إحياء علم الفقه الافتراضي/ المفترض، في اهتمام المؤسسات الشرعية والجامعات ومراكز البحوث والدراسات، والمجامع الفقهية، واجب يجب العمل على تحقيقه مع ازدياد الحاجة إليه. وعلم الفقه الافتراضي/المفترض مجال فقهي خصيب وطريف، نشط بصورة واضحة في بعض البيئات الحضرية كـ(العراق)، وبعض المدارس الفقهية وبالأخص عند الفقهاء الأحناف( ). ويمكن أن نعرّفه بإيجاز بأنه: نشاط فقهي تنزّل فيه الأحكام الشرعية ذهنيًّا على صور افتراضية لم تقع.
وهو يصدر عن النظام المعرفي للفقه العام، أو ما يمكن أن نسميه لتمييزه بالفقه المعاشي أو الواقعي، ولكنه يختلف عنه في أن الفقه (العام- الواقعي) يكون عند طلب البيان أو الحاجة، أما الفقه الافتراضي؛ فإنه يسبق وقوع الحاجة وطلب البيان لمعالجتها، وذلك لأن الفقيه المفترِض ينشئ تصورات ذهنية لمسائل غير واقعة (يفترض وقوعها)، ومن ثمّ ينزل عليها الأحكام الشرعية، مثل: لو أن رجلاً صلى المغرب، ثّم ارتقى في السماء فرأى الشمس ولمّا تغرب، ثم غربت، فهل يعيد صلاته، أم تجزئه صلاة المغرب التي صلاها في الأرض؟ ولو أن حاملا أسقطت جنينها، فجاءت أخرى فأخذت الجنين ووضعته في رحمها، فهل يجوز لها هذا؟ وإلى من ينسب الجنين؟ ومن أمه؟ ولو أن رجلا بحريًّا أي: يعيش في مياه البحر، وأصاب جنابة وهو في البحر، فهل يغتسل أم يجزؤه كونه في البحر.
وهي بالضرورة أحكام غير ملزمة ولا مانعة من الاجتهاد، لكونها أحكامًا افتراضية غير متصلة بالواقع الحقيقي. وغايته رياضية علميّة؛ وهي: تنشيط الأفهام، وتحرير القواعد الأصولية، وتمرين الذهنية الفقهية على المسائل والهيئات المركبة، والصفات الممكنة الحدوث.
ونحن في هذا العصر بحاجة إلى إحياء هذا النشاط الفقهي المغيّب، لأنه يسبق إلى إيجاد الحلول الأخلاقية النافعة، ويسهم في تجاوز فكرة البدائل إلى التسريع بصنع النماذج الفاعلة لمشكلات قد تقع أو يقع ما يشابهها في أية لحظة، ويجعل من العقل الفقهي أكثر مرونة في تقبله للمفاجآت، وأكثر قدرة على التعامل مع الحاجات الطارئة، وأقدر على تجاوز الفتور والدهشة، ويقلل من (تعثر الفتوى الرشيدة) الناشئ عن الحاجز النفسي المانع من استقامة التمثّل العقلي؛ بحكم انطباع العادة، وضعف تصّور الحاجات والتطلع للمستقبل لدى المؤسسة الفقهية المعتبرة..
وأحسب أن مصطلح الفقه الافتراضي أو المفترض، أفضل من مصطلحي: الفقه الذهني أو الفقه التخيلي/المتخيل، لأن النشاط الفقهي سواء منه ما كان واقعيًا أو متخيلاً، هو في جوهره نشاط ذهني، فلا تمايز بينهما في هذا الجانب يستدعي تخصيص أحدهما بوصف (الذهني) دون الآخر، كما أن إطلاق مصطلح التخيلي/ الخيالي على هذا النشاط فيه حبس له في فرع واحد دون الآخر، ذاك أن نشاط الفقه الافتراضي أو المفترض يجمع بين نوعين أصيلين، هما: النوع الناشئ عن التصور الخيالي لصور لم تقع ولا يتصور وقوعها وقت افتراضها، وبين النوع الناشئ عن تصور لوقائع لم تقع حال الافتراض، ولكن يتصور أن تقع في الواقع الذي يعيش فيه الفقيه؛ غير أنها لم تقم الحاجة لبيانها أو لم يطالب الفقيه بذلك.
أحمد علي آل مريع
باحث وأكاديمي سعودي
aaljoonIhotmail.com
أبها ص ب 2036
*تربيتنا