الثلاثاء 25 ذو القعدة 1431 الموافق 02 نوفمبر 2010
نبيل البكيري
لا أشكُّ أن المتتبع للاستراتيجيَّة الأمريكيَّة أو الغربيَّة لمكافحة الإرهاب يدركُ جيدًا مدى الإخفاق والفشل الذي وصلت إليه هذه الاستراتيجيَّة، والتي لم تثبتْ حتى الآن أيّ نجاح لها منذ اعتمادِها وحتى اليوم، تلك الطريقة التي تقتصر على المقاربة الأمنيَّة الصرفَة في مكافحة الإرهاب، وهي المقاربة المعتمَدة دون سواها في الاستراتيجيَّة الغربيَّة رغم أنها بعد أكثر من عشر سنوات من إعلانها أثبتتْ فشلًا ذريعًا.
وبفعل هذه المقاربة تحوَّل تنظيم القاعدة من مجاميع مسلَّحة في جبال أفغانستان إلى تنظيم شبكي يكادُ يتواجد في كلِّ نقاط الصراع والتماس مع القوى الغربيَّة، من أفغانستان مرورًا بالعراق واليمن والصومال ودول شمال الصحراء الإفريقيَّة فضلًا عن المجتمعات الغربيَّة نفسها، بغضّ النظر عن حقيقة هذا التواجد من عدمه وحجمِه وكيفيته، فالعبرة بالنتيجة التي وصلتْ إليها الأمور فيما يتعلق بتهديدات القاعدة.
فالمقاربة الأمنيَّة والعسكريَّة الصرفة لا شك أن أكبر مستفيد منها هو تنظيم القاعدة نفسه؛ حيث عمد هذا التنظيم إلى استخدام نتائج هذه المقاربة في أجندته الإعلاميَّة التي تعتمد على تصوير همجيَّة ووحشيَّة العسكريَّة الأمريكيَّة في تنفيذ عملياتها التي سقط ويسقط جراءها آلاف الضحايا المدنيين الأبرياء كشمَّاعة يعلِّق عليها التنظيم كل سياساتِه وتصرفاتِه أمام أنصاره ومشايعيه كردَّة فعل طبيعيَّة ودينيَّة وعقائديَّة تجاه مثل هذه الممارسات الهمجيَّة، وبهذه الطريقة استطاع التنظيم استقطاب وتجنيد مئات الشباب المحبَطين وغيرهم في العالم الإسلامي.
أعتقد أيضًا أن المستفيد الآخر من هذه المقاربة الأمنيَّة في شقِّها الآخر وهي دعم وتسليح وحدات مكافحات الإرهاب في دول المواجهة مع القاعدة، هي الأنظمة الحاكمة في هذه الدول التي تسخِّر جزءًا كبيرًا من هذه الميزانيَّة في صراعاتها مع خصومِها السياسيين.
فضلًا عن أن هذا الدعم يُضفي نوعًا من الرضا والقبول والموافقة أمريكيًّا وغربيًّا عن سياسات وتصرُّفات هذه الأنظمة تجاه شعوبِها، تلك السياسات التي فوَّتَت فرص التنمية والبناء وأغلقت منافذ التغيير الديمقراطي والإصلاح السياسي الذي لا شك يُعد المفتاح الضائع لأزمات هذه الدول والتي تعُد ظاهرة الإرهاب في مقدمتها ونتيجة طبيعيَّة ومنطقيّة لغياب الإصلاح السياسي في هذه المجتمعات المحتقنة بالاستبداد والظلم والإقصاء والحرمان.
وبالتالي أعتقد أن الحكومات الغربيَّة والأمريكيَّة تحديدًا تقف أمام مرحلة تاريخيَّة، مما يُحتم عليها إعادة حساباتها بهذا الخصوص، من خلال إعادة ترتيب الأولويَّات في سياساتها واستراتيجياتِها تجاه العالم الإسلامي وبالأخص فيما بات يُعرف باستراتيجيَّة ’’مكافحة الإرهاب’’ تلك الاستراتيجيَّة التي تعتمد المقاربة الأمنيَّة والعسكريَّة البحتة وتغفل الأسباب الحقيقيَّة التي تغذي وتخلق بيئات وأجواء مناسبة للأفكار المتطرِّفة، وفي مقدمة هذه الأسباب -ولا شك- أزمة ’’الشرعيَّة السياسيَّة’’ المسكوت عنها غربيًّا في العالم الإسلامي.
وبعد ذلك ممكن أن يأتي الحديث عن المقاربة التنمويَّة والاجتماعيَّة والاقتصاديَّة أو حتى تاليًا الأمنيَّة، أما في ظلّ الاستمرار في نفس الاستراتيجيَّة القائمة على المقاربة الأمنيَّة والعسكريَّة فحسب، فأعتقد أن الحديث عن مكافحة الإرهاب، لن يأتي بجديد ولن يفيد شيئًا سوى مزيد من الإخفاق والفشل.
ولا شكّ أن دلائل الفشل والإخفاق لهذه المقاربة كثيرة، فالتجربة الأفغانيَّة والباكستانيَّة والصوماليَّة أيضًا خيرُ شاهد ودليل على مقدار الفشل الذي لحق أصحاب هذه الاستراتيجيَّة، والذين أدركوا مؤخرًا استحالة الحل دون مقاربة سياسيَّة حقيقيَّة وناجعة، ولهذا بدءوا متأخرين كثيرًا في الحديث – في الحالة الأفغانيَّة مثلًا- عن حوار مع طالبان، وأنا أعتقد هنا أن أي حلول أو مقاربات لهذا الملف دون المقاربة السياسيَّة سيكون مصيرها الفشل وتبديد الجهود دون طائل يُذكر، بل ستؤدي الأمور إلى تعقيدات ونتائج دمويَّة وأكثر كارثيَّة.
وبرغم هذا التنبُّه المتأخر للإخفاق في الاستراتيجيَّات الغربيَّة تجاه ملف الإرهاب، إلا أنه تنبُّه مراوِغ لم يدفعْ أصحابَه إلى تغيير جذري وفاعل لاستراتيجياتِهم، وإنما اكتفوا بإشارات بالونيَّة للاختبار، كما هو حاصل باستحياء في الحالة الأفغانيَّة، ولكنهم مصرون على تكرار نفس سيناريو الإخفاق السابق في كلٍّ من الحالة اليمنيَّة والموريتانيَّة، والغريب أيضًا هنا في هذا السياق هو الإصرار الأحمق لتكرارِه في الحالة الباكستانيَّة، رغم مرارة النتائج في الحالة الأفغانيَّة المتشابكة بالحالة الباكستانيَّة، والمتلازمتان تلازمًا تامًّا مصيرًا ومآلًا.
إن الاستمرار في سياق التعامل مع الظاهرة الإرهابيَّة من خلال المقاربة الأمنيَّة العسكريَّة لا شك سيؤدي إلى مزيدٍ من الفشل ليس فحسب على مستوى الفشل العسكري، بل أيضًا الأمني والاقتصادي؛ لما يترتَّب على مثل هذه الاستراتيجيَّة من هَدْر للجهود والأموال.
فما لم تتمّ إعادة تقييم تام للسياسات الأمريكيَّة والغربيَّة تجاه العالم الإسلامي، وخاصَّة ما يتعلَّق بمسألة غياب الشرعيَّة السياسيَّة أو ما يتعلَّق بالقضيَّة المركزيَّة للعالم الإسلامي والمتمثِّل بالقضيَّة الفلسطينيَّة واستراتيجيَّة الكيل بمكيالين تجاه هذه القضيَّة، فأعتقد أن ظاهرة الأفكار المتطرِّفَة ستستمرُّ كردَّة فعلٍ طبيعيَّة لمثل هذه السياسات الغربيَّة، بل وستزداد منظومة هذه الأفكار بالانتشار والتوسُّع.
*البشير
نبيل البكيري
لا أشكُّ أن المتتبع للاستراتيجيَّة الأمريكيَّة أو الغربيَّة لمكافحة الإرهاب يدركُ جيدًا مدى الإخفاق والفشل الذي وصلت إليه هذه الاستراتيجيَّة، والتي لم تثبتْ حتى الآن أيّ نجاح لها منذ اعتمادِها وحتى اليوم، تلك الطريقة التي تقتصر على المقاربة الأمنيَّة الصرفَة في مكافحة الإرهاب، وهي المقاربة المعتمَدة دون سواها في الاستراتيجيَّة الغربيَّة رغم أنها بعد أكثر من عشر سنوات من إعلانها أثبتتْ فشلًا ذريعًا.
وبفعل هذه المقاربة تحوَّل تنظيم القاعدة من مجاميع مسلَّحة في جبال أفغانستان إلى تنظيم شبكي يكادُ يتواجد في كلِّ نقاط الصراع والتماس مع القوى الغربيَّة، من أفغانستان مرورًا بالعراق واليمن والصومال ودول شمال الصحراء الإفريقيَّة فضلًا عن المجتمعات الغربيَّة نفسها، بغضّ النظر عن حقيقة هذا التواجد من عدمه وحجمِه وكيفيته، فالعبرة بالنتيجة التي وصلتْ إليها الأمور فيما يتعلق بتهديدات القاعدة.
فالمقاربة الأمنيَّة والعسكريَّة الصرفة لا شك أن أكبر مستفيد منها هو تنظيم القاعدة نفسه؛ حيث عمد هذا التنظيم إلى استخدام نتائج هذه المقاربة في أجندته الإعلاميَّة التي تعتمد على تصوير همجيَّة ووحشيَّة العسكريَّة الأمريكيَّة في تنفيذ عملياتها التي سقط ويسقط جراءها آلاف الضحايا المدنيين الأبرياء كشمَّاعة يعلِّق عليها التنظيم كل سياساتِه وتصرفاتِه أمام أنصاره ومشايعيه كردَّة فعل طبيعيَّة ودينيَّة وعقائديَّة تجاه مثل هذه الممارسات الهمجيَّة، وبهذه الطريقة استطاع التنظيم استقطاب وتجنيد مئات الشباب المحبَطين وغيرهم في العالم الإسلامي.
أعتقد أيضًا أن المستفيد الآخر من هذه المقاربة الأمنيَّة في شقِّها الآخر وهي دعم وتسليح وحدات مكافحات الإرهاب في دول المواجهة مع القاعدة، هي الأنظمة الحاكمة في هذه الدول التي تسخِّر جزءًا كبيرًا من هذه الميزانيَّة في صراعاتها مع خصومِها السياسيين.
فضلًا عن أن هذا الدعم يُضفي نوعًا من الرضا والقبول والموافقة أمريكيًّا وغربيًّا عن سياسات وتصرُّفات هذه الأنظمة تجاه شعوبِها، تلك السياسات التي فوَّتَت فرص التنمية والبناء وأغلقت منافذ التغيير الديمقراطي والإصلاح السياسي الذي لا شك يُعد المفتاح الضائع لأزمات هذه الدول والتي تعُد ظاهرة الإرهاب في مقدمتها ونتيجة طبيعيَّة ومنطقيّة لغياب الإصلاح السياسي في هذه المجتمعات المحتقنة بالاستبداد والظلم والإقصاء والحرمان.
وبالتالي أعتقد أن الحكومات الغربيَّة والأمريكيَّة تحديدًا تقف أمام مرحلة تاريخيَّة، مما يُحتم عليها إعادة حساباتها بهذا الخصوص، من خلال إعادة ترتيب الأولويَّات في سياساتها واستراتيجياتِها تجاه العالم الإسلامي وبالأخص فيما بات يُعرف باستراتيجيَّة ’’مكافحة الإرهاب’’ تلك الاستراتيجيَّة التي تعتمد المقاربة الأمنيَّة والعسكريَّة البحتة وتغفل الأسباب الحقيقيَّة التي تغذي وتخلق بيئات وأجواء مناسبة للأفكار المتطرِّفة، وفي مقدمة هذه الأسباب -ولا شك- أزمة ’’الشرعيَّة السياسيَّة’’ المسكوت عنها غربيًّا في العالم الإسلامي.
وبعد ذلك ممكن أن يأتي الحديث عن المقاربة التنمويَّة والاجتماعيَّة والاقتصاديَّة أو حتى تاليًا الأمنيَّة، أما في ظلّ الاستمرار في نفس الاستراتيجيَّة القائمة على المقاربة الأمنيَّة والعسكريَّة فحسب، فأعتقد أن الحديث عن مكافحة الإرهاب، لن يأتي بجديد ولن يفيد شيئًا سوى مزيد من الإخفاق والفشل.
ولا شكّ أن دلائل الفشل والإخفاق لهذه المقاربة كثيرة، فالتجربة الأفغانيَّة والباكستانيَّة والصوماليَّة أيضًا خيرُ شاهد ودليل على مقدار الفشل الذي لحق أصحاب هذه الاستراتيجيَّة، والذين أدركوا مؤخرًا استحالة الحل دون مقاربة سياسيَّة حقيقيَّة وناجعة، ولهذا بدءوا متأخرين كثيرًا في الحديث – في الحالة الأفغانيَّة مثلًا- عن حوار مع طالبان، وأنا أعتقد هنا أن أي حلول أو مقاربات لهذا الملف دون المقاربة السياسيَّة سيكون مصيرها الفشل وتبديد الجهود دون طائل يُذكر، بل ستؤدي الأمور إلى تعقيدات ونتائج دمويَّة وأكثر كارثيَّة.
وبرغم هذا التنبُّه المتأخر للإخفاق في الاستراتيجيَّات الغربيَّة تجاه ملف الإرهاب، إلا أنه تنبُّه مراوِغ لم يدفعْ أصحابَه إلى تغيير جذري وفاعل لاستراتيجياتِهم، وإنما اكتفوا بإشارات بالونيَّة للاختبار، كما هو حاصل باستحياء في الحالة الأفغانيَّة، ولكنهم مصرون على تكرار نفس سيناريو الإخفاق السابق في كلٍّ من الحالة اليمنيَّة والموريتانيَّة، والغريب أيضًا هنا في هذا السياق هو الإصرار الأحمق لتكرارِه في الحالة الباكستانيَّة، رغم مرارة النتائج في الحالة الأفغانيَّة المتشابكة بالحالة الباكستانيَّة، والمتلازمتان تلازمًا تامًّا مصيرًا ومآلًا.
إن الاستمرار في سياق التعامل مع الظاهرة الإرهابيَّة من خلال المقاربة الأمنيَّة العسكريَّة لا شك سيؤدي إلى مزيدٍ من الفشل ليس فحسب على مستوى الفشل العسكري، بل أيضًا الأمني والاقتصادي؛ لما يترتَّب على مثل هذه الاستراتيجيَّة من هَدْر للجهود والأموال.
فما لم تتمّ إعادة تقييم تام للسياسات الأمريكيَّة والغربيَّة تجاه العالم الإسلامي، وخاصَّة ما يتعلَّق بمسألة غياب الشرعيَّة السياسيَّة أو ما يتعلَّق بالقضيَّة المركزيَّة للعالم الإسلامي والمتمثِّل بالقضيَّة الفلسطينيَّة واستراتيجيَّة الكيل بمكيالين تجاه هذه القضيَّة، فأعتقد أن ظاهرة الأفكار المتطرِّفَة ستستمرُّ كردَّة فعلٍ طبيعيَّة لمثل هذه السياسات الغربيَّة، بل وستزداد منظومة هذه الأفكار بالانتشار والتوسُّع.
*البشير