مركز الوفـــاق الإنمائي للدراسات والبحوث والتدريب

2014/08/17 20:10
أوباما بعد عام في البيت الأبيض

ليس من المبالغة في شيء القول، إن وصول مواطن أمريكي من أصل إفريقي حديث الانتماء إلى هذا البلد الكبير، كان معجزة بكل ما للكلمة من معان وهو درس بالغ الأهمية لشعوب العالم الثالث التي تضع قائمة طويلة من المواصفات للحاكم، كان يصعب على الأنبياء عليهم السلام الوصول عبرها إلى السلطة إلا عن طريق الانقلابات أو الصدفة. لذلك يعد انتصار أوباما ودخوله البيت الأبيض انتصاراً للبشرية وللولايات المتحدة ولفكرة الديمقراطية وحقوق الإنسان التي ظلت حبراً على الورق ولم تجد شعوب العالم تطبيقاً لهما إلا في الانتخابات الأمريكية الأخيرة التي فشل فيها العنصريون ودعاة التمييز والذين كانوا ولا يزالون يرون في هذا الاختيار خروجاً على المبادئ التي كرسها الرجل الأبيض.
وبعد هذه التوطئة القصيرة نأتي إلى دور أوباما بعد دخوله المدهش البيت الأبيض وماذا فعل لأمريكا وللعالم على مدى العام الذي انصرم. هل حقق شيئاً للملايين الذين اختاروه، وهل حقق شيئاً للعالم الخارجي الذي تفاءل بمجيئه وأدرك أن شيئاً بدأ يتغير في الولايات المتحدة، كما استمع إلى كلمات لم يعهد سماعها من قبل؟ والإجابة عن سؤال طويل كهذا تبدأ من قراءة الوعود التي أطلقها أوباما في خطابات ما قبل النجاح وفي الخطاب الذي ألقاه بعد فوزه، وهي خطابات مليئة بالأحلام والوعود الجميلة، ومن يتوقف عندها يدرك أن ما تحقق منها ليس إلا القليل القليل، وعلى المستوى الداخلي فقط، حيث تمت مواجهة الأزمة الاقتصادية بقدر من الحزم، وما تبع تلك المواجهة من طموح الرئيس أوباما لمشروع التأمين الصحي لكل الأمريكيين من دون استثناء، أما باقي الأحلام والخارجية منها بخاصة، فلم يتحقق منها شيء.
يقول البعض دفاعاً عن هذا الرئيس المختلف، إن عاماً واحداً لم يكن كافياً لتحقيق بعض الوعود فضلاً عنها جميعاً ولا سيما تلك المتعلقة بالخارج الأمريكي، وهذا لا يبرر التراجع عن مأساة سجناء غوانتانامو، ولا يبرر التراجع عن الوعود بشأن فلسطين، وإطفاء نيران الحروب التي أشعلها سلفه سيئ الذكر، كما يشير البعض ممن يدافعون عن أوباما الى أنه لم يكن يقدر حجم القوى المعارضة لاتجاهاته وطموحه لإصلاح ما أفسده جورج بوش الابن وغيره من الأسلاف الذين تجاهلوا كثيراً من القضايا الساخنة في العالم، ومنها قضية الصراع العربي الصهيوني الذي تجاوز الستين عاماً. وهناك آخرون يرفعون أصواتهم قائلين، لا تنتظروا أن يكون أوباما عربياً أكثر من بعض الحكام العرب الذين يتفرجون على مأساة الشعب الفلسطيني، ومن بين هؤلاء الحكام من يسهم في رفع درجة المأساة.
لقد كان في وسع الرئيس أوباما أن يعمل الكثير في السنة الأولى لوجوده في البيت الأبيض وسط الزخم الأمريكي والعالمي المرافق لصعوده، وكان في مقدوره أن يضرب ضربته ويحقق بعض وعوده قبل أن تلتف حوله حبال القوى المعادية ويتمكن اللوبي الصهيوني من حشد قواه، مستعيناً بالمحافظين الجدد والعنصريين الذين يرون في وصول رجل ينتمي إلى العالم الثالث خروجاً صارخاً على الثوابت التي قام عليها نظام هذه الدولة العظمى رغم ما يردده قارئه من أحاديث مكررة عن الديمقراطية وحقوق الإنسان والمواطنة المتساوية التي كانت ولاتزال بالنسبة إليهم ومن خلال أفعالهم حبراً على ورق، وكلاماً في الهواء. ولا أظن عاقلاً في العالم لا يدرك أبعاد الورطة التي يعاني منها أول حاكم من أصول إفريقية يصل إلى البيت الأبيض.
*التجديد
أضافة تعليق