مركز الوفـــاق الإنمائي للدراسات والبحوث والتدريب

2014/08/17 20:10
في البدء كان الماء
في البدء كان الماء
د.عبدالعزيز المقالح-

ما من شعب علي وجه الأرض إلاَّ ويواجه مجموعة من المشكلات ذات الوزن الثقيل، لكن الشعوب المتقدمة، الشعوب التي تؤمن بالتخطيط وبالدراسات المستقبلية، تتميز عن غيرها في أنها تعرف كيف تتعامل مع هذه المشكلات الثقيلة ولا تجعلها تتنامي وتكبر وتغدو مستعصية علي الحل.

ولا أعرف مواطناً في هذا البلد لا يقول إننا نعاني من مشكلات ثقال، وإذا وجد اختلاف ما، فهو في ترتيب خطورة هذه المشكلات وأيّها الأولي بالحل السريع. وفي تقديري أن أخطر مشكلة تواجه البلاد حالياً وفي المستقبل القريب هي مشكلة نضوب الماء وما يترتب علي هذا النضوب من مخاطر تهدد حياة المواطنين في المدن والقري علي حد سواء.

ولا يخامرني شك في أن البلاد تواجه حزمة من المشكلات الحادة والمفزعة، لكنها علي فداحتها لا تهدد الحياة برمتها، ولا تعمل علي تحويل المدن التي اتسعت وترهلت وما تزال تتسع وتترهّل إلي أطلال. المشكلات الاقتصادية والسياسية الضاغطة والمؤرقة مقدور عليها ولو بعد حين، لكن مشكلة الماء لا تنتظر التأجيل، وخبراء كثيرون من هنا وهناك يرفعون أصواتهم منذرين ومحذرين بأنه لا يجوز في غمرة الصراعات المحتدمة أن ينسي الوطن أولوياته، وآخر ما قرأت في هذا الصدد وصعقني، خلاصة دراسة علمية دقيقة تشير إلي ’’النقص الحاد في إمدادات المياه في جميع البلاد، وإلي أن صنعاء التي ينمو سكانها بمعدل سبعة في المائة سنوياً وقد تصبح أول عاصمة في العالم تنعدم فيها المياه’’.

وهذا بعض ما يشير إليه تقرير منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة الذي يعتبر بلادنا ’’من بين أكثر الدول ندرة للمياه، وأن لديها واحداً من أدني معدلات نصيب الفرد من توافر المياه العذبة’’ والأخطر من كل ما سبق ما تشير إليه دراسة باحث وخبير أمريكي في شؤون المياه من:

’’أن استيراد منصات الحفر في اليمن لا تخضع إلي أية رسوم جمركية أو ترخيص أو ضرائب، ويقدر المسؤولون في وزارة المياه والبيئة أنه اعتباراً من يناير 2009م كان هناك أكثر من 800 منصة حفر خاصة تعمل في البلاد، وفي المقابل لا توجد سوي ثلاث منصات في الأردن، ولا يزيد عددها في الهند، التي يفوق عدد سكانها بأكثر من خمسين ضعفاً سكان اليمن، علي مئة منصة’’!!

ما الذي بعد هذه الإشارات الصاعقة يقال، وكيف تشغلنا الأحداث والخلافات عن عمل أي شيء في مواجهة خطر حقيقي يهدد وجودنا كله، ويجعل من اليمن الخضراء يمناً يابسة لا زرع فيها ولا ضرع ولا حياة. وكيف للعقول الكبيرة في هذا البلد أن تعود من إجازتها للنظر في ما ينبغي أن يتم عمله لإيقاف هذا الخطر وإنفاق الموارد القليلة لمواجهة اليباس والتصحر المنتظر، ولا أخفي أنني شعرت في أثناء قراءة خلاصة الدراسة المشار إليها عن المياه في بلادنا وكأن الأرض اليمنية تتألم وتتلوي عطشاً، وكأن الريح تهب عليها صفراء لا تحمل سوي الغبار، بعد أن تكون قد اقتلعت الأشجار اليابسة من الجذور.

وهذا الشعور القلق ليس ضرباً من الشعر الذي يصيغه الخيال، وإنما يستمد وجوده مما يمكن أن يحدث إذا ما استمر الإهمال وتبديد الطاقة في الهوس السياسي وافتعال المعارك بين الإخوة الأعداء، أبناء هذا الوطن الواحد، والبحث عما يبدد ويفرق ويحرض علي الخراب لا علي ما يجمع الطاقات ويوحد الإمكانات والبدء بالانطلاق نحو المستقبل.

ء في البدء كان الماء
أيها الماءُ
يا حلم الأرض والناس
أرواحنا تتشقّق من ظمأ
وتكابد لوعَتها
واشتياقاتها للمياهْ.
أيها الماءُ
لا مطر الصيف كان عطوفاً
ولا سابحات الخريف
أعاد إلي الورد ألوانهُ
ورنين شذاهْ!
الراية القطرية
أضافة تعليق