مركز الوفـــاق الإنمائي للدراسات والبحوث والتدريب

2014/08/17 20:10
الرئيس يشكل لجنة من العلماء لإقناع المعارضة بشرع الله!

عبدالملك شمسان
أقل من شهر يفصل بين التوجيه الرئاسي لتشكيل لجنة من العلماء تحمل صفة «المرجعية»، وبين القرار الجمهوري الذي صدر الخميس الماضي قاضيا بتشكيل لجنة من العلماء تحمل صفة «الاستشارية»، ورغم قصر الفترة الزمنية الفاصلة بين التوجيه والقرار، إلا أن هناك فرقا كبيرا بين ما تضمنه التوجيه وما تضمنه القرار.
ففي حين جاء التوجيه في أواخر رمضان ينص على أن تكون هذه اللجنة مرجعية للحوار الوطني القائم بين الأطراف السياسية في السلطة والمعارضة، ومرجعية لمختلف القضايا في البلد، فقد جاء القرار مبعدا اللجنة عن الحوار الوطني غير مثبت لها صفة المرجعية لهذا الحوار ولا لغيره من القضايا الأخرى، ومكتفيا بتسميتها لجنة «المرجعية»، وهي تسمية لا تهدف لأكثر من الإيحاء للعلماء بأهمية اللجنة وللخلاص من حرج الفارق الكبير بين القرار الجمهوري وبين التوجيه والوعد الذي سبقه.
وإلى ذلك فإن القرار حصر مهمتها في «تقديم النصح والمشورة»، وتلك -في الحقيقة- مهمة لا تحتاج إلى قرار جمهوري، فالنصح والمشورة واجب كل اليمنيين عموما وواجب الشرائح والفئات المتخصصة خصوصا، وتتضمن هذه الفقرة نقطة بالغة المكر خلاصتها: ترسيخ قناعة لدى كثير من العلماء بأن واجبهم نحو الحكام يبدأ وينتهي بالنصح والمشورة ولا يتجاوز ذلك إلى العمل السياسي المعارض أو الضغط عليهم بالوسائل السلمية المعروفة.


النظر فيما تطلبه الرئاسة فقط

في المهام التفصيلية الموكلة إلى اللجنة الواردة في المادة الثالثة، نصت الفقرة الأولى على المهمة التالية: «النظر في القضايا العامة التي تحال إلى اللجنة من قبل رئيس الجمهورية والمتصلة بالقضايا الوطنية». أي أن الفقرة سلبت اللجنة حق تحديد القضايا التي تستحق النظر والمناقشة، وقصرت مهمتها على مناقشة ما يحال إليها من رئيس الجمهورية فقط.
ونصت الفقرة الثالثة من ذات المادة على المهمة التالية: «القيام بالدراسات العلمية والعملية لتوصيف القضايا المحالة على اللجنة..». وهذه الفقرة تكرس المعنى الوارد في الفقرة السابقة، وهو قصر مهمة اللجنة على دراسة القضايا «المحالة» من الرئاسة فقط.

إقناع المعارضة بشرع الله!

في المادة الثالثة التي تحدد المهام والاختصاصات التفصيلية نصت الفقرة الثانية على أن من مهام اللجنة «التدخل لدى الأطراف ذات الشأن العام لإقناعها بالتحاكم إلى شرع الله تعالى». وهذه الفقرة هي إحدى النقاط الجوهرية في القرار، بل تكاد تكون هي الهدف والغاية، وما سواها ليس إلا غطاء وزيادة في «الخير»!!
تصور السلطة نفسها في هذه العبارة وكأنها الطرف الحاكم بشرع الله المحتكم به، وأن الأطراف الأخرى هي من تريد الاحتكام إلى غير شرع الله، ولن أسترسل هنا في من المسئول عن النظام المالي الربوي المعمول به رسميا في اليمن؟ ولا عن صور التجاوز لشرع الله في الحكم؟ فلا حاجة لإثبات مخالفة السلطة لكثير من شرع الله، بل أقتصر على المعنى الذي تدور حوله هذه الفقرة، وخلاصته أن على اللجنة التدخل لإقناع الأحزاب السياسية في المعارضة بالتحاكم إلى شرع الله فيما يتعلق بعدم تحديد الإسلام سقفا زمنيا لعمل «الخليفة»، وعدم التحاكم إلى ديمقراطية الكفار التي تحدد فترة عمل الرئيس بدورتين انتخابيتين تنتهي كل منهما عند أجل مسمى!!

مصادرة جمعية علماء اليمن

في الفقرة (ج) من المادة الرابعة: «أن تدعو علماء اليمن -عن طريق جمعية العلماء اليمنيين- للاجتماع لمناقشة قضية أو مشكلة عامة يحتاج الناس فيها إلى رأي من علماء اليمن».
ومعنى هذه الفقرة أن جمعية علماء اليمن أصبحت أداة من أدوات هذه اللجنة، وما يسري على عمل اللجنة من شروط وقيود -بحسب بنود هذا القرار الجمهوري- أصبح ساريا على جمعية علماء اليمن!!
وإلى ذلك، أي قضية يجتمع لها علماء اليمن -بناء على دعوة هذه اللجنة- ستتحكم اللجنة في النقاشات المتعلقة بها، وفي صياغة نتائج النقاش، ليخرج الحكم أو القرار أو التوصيف النهائي حاملا اسم علماء اليمن قاطبة، بينما هو في الحقيقة صادر عن اللجنة فقط!!
اشتراط النصح «مكتوبا»

في الفقرة الرابعة من المادة الثالثة: «تقديم النصائح إلى أولي الأمر بما يفرضه الواجب الديني على العلماء تطبيقا لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (الدين النصيحة)..».
وهذه الفقرة تؤكد ما سبق قوله عن المادة الأولى، أي أنها ترسخ القناعة بأن واجب العلماء لا يزيد عن تقديم النصح. وإلى ذلك فإن في الفقرة محاولة للتغرير على العلماء بأن هذا القرار نابع من إجلال السلطة لهم، وذلك واضح من استخدام الألفاظ التي تستميلهم ويعتقد أنها ستصرفهم عما وراء القرار على نحو هذه الكلمات: أولي الأمر، الواجب الديني، لقول الرسول صلى الله عليه وسلم.
وهذه الفقرة اختتمت بعبارة «وبمراعاة ما يلي»، وتفرع عنها عدد من الفقرات التي تحدد شروط تقديم النصح، ونصت أولاها على «أن يكون النصح خالصا لوجه الله ويستهدف رعاية المصلحة العامة للشعب والوطن وتحقيق المصالح الشرعية ودرء المفاسد عن الشعب في دينه ودنياه». وهذه الفقرة فيها ما في الأولى من محاولة للتغرير عن العلماء بالألفاظ، وإلا فكيف يشترط لتقديم النصح أن يكون خالصا لوجه الله مع العلم أنه لا سبيل إلى التحقق من الإخلاص؟ وبتعبير صريح: إن الفقرة لا تهدف إلى أكثر من التظاهر أمام العلماء بأن الهدف من تشكيل هذه اللجنة طاعة الله وخدمة الإسلام.
وإضافة إلى ذلك، فإن هذه الفقرة تمهد لرفض ما قد يطرحه بعض العلماء مما لا يروق للسلطة، وذلك تحت ذريعة أن وراء أطروحات هذا العالم أو ذاك دوافع سياسية وليس ما يقوله خالصا لوجه الله، وبالتالي فكلامه مردود عليه.
والتغرير بالألفاظ فيها أوضح من الفقرة السابقة، كما هو واضح من استخدام هذه الكلمات: خالصا لوجه الله، المصالح الشرعية، درء المفاسد، عن الشعب «في دينه ودنياه»!!
ونصت الفقرة التي تليها مباشرة أن «يتم إسداء النصح إلى أولي الأمر كتابة بعد تدارس اللجنة لموضوع النصيحة وإقرارها لذلك».
وهذه الفقرة توجب الاقتصار على تقديم النصح مكتوبا، وذلك لإغلاق باب مطالبة أي من العلماء بلقاء الرئيس ليقدم له النصح، ولإغلاق باب النصح غير المكتوب الذي قد يمر عبر المنابر الإعلامية ومنابر المساجد.
وفوق ذلك: اشترطت الفقرة أن يكون هذا النصح المكتوب قد خضع لتدارس اللجنة وإقرارها له، وهذه الجملة تكشف خوفا واضحا لدى السلطة من أن يكون لأي عالم مبادرة فردية، فمن هنا اشترطت عليه عرضها على اللجنة وإقرارها لما جاء به، ما يعني أن اللجنة ستقف -بدوافع كثيرة- أمام هذا الفرد مقيدة بالضغوطات الرسمية المختلفة.


أخطاء لغوية وثغرات قانونية
هناك فقرات من القرار اعتورتها أخطاء لا يقبل أن ترد في قرار جمهوري، وذلك على نحو هذه الجملة الواردة في المادة الثانية: ويجوز للجنة اقتراح إضافة من تراه من العلماء إلى قوامها وتقديم ترشيحا بذلك..»، فهذا خطأ واضح والصواب: وتقديم ترشيح بذلك. أي بكسر كلمة «ترشيح» وليس بالفتح.
وكذلك الفقرة «ب» من المادة الرابعة التي يقول نصها: «عرض ما تراه من قضايا للوصول إلى فتوى شرعية على مجلس الإفتاء اليمني». والصواب أن تصاغ الفقرة على النحو التالي: عرض ما تراه من قضايا على مجلس الإفتاء اليمني للوصول إلى فتوى شرعية.
في الفقرة (أ) من المادة الرابعة: «أن تستعين بالأبحاث المتخصصة لإنجاز مهامها عن طريق الخبراء المتخصصين العلميين (الأكاديميين)..». فهنا عبارة «أن تستعين بالأبحاث المتخصصة» عبارة مفهومة، وغير المفهوم هو: أن تستعين بالأبحاث العلمية «عن طريق الخبراء». كما أن المعروف والمستخدم في التعبير أن يقال -مثلا: المتخصصون في العلوم الطبيعية/ الإنسانية، ونحو ذلك. أما أن يقال «المتخصصين العلميين» -كما نصت الفقرة- فهذه صفة غير مألوفة وغير معروفة على حد علمي وعلى حد علم الشخص الذي صاغ هذه العبارة. ولست أتحامل هنا على الرجل، حيث يمكن القارئ أن يلاحظ أن هذا الشخص الذي تولى صياغة هذه الجملة وقال «المتخصصين العلميين»، قد شعر أنه أتى بصفة لم يسبقه إليها أحد، ولهذا اضطر إلى توضيحها بكلمة (الأكاديميين) التي وضعها بين قوسين.
وخطأ آخر في ذات العبارة هو إيراد كلمة توضيحية بين قوسين «الأكاديميين»، فالمعروف في الدساتير والقوانين والقرارات الجمهورية أنها تصاغ بعبارات دقيقة وواضحة بما لا يبقي حاجة إلى عبارات توضيحية يؤتى بها بين أقواس أو في صورة جمل اعتراضية، وإذا كان هناك حاجة لتوضيح مصطلح أو تفسيره فإن هذا التوضيح يكون في مادة مستقلة تخصص للتعريفات وشرح المصطلحات.
وفي ذات الفقرة: «.. ولها أن تستعين بأن جهة أو شخصية تحتاج إلى مشورتها» والصواب: «.. بأي جهة..». وهذا خطأ في الطباعة «الصف الإلكتروني»، وقد يكون الخطأ من وكالة الأنباء اليمنية «سبأ»، لكن النظام الذي أعتقد أنه معمول به، هو أن المعنيين في الرئاسة يرسلون هذه القرارات إلى الوكالة مطبوعة عبر الإنترنت أو عبر «الفلاش»، فتقوم الوكالة بنشر ما يصل إليها على موقعها كما هو، باعتبار أن المختصين في الرئاسة قد كفوها مهمة المراجعة، وحتى لو كان فيه ما يستحق المراجعة فلا مجال إلى شيء من ذلك بعد توقيعه من قبل رئيس الجمهورية، ومن ثم تقوم بتعميمه على سائر وسائل الإعلام الرسمية وجميعها تنشره كما هو باستثناء الإذاعة والتلفزيون.
في الفقرة (ج) من المادة الرابعة: «.. أن تدعو علماء اليمن -عن طريق جمعية العلماء اليمنيين- ..». والصواب هو: جمعية علماء اليمن. إن هذا الاستخدام غير الدقيق للأسماء يقبل ويستساغ في مقال صحفي أو في خطبة جمعة أو خطبة عيد أو حتى في بحث علمي، أما أن يكون في قرار جمهوري فليس مقبولا على الإطلاق، ذلك أن القرار الجمهوري إذ يسند المهام إلى جهات ولا يسميها بأسمائها الصحيحة المعتمدة رسميا، فإنه يترك ثغرات قانونية لا يمكن السيطرة على ما يتسرب منها.
واستعراض هذه الأخطاء ليس للتندر وإن كان ذلك متاحا ومستساغا، بل لأخلص إلى نتيجة مفادها أن المراحل التي مر بها هذا القرار، من طرح أفكار وصياغة ونقاش وصف إلكتروني ونشر.. جميعها جرت بصورة سرية تامة وفي إطار عدد محدود جدا من المحيطين بالرئيس، وشعور هؤلاء -فيما يبدو- بأن لديهم «طبخة» يريدون تمريرها من تحت الطاولة وتستحق أن تحاط بالسرية، كان عامل تشويش حال بينهم وبين ملاحظة هذه الأخطاء التي لا تحتاج إلى متخصصين لاكتشافها، كما أن التكتم الشديد اقتضى منهم عدم السماح لأحد أن يطلع على القرار لإبداء الرأي والملاحظة، بما في ذلك أهل الاختصاص الذين توكل إليهم مثل هذه المهام!!
وأرجو أن لا يكون في مقالي هذا ما يحمل أيا من المسئولين في الصحف الرسمية على تصحيح الأخطاء الواردة في القرار، لأن تعديل أي شيء في القرار الجمهوري لا يجوز إلا بقرار جمهوري!!
أخيراً..
إن في هذه البنود نسفا لمكانة العلماء بصورة لا يمكن وصفها ولا توقع نتائجها، ولا أدري إن كان العلماء الأفاضل سيرون في المادة السادسة التي تنص على أنه «يكون للجنة ميزانية سنوية مستقلة تغطي كافة نفقاتها».. لا أدري إن كانوا سيرون في هذه المادة مضمونا يكافئ ما تضمنته البنود السابقة ويحملهم على الموافقة لأداء هذا الدور!!
*[email protected]
*الأهالي نت
أضافة تعليق