عندما يناصر الأزهر العلمانيين في مصر!
على مدى أسبوع كامل شهدت مصر تطورًا غريبًا تجاه عفة الفتيات، لحرصهن على ارتداء زي النقاب في المدارس والجامعات والمعاهد، انطلاقًا من احترام وتقدير لأوامر السنة النبوية.
هذا التطور شهد منحنًا غريبًا؛ فبعد منع الطالبات بالمدن الجامعية من دخول حرم المدينة بالنقاب، وإصرار إدارة المدن على ذلك، قام شيخ الأزهر د. محمد سيد طنطاوي بنزع النقاب من وجه إحدى طالبات معهد أزهري، ثم عقد اجتماعًا عاجلاً للمجلس الأعلى للأزهر الشريف، انتهى بعده إلى منع ارتداء النقاب ليس في المعاهد فقط، ولكن في الجامعة العتيقة والمدينة الجامعية أيضًا، أي منعه نهائيًّا من جميع روافد المؤسسة الدينية.
هذا التطور اللافت من نوعه في إقدام أعرق جامعة إسلامية في العالم، يصل عمر مسجدها إلى أكثر من ألف عام، أثار حالة من الحراك داخل المجتمع المصري، بالبحث عن فرضية وجواز النقاب، وكأن الموضوع جديد على المجتمع، أو بتعبير العلمانيين ’’دخيل’’ على فتياته.
والواقع فإن موضوع النقاب، ليس بجديد للحديث عنه في الأوساط المصرية المختلفة، إذ أنه يتجدد من وقت لآخر، إلا أنه في كل الأحوال كانت تثيره الدعايات العلمانية الممجوجة، والذين يتربصون به، وهم في الحقيقة لا يتربصون بفضيلة إسلامية أو فريضة، وإنما يتصيَّدون لعفة المرأة المصرية، والإنكار عليها حشمتها، والزعم بأن هذه الحشمة مستوردة من بعض البلدان الإسلامية، والادعاء بأن هذه الحشمة، ما هي إلا تقاليد مجتمعية، ليست من الدين الإسلامي في شيء.
إلا أن الطعنة هذه المرة جاءت من جانب المؤسسة الإسلامية، التي يفترض فيها أن تناصر الفضيلة، وتقف في مواجهة العلمانيين، وغلاة اليساريين، وإذا بها تقع في حبالهم، وكأنما هي تناصر هؤلاء، ليس على حساب المنتقبات وفقط، ولكن على حساب الدين الإسلامي والسنة النبوية المطهرة.
هذه المناصرة جاءت من أعلى قمة في مؤسسة دينية بمصر، وهو شيخ الأزهر، الذي لم يراعِ نفسية الطالبة التي وجه إليها لومًا شديدًا لارتدائها النقاب، مستنكرًا عليها ارتداءه. قائلاً لها: (أمال لو كنت جميلة كنت عملتي ايه). وزاد على ذلك: (أنا أعلم بالدين أفضل منك ومن اللي خلفوكي).
العبارة الأخيرة، ومع افتقارها لكل أسس التربية والحوار والتوجيه من معلِّم وداعية، كان لها أثرها النفسي السيئ على الطالبة بين زميلاتها من جهة، وفي محيط أسرتها من جهة أخرى، خاصة وأن وكالات الأنباء العالمية سرعان ما تناقلت الواقعة.
ولم تكن الواقعة مَثار اهتمام الوكالات العالمية فقط، بل كانت موضع اهتمام كثير من الأوساط السياسية الغربية، وبالأخص المعارِضة لحجاب المسلمات، وما تثيره من هجوم على الحجاب والنقاب من وقت لآخر، حيث أخذت كثير من الأحزاب اليسارية في فرنسا وايطاليا وألمانيا تسوق لمبررات مطالبها بمنع ارتداء المسلمات للحجاب، بل إن بعض الدعايات الألمانية راحت توجِد مبررًا لارتكاب المتطرف الألماني لجريمته بقتل المصرية مروة الشربيني رفضًا منه لحجابها، حتى كانت شهيدة لعفتها وحشمتها وتمسكها بدينها.
لذلك سوَّق شيخ الأزهر للغرب ودعاياته المتطرفة مبررًا قويًّا لمنع الفتيات المسلمات من ارتداء النقاب، في الوقت الذي يرى فيه البعض أن سقف هذه المبررات سيهبط إلى محاربة الحجاب، بدعوى أن الاحتشام ليس بالضرورة أن يكون بتغطية الرأس، وأنه يكفي الفتاة ألا تخرج عارية، دون تحديد لسقف هذا العري.
الحملة الممجوجة التي خرجت من بلد إسلامي، ومن مؤسسة إسلامية، ومن داعية وأستاذ إسلامي، والزعم بأن الحجاب والنقاب دخيلان على المجتمع المصري، يقف ضد تقرير بثته الفضائية الفرنسية الناطقة بالعربية، يؤكد أن 80% من نساء مصر محجبات وأن 10 % منهن منتقبات.
ويذكر تقرير الفضائية الفرنسية أن السيدات العاملات يفضِّلن ترك وظائفهن عن خلع النقاب، وكذلك الطالبات يفضِّلن عدم الذهاب للجامعات والمدارس عن خلع النقاب، مما يعكس عمق تمسك الفتيات بارتداء النقاب.
إلا أن اللافت أن تزامن منع الجامعات والمدن الجامعية المصرية ارتداء النقاب مع قرار المجلس الأعلى للأزهر، سبقه قرار أصدره وزير الأوقاف المصري الدكتور محمود حمدي زقزوق، يدعو موظفات الوزارة لإقناع المنتقبات بعدم ارتداء النقاب، واعتباره ’’مجرد عادة لا أساس لها في الدين وليس عبادة’’، بحسب زعمه.
يضاف لما سبق من مواقف مماثلة ضد النقاب، ما حدث من قيام وزير الصحة المصري الدكتور حاتم الجبلي بطرد الممرضات المنتقبات من وظائفهن إن لم يخلعن النقاب.
كل هذا يؤكد أن هناك خطة جديدة من المؤسسات المختلفة في مصر ضد النقاب، والذي قد يستتبعها قواعد أخرى للنيل من المحجبات -أي لمن هن يرتدين دون النقاب- لتصدر تعليمات تمس الحجاب، بعدما اكتملت تفاصيل الخطة بهجوم المؤسسة الدينية على النقاب ومن يرتدينه، وكأن كل ذلك ما هو إلا إشغال المصريين عن قضايا واقعهم، وإلهاهم في مناقشة قضايا، ناقشها الفقهاء، وليس المجال هنا موضع طرح تفاصيلها.
ومن هنا، فإنه يبدو في الأفق مواجهة جديدة ومعلنة في مصر بين النقاب والشيخ، مما يجعل مستقبله مجهولاً بعد موقف د.محمد سيد طنطاوي منه، وإعلانه صراحة، واستتباعه بمواقف عملية.
ويزداد الأمر تعقيدًا إذا علمنا انقسام أعضاء مجمع البحوث الإسلامية حول موقف شيخ الأزهر؛ فمنهم من رأى أن الشيخ محق، وأنه يجب اتخاذ قرار فوري بمنع النقاب، ومنهم من رأى أن النقاب فضيلة لا يجوز منعه، فضلاً عن المنظمات الحقوقية التي تقف في صف المنتقبات، وتراه حرية شخصية.
وأخيرًا.. يطرح التساؤل نفسه : هل يستطيع النقاب – والمدافعون عنه- بخلفياته الدينية والحقوقية مواجهة المؤسسات الدينية والتعليمية في مصر كما حدث في مواقف سابقة، أم أن الصراع سيكون أكثر ضراوة هذه المرة؟
على مدى أسبوع كامل شهدت مصر تطورًا غريبًا تجاه عفة الفتيات، لحرصهن على ارتداء زي النقاب في المدارس والجامعات والمعاهد، انطلاقًا من احترام وتقدير لأوامر السنة النبوية.
هذا التطور شهد منحنًا غريبًا؛ فبعد منع الطالبات بالمدن الجامعية من دخول حرم المدينة بالنقاب، وإصرار إدارة المدن على ذلك، قام شيخ الأزهر د. محمد سيد طنطاوي بنزع النقاب من وجه إحدى طالبات معهد أزهري، ثم عقد اجتماعًا عاجلاً للمجلس الأعلى للأزهر الشريف، انتهى بعده إلى منع ارتداء النقاب ليس في المعاهد فقط، ولكن في الجامعة العتيقة والمدينة الجامعية أيضًا، أي منعه نهائيًّا من جميع روافد المؤسسة الدينية.
هذا التطور اللافت من نوعه في إقدام أعرق جامعة إسلامية في العالم، يصل عمر مسجدها إلى أكثر من ألف عام، أثار حالة من الحراك داخل المجتمع المصري، بالبحث عن فرضية وجواز النقاب، وكأن الموضوع جديد على المجتمع، أو بتعبير العلمانيين ’’دخيل’’ على فتياته.
والواقع فإن موضوع النقاب، ليس بجديد للحديث عنه في الأوساط المصرية المختلفة، إذ أنه يتجدد من وقت لآخر، إلا أنه في كل الأحوال كانت تثيره الدعايات العلمانية الممجوجة، والذين يتربصون به، وهم في الحقيقة لا يتربصون بفضيلة إسلامية أو فريضة، وإنما يتصيَّدون لعفة المرأة المصرية، والإنكار عليها حشمتها، والزعم بأن هذه الحشمة مستوردة من بعض البلدان الإسلامية، والادعاء بأن هذه الحشمة، ما هي إلا تقاليد مجتمعية، ليست من الدين الإسلامي في شيء.
إلا أن الطعنة هذه المرة جاءت من جانب المؤسسة الإسلامية، التي يفترض فيها أن تناصر الفضيلة، وتقف في مواجهة العلمانيين، وغلاة اليساريين، وإذا بها تقع في حبالهم، وكأنما هي تناصر هؤلاء، ليس على حساب المنتقبات وفقط، ولكن على حساب الدين الإسلامي والسنة النبوية المطهرة.
هذه المناصرة جاءت من أعلى قمة في مؤسسة دينية بمصر، وهو شيخ الأزهر، الذي لم يراعِ نفسية الطالبة التي وجه إليها لومًا شديدًا لارتدائها النقاب، مستنكرًا عليها ارتداءه. قائلاً لها: (أمال لو كنت جميلة كنت عملتي ايه). وزاد على ذلك: (أنا أعلم بالدين أفضل منك ومن اللي خلفوكي).
العبارة الأخيرة، ومع افتقارها لكل أسس التربية والحوار والتوجيه من معلِّم وداعية، كان لها أثرها النفسي السيئ على الطالبة بين زميلاتها من جهة، وفي محيط أسرتها من جهة أخرى، خاصة وأن وكالات الأنباء العالمية سرعان ما تناقلت الواقعة.
ولم تكن الواقعة مَثار اهتمام الوكالات العالمية فقط، بل كانت موضع اهتمام كثير من الأوساط السياسية الغربية، وبالأخص المعارِضة لحجاب المسلمات، وما تثيره من هجوم على الحجاب والنقاب من وقت لآخر، حيث أخذت كثير من الأحزاب اليسارية في فرنسا وايطاليا وألمانيا تسوق لمبررات مطالبها بمنع ارتداء المسلمات للحجاب، بل إن بعض الدعايات الألمانية راحت توجِد مبررًا لارتكاب المتطرف الألماني لجريمته بقتل المصرية مروة الشربيني رفضًا منه لحجابها، حتى كانت شهيدة لعفتها وحشمتها وتمسكها بدينها.
لذلك سوَّق شيخ الأزهر للغرب ودعاياته المتطرفة مبررًا قويًّا لمنع الفتيات المسلمات من ارتداء النقاب، في الوقت الذي يرى فيه البعض أن سقف هذه المبررات سيهبط إلى محاربة الحجاب، بدعوى أن الاحتشام ليس بالضرورة أن يكون بتغطية الرأس، وأنه يكفي الفتاة ألا تخرج عارية، دون تحديد لسقف هذا العري.
الحملة الممجوجة التي خرجت من بلد إسلامي، ومن مؤسسة إسلامية، ومن داعية وأستاذ إسلامي، والزعم بأن الحجاب والنقاب دخيلان على المجتمع المصري، يقف ضد تقرير بثته الفضائية الفرنسية الناطقة بالعربية، يؤكد أن 80% من نساء مصر محجبات وأن 10 % منهن منتقبات.
ويذكر تقرير الفضائية الفرنسية أن السيدات العاملات يفضِّلن ترك وظائفهن عن خلع النقاب، وكذلك الطالبات يفضِّلن عدم الذهاب للجامعات والمدارس عن خلع النقاب، مما يعكس عمق تمسك الفتيات بارتداء النقاب.
إلا أن اللافت أن تزامن منع الجامعات والمدن الجامعية المصرية ارتداء النقاب مع قرار المجلس الأعلى للأزهر، سبقه قرار أصدره وزير الأوقاف المصري الدكتور محمود حمدي زقزوق، يدعو موظفات الوزارة لإقناع المنتقبات بعدم ارتداء النقاب، واعتباره ’’مجرد عادة لا أساس لها في الدين وليس عبادة’’، بحسب زعمه.
يضاف لما سبق من مواقف مماثلة ضد النقاب، ما حدث من قيام وزير الصحة المصري الدكتور حاتم الجبلي بطرد الممرضات المنتقبات من وظائفهن إن لم يخلعن النقاب.
كل هذا يؤكد أن هناك خطة جديدة من المؤسسات المختلفة في مصر ضد النقاب، والذي قد يستتبعها قواعد أخرى للنيل من المحجبات -أي لمن هن يرتدين دون النقاب- لتصدر تعليمات تمس الحجاب، بعدما اكتملت تفاصيل الخطة بهجوم المؤسسة الدينية على النقاب ومن يرتدينه، وكأن كل ذلك ما هو إلا إشغال المصريين عن قضايا واقعهم، وإلهاهم في مناقشة قضايا، ناقشها الفقهاء، وليس المجال هنا موضع طرح تفاصيلها.
ومن هنا، فإنه يبدو في الأفق مواجهة جديدة ومعلنة في مصر بين النقاب والشيخ، مما يجعل مستقبله مجهولاً بعد موقف د.محمد سيد طنطاوي منه، وإعلانه صراحة، واستتباعه بمواقف عملية.
ويزداد الأمر تعقيدًا إذا علمنا انقسام أعضاء مجمع البحوث الإسلامية حول موقف شيخ الأزهر؛ فمنهم من رأى أن الشيخ محق، وأنه يجب اتخاذ قرار فوري بمنع النقاب، ومنهم من رأى أن النقاب فضيلة لا يجوز منعه، فضلاً عن المنظمات الحقوقية التي تقف في صف المنتقبات، وتراه حرية شخصية.
وأخيرًا.. يطرح التساؤل نفسه : هل يستطيع النقاب – والمدافعون عنه- بخلفياته الدينية والحقوقية مواجهة المؤسسات الدينية والتعليمية في مصر كما حدث في مواقف سابقة، أم أن الصراع سيكون أكثر ضراوة هذه المرة؟