مركز الوفـــاق الإنمائي للدراسات والبحوث والتدريب

2014/08/17 20:10
الدعوة الإسلامية بين التكوين والتمكين(3)
الدعوة الإسلامية بين التكوين والتمكين(3)
’’...يجب على المجتمع الإسلامي ألا يرضي أن يحكم حياته وأوضاعه القوانين الغربية الكافرة ، بل على المجتمع أن يعلن في كل موقف رفضه لهذه القوانين التي هي من صنع البشر ، وليست من منهج الله ، والتي تبعده عن منهج القرآن والسنة ، الذي ضمن الله لنا السعادة في الدنيا والآخرة...’’
(قيام المجتمع الإسلامي بواجباته الشرعية)


ينبغي على المجتمع المسلم أن يقوم بدوره في بناء جيل التمكين ، وأن يساهم بدوره في مسيرة الدعوة الإسلامية ، ولا يقف موقف المشاهد أو المتخاذل ، فلا يقدم شيئاً ولا يؤخر ، وقد بين الله تعالى لنا أن بني إسرائيل لما تخاذلوا عن القيام بأعباء الشريعة ، وتركوا الأمر بالمعروف والنهي المنكر ، حل بهم عقاب الله ولعنته وغضبه كما قال عز وجل :’’ كَانُواْ لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ ’’(المائدة79) ، لقد حق عقاب الله عليهم لأنهم أهملوا الوجبات التي تصون مجتمعهم من الانحراف والضياع ، وتقودهم إلى الخير والرشاد.


فيجب على أمة الدعوة والهدى أن تقوم بواجبها الذي رسمه الله تعالى لها قال تعالى :’’ وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ، وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَـئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ، يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكْفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُواْ الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ، وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ، تِلْكَ آيَاتُ اللّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَمَا اللّهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِّلْعَالَمِينَ، وَلِلّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَإِلَى اللّهِ تُرْجَعُ الأُمُورُ، كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْراً لَّهُم مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ’’(آل عمران :104-110) .


فهذه الآيات تبين للمجتمع المسلم ما يجب عليه تجاه دينه ونفسه ، صيانة له وأماناً ، لأن فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يحصل بها من الخير والصيانة للمجتمع المسلم الخير الكثير . ومن هنا جاءت الشريعة بها حتى في طرقات المسلمين العامة ، وتوجب فيها عدم التغاضي عن هذه الفريضة.


والمتأمل في السنة النبوية يرى ذلك كما جاء في الحديث عند الشيخين البخاري ومسلم في صحيحيهما:عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :’’ إياكم والجلوس في الطرقات’’ فقالوا : يا رسول الله مالنا من مجالسنا بد نتحدث فيها . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :’’ فإذا أبيتم إلا المجلس فأعطوا الطريق حقه’’ قالوا : وما حق الطريق يا رسول الله . قال : ’’غض البصر، وكف الأذى، ورد السلام، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر’’. لأن المعروف دلالة على كل خير، وإرشاد لكل بر، والمعروف هو كل ما أمر الله تعالى به ورسوله صلى الله عليه وسلم من الخير والبر والتقوى، فالمسلم في طريقه لا يكون إمعة لا يدل الناس على الخير وما فيه الصلاح والهداية لهم ، وإنما يرشد ويعلم ويحث الناس عليه، فإذا وجد مسجداً يحتاج إلى تمام بناء أو ما شابه ذلك حثهم وأمرهم بالصدقة ، أو إذا وجد فقيراً محتاجاً أو مريضاً أو كبير السن فإنه يأمرهم بذلك الخير وإن استطاع هو فليكن أول فاعل لذلك الخير ليكون قدوة للناس وإماما لهم إلى الجنة ورضوان الله تعالى . لأن الأمر بالمعروف من أجل فرائض الإسلام التي تناسها كثير من الناس اليوم إلا من رحم الله تعالى، فبها قام الإسلام ، وهى خيرية هذه الأمة دون غيرها من الأمم ’’ كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله ’’ .


أما النهي عن المنكر: فالمنكر والمحرم كل نهي نهانا عنه الله ورسوله ، وجاءت الشريعة بتحريمه والوعيد عليه ، وكما قلنا أننا جميعاً في سفينة واحدة فإن غرقت غرق الجميع، فالمسلم ليس بالفاقد للبصيرة ، وليس بالمتغابي عن الواجبات والمنكرات والحرمات ، يهز كتفيه للمنكر ثم يقول أمر لا يعنيني فلم أتدخل فيه، هذا ولا ريب نوع من السلبية القاتلة التي يكون آخرها عقاب وغضب من الله تعالى ، ولن يلحق شخص بعينه بل على كل المجتمع يقع العقاب، وترك النهى عن الشيء المنكر والمحرم من أنقص صفات بني إسرائيل التي ذكرها الله تعالى لنا في القرآن، حتى نأخذ الدرس والعبرة منهم ’’كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون’’ .


إن المجتمع الغربي والأوربي وغيره من المجتمعات الكافرة، لا تلتفت كثيراً إلى شيء من هذه المنكرات أو تعبأ بوقوعها، إلا فيما كان عائداً لهم بشيء من مصالح الدنيا الفانية الرخيصة، فهم لا ينكرون منكراً ولا يعرفون معروفاً إلا بقايا ورثوها وتناسوها على طول الزمان، فجل شوارعهم تحولت إلى دور سينيما، وملاهي ليلية ، ذات اليمين وذات الشمال ، ومواقعة للفاحشة اللهم إلا خشية ملاحقة القانون الذي لا يردعهم ولا يهذب نفوسهم وأخلاقهم .


وطرقات المسلمين اليوم قد وقعت فيها كثير من مخالفات الشريعة وتعدي حرمات الله تعالى من الغش في البيع والشراء ، والظلم ،... وتبرج النساء والعري والتهتك المائع الرخيص ،... وانتشار المقاهي ودور السينيما وعلوا الأصوات بالغناء والفحش من القول والبذئ منه ... وغير ذلك .


فالمسلمون يجب عليهم في حياتهم عامة، وفي طرقهم خاصة النهي عن كل ما يغضب الله تعالى، ويخالف شريعته وكتابه وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وألا يشارك الناس بعضهم بعضاً في معاصيهم ومحرماتهم .


بل الواجب على المسلم أن ينهي ويأمر ويرشد ويعلم ... ولكن بالحكمة والموعظة الحسنة والكلمة الطيبة والأسلوب المهذب المقبول للنفوس ، حتى لا يفسد من حيث يريد الإصلاح ، أو يهدم من حيث يريد البناء ، فالأمر بالمعروف إنما يكون بالمعروف ، والنهي عن المنكر إنما يكون بغير منكر .


وهذا أمر جاء به القرآن وجاءت به السنة النبوية ويحتاج إلى مزيد بيان وبسط في موضع آخر، والحديث جمع آداباً جليلة حقاً لو استقام المسلمون عليها لرأينا مجتمعاً راقياً في أخلاقه ، عالياً في آدابه ، آمنا في معاملاته ، ... لأنه أقام شريعة الله تعالى فيما أراد الله له .


كما يجب على المجتمع الإسلامي ألا يرضي أن يحكم حياته وأوضاعه القوانين الغربية الكافرة ، بل على المجتمع أن يعلن في كل موقف رفضه لهذه القوانين التي هي من صنع البشر ، وليست من منهج الله ، والتي تبعده عن منهج القرآن والسنة ، الذي ضمن الله لنا السعادة في الدنيا والآخرة .


فالإسلام عقيدة وشريعة ، وأي تجزئة بينهما تعني كفر بهذا المنهج الرباني كما قال تعالى :’’ أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاء مَن يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنكُمْ إِلاَّ خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ ’’(البقرة85). فعلينا أن نعتز بهذا الدين ، وأن نعتصم بحبله قال تعالى :’’ وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمينَ مِن قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ ’’(الحج78) . هذا واجب المجتمع الإسلامي الذي يسعى للنصر والتمكين ، ويسعي لرضى الله تعالى والسعادة في الدنيا والآخرة .
*القلم
أضافة تعليق