مركز الوفـــاق الإنمائي للدراسات والبحوث والتدريب

2014/08/17 20:10
الاستبداد السياسي وانحطاط أخلاقيات الأمم؟!
الاستبداد السياسي وانحطاط أخلاقيات الأمم؟!

د. محمد بن فهد القحطاني

الأخلاقيات هنا تعني القيم التي تحكم المعاملات التجارية التي يفترض أن تبنى على الصدق والأمانة والإخلاص، ويكون ضدها بطبيعة الحال الكذب والغش والخداع والتدليس الذي مع الأسف الشديد أصبح سمة سائدة في العديد من البلدان التي طالما تتشدق أطروحاتها الفكرية بالأمانة وغيرها من القيم الأخرى النبيلة وفي نفس الوقت تزدري الثقافات الأخرى التي لديها بعض السلوكيات الفردية التحررية. إلا أن الملاحظ هو أن تلك القيم لا تبقى ثابتة بل تتغير عبر الزمن، فهناك بعض الأمم التي كانت تحكمها مثل عليا في التعامل مع الآخرين لكن تلك القيم تلاشت وأصبح الغش والخداع صفة غالبة على الثقافة المحلية وسمة أساسية في أذهان الناس عن كل ما يتعلق بتلك المجتمعات سواء من نتاج فكري بل وحتى الأفراد يعانون من الحكم المسبق الذي يكون في أغلب الأحيان جائراً وظالماً، فلا يكاد مجتمع يخلو من النماذج المضيئة التي على الرغم من ندرتها تبدد الأحكام العامة والمسبقة على المجتمع بأسره. لكن التساؤل المهم هو هل انحطاط القيم يعود إلى المكونات الأساسية في الثقافة المحلية؟ أم أن هناك مسببات عارضة أدت إلى تدهور الأمانة والصدق والإخلاص في المجتمع؟
لا أعتقد أن تدهور القيم التي تضبط المجتمع ترتبط بمكونات المجتمع الأساسية ولكنها تعود إلى أسباب منطقية حدثت وتراكمت عبر العصور، وبالتالي فإن توافر هذه المسببات في أية مجتمع كفيل بانحطاط الأخلاقيات العامة بصرف النظر عن التربية السابقة للمجتمع والقيم النبيلة المعلنة. لقد توصلت لهذه القناعة من خلال ملاحظة ودراسة العديد من الظواهر الاقتصادية والاجتماعية في بعض المجتمعات، فعلى سبيل المثال يتسم التعامل في الولايات المتحدة الأمريكية بالصدق والأمانة والثقة في المعاملات التي أضحت مكوناً أساسياً في الثقافة هناك لكن الأزمات الاقتصادية المتعاقبة كانت بسبب مباشر لتراجع تلك القيم من خلال البحث عن الربح السريع حتى لو عبر غش وخداع المتعاملين. لذا فإنه في ظل قصور الأنظمة أو غياب التشريعات يزداد جشع الأفراد المستغل للفرص المتاحة مما يؤدي إلى تراجع قيم المجتمع التي ترتبط دائما بحدوث الأزمات الاقتصادية التي عصفت بالاقتصاد الأمريكي في الفترات الماضية.
إن الملاحظ في المجتمعات النامية هو التدهور المستمر في الأخلاقيات العامة بسبب غياب التشريعات التي تحمي حقوق الناس وتعاقب المخالفين وتردع المعتدين، بل أصبحت الأنظمة القائمة سبباً في القمع والاستبداد والتسلط والقهر مما يحرم الأفراد من حقوقهم ويحاربهم في أرزاقهم ويمسخ شخصياتهم. يحق لنا القول إذن أن هناك تناسب طردي بين درجة الحريات العامة التي ينعم بها أية مجتمع ومستوى الأخلاقيات التي تحكم تعاملات الأفراد، فالأنظمة السياسية المستبدة تسحق شخصيات الأفراد وتهضم حقوقهم وتحولهم لوحوش كواسر تمتهن ابتزاز واستغلال بقية أفراد المجتمع ومن يزور المجتمعات التي تسودها هكذا ثقافة يستطيع أن يتحقق من هذه الملاحظات التي تربط هيكلة النظام السياسي بالأخلاقيات العامة السائدة التي تحكم المعاملات.
لعله لم يكن محض صدفة أن يمتهن الأفراد في بعض الثقافات التي تحكمها الأنظمة السياسية المستبدة استغلال الأطراف الضعيفة مثل العمالة الأجنبية والسياح والمسافرين الذين قد يجهلون الأنظمة السائدة ومن ثم يكونون فريسة سهلة للابتزاز المنظم، وقد لاحظت خلال زياراتي لبعض الدول النامية محاولة الباعة انتزاع ما يستطيعونه من المتسوقين الأجانب من خلال مضاعفة الأسعار والغش والخداع والتدليس في التعاملات. بل أن تلك الممارسات الجشعة في سبيل كسب المال قد تجاوزت كافة الحدود بحيث أصبح كل شيء متاح للبيع حتى لو ناقض القيم والأخلاق وأدى إلى استغلال فئات أخرى هي في أمس الحاجة للمساعدة الإنسانية، كالاعتداء على ممتلكات ضحايا حوادث السيارات التي أصبحت ظاهرة جديدة لم يكن تصورها في المجتمعات العربية التي تحث ثقافتها على مساعدة المحتاج وإغاثة الملهوف.
*موقع حقوق الإنسان
أضافة تعليق