مركز الوفـــاق الإنمائي للدراسات والبحوث والتدريب

2014/08/17 20:10
أثر العبادات في العادات السلوكية
الدكتور / جاسم مهلهل الياسين

الحمد لله الذي ما طابت الدنيا إلا بذكره والصلاة السلام على خير رسله وعلى من تبعه على نهجه وبعد،،،
فإن الإسلام بفروضه ونوافله منهج رباني قويم صالح لنفسه وموضوع لإصلاح الناس قال تعالى ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً ) (سورة المائدة: من الآية 3) .
غير أن الأزمة التي يعانيها المسلمون تتركز في أنه ليس ثمة تلازم بين منهج الإسلام وبين ما يفرضه أو ينقله من عبادات وبين ما يمارسه الناس من سلوكيات وعادات وما يتخلقون به من طباع وأخلاق.
بل وصار عادياً أن تجد بين المسلمين من يكذب ومن يفتري أو من يستهزئ بإخوانه من المسلمين ، ولا يبالي بما يجري بل قد نجد من بين المسلمين من يفرح لهزيمة المسلمين ، أما على المستوى النفسي الداخلي فقد تجد بين المسلمين الحقود والحسود ومن يتشبث في الدنيا أكثر من الدنيا نفسها.
هذا كله مع أن الأدلة الشرعية ترمى دائماً إلى ضرورة التلازم ما بين العبادات وما بين الأخلاق والسلوكيات، بل وتجد أحيانا جواباً صريحاً في أن العبادات ما كانت إلا لإصلاح هذا الجانب السلوكي والأخلاقي عند الناس فالله تعالى يقول : ( إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ) (سورة العنكبوت: من الآية 45)
وليس عجيباً أن تجد شخصاً هذا سلوكه وهذه أخلاقه أن تراه منبوذاً بين الناس، ليس بينه وبين الناس أُلفه ..، مع أن المؤمن إلف يُؤلف كما قال النبي صلى الله عليه وسلم ولا خير فيمن لا يألف ولا يؤُلف’’ وفي حديث المرأة التي اشتكي الناس من أمرها عند النبي صلى الله عليه وسلم خير برهان، ففي الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن امرأة تكثر من الصلاة والصوم إلا أنها تؤذي جيرانها فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لا خير فيها’’
فهذا جزاء دنيوي بين الناس أما الجزاء الآخر فيخبرنا به حديث المفلس الذي في صحيح مسلم، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم ’’ أتدرون من المفلس؟ فقالوا: المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع فقال النبي صلى الله عليه وسلم ’’ المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة ويأتي وقد شتم هذا وأكل مال هذا وسفك دم هذا وضرب هذا فيعطي هذا من حسناته وهذا من حسناته فإن فنيت حسناته قبل أن يقضي ما عليه أخذ من خطاياه فطرحت عليه ثم طرح في النار ’’ [ رواه مسلم ]
وعلى هذا فإن صورة العبادات الظاهرة لابد أن تعكس إحساساً عمقياً على سلوكيات الفرد وعلى طباعه وعاداته وأخلاقه وإلا صارت العبادات لباساً شفافاً لا يستر ما تحته.
فالمسلم الحقيقي من يحمل أخلاق الإسلام وعقيدة الإسلام لا أن يحمل اسماً لا يترجم إلى معاني على أرض الواقع ، ولقد حرص فقهاؤنا في تبيين وتوضيح العبادات وأحكامها من حيث الأركان والفروض والنوافل، وكان الهدف من ذلك أن تؤدي العبادات بالطريقة الصحيحة التي يتوفر فيها الإخلاص في التوجه والصواب في التنفيذ.
وذلك حتى تضفى العبادات بظلالها على سلوكيات المسلم وعلى أخلاقه وعاداته، غير أن جانباً مهماً يجب أن يكون محل دراسة وهو بيان حكم وأسرار ومضامين هذه العبادات التربوية والروحية على سلوكيات الأفراد، وهنا قد نجد متسعاً لحلقات أخرى نبسط فيها الحديث أكثر وأكثر
*خير أون لاين
أضافة تعليق