- زيد الشامي
ارتفعت حمى الخطابات الرسمية التي تتحدث عن المنجزات العملاقة التي نقلت الشعب اليمني إلى مصاف الدول المتقدمة: نماءاً وثراءاً، وازدهاراً، صناعة وزراعة، تعليماً راقياً، وصحة وخدمات متطورة .. خطابات رنانة تبعث على الرثاء، ولاسيما حين تظهر العين الحمراء التي تهدد من ينكر النعيم الذي عمّ السهل والجبل، وشمل أولئك الفقراء الذين سمح لهم النظام بالتسول في الطرقات العامة، وفي المدن والأسواق، وما زال يعدهم بالمزيد من الإنجازات!!
خطابات الترغيب والترهيب لا تشبع جائعاً، ولا تكسو عارياً، ولا تداوي مريضاً، ولا تؤمن خائفاً، ولا تنصف مظلوماً، ولا توفر فرصة عمل لعاطل، ولو أنها جاءت بالاعتذار والاعتراف بالإخفاق لأظهر الشعب تسامحاً وهو يسمعها، لكن الأنا وحب الذات، والحرص على الاستئثار بالثروة والسلطة، وحرمان المواطن من حقه في العيش الكريم، يجعل التعالي والمنّ جرمٌ لا يُحتمل، فلا يُعقل أن يكون كل شيء في الوطن لفئة جلست على رأس الشعب، وتريد منه أن يرضى بلا شيء سوى العيش الذليل..
يصبر الناس على أمل ينتظرونه في المستقبل، لكن هذا الدفاع المستميت لإبقاء كل شيء على حاله القائم: حرمان يحس به غالبية أبناء الشعب، بينما فئة محددة تحتكر الخيرات، وتتمتع بالامتيازات، عرفهم الناس –قبل أن يقفزوا إلى كراسي السلطة- لا يملكون من حطام الدنيا شيئاً، وخلال سنوات انتقلوا إلى الدُّور والقُصور، يحيطهم الخدم والحشم، توسعت ثرواتهم وعقاراتهم واستثماراتهم في الداخل والخارج، مزارعهم الواسعة يخدم فيها جنود ومزارعون، رواتبهم من الدولة، ومهما حاول بعضهم الإنكار فإن الطفرة تطل بقرونها وتظهر في حياتهم، يُمنح أطفالهم رتباً عسكرية لا يحصل عليها المواطن إلا بعد سنوات من التدريب والتعذيب، وبينما يصطف الشباب طوابير على أبواب المعسكرات أملاً في الالتحاق كجنود يصبح المحظوظ منهم حارساً في باب أحدهم، نرى أولاد الذوات تُفتح لهم الأكاديميات العسكرية في أي بلد يرغبون الذهاب إليه باعتبارهم من طينة السلطة الزكية التي تُعدّهم لوراثة آبائهم!!
لقد جاءت الثورة بالمساواة وسمحت لجميع أبناء الشعب بتغيير حياتهم عن طريق التعليم، فوصل من سمحت له كفاءته واجتهاده إلى أعلى المراتب العلمية والسياسية، لكن هذا الطريق اليوم يبدو مسدوداً، بعد أن صار التعليم للمحسوبين والمقتدرين مادياً، وبينما يتزاحم آلاف الطلاب على منح محدودة، يعبر أولاد المسئولين بكل سهولة إلى المقاعد المتميزة في أمريكا وكندا وبريطانيا وغيرها وباحتيال لم يعد مخفياً وبواجهات متعددة، واستعرضوا إن شئتم أسماء جميع الطلاب الدارسين في الخارج، حينها ستدركون أن نضالات الأحرار ذهبت أدراج الرياح، هموم الناس أكثر من أن تحصى، ولكن لا يلتفت إليها مسئول كبير أو صغير، وسلطة لا يهمها إلا حماية مصالحها غير المشروعة، ولا تجيد إلا إعادة إنتاج نفسها بمال الشعب وإمكاناته، وكيف يصدّق الشعب من يزعم أن الرخاء يعم البلاد، وهل تغني الوعود شباباً في زهرة حياتهم يهيمون على وجوههم بحثاً عن العمل، ويدس رأسه في الرمال من لا يرى البؤس والفقر والحاجة التي تطبع حياة غالبية أبناء الشعب، ويصادم حقائق الواقع من يزعم أن الأمن مستتب في البلاد، والمواطن لا يأمن على نفسه وبيته وماله وحركة تنقله، وبسبب سوء التصرف مع دول الجوار ضاقت فرص العمل على المواطن اليمني، الذي يغامر بالاغتراب وقد يسجن أو يقتل أو يطرد، وماذا نتوقع بعد أن تختم السفارات على جوازات كبار مسئولينا المسافرين في مهمة أو سياحة (غير مسموح له بالعمل)، أي مهانة أوصلنا إليها نظامنا السياسي!!
ومع كل ذلك فمازال الشعب يعيش على الأمل، ولعل وعسى، ولكن حكامنا وبعد أن أكلوا الأخضر واليابس، دمروا حاضرنا، نراهم مصممون على مصادرة مستقبل أجيالنا، وبصورة مفضوحة، وأساليب عرفها الشعب، ولو أنهم استخدموا الإمكانات الهائلة للبلاد في توفير الحد الأدنى من العيش الكريم لكل المواطنين لسكت الناس، وأظهروا تسامحهم، ولكن لم يعد في القوس منزع فقد طفح الكيل وبلغ السيل الزبى، ولم نسمع حتى كلمة اعتذار تُواسي المظلومين!!
لقد صبر شعبنا طويلاًِ، وهو اليوم يتململ، ولن يجدي معه التهديد والوعيد، وقد جربت الديكتاتوريات في العالم القسوة والعنف لكنها تهاوت كنمور من ورق أمام إرادة الشعوب التي تنبض بالحياة، ورحم الله أبو الأحرار محمد محمود الزبيري وكأنه يعيش واقعنا اليوم حيث يقول:
والحق يبدأ في آهات مكتئب
وينتهي بزئير ملؤه نقم
جودوا بأنفسكم للحق واتحدوا
في حزبه، وثقوا بالله واعتصموا
لم يبقَ للظالمين اليوم من وزر
إلا أنوف ذليلات ستنحطم
إن اللصوص وإن كانوا جبابرة
لهم قلوب من الأطفال تنهزم
والشعب لو كان حياً ما استخف به
فرد، ولا عاث فيه الظالم النّهم.
*الصحوة
ارتفعت حمى الخطابات الرسمية التي تتحدث عن المنجزات العملاقة التي نقلت الشعب اليمني إلى مصاف الدول المتقدمة: نماءاً وثراءاً، وازدهاراً، صناعة وزراعة، تعليماً راقياً، وصحة وخدمات متطورة .. خطابات رنانة تبعث على الرثاء، ولاسيما حين تظهر العين الحمراء التي تهدد من ينكر النعيم الذي عمّ السهل والجبل، وشمل أولئك الفقراء الذين سمح لهم النظام بالتسول في الطرقات العامة، وفي المدن والأسواق، وما زال يعدهم بالمزيد من الإنجازات!!
خطابات الترغيب والترهيب لا تشبع جائعاً، ولا تكسو عارياً، ولا تداوي مريضاً، ولا تؤمن خائفاً، ولا تنصف مظلوماً، ولا توفر فرصة عمل لعاطل، ولو أنها جاءت بالاعتذار والاعتراف بالإخفاق لأظهر الشعب تسامحاً وهو يسمعها، لكن الأنا وحب الذات، والحرص على الاستئثار بالثروة والسلطة، وحرمان المواطن من حقه في العيش الكريم، يجعل التعالي والمنّ جرمٌ لا يُحتمل، فلا يُعقل أن يكون كل شيء في الوطن لفئة جلست على رأس الشعب، وتريد منه أن يرضى بلا شيء سوى العيش الذليل..
يصبر الناس على أمل ينتظرونه في المستقبل، لكن هذا الدفاع المستميت لإبقاء كل شيء على حاله القائم: حرمان يحس به غالبية أبناء الشعب، بينما فئة محددة تحتكر الخيرات، وتتمتع بالامتيازات، عرفهم الناس –قبل أن يقفزوا إلى كراسي السلطة- لا يملكون من حطام الدنيا شيئاً، وخلال سنوات انتقلوا إلى الدُّور والقُصور، يحيطهم الخدم والحشم، توسعت ثرواتهم وعقاراتهم واستثماراتهم في الداخل والخارج، مزارعهم الواسعة يخدم فيها جنود ومزارعون، رواتبهم من الدولة، ومهما حاول بعضهم الإنكار فإن الطفرة تطل بقرونها وتظهر في حياتهم، يُمنح أطفالهم رتباً عسكرية لا يحصل عليها المواطن إلا بعد سنوات من التدريب والتعذيب، وبينما يصطف الشباب طوابير على أبواب المعسكرات أملاً في الالتحاق كجنود يصبح المحظوظ منهم حارساً في باب أحدهم، نرى أولاد الذوات تُفتح لهم الأكاديميات العسكرية في أي بلد يرغبون الذهاب إليه باعتبارهم من طينة السلطة الزكية التي تُعدّهم لوراثة آبائهم!!
لقد جاءت الثورة بالمساواة وسمحت لجميع أبناء الشعب بتغيير حياتهم عن طريق التعليم، فوصل من سمحت له كفاءته واجتهاده إلى أعلى المراتب العلمية والسياسية، لكن هذا الطريق اليوم يبدو مسدوداً، بعد أن صار التعليم للمحسوبين والمقتدرين مادياً، وبينما يتزاحم آلاف الطلاب على منح محدودة، يعبر أولاد المسئولين بكل سهولة إلى المقاعد المتميزة في أمريكا وكندا وبريطانيا وغيرها وباحتيال لم يعد مخفياً وبواجهات متعددة، واستعرضوا إن شئتم أسماء جميع الطلاب الدارسين في الخارج، حينها ستدركون أن نضالات الأحرار ذهبت أدراج الرياح، هموم الناس أكثر من أن تحصى، ولكن لا يلتفت إليها مسئول كبير أو صغير، وسلطة لا يهمها إلا حماية مصالحها غير المشروعة، ولا تجيد إلا إعادة إنتاج نفسها بمال الشعب وإمكاناته، وكيف يصدّق الشعب من يزعم أن الرخاء يعم البلاد، وهل تغني الوعود شباباً في زهرة حياتهم يهيمون على وجوههم بحثاً عن العمل، ويدس رأسه في الرمال من لا يرى البؤس والفقر والحاجة التي تطبع حياة غالبية أبناء الشعب، ويصادم حقائق الواقع من يزعم أن الأمن مستتب في البلاد، والمواطن لا يأمن على نفسه وبيته وماله وحركة تنقله، وبسبب سوء التصرف مع دول الجوار ضاقت فرص العمل على المواطن اليمني، الذي يغامر بالاغتراب وقد يسجن أو يقتل أو يطرد، وماذا نتوقع بعد أن تختم السفارات على جوازات كبار مسئولينا المسافرين في مهمة أو سياحة (غير مسموح له بالعمل)، أي مهانة أوصلنا إليها نظامنا السياسي!!
ومع كل ذلك فمازال الشعب يعيش على الأمل، ولعل وعسى، ولكن حكامنا وبعد أن أكلوا الأخضر واليابس، دمروا حاضرنا، نراهم مصممون على مصادرة مستقبل أجيالنا، وبصورة مفضوحة، وأساليب عرفها الشعب، ولو أنهم استخدموا الإمكانات الهائلة للبلاد في توفير الحد الأدنى من العيش الكريم لكل المواطنين لسكت الناس، وأظهروا تسامحهم، ولكن لم يعد في القوس منزع فقد طفح الكيل وبلغ السيل الزبى، ولم نسمع حتى كلمة اعتذار تُواسي المظلومين!!
لقد صبر شعبنا طويلاًِ، وهو اليوم يتململ، ولن يجدي معه التهديد والوعيد، وقد جربت الديكتاتوريات في العالم القسوة والعنف لكنها تهاوت كنمور من ورق أمام إرادة الشعوب التي تنبض بالحياة، ورحم الله أبو الأحرار محمد محمود الزبيري وكأنه يعيش واقعنا اليوم حيث يقول:
والحق يبدأ في آهات مكتئب
وينتهي بزئير ملؤه نقم
جودوا بأنفسكم للحق واتحدوا
في حزبه، وثقوا بالله واعتصموا
لم يبقَ للظالمين اليوم من وزر
إلا أنوف ذليلات ستنحطم
إن اللصوص وإن كانوا جبابرة
لهم قلوب من الأطفال تنهزم
والشعب لو كان حياً ما استخف به
فرد، ولا عاث فيه الظالم النّهم.
*الصحوة