مركز الوفـــاق الإنمائي للدراسات والبحوث والتدريب

2014/08/17 20:10
الدعاة الصامتون
الدعاة الصامتون
الداعية أحمد بن سليمان المشعلي رحمه الله مثالاً

05 ذو الحجة، 1431
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :
فأسأل المولى عز وجل أن يغفر للداعية الشيخ أحمد المشعلي وأن يجزيه خير الجزاء على ما قدم لدينه وأمته وبلده.
أحمد المشعلي . . . أحد الدعاة الصامتون
أحد الذين خدموا أمتهم - بدون ضجيج - في ميادين التربية والتعليم والدعوة والإصلاح
عمل في حقل التعليم من وقت مبكر، وأذكر أنه قد ذكر لي أنه بدأ تدريسه معلماً للغة العربية في ثانوية اليمامة في الرياض وقد تعلق بها كثيرا حتى إنه لما نقل منها إلى ثانوية الفيصل – أظن سبب النقل زيادة في عدد المعلمين – يقول بكيت بكاء حاراً لشدة تعلقي بها وبالزملاء فيها ، ثم انتقل بعدها إلى ثانوية اليرموك وكيلاً ،،،
أظنه بعد ذلك انتقل إلى الإمارات موفدا للتدريس مدة أربع سنوات تقريباً، فلما عاد إلى الرياض عمل في الإشراف التربوي ، فأصبح مشرفاً للغة العربية في إدارة تعليم الرياض ، حتى تقاعد تقاعداً مبكراً قبل 3 أعوام للتفرغ لمشاريعه الدعوية...
وقد حصل على الماجستير في الإعلام ، ولم يكمل الدكتوراه بسبب انشغاله بأمور الدعوة .
أما حياته مع الدعوة فلها شأن آخر فقد تنقل في الدعوة من دول إفريقيا إلى الجمهوريات في روسيا إلى شرق آسيا . . .
وكان اهتمامه منصباً في أمور الدعوة في الخارج على التربية والتعليم ، أذكر من حديثي معه أنه قال : هناك بحمد الله من يقوم على دعوة الناس إلى الإسلام ، وهناك من يقوم على إغاثتهم وإطعامهم ، وهذه نحتاجها وبكثرة ، لكن مع ذلك يجب ألا نغفل جانباً آخر مهماً وهو : ماذا بعد دخولهم في الإسلام وإطعامهم ؟
لذلك نذر نفسه للتربية والتعليم في الخارج كما هو كذلك في الداخل ، فكان متعاوناً مع كثير من المؤسسات الدعوية في الخارج كالمنتدى الإسلامي والوقف والرابطة والندوة ومؤسسة الراجحي وغيرها .. بالإضافة إلى مشاريع دعوية خاصة في الخارج كذلك . . .
آخر رحلاته في الدعوة كانت في منطقة ’’ سوكابومي ’’ في أندونيسيا حيث ذهب إلى هناك لتفقد ’’ معهد الراية ’’ الذي أشرف على إنشائه بنفسه ووضع مناهجه ، وقبل رجوعه إلى الرياض رغب في الذهاب إلى منطقة في أندونيسيا تدعى ’’ سولاويسي ’’ بهدف شراء ثلاثة أراض وإقامة مساجد عليها أحدها لوالدته رحمها الله ، وقد قال أحد الذين يعرفون تلك المناطق جيدا إنها من أصعب المناطق في أندونيسيا وصولا إليها.
وهناك في أحد الفنادق تعرض لسقوط أدى إلى كسر في الفخذ ، وبسبب عدم وجود مستشفى مناسب تم نقله إلى العاصمة جاكرتا ، وقد استغرق نقله يومين ، تضاعف الكسر خلالها ، وبعد وصوله إلى جاكرتا فضل النقل إلى الرياض ، ولكن الإخوة هناك أشاروا عليه بإجراء العملية هناك وبشكل عاجل حتى لا تزداد الحالة سوءاً ، وكان هذا هو رأي الأطباء أيضاً .وافق أبو سليمان على إجراء العملية وبالفعل أجريت له وكانت ناجحة ولله الحمد ، اتصل بأبنائه بعدها وأخبرهم بما حصل له وأنه بخير وطلب منهم ألا يقلقوا وأنه فور خروجه من المستشفى سيعود إلى الرياض .ولكن رأى أبناؤه ضرورة الذهاب إليه لخدمته فذهب ابنه عاصم مع والدته ، ووصلوا إليه واطمأنوا على حاله ، وقد هاتفته في تلك الفترة للاطمئنان عليه ، وكان متفائلا وقتها ، وعندما سألته هل يستطيع الوقوف أو المشي ، قال : الله المستعان أحتاج أمشي على عكازين لمدة 6 أشهر.
وشاء الله تعالى بعد أسبوع ويومين من العملية حصول انتكاسة في صحته ويبدو كما ذكر لي أحد الأطباء أنها جلطة إما في مكان العملية أو جلطة وصلت للرئتين ، وهي تحدث كثيراً بعد عمليات الكسور في الفخذ.
ففي صباح يوم الثلاثاء ، بعد أن تناول إفطاره وجلس للحديث مع زوجته وابنه عاصم إذا به يشعر بتعب مفاجيء وضيق في التنفس ، تم استدعاء الأطباء ولكن إرادة الله نافذة وقدره واقع ، والحمد لله على كل حال فقد أسلم الروح إلى الباري جل جلاله ، فسكنت جوارحه ، وارتاحت نفسه ، وهو على أحسن حال – نحسبه والله حسيبه ولا نزكي على الله أحدا – .
فرحمك الله أبا سليمان كنت مثالاً للبذل والتضحية ، وعنواناً للصدق والاحتساب في الدعوة إلى الله،،، رحمك الله أبا سليمان . . . رحلت صامتاً فنطقت عنك أعمالك ، لتبقى بإذن الله تعالى صدقة جارية لك ولكل من ساهم معك وساندك . . .اللهم اجعل قبره روضة من رياض الجنة ، وافسح له فيه ، واملأه عليه نوراً يسليه عن وحشة القبر وظلمته ،،، وقد حضر جنازته جمع كبير من العلماء والدعاة والمربين ، في مقدمتهم الشيخ عبدالرحمن البراك حفظه الله ، والشيخ ناصر العمر ( صاحبه منذ 43 سنة ) ، والشيخ عبدالله الجلالي والشيخ عبدالله الناصر ، وغيرهم كثيييير.هذا بعض ما عرفته عن أبي سليمان – رحمه الله – ، ولم أقصد الترجمة له ، ولعل أحد أبناءه أو زملائه لو كتب عنه لكان به أخبر.
ووفاء بحقه علي، أذكر بعض مواقفي معه والتي استفدت منها دروساً :
1 – العمل لهذا الدين يحتاج إلى رجال يعملون بصمت ، فكما أن هناك دعاة لهم حضورهم الإعلامي وشهرتهم الواسعة ، فكذلك لا بد من وجود دعاة يعملون بعيداً عن الأضواء حتى يتفرغوا لمهمتهم ولا يهملوا قضايا خاصة قد تضيع في زحمة العموميات.
وكان يقول لي : لا يلزم من كون الشخص داعية أن يكون له ظهور إعلامي، أو شهرة واسعة ، وكان هو كذلك - أحسبه والله حسيبه - لم يعرف الشهرة مع انه لو طلبها لوجدها، ورفاق دربه على هذا المنهج كثييييير، فرحمك الله أبا سليمان.
2 – وقفت معه بعد إحدى الصلوات في بداية إجازة صيفية قبل ثمانية أعوام تقريباً ، فسألني عن الإعدادات للمركز الصيفي ، فقلت له على قدم وساق ، فسألني سؤالاً لا زال يجلل في مسمعي حتى الآن ، قال : ما المُخرجات التي تسعون لها في نهاية المركز ؟
ثم أخذ يحدثني حديثاً عن العناية بالمدخلات والمخرجات كان من أجمل ما سمعته في هذا الموضوع، فرحمك الله أبا سليمان.
3 – كنت أعرض عليه أن يشاركنا في كلمات بعد صلاة التراويح في رمضان ، فكان يقول لو أعرف من نفسي أني أصلح لها أو أؤثر على عامة الناس بحديثي معهم لما ترددت ، ولكن طريقتي في الحديث لا تتناسب مع الكلمات . . .
فاستفدت منه أن لا يستحي المرء من الاعتذار للآخرين بعدم قدرته أو مناسبته لأي عمل من الأعمال ، وقديما قيل : قيمة المرء ما يحسن.
وكان أبو سليمان متميزا في اللقاءات التربوية والاستشارية ، وكذلك عندما تجلس معه بمفردك لاستشارته أو النقاش معه في أي موضوع من الموضوعات ، فرحمك الله أبا سليمان.
4 – كان يُشرك أبناءه معه في هَمِّ الدعوة ، وربما أصر على بعضهم الذهاب إلى الخارج للمشاركة في بعض المناشط الدعوية.
5 – استوقفني بعد الصلاة مرات عديدة يستشيرني في بعض أموره الخاصة ، سواء تقنية أو اجتماعية بل حتى التربوية ، فكنت أقول له : يا أبا سليمان أنا من يستشيرك في مثل هذا ، فيبتسم ويقول : أنا أحب إني أستشير كل من أتوقع أني أستفيد منه.
وأجزم أنه لم يكن لدي ما أفيده به ، لكني أشعر أنه أفادني كثيراً في طريقته تلك أموراً ، منها : التواضع ، وعدم إهمال آراء الآخرين أو الزهد في خبراتهم مهما كانت محدودة ، كما استفدت من الحوار معه في تلك المسائل التي يطرحها علي مما كوَّن لدي رصيداً من الخبرة لم تكن لدي سابقاً. فرحمك الله أبا سليمان.
6 – العمل على المشروعات ، فقد حدد لنفسه ثلاث مشروعات – بالإضافة إلى متابعة الدعوة في الخارج – ، وقال لي : سأقضي فيها باقي حياتي ، لأن الأعمال التي يتمنى الإنسان القيام بها كثيرة ، ولو سعى لها كلها لما وفى بعضها حقها ، لكن عندما يحدد لنفسه مشروعاً أو مشروعين فإنه سينتج بإذن الله ، ومتى ما انتهى منها يبدأ بمشروعات أخرى.
أما مشروعاته التي بدأها ولم ينته منها – رحمه الله – فهي :
أولاً : مشروع يتعلق بتدبر القرآن الكريم ، وطرح أفكار وبرامج عملية في هذا المجال ( وقد بدأت معه في هذا المشروع ، وسلمته مسودة عن رؤية المشروع وفكرته، وسجل عليها مقترحات، وقد أطلعني عليها قبل سفره الأخير وقال : سأحتفظ بالورقة معي وأتأملها خلال رحلتي ، وإذا عدت إن شاء الله سأجلس معك لنناقشها ، ولكن الحمد لله على كل حال رحلت يا أبا سليمان وبقيت أوراقك ، فرحمك الله أبا سليمان ) .
ثانياً : مشروع رسالة أو بحث حول التربية بالحدث.
ثالثاً : مشروع أظنه حول العناية باللغة العربية ، لكنني لا أعرف تفاصيله.
رحل أبو سليمان ، وبقيت نيته في القيام بهذه المشروعات ، نسأل الله جل وعلا أن يبلغه بنيته تلك من الأجور ما لا يعلم مداه إلا هو سبحانه.

المصدر : الساحات بتصرف
أضافة تعليق