منير شفيق
كيف يتجرأ شيخ أو مسؤول في وزارة الأوقاف على الفتيا بجواز الذهاب إلى السفارات الإسرائيلية من قِبَل المسلمين في العالم لطلب تأشيرة الدخول إلى الكيان الصهيوني، وقد تجاهل كونه يغتصب فلسطين ويحتل القدس ويحفر تحت المسجد الأقصى لهدمه؟! أما حجته فواجب زيارة المسجد الأقصى. وبهذا يكون قد ارتكب خطيئة سياسية وخطيئة فقهية في آن واحد.
ومن هذه الحالة يمكن الخروج بقاعدة تقول إن ثمة علاقة عضوية بين فتيا تشكل كارثة فقهية، وحكم سياسي يشكل كارثة، وذلك بمعنى أن من يخطئ في فهم السياسة ثم يُفتي يخطئ في فتياه، ومن ثم يكون حجم الخطأ في الفتيا بحجم الخطأ في السياسة. فكيف يكون الحال حين تنجم عن الخطأ كارثة سياسية وفقهية؟!
إننا هنا أمام مثال صارخ يكشف تلك العلاقة بين الفتيا والفهم السياسي، أو القراءة السياسية لواقعة بعينها، فهذه العلاقة تتجلى بوضوح في ’’الفتيا’’ التي دعت الأمة الإسلامية في مشارق الأرض ومغاربها ومن جنوبها إلى شمالها، بالتزام حديث الرسول صلى الله عليه وسلم بشد الرحال إلى المسجد الأقصى، وذلك بغض النظر عن مضار ذلك ومترتباته على الإسلام والأمة الإسلامية والشعب الفلسطيني والأمة العربية في الزمان المحدد الذي نحن فيه، وفي الحالة المحددة التي تخص المسجد الأقصى وهو تحت الاحتلال اليهودي الصهيوني من قِبَل دولة الكيان الصهيوني.
’’
قراءة الواقع بالسياسة وبما هو عليه في حقيقته لا يسمح من قريب أو بعيد لفتيا تدعو الأمة إلى أن تهرع إلى سفارات دولة العداوة والحرب والاغتصاب والاحتلال بطلب تأشيرة الدخول
’’
وقد اغتصبت فلسطين وأخرج ثلثا شعبها من بيوتهم وأراضيهم ومدنهم وقراهم، وأحل مكانهم مستوطنون وفدوا إليها من بلاد شتى ليحلوا مكان شعبها ويهوّدوها ويقتلعوا الوجود العربي منها ويزيلوا كل أثر إسلامي فيها، ولاسيما مسجدها الأقصى.
هذه الحالة من الناحيتين الشرعية والسياسية توجب قتالهم على من استطاع إلى ذلك سبيلا، وتوجب مقاطعتهم من قِبَل الأمة جمعاء كما توجب رفض الاعتراف بشرعية الاحتلال أو التطبيع معه.
فهذه حالة دار حرب بكل ما تحمل الكلمة من معنى، بل هي دار حرب تفوق في خصوصيتها ما عُرِف من ديار الحرب، إذ هي أشد إجراما وأنكى عداوة للإسلام والأمة قياسا على ما سبق من حالات.
إن قراءة هذه الواقعة بالسياسة وبما هي عليه في حقيقتها لا تسمح من قريب أو بعيد لفتيا تدعو الأمة إلى أن تهرع إلى سفارات دولة العداوة والحرب والاغتصاب والاحتلال بطلب تأشيرة الدخول من أجل الصلاة في المسجد الأقصى.
ولكي يزيد أصحاب هذا الخلل الخطير في التفكير السياسي وتقدير الموقف انحرافا، فإنهم لا يكتفون في تسويغ طلبهم باستناد سطحي وخاطئ إلى حديث ’’شد الرحال’’ فحسب، وإنما يدعون أيضا أن في ذلك دعما معنويا وماديا لأهل القدس الذين يعانون من التهجير واغتصاب بيوتهم وهدمها، وذلك لإشعارهم بأنهم ليسوا وحدهم ولإشعار العالم بأهمية المسجد الأقصى بالنسبة للمسلمين. كأن دعم أهل القدس لا يكون إلا عن هذا الطريق الذي يمر عبر اعتراف مباشر أو غير مباشر بدولة الاغتصاب والاحتلال والحرب.
فالذين يذهبون إلى سفاراتها طلبا للتأشيرة يخضعون لشروطها ويوقعون عليها بدلا من إخراجها من ديارهم حيث وُجدت، وبدلا من مقاطعتها وضرب العزلة عليها ولعنها بكل وسيلة.
أو لكأن إظهار مكانة المسجد الأقصى بالنسبة للمسلمين بحاجة إلى أن تمر عبر صلاة في المسجد وهو تحت الاحتلال، في حين يُحرَمُ أهل فلسطين وأهل القدس ممن هم تحت الاحتلال من الوصول إليه بحرية إلا ضمن أشد الشروط التي يفرضها الاحتلال وحرمان من هم في سن الشباب من ذلك.
أما ما يضحك أكثر فتلك التي تطابق بين حالة السجين الذي يحتاج إلى أن يُزار من قِبَل ذويه وحالة المسجد الأقصى باعتباره سجينا مثله بالتمام والكمال. فهذا تهافت في منطق التشبيه بين الحالتين، فلا أحد يجرؤ على أن يدعو إلى زيارة السجين في فلسطين من غير ذويه الذين تحت الاحتلال والاضطرار وهو ينطبق على المسجد الأقصى بالنسبة لمن هم في فلسطين تحت الاحتلال. ولكن حين يُسحب الأمر في الحالتين على من هم خارج إسار الاحتلال، وبثمن طلب التأشيرة من سفارات دولة العدو، فمثال السجين وزيارته يسقط عن الحالة الفردية، فكيف عن حالة المسجد الأقصى؟
من هنا يقود سوء الفهم في قراءة واقع الحال إلى سوء في الموقف السياسي وسوء في الفتيا حين نكون أمام حالة عادية لا تتسم بالخطورة التي عليها حالة السيطرة الصهيونية على فلسطين، أو ندخل هنا في حدوث نتائج كارثية من الناحيتين السياسية والفقهية حين نطالب بشد الرحال إلى المسجد الأقصى من قِبَل مسلمي العالم في ظل خضوع مجاني لشروط دولة الكيان الصهيوني والاعتراف بقصد أو بدون قصد بشرعية وجودها، والتطبيع معها.
’’
الذين يذهبون إلى سفارات إسرائيل طلبا للتأشيرة يخضعون لشروطها ويوقعون عليها بدلا من إخراجها من ديارهم حيث وُجدت، وبدلا من مقاطعتها وضرب العزلة عليها
’’
وبكلمة.. لم يسبق للسياسة أن انحطت إلى هذا المستوى، ولم يسبق أن تجرأت على الفتيا لتنحط بناء عليها إلى هذا المستوى.
ولهذا يجب التنبه إلى أن هذا الموقف السياسي وما جره إلى فتيا فقهية ما كان ليحدث عن مجرد سطحية سياسية وسطحية فقهية، لأنه مفضوح لا يمكن أن يخطر ببال إنسان عادي له علاقة ببعض السياسة وبعض الفقه.
فهو على التأكيد لم يصدر عن سطحية أو سذاجة في الفهم وتقدير الموقف، وإنما صدر بتوجيه من صاحب سلطان غارق إلى أذنيه في تقديم التنازلات السياسية والمبدئية للكيان الصهيوني، وفي المقدمة الاعتراف به والتطبيع معه، ووضع القضية الفلسطينية بأيدي الوسيط الأميركي الذي يُضمر تصفيتها وفقا للمشروع الصهيوني.
وإن من هوى إلى هذا الدرك يود أن يُسقط الأمة كلها إليه لتعويم موقفه، فها هنا بالضبط تُفسر هذه الفتيا التي تريد أن تتسلل للإيقاع بالمسلمين كافة بحجة الحرص على شد الرحال إلى المسجد الأقصى تحقيقا للسنة وتمسكا بها.
من هنا جاءت فتيا رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين الشيخ يوسف القرضاوي في مكانها، إذ حرمت شد الرحال إلى المسجد الأقصى مقابل الخضوع لشروط تأشيرة دولة الكيان الصهيوني، لما يتضمنه ذلك من حرمة الاعتراف والتطبيع والتفريط
.*المعرفة
كيف يتجرأ شيخ أو مسؤول في وزارة الأوقاف على الفتيا بجواز الذهاب إلى السفارات الإسرائيلية من قِبَل المسلمين في العالم لطلب تأشيرة الدخول إلى الكيان الصهيوني، وقد تجاهل كونه يغتصب فلسطين ويحتل القدس ويحفر تحت المسجد الأقصى لهدمه؟! أما حجته فواجب زيارة المسجد الأقصى. وبهذا يكون قد ارتكب خطيئة سياسية وخطيئة فقهية في آن واحد.
ومن هذه الحالة يمكن الخروج بقاعدة تقول إن ثمة علاقة عضوية بين فتيا تشكل كارثة فقهية، وحكم سياسي يشكل كارثة، وذلك بمعنى أن من يخطئ في فهم السياسة ثم يُفتي يخطئ في فتياه، ومن ثم يكون حجم الخطأ في الفتيا بحجم الخطأ في السياسة. فكيف يكون الحال حين تنجم عن الخطأ كارثة سياسية وفقهية؟!
إننا هنا أمام مثال صارخ يكشف تلك العلاقة بين الفتيا والفهم السياسي، أو القراءة السياسية لواقعة بعينها، فهذه العلاقة تتجلى بوضوح في ’’الفتيا’’ التي دعت الأمة الإسلامية في مشارق الأرض ومغاربها ومن جنوبها إلى شمالها، بالتزام حديث الرسول صلى الله عليه وسلم بشد الرحال إلى المسجد الأقصى، وذلك بغض النظر عن مضار ذلك ومترتباته على الإسلام والأمة الإسلامية والشعب الفلسطيني والأمة العربية في الزمان المحدد الذي نحن فيه، وفي الحالة المحددة التي تخص المسجد الأقصى وهو تحت الاحتلال اليهودي الصهيوني من قِبَل دولة الكيان الصهيوني.
’’
قراءة الواقع بالسياسة وبما هو عليه في حقيقته لا يسمح من قريب أو بعيد لفتيا تدعو الأمة إلى أن تهرع إلى سفارات دولة العداوة والحرب والاغتصاب والاحتلال بطلب تأشيرة الدخول
’’
وقد اغتصبت فلسطين وأخرج ثلثا شعبها من بيوتهم وأراضيهم ومدنهم وقراهم، وأحل مكانهم مستوطنون وفدوا إليها من بلاد شتى ليحلوا مكان شعبها ويهوّدوها ويقتلعوا الوجود العربي منها ويزيلوا كل أثر إسلامي فيها، ولاسيما مسجدها الأقصى.
هذه الحالة من الناحيتين الشرعية والسياسية توجب قتالهم على من استطاع إلى ذلك سبيلا، وتوجب مقاطعتهم من قِبَل الأمة جمعاء كما توجب رفض الاعتراف بشرعية الاحتلال أو التطبيع معه.
فهذه حالة دار حرب بكل ما تحمل الكلمة من معنى، بل هي دار حرب تفوق في خصوصيتها ما عُرِف من ديار الحرب، إذ هي أشد إجراما وأنكى عداوة للإسلام والأمة قياسا على ما سبق من حالات.
إن قراءة هذه الواقعة بالسياسة وبما هي عليه في حقيقتها لا تسمح من قريب أو بعيد لفتيا تدعو الأمة إلى أن تهرع إلى سفارات دولة العداوة والحرب والاغتصاب والاحتلال بطلب تأشيرة الدخول من أجل الصلاة في المسجد الأقصى.
ولكي يزيد أصحاب هذا الخلل الخطير في التفكير السياسي وتقدير الموقف انحرافا، فإنهم لا يكتفون في تسويغ طلبهم باستناد سطحي وخاطئ إلى حديث ’’شد الرحال’’ فحسب، وإنما يدعون أيضا أن في ذلك دعما معنويا وماديا لأهل القدس الذين يعانون من التهجير واغتصاب بيوتهم وهدمها، وذلك لإشعارهم بأنهم ليسوا وحدهم ولإشعار العالم بأهمية المسجد الأقصى بالنسبة للمسلمين. كأن دعم أهل القدس لا يكون إلا عن هذا الطريق الذي يمر عبر اعتراف مباشر أو غير مباشر بدولة الاغتصاب والاحتلال والحرب.
فالذين يذهبون إلى سفاراتها طلبا للتأشيرة يخضعون لشروطها ويوقعون عليها بدلا من إخراجها من ديارهم حيث وُجدت، وبدلا من مقاطعتها وضرب العزلة عليها ولعنها بكل وسيلة.
أو لكأن إظهار مكانة المسجد الأقصى بالنسبة للمسلمين بحاجة إلى أن تمر عبر صلاة في المسجد وهو تحت الاحتلال، في حين يُحرَمُ أهل فلسطين وأهل القدس ممن هم تحت الاحتلال من الوصول إليه بحرية إلا ضمن أشد الشروط التي يفرضها الاحتلال وحرمان من هم في سن الشباب من ذلك.
أما ما يضحك أكثر فتلك التي تطابق بين حالة السجين الذي يحتاج إلى أن يُزار من قِبَل ذويه وحالة المسجد الأقصى باعتباره سجينا مثله بالتمام والكمال. فهذا تهافت في منطق التشبيه بين الحالتين، فلا أحد يجرؤ على أن يدعو إلى زيارة السجين في فلسطين من غير ذويه الذين تحت الاحتلال والاضطرار وهو ينطبق على المسجد الأقصى بالنسبة لمن هم في فلسطين تحت الاحتلال. ولكن حين يُسحب الأمر في الحالتين على من هم خارج إسار الاحتلال، وبثمن طلب التأشيرة من سفارات دولة العدو، فمثال السجين وزيارته يسقط عن الحالة الفردية، فكيف عن حالة المسجد الأقصى؟
من هنا يقود سوء الفهم في قراءة واقع الحال إلى سوء في الموقف السياسي وسوء في الفتيا حين نكون أمام حالة عادية لا تتسم بالخطورة التي عليها حالة السيطرة الصهيونية على فلسطين، أو ندخل هنا في حدوث نتائج كارثية من الناحيتين السياسية والفقهية حين نطالب بشد الرحال إلى المسجد الأقصى من قِبَل مسلمي العالم في ظل خضوع مجاني لشروط دولة الكيان الصهيوني والاعتراف بقصد أو بدون قصد بشرعية وجودها، والتطبيع معها.
’’
الذين يذهبون إلى سفارات إسرائيل طلبا للتأشيرة يخضعون لشروطها ويوقعون عليها بدلا من إخراجها من ديارهم حيث وُجدت، وبدلا من مقاطعتها وضرب العزلة عليها
’’
وبكلمة.. لم يسبق للسياسة أن انحطت إلى هذا المستوى، ولم يسبق أن تجرأت على الفتيا لتنحط بناء عليها إلى هذا المستوى.
ولهذا يجب التنبه إلى أن هذا الموقف السياسي وما جره إلى فتيا فقهية ما كان ليحدث عن مجرد سطحية سياسية وسطحية فقهية، لأنه مفضوح لا يمكن أن يخطر ببال إنسان عادي له علاقة ببعض السياسة وبعض الفقه.
فهو على التأكيد لم يصدر عن سطحية أو سذاجة في الفهم وتقدير الموقف، وإنما صدر بتوجيه من صاحب سلطان غارق إلى أذنيه في تقديم التنازلات السياسية والمبدئية للكيان الصهيوني، وفي المقدمة الاعتراف به والتطبيع معه، ووضع القضية الفلسطينية بأيدي الوسيط الأميركي الذي يُضمر تصفيتها وفقا للمشروع الصهيوني.
وإن من هوى إلى هذا الدرك يود أن يُسقط الأمة كلها إليه لتعويم موقفه، فها هنا بالضبط تُفسر هذه الفتيا التي تريد أن تتسلل للإيقاع بالمسلمين كافة بحجة الحرص على شد الرحال إلى المسجد الأقصى تحقيقا للسنة وتمسكا بها.
من هنا جاءت فتيا رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين الشيخ يوسف القرضاوي في مكانها، إذ حرمت شد الرحال إلى المسجد الأقصى مقابل الخضوع لشروط تأشيرة دولة الكيان الصهيوني، لما يتضمنه ذلك من حرمة الاعتراف والتطبيع والتفريط
.*المعرفة