نبيل البكيري
صحيح أن الإعلان عن تشكيل جيش «عدن- أبين» لا يمثلُ حدثاً جديداً على الساحة اليمنية المليئة بالأحداث، لكن لا شك أن لهذا الإعلان دلالات أُريد من خلالها إيصال رسائل للداخل والخارج من قبل هذا التنظيم الذي يبدو أنه قد شب عن الطوق، مستعصياً عن الترويض، في ظل فوضى عارمة تُعد بيئةً خصبه لإنباته وتكاثره، وفقاً للإستراتيجية إدارة التوحش الأثيرة لدى التنظيم.
فقبل ثلاثة عشر عاماً، أعلن أبو الحسن المحضار قُبيل ميلاد تنظيم القاعدة بأكثر من عام، عن تشكيل ما عُرف بـ»جيش عدن-أبين» الذي كانت أولى عملياته اختطاف مجموعة من السياح الغربيين حيث انتهت عملية الاختطاف بمقتل أربعة سياح بريطانيين حينما حاولت الأجهزة الأمنية تحريرهم.
تم في هذه العملية أيضاً اعتقال زعيم هذا المجموعة المسمى أبو الحسن المحضار الذي باعتقاله أسدل الستار عن قصة هذه الجماعة، وانتهت الفكرة إلى الأبد، بحكم الإعدام الذي نفذ بحق أبي الحسن المحضار منتصف 1999م.
الإعلان الأخير عن تأسيس هذا «الجيش» من قبل المسؤول العسكري لما بات يُعرف بتنظيم القاعدة في جزيرة العرب قاسم الريمي، المكنى بأبي هريرة الصنعاني، لا يخرج عن الإطار الفكري الذي يرتكز عليه هذا التنظيم فكرياً، والذي يتخذ من الحديث النبوي «يخرج من عدن أبين اثني عشر ألف مقاتل، هم خير ممن بينكم» شعاراً أيدلوجيا يبني عليه كل منظومتها الفكرية والعسكرية.
قراءات ودلالات
لا شك أن لهذا الإعلان أكثر من دلالة سياسية وإعلامية وعسكرية وإن كان في مقدمة هذه الدلالات، هو الداخل والخارج إقليمياً بإرسال رسالة سلبية مفادها أن الأمن منعدم هُنا وفعاليات خليجي عشرين لن يُكتب لها النجاح، خاصة إذا ما تم ربط هذا الإعلان بالتفجير الذي استهدف مقر نادي الوحدة بعدن الذي اتهمت الجهات الرسمية تنظيم القاعدة بتنفيذه.
وفضلا عن هذه العملية، شهدت جغرافية المحافظات الجنوبية عدد من العمليات المسلحة مواجهة واغتيالاً لعدد من ضباط الأمن السياسي تحديداً والذين أعلنت القاعدة مسؤوليتها عن اغتيال قائمة بأربعة عشر ضابطا أمنياً في كل من أبين وشبوة وحضرموت خلال فترة الأشهر القليلة الماضية.
أما الدلالات الأخرى التي يمكن استشفافها من خلال هذا الإعلان الذي تزامن مع موجة من المواجهات المباشرة وغير المباشرة مع التنظيم من خلال محاولات الاغتيال التي كان آخرها استهداف محافظ أبين أحمد الميسري وقبلها بيوم تم اغتيال مدير أمن مديرة مودية، مما يضعنا أمام حالة من الإرباك تعيشها السلطة تجاه هذا التطور الخطير في ملف القاعدة.
هذا التطور الخطير بحسب المراقبين، صحيح أنه جزء من المشهد اليمني المأزوم لكن دلالاته لا تخفى كونه يعكس حالة من التمرد في صفوف القاعدة التي انفلت خيطها الناظم بفعل حالة الفوضى والإحباط التي تعيشه البلاد مما عزز من وجهة نظر القاعدة لدى شريحة عريضة من الشباب المحبط واليائس من الأوضاع والسياسات الفاشلة التي أوصلت البلد إلى حالة الأزمة المستعصية عن الحل، مما يدفعهم إلى الانخراط في صفوف تنظيم القاعدة.
دلالة أخرى ممكن قراءتها في مثل هذا التوقيت للإعلان عن تشكيل جيش «عدن-أبين» هو أن حالة التأزم والاستعصاء على الحل للأزمة اليمنية ستشكل بيئة خصبة لمزيد من التعقيدات في المشهد اليمني الحالي، وهو الوضع الذي تسعى القاعدة إلى إيصال البلد إليه، وأنه بإعلان تشكيل القاعدة لجيش «عدن-أبين» تكون القاعدة قد قطعت شوطاً كبيراً في مشروعها لتحرير اليمن والسيطرة عليها، كما رسمها منظر القاعدة الإستراتيجي أبو مصعب السوري، مصطفى ست مريم في رسالته الشهيرة «مسؤولية أهل اليمن وواجباتهم تجاه مقدسات المسلمين وثرواتهم».
القاعدة، لماذا أبين؟
كثفت القاعدة من عملياتها العسكرية خلال الفترة الماضية في نطاق جغرافية محافظة أبين بشكل كبير وبعض مناطق محافظة شبوة المُحاددة لمحافظة أبين، وهو ما لفت نظر المراقبين للوضع، حول تمركز القاعدة في هذا النطاق بشكل كبير.
العلاقة بين القاعدة ومحافظة أبين هي علاقة قديمة نوعاً ما تعود إلى فترة ما بعد إعلان الوحدة اليمنية وعودة ما عُرف بالمجاهدين عربا ويمنين من أفغانستان، والذين استقر عدد منهم في محافظة أبين بحكم أن بعض من الشخصيات القيادية كانت تنتمي لهذه المحافظة كالشيخ طارق الفضلي ورفيقه جمال النهدي وفهد القصع وغيرهم.
جمعت حرب صيف 1994م السلطة بالمجاهدين في صف واحد لمواجهة ما سمتهم السلطة حينها ببقايا الماركسيين في الحزب الاشتراكي اليمني، وبانتصار جبهة السلطة- المجاهدين، نال قادتهم امتيازات كبيرة في السلطة والثروة وخاصة البعض من أبناء هذه المنطقة.
هذه الامتيازات الكبيرة التي حضي بها البعض بفعل تحالفه مع السلطة والتي قاده إليها تاريخه الجهادي، صار يشكل هاجسا لدى البعض، مما دفعهم إلى إعادة استنساخ مثل هذا التجربة والتي شجعهم عليها هو استجابة السلطة لمتطلبات إعادة استنساخ مثل هذه التجربة، بتشكيل جماعات جهادية متطرفة، أُغدق على بعضهم الهبات والأعطيات الكبيرة، وُضم البعض في سلك الأجهزة الأمنية والعسكرية، ودُفع للبعض الأخر رواتب للبيوت أشبه بالرواتب التقاعدية.
أغرت هذه التجربة «تشكيل مجاميع جهادية» العديد من الشباب الذين تركوا صفوف الدراسة لالتحاق بهذه المجاميع من العاطلين وأصحاب السوابق الأمنية الذين وجدوا في هذه التجربة ضالتهم وجادتهم نحو الاستقرار المعيشي بفعل ما يتقاضونه من الدولة بشكل رواتب وأعطيات وهو ما أشعل شرارة التنافس بين أفراد هذه المجاميع في استمالة وجلب حظوة السلطة ورضاها.
وهكذا غدت هذا المنطقة بؤرة تجمع للمليشيات والمجاميع المسلحة التي تعرض خدماتها لمن يدفع أو يتبنى بالرعاية لأفرادها، وهو ما خلق حالة الكساد في سوق خدمات الأفكار المتطرفة، دفعت ببعض هذه المجاميع إلى الانخراط في صفوف القاعدة بكل يسر وسهولة، مدفوعين بحالة الفقر والحاجة والجهل، فضلا عن جهالة وغباء صناع السياسة الفاشلة في السلطة في تعاملهم مع ملفات الجماعات الدينية والطائفية بسطحية مفرطة، تحصد اليوم نتائجها المدمرة من صعدة حتى أبين