الشيخ شلتوت.. والعقلانيَّة الإسلاميَّة المؤمنة
د. محمد عمارة
العقلانيَّة ألوان.. فهناك العقلانية المادية اللادينية، التي كانت عقلًا بلا نقل.. أو التي جاءت ثورة على الدين والوحي والنقل، كما كان الحال في الفلسفة اليونانية.. وفي عقلانية الحداثة التي عرفها تنوير النهضة الأوروبية الحديثة.
أما العقلانية الإسلامية، فهي عقلانيَّة مؤمنة، نَبَعَت من النقل القرآني -الذي هو معجزة عقلية- وتبلورت في علم الكلام الإسلامي، علم التوحيد، الذي كانت وظيفته إقامة البراهين العقلية على صدق الغيب ونبأ السماء العظيم.. وفي هذه العقلانية المؤمنة تزاملت الهدايات الأربع: العقل.. والنقل.. والتجربة.. والوجدان.. فبرِئَت من تناقص الثنائية الغربيَّة: إما العقل.. وإما النقل؟.. إذ المقابل للعقل -في العربية- ليس النقل.. وإنما الجنون!
ولأن القرآنَ الكريم هو مصدرُ ومنبع العقلانيَّة الإسلاميَّة، جاء ذكر العقل فيه في تسعٍ وأربعين آية.. كما تحدّث عن مرادفاته -القلب في 132 موضعًا.. واللب في 16 موضعًا، والنُّهى في آيتين، والفكر والتفكر في 18 موضعًا.. والفقه في 20 آية، والتدبر في أربع آيات، والاعتبار في سبع آيات، والحكمة في 190 آية من آيات القرآن الكريم.
وإذا كانت العقلانيَّة الإسلامية قد استوتْ وتبلورت في علم الكلام الإسلامي في النصف الثاني من القرن الهجري الأول، أي قبل ترجمة اليونانيَّات، فلقد جرى عليها ما جرى على علوم الحضارة الإسلامية الازْدهار والتألُّق في عصور الازدهار الحضاري.. والتراجع في عصْر الجمود والتقليد، ثم الإحياء على يد أعلام مدرسة الإحياء والتجديد في العصر الحديث.
ولأن الشيخ محمود شلتوت (1310-1383هـ -1893-1963م) كان من نُجباء هذه المدرسة الإحيائيَّة التجديديَّة فلقد تحدث عن الإسلام باعتباره ’’دين الفكر ودين العقل ودين العلم’’.. وتحدث عن رسول الإسلام -صلى الله عليه وسلم - ’’الذي لم يقدِّم حجة على رسالته إلا ما كان طريقها العقل والنظر والتفكير، والذي لم يشأْ له ربُّه أن يحققَ للقوم ما كانوا يطلبون من خوارق حسيَّة تخضع لها أعناقهم..’’ وتحدَّث عن القرآن الكريم الذي ارتفعَ بالعقل، وسجَّل أن إهمالَه في الدنيا سيكون سببًا في عذاب الآخرة، فقال حكاية لما يجري على ألسنة الذين ضلُّوا ولم يستعملوا عقولهم في معرفة الحق والعمل به {لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا في أصحاب السعير} (الملك:10).. وكان من مقتضيات أن الإسلام دين العقل، ودين العلم أنه حذَّر من اتباع الظنّ، وجعل البرهان والحجَّة أساس الإيمان {قل هل عندكم من علمٍ فتخرجوه لنا إن تتبعونَ إلا الظن وإن أنتم إلا تخرصون} (الأنعام 148)... ومن هنا كثرتْ آيات القرآن الواردة في ذمّ التقليد والجمود على ما كان عليه سلفُهُم وجرى الخَلَف وراء السَّلَف، دون نظرٍ أو استدلال’’.
ولأن الإنسان قد تميَّز وامتاز بملكة العقل.. الذي يثمرُ الحكمة التي هي الصواب في غير نبوَّة -كما تميَّز وامتاز بتلقي نبأ السماء العظيم والوحي الإلهي الذي هو الصواب الذي جاءت به النبوات والرسالات، فإن الجمود والتقليد والتفريط في العقلانيَّة المؤمنة هو إهدارٌ لمؤهِّلات التميُّز والامتياز الإنساني إلى غيره من المخلوقات.. ’’فالجمود -كما يقول الشيخ شلتوت- جنايةٌ على الفطرة البشريَّة، وسلبٌ لمزيَّة العقل التي امتاز بها الإنسان، وإهدار لحجة الله على عبادِه وتمسُّك بما لا وزنَ له عند الله’’.
إن لهذه العقلانيَّة الإسلاميَّة المؤمنة منابع قرآنيَّة وتطبيقات في المنهاج النبوي الذي جاء بيانًا للبلاغ القرآني وتراثًا غنيًّا في علوم الحضارة الإسلامية يلفت الأنظار ويستدعي الدرس والبعث والإحياء والتحقيق.. والتطبيق.
د. محمد عمارة
العقلانيَّة ألوان.. فهناك العقلانية المادية اللادينية، التي كانت عقلًا بلا نقل.. أو التي جاءت ثورة على الدين والوحي والنقل، كما كان الحال في الفلسفة اليونانية.. وفي عقلانية الحداثة التي عرفها تنوير النهضة الأوروبية الحديثة.
أما العقلانية الإسلامية، فهي عقلانيَّة مؤمنة، نَبَعَت من النقل القرآني -الذي هو معجزة عقلية- وتبلورت في علم الكلام الإسلامي، علم التوحيد، الذي كانت وظيفته إقامة البراهين العقلية على صدق الغيب ونبأ السماء العظيم.. وفي هذه العقلانية المؤمنة تزاملت الهدايات الأربع: العقل.. والنقل.. والتجربة.. والوجدان.. فبرِئَت من تناقص الثنائية الغربيَّة: إما العقل.. وإما النقل؟.. إذ المقابل للعقل -في العربية- ليس النقل.. وإنما الجنون!
ولأن القرآنَ الكريم هو مصدرُ ومنبع العقلانيَّة الإسلاميَّة، جاء ذكر العقل فيه في تسعٍ وأربعين آية.. كما تحدّث عن مرادفاته -القلب في 132 موضعًا.. واللب في 16 موضعًا، والنُّهى في آيتين، والفكر والتفكر في 18 موضعًا.. والفقه في 20 آية، والتدبر في أربع آيات، والاعتبار في سبع آيات، والحكمة في 190 آية من آيات القرآن الكريم.
وإذا كانت العقلانيَّة الإسلامية قد استوتْ وتبلورت في علم الكلام الإسلامي في النصف الثاني من القرن الهجري الأول، أي قبل ترجمة اليونانيَّات، فلقد جرى عليها ما جرى على علوم الحضارة الإسلامية الازْدهار والتألُّق في عصور الازدهار الحضاري.. والتراجع في عصْر الجمود والتقليد، ثم الإحياء على يد أعلام مدرسة الإحياء والتجديد في العصر الحديث.
ولأن الشيخ محمود شلتوت (1310-1383هـ -1893-1963م) كان من نُجباء هذه المدرسة الإحيائيَّة التجديديَّة فلقد تحدث عن الإسلام باعتباره ’’دين الفكر ودين العقل ودين العلم’’.. وتحدث عن رسول الإسلام -صلى الله عليه وسلم - ’’الذي لم يقدِّم حجة على رسالته إلا ما كان طريقها العقل والنظر والتفكير، والذي لم يشأْ له ربُّه أن يحققَ للقوم ما كانوا يطلبون من خوارق حسيَّة تخضع لها أعناقهم..’’ وتحدَّث عن القرآن الكريم الذي ارتفعَ بالعقل، وسجَّل أن إهمالَه في الدنيا سيكون سببًا في عذاب الآخرة، فقال حكاية لما يجري على ألسنة الذين ضلُّوا ولم يستعملوا عقولهم في معرفة الحق والعمل به {لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا في أصحاب السعير} (الملك:10).. وكان من مقتضيات أن الإسلام دين العقل، ودين العلم أنه حذَّر من اتباع الظنّ، وجعل البرهان والحجَّة أساس الإيمان {قل هل عندكم من علمٍ فتخرجوه لنا إن تتبعونَ إلا الظن وإن أنتم إلا تخرصون} (الأنعام 148)... ومن هنا كثرتْ آيات القرآن الواردة في ذمّ التقليد والجمود على ما كان عليه سلفُهُم وجرى الخَلَف وراء السَّلَف، دون نظرٍ أو استدلال’’.
ولأن الإنسان قد تميَّز وامتاز بملكة العقل.. الذي يثمرُ الحكمة التي هي الصواب في غير نبوَّة -كما تميَّز وامتاز بتلقي نبأ السماء العظيم والوحي الإلهي الذي هو الصواب الذي جاءت به النبوات والرسالات، فإن الجمود والتقليد والتفريط في العقلانيَّة المؤمنة هو إهدارٌ لمؤهِّلات التميُّز والامتياز الإنساني إلى غيره من المخلوقات.. ’’فالجمود -كما يقول الشيخ شلتوت- جنايةٌ على الفطرة البشريَّة، وسلبٌ لمزيَّة العقل التي امتاز بها الإنسان، وإهدار لحجة الله على عبادِه وتمسُّك بما لا وزنَ له عند الله’’.
إن لهذه العقلانيَّة الإسلاميَّة المؤمنة منابع قرآنيَّة وتطبيقات في المنهاج النبوي الذي جاء بيانًا للبلاغ القرآني وتراثًا غنيًّا في علوم الحضارة الإسلامية يلفت الأنظار ويستدعي الدرس والبعث والإحياء والتحقيق.. والتطبيق.