدون قراءة الإسلام قراءةً علمانيّةً تفرغه من محتواه الربانيّ والتشريعيّ والأخلاقيّ وتلحقه بالمنظومة الفكريّة الغربيّة ذات الأصول الإغريقيّة -الرومانيّة من جهة وذات المرجعيّة اليهوديّة- المسيحيّة من جهة أخرى ، ومن الطرائف أنّ احد هؤلاء – وهو التونسي المقيم في فرنسا عبد الوهّاب مدّب - قضى حياته يؤدّي هذا الدور ويحذّر من الإسلام ويتهجّم على الإسلاميين بمناسبة وبغيرها ، فلمّا سقط بن علي عاد إليه شيء من وعيه – تحسّبا للمستقبل ؟ - وصرّح للصحافة الفرنسية معترفا ’’ أنّه كان أصوليّا علمانيّا ’’ !!! هل كان أركون ينحى هذا المنحى لو كان حيّا ؟ و ماذا عن محمد سعيد العشماوي ومحمد شحرور وعبد الحميد الأنصاري ؟
أمّا ’’ العلمانية الجزئية ’’ كما سمّاها د.عبد الوهّاب المسيري ، المتّسمة بالاعتدال وعدم معاداة الإسلام ، والتي تظمّ قوميّين ووطنيّين لا يتحالفون مع الأنظمة الاستبدادية ، بل ينحازون للشعوب ولا تخونون مسيرتها ، هي أقرب إلى المعني الأصلي للعلمانية الذي يعني الحياد تجاه الدين، فهي وإن كانت منافية للرؤية الإسلامية إلاّ أنّها أهون من الأصولية اللادينية العدوانية المتوحّشة ، وكثيرا ما نرى بعض رموزها يصحّحون تصوّراتهم ومسارهم الفكري والسياسي ويعودون إلى الإسلام عن قناعة فيتفانون في خدمة قضاياه .
وأخيرا هل ستسهم ثورة تونس المباركة في ترشيد الأصولية العلمانية أم تزيدها حدّة وتطرّفا يوم ترى توجّهات الشعب الحقيقية الرافضة لغلوّها وانتهازيتها والملتفّة بكلّ إيمان وقوةّ حول الإسلام ودعاته ومشروعه .
مثلما كانت هزيمة يونيو 1967 النكراء إيذانا بنهاية القومية العربية كخيار سلطويّ شعاراتي فإنّ ثورة تونس إيذان بسقوط الأصوليّة العلمانيّة الّتي كان نظام بن علي الطاغوتي أحد أكبر منظرّيها ومنفّذيها بمباركة نظرائه في الساحة العربيّة والغربيّة وبمؤازرة ترسانة ثقافيّة وإعلاميّة فرضت الإرهاب الفكريّ في ظلّ النظام المستبدّ البوليسيّ الّذي ما إن سقط حتّى تبيّن أنّه نجح في مسألة واحدة هي تأليب الشعب كلّه عليه .
والأصوليّة العلمانيّة ليست مصطلحاً أوحى به الترف الفكريّ بل هو حقيقة ماثلة في العالم العربي تريد محاكاة النموذج الأتاتركي المتطرّف في إعادة صياغة الشعوب صيّاغةً تغريبيّة تتجاوز حقائق الزمان والمكان وتستبعد الثوابت الروحيّة والفكريّة والشعوريّة للأفراد والمجتمع حتّى لا تبقى له سوى صلة رقيقة باهتة واهية بالدين والأخلاق والقيم، وهي في هذا تزعم أنّها تستنسخ تجارب ’’إنسانيّة’’ نجحت في تحرير الإنسان من سطوة اللاهوت وقيوده ليطلق يده في تحصيل العلوم واستكشاف الكون وتدبير شؤون حياته بعقله وحده ، وقد بلغ شأو بعيداً في هذا المسار، والحضارة الغربيّة شاهدة على ذلك ، بينما لا يزال العرب يراوحون مكانهم بل يتراجعون بسبب الغربة الزمانيّة الّتي تطبع طرق تفكيرهم ومناهجهم الدراسيّة وخطابهم الدينيّ ونظامهم الاجتماعيّ ، ولو اكتفت العلمانيّة العربيّة بالتمسّك بهذا الخطاب والترويج له إعلاميّاً وثقافيّاً وانتخابيا لهان الأمر لكنّها عملت على فرضه على الجماهير بالإكراه الفكريّ والسيّاسيّ، فجنّدت أقلاماً وأصواتاً تكتب وتخطب ليس للتبشير بأطروحاتها ومحاولة الإقناع بها ولكن بخلق الفراغ حولها حتّى لا يبقى في الساحة إلاّ هي، وكان العدوّ المستهدف هو الإسلام بأبعاده الأخلاقيّة والسياسيّة بالدرجة الأولى، فحاربت الإسلام ذاته تحت غطاء مواجهة الأصوليّة والإسلام السياسيّ والإرهاب ، ويستطيع أيّ إنسان أن يتلمّس استهدافها للدين في هجومها على أحكامه في الميراث والفضيلة والمحرّمات والمناهج الاقتصاديّة والجانب الغيبيّ فضلاً عن أحكام الجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وقد مرّرت هذا الخطاب عمليّاً عبر وسائل الدوّل الّتي تنصّ دساتيرها أن دين الدولة الإسلام ، وقد غدا هذا البند مجرّد شعار لا مدلول له في الواقع أغرى العلمانية بمزيد من التحرّك ضدّ ثوابت الأمّة وتوجّهاتها الأساسية.
أمّا الإكراه السيّاسيّ فأقبح نموذج عليه هو نظام تونس البائد – وإن لم يكن هو الوحيد في العالم العربيّ – الّذي حوّل البلاد في عهد بورقيبة إلى دولة بوليسيّة يأتي إقصاء الإسلام على رأس أولوياتها، ثمّ إلى سجن كبير أقامه بن علي لكلّ إسلاميّ ولكلّ معارض ولكلّ حرّ ، يكاد يقضي على التديّن نهائيّاً بتشجيع سافر لجميع أنواع وأشكال الانحراف الفكريّ والسلوكيّ مع الانفتاح التامّ على الصهيونيّة والتسامح مع المعابد اليهوديّة والانحلال بشتّى صوره، والّذي لا يجوز أن ينساه أحدّ أن العلمانيين العرب قد آزروا بن علي في حربه على الإسلام منذ مطلع التسعينيات وشدّوا أزره ووصفوه بالبطل القادر على قهر المارد الإسلاميّ، وروّجوا التهم للإسلاميّين وباركوا إقصاءهم من الحياة السيّاسيّة والثقافيّة وأفتوا بجواز سجنهم ونفيهم وإبادتهم، وكانت الأطراف العلمانيّة في مقدّمة المباركين للطاغيّة والمساندين له لأنّه يخوض الحرب ضدّ عدوّهم الأوّل ونيابة عنهم .
إن الأصوليّة العلمانيّة أثبتت في العالم العربيّ كلّه أنّها تعادي الإسلام لتخوّفها من مصدره وغاياته ووسائله، فهي لا ترفض ميزة الربانيّة فحسب بل تريد إزاحتها من الساحة ، ولو استطاعت لأزاحتها من القلوب والعقول، وقد حاولت ذلك من خلال تجفيف منابع التديّن وتغيير الخطاب الديني، كما أنّها تتبرّم ممّا يدعو إليه الإسلام من طهر معنويّ وفضائل أخلاقيّة ، وتعتبر ذلك مخالفاً للحريّة الفرديّة وحقوق الإنسان، لكنّها باركت الأنظمة العلمانيّة الشموليّة في العالم العربيّ وتركيا المعتديّة اعتداءً سافراً على الحريات والحقوق، ومارست الإرهاب بالكلمة والصورة والفكرة والإيحاء والإقصاء ، واتخذت قواعد خلفيّة وفّرتها لها الأنظمة الحاكمة وأطراف غربيّة وصهيونيّة ، كالمحطّات الإذاعيّة والتلفزيونيّة والجرائد الحكوميّة و’’المستقلّة’’ وكثير من الأوساط الثقافيّة والفنيّة المدمنة على أنواع الفساد الخلقي والانحراف الفكريّ والسلوكي، فعمل هذه الأصوليّة ليس سلمياً أبداً بل هو عنيف بكل المقاييس كلّما تعلّق الأمر بالإسلام والإسلاميّين، وهيّ الّتي مارست التطهير الإيديولوجي في أكثر من قطر عربي، ودعت إلى تعميمه في بقيّتها ، واشتهر رموزها السياسيّة والفكريّة بالاستئصاليين لأنّهم دعاة القضاء على التيارات الإسلاميّة كلّها مهما شهد العالم كلّه لها بالاعتدال وإتباع المنهج السلمي.
وقد برحوا ساحات النضال كلّها وتناسوا مظالم الأنظمة الحاكمة بل ساندوها وطالبوا بتوسيع نطاقها، وما عاد الرأي العام ينخدع بزعمهم التموقع في المعارضة ولا إرادتهم في الإصلاح وقد اشتهروا بخصائص الحقد والكراهيّة والانتهازيّة ، وأعماهم بغضهم للإسلام فسلكوا كلّ الطرق المنافية له كالتطبيع مع الصهاينة والتنسيق السياسي والأمني معهم ، والانتصار لدعاة الحرية الجنسية والمثلية والماسونية ، إلى درجة أنّهم كلّما تناولوا بالحديث مرض الإيدز - مثلا – استبعدوا أيّ إشارة إلى تدخّل التعاليم الدينية في الوقاية وكأنّهم يفضّلون انتشار هذا المرض على انتشار الإسلام !!!
يحدث كلّ ما سبق في بلاد العرب المشرقية والمغربية سواء ، وتتسمّى هذه الأصولية بأسماء مخلفة تنطوي على طينة واحدة ، فهم في مصر والخليج ليبراليون ، وفي الجزائر ديمقراطيون ، وفي تونس جمهوريون ، لكنّهم في كلّ الأحوال إقصائيّون متعجرفون معادون للإسلام.
لقد أثبت الواقع أنّ الأصوليّة العلمانيّة تبشّر بإقامة نظام عقليّ قوامه الحضور الإنسانيّ القويّ والحريّة والإبداع لكنّها تطبّق عكس ذلك كلّما أتيحت لها الفرصة وتعمد دائماً إلى البناء الفوقيّ تماماً مثل ما يفعل النظام الرسميّ العربيّ، فهي لا تمثّل ميلاداً جديداً للإنسان كما تزعم لأنّها – مثل كلّ الأنظمة الاستبدادية – تسلبه حق الاختيار وتفرض عليه خياراتها هي في الإيديولوجيا والسيّاسة لأنّها تعتبره قاصراً حيناً وواقعاً تحت ضغط الدعاية الإسلاميّة ’’ المضلّلة ’’ حيناً آخر، وتعدّت هذه العتبة لتتصرّف حتّى في توجّهاته الروحيّة الّتي تعدّها ساذجة متخلّفة عنفيّة، وقد جنّدت في هذا الإطار في أكثر من بلد عربي وجوهاً سمّتها من المفكّرين والأكاديميين والكتّاب ’’مسلمين مستنيرين’’ ، يعيدون قراءة الإسلام قراءةً علمانيّةً تفرغه من محتواه الربانيّ والتشريعيّ والأخلاقيّ وتلحقه بالمنظومة الفكريّة الغربيّة ذات الأصول الإغريقيّة -الرومانيّة من جهة وذات المرجعيّة اليهوديّة- المسيحيّة من جهة أخرى ، ومن الطرائف أنّ احد هؤلاء – وهو التونسي المقيم في فرنسا عبد الوهّاب مدّب - قضى حياته يؤدّي هذا الدور ويحذّر من الإسلام ويتهجّم على الإسلاميين بمناسبة وبغيرها ، فلمّا سقط بن علي عاد إليه شيء من وعيه – تحسّبا للمستقبل ؟ - وصرّح للصحافة الفرنسية معترفا ’’ أنّه كان أصوليّا علمانيّا ’’ !!! هل كان أركون ينحى هذا المنحى لو كان حيّا ؟ و ماذا عن محمد سعيد العشماوي ومحمد شحرور وعبد الحميد الأنصاري ؟
أمّا ’’ العلمانية الجزئية ’’ كما سمّاها د.عبد الوهّاب المسيري ، المتّسمة بالاعتدال وعدم معاداة الإسلام ، والتي تظمّ قوميّين ووطنيّين لا يتحالفون مع الأنظمة الاستبدادية ، بل ينحازون للشعوب ولا تخونون مسيرتها ، هي أقرب إلى المعني الأصلي للعلمانية الذي يعني الحياد تجاه الدين، فهي وإن كانت منافية للرؤية الإسلامية إلاّ أنّها أهون من الأصولية اللادينية العدوانية المتوحّشة ، وكثيرا ما نرى بعض رموزها يصحّحون تصوّراتهم ومسارهم الفكري والسياسي ويعودون إلى الإسلام عن قناعة فيتفانون في خدمة قضاياه .
وأخيرا هل ستسهم ثورة تونس المباركة في ترشيد الأصولية العلمانية أم تزيدها حدّة وتطرّفا يوم ترى توجّهات الشعب الحقيقية الرافضة لغلوّها وانتهازيتها والملتفّة بكلّ إيمان وقوةّ حول الإسلام ودعاته ومشروعه .