مركز الوفـــاق الإنمائي للدراسات والبحوث والتدريب

2014/08/17 20:10
عوامل النهوض الحضاري
عوامل النهوض الحضاري
- د/ عصام البشير

لقد نبه القرآن الكريم في الكثير من آياته على أن الأمم لا تقوم أو تسقط اعتباطا بل بناءً على سنن ثابتة لا تتغير أو تتبدل، ووفق عوامل لا تخرق أو تختزل ومن أهم هذه العوامل ما يلي:

1- الفكرة والمبدأ:

إن أشد عوامل النهوض أهمية هو الأفكار والمبادئ التي تشكل تصور الأمم لحقيقة الوجود والكون والإنسان والحياة، فهذه الأفكار والمبادئ هي المحدد الأكبر لمصير الأمم والشعوب من حيث التخلف والتقدم، ومن البداوة والتحضر، وذلك بحسب ما تكون عليه من تحديد في مجال تصور الوجود والكون والإنسان و الحياة [1] ومصداق ذلك يبدو في أن كل التحولات الحضارية الكبرى التي حدثت في تاريخ الإنسان كانت ناتجة عن تحولات كبرى في تصور حقيقة الوجود والحياة، سواء كانت حضارات دينية أو غير دينية.

إن تصور حقيقة الوجود والحياة ليس كاف وحده ليحدث التغيير الحضاري، بل لا بد له من كيفية إيمانية تحول هذا التصور من نظرة نظرية باهتة تزاحمها تصورات أخرى إلى فكرة تبلغ درجة الإيمان.. تملأ القلب والجوانح، وتطلق الأعضاء والجوارح وتأخذ بمجامع النفس، وتستبد بالروح، فتقوى إرادة العمل وتنمو طاقة الفعل ويتواصل الجهد وتتضافر الطاقات لتثمر عطاء ثقافياً و تغييراً حضارياً.



2- الإنسان:

الإنسان هو هدف الحضارة و وسيلتها، وهو محل الثقافة و حاملها لذلك لا يتخيل وجود حضارة لا تركز على الإنسان: اهتماماً بواقعه، وتحسيناً لأحواله الصحية والتعليمية والمعيشية، وحلاً لمشكلاته واحتراماً لحقوقه الأساسية حتى ينشط للحركة ويتطلع للريادة ويعمل للتغيير. إن المعيار الذي يمكن أن تقاس به الحضارات هو موقع الإنسان فيها، وتصورها عنه، وطبيعة القيم التي يلتزم بها ومدى احترامها لإنسانية الإنسان.

إن الذين يسعون لاستيراد تصوراتهم عن الإنسان وحقوقه من الحضارة الغربية يقعون في خطأ كبير، ذلك أن الحضارة الغربية رغم ما أعطت للإنسان من حرية وكرامة وتطور مادي ورفه معيشي رغم كل هذا أخطأت في فهم الإنسان وطبيعته ومعرفة خصائصه لأنها أسقطت الجانب الروحي فيه وأبعدت الدين عنه نتيجة لصراعها مع الكنيسة، كذلك تمادت الحضارة الغربية في خطئها بعدم بحثها عن العلة الحقيقية في قلق إنسانها وإمعانها في إيجاد حلول مادية لملء الفراغ الروحي الحادث في مجتمعاتها.

’’إن العقيدة الإسلامية جعلت الإنسان مدار الحركة التغيرية ومحورها، وأوكلت إليه مهمة التغيير والبناء وكلفته بتحقيق الخلافة على هذه الأرض ولفتت نظره إلى كيفيات التعامل مع الكون والحياة واستغلال ما على ظهر الأرض واستخراج ما في باطنها مستفيداً من عنصري الزمن لإنتاج الحضارة واستعمار الأرض حملاً لأمانة الاستخلاف وتحقيقاً للعبودية التي خلق لأجلها’’ [2]

إن الرؤية الحضارية الإسلامية للإنسان تتمثل في انساينة النزعة والهدف، عالمية الأفق والرسالة، إذ أنها تنظر إلى الناس بمقياس واحد لا تفسده القومية أو الجنس أو اللون.



3- العلم:

لا يمكن للمسلمين أن يستعيدوا ريادتهم الحضارية إلا بالعلم، وأهم ما يجب أن يتسلح به المسلم لبناء دور حضاري رائد – من العلم - هو العلم بواقعنا المعاصر: إذ أن واقعنا تسيطر عليه حضارات تمتلك رصيداً مادياً ضخماً لكنها تعاني فراغاً روحياً كبيراً، يتطلب من المسلمين معرفة المدخل الحضاري المناسب لتقديم الحاجة المفقودة لاستعادة إنسانية الإنسان ’’وللتحول من الاهتمام بأشياء الإنسان – وهي مهمة بلا شك إلى التوجه لترقية خصائص الإنسان وتحقيق سعادته، لأنه معيار الحضارة الحقيقي’’ [3]، من الأمور المهمة التي ينبغي علينا أن ندركها ’’أن الوراثة الحضارية باتت لا تعني التعاقب أو التداول والنفي والإقصاء بعد هذه الثورة المعلوماتية الاتصالاتية والإلكترونية بمقدار ما تعني القدرة على التحرك من داخل الحضارة لتغيير وجهتها، حيث لم تعد الحضارة حكراً على أحد وإنما هي مشترك إنساني وتراكم معرفي، والأصلح هو الأقدر على تحديد وجهتها’’ [4].

’’ كذلك نحتاج إلى التخصص في شعب المعرفة المختلفة والذي يعتبر من فروض الكفاية على الأمة جميعاً وتتحول مسؤوليته لتصبح من الفروض العينية لمن يختار تخصصا معيناً بحيث يدرك أنه إنما يحقق مقاصد الدين في الحياة، فينمو وينبغ ويتقن ويكتشف فيها ’’ [5].

إن استعادة الريادة الحضارية لا يمكن أن تُتصور في غياب إشاعة التخصص الدقيق في شتى مناحي المعرفة، ذلك لأن التخصص يؤدي إلى تقسيم العمل وتجويده وإحسانه وبلوغ الثمرة المرجوة منه.

ثم نحتاج كذلك للعلم باالسنن سنن الله في النفس والمجتمعات والتي هي عامل رئيس في الوصول إلى الريادة الحضارية، ذلك أن الله وضع للبشر سنناً من حفظها حفظته ومن ضيعها ضيعته، غير أن كثيراً من المسلمين حولوا أنظارهم من إتباع السنن إلى خرقها، ومن التفاعل مع السنن الجارية إلى إضاعة الوقت والجهد في سبيل تخطيها.

من السنن التي يجب علينا أن نعطيها اهتمامنا: سنن التغيير، سنن التداول الحضاري، سنن التدرج، سنن التدافع، سنن السقوط والبناء.



4- الوقت:

الحضارة تبنى بالاستغلال الأمثل للوقت وبحسن إدارته، ذلك أن إدارة الوقت من الحكمة التي عرّفها ابن القيم بقوله: (هي فعل ما ينبغي، على الوجه الذي ينبغي، في الوقت الذي ينبغي).

ويكون الاستغلال الأمثل للوقت بـ: التخطيط، التنظيم، التوجيه، الرقابة، اتخاذ القرارات.

ختاماً عوام النهوض الحضاري عديدة ومتنوعة على أن هذه أهمها والله الموفق.

----------

[1] انظر الطاقة الحضارية في عقيدة الأمة ، د. عبد المجيد النجار ص 1

[2] الإنسان معيار الحضارة ، د. شافي بن سفر الهاجري ،ص 18

[3] الوراثة الحضارية شروط ومقومات ، د. عمر عبيد حسنة ، ص 26

[4] الوراثة الحضارية شروط ومقومات ، د. عمر عبيد حسنة ، ص 42

[5] المرجع السابق.
*مجلة المجتمع
أضافة تعليق