مركز الوفـــاق الإنمائي للدراسات والبحوث والتدريب

2014/08/17 20:10
لغط السياسة وعوراتها
لغط السياسة وعوراتها

لم نعد نلمس شفافية حقيقية إلا في ساحات الملاعب، التي يعرض فيها كل شيء أمام الجمهور. ومن موقعه في المدرجات أن يراقب أداء اللاعبين ومهارة المدرب وكفاءة طاقم الحكام. والجمهور لا يراقب فقط وإنما هو يحاكم هؤلاء جميعا في الوقت نفسه.

ولأن الشفافية بهذه الدرجة فإن الرأي العام الرياضي أصبح له حضوره القوي ودوره الفاعل والحاسم. بمعنى أنه أصبح يمثل ضغطا يصعب تجاهله في القرار الرياضي.
وقد رأينا كيف أن غضب الجمهور أدى إلى إقالة المدير الفني لمنتخب الشباب ومعاونيه بعد خروج مصر من مونديال الشباب.
وكيف أن جمهور نادي الزمالك أعرب عن سخطه على أحد نجوم الفريق حازم إمام واضطروه ذات مرة لأن يخرج من الملعب وقد قرر الاعتزال.
كما رأينا أن ضغط الرأي العام في نادي الزمالك كان أحد الأسباب التي دفعت مجلس الإدارة إلى إقالة مدرب الفريق.

وفيما فهمت فإن مدرب المنتخب الوطني يواجه مشكلة الآن مع اللاعب المحترف في ألمانيا محمد زيدان لأن مدير المنتخب قرر استبعاده من تشكيله بعدما احتاج اليه في مباراة ودية استعدادا لرواندا لكنه تجاهله ولم يستجب له، ومن ثم اعتبر أنه وقع في خطأ أخلاقي يستحق أن يعاقب بسببه.
وبعدما تبين أن المنتخب بحاجة إليه، عقب إصابة أبوتريكة وعمرو زكي وتراجع لياقة ميدو، لاحظنا أن الجماهير بدأت في ممارسة ضغوطها للعفو عن زيدان وضمه إلى المنتخب لسد الثغرة في لاعبي الهجوم.

أرجو ألا تفهمني خطأ، فتظن أنني بذكر هذه التفاصيل أصبحت خبيرا في كرة القدم وحافظا لأسماء اللاعبين وحكاياتهم. لأنني ما خضت في الموضوع وتعرفت على هذه الخلفيات إلا بعد أن تلقيت أكثر من «درس خصوصي» ممن أعرف من النقاد الرياضيين.
وقبل هذا الدرس كنت أخلط بين حازم إمام وعادل إمام، ولم أكن أعرف الفرق بين محمد زيدان والأديب الدكتور يوسف زيدان.
وكنت أظن أن ميدو لاعب الكرة هو ذاته ميدو صاحب محل البقالة الكبير في مارينا. وبالكاد كنت أميز بين أبوتريكة وأبوتلات، القرية الساحلية المجاورة لمنطقة العجمي بالإسكندرية.

لغط السياسة هو الذي جرنا إلى المقارنة مع الذي يحدث في عالم الملاعب. إذ كنت قاعدا في مجلس قال فيه أحدهم غاضبا إنه لو كان في البلد احترام للرأي العام لما أعيد تعيين الوزير السابق الذي كان رمزا للفساد والإفساد في منصب رفيع، رغم أن القاصي والداني يعلمان أن مكانه الطبيعي وراء القضبان.
وقال آخر إن عملية التوريث التي يجري إخراجها الآن تعد نموذجا آخر لإهانة الرأي العام والازدراء به.
فقال ثالث إن ذلك لا يمكن أن يحدث في أي فريق لكرة القدم، لأن اختيار اللاعبين فيه يتم بصرامة تضع في الاعتبار كفاءة اللاعب. التي لا تحددها الإدارة أو المدرب، وإنما تثبتها الممارسة المكشوفة أمام الجمهور، الذي أصبح «الحكم» في منح اللاعبين شهادات التقدير وعلامات التفوق.

حينئذ قلت إن الفرق بين لعبة السياسة ومباريات كرة القدم في العالم العربي يكمن في أمرين،
أولهما الشفافية التي هي مغيبة في الأولى ومتوافرة بالكامل في الثانية،
وثانيهما في الموضوع، لأن إغراءات ممارسة السلطة في مصر لا تقارن بالنجومية في عالم الرياضة. إذ بالأولى ينخرط المرء في سلك الآلهة، في حين أن غاية ما يمكن أن يبلغه النجم في الثانية أن يرفع على الأعناق في الشارع.

لذلك فإن السياسي يمكن أن يفرض على الناس الأمر الذي يستحيل حدوثه في الملاعب. ولا عجب والأمر كذلك أن تحتل الكفاءة واللياقة مكانا متقدما للغاية في عالم الرياضة، على العكس تماما من الحاصل في السياسة التي لم يعد البقاء فيها والتقدم في مدارجها يتطلب شيئا من هذه أو تلك،

لذلك فربما كان لدينا بعض أمل الإنجاز في دنيا الرياضة، في حين صرنا نفقد الأمل في عالم السياسة.
يؤيد ذلك أنه في الرياضة يظل المرء نجما حتى آخر «هدف»
في حين أننا نسمع في السياسة من يصر على احتكار الصدارة حتى آخر نَفَس!
أضافة تعليق