مركز الوفـــاق الإنمائي للدراسات والبحوث والتدريب

2014/08/17 20:10
شقوق في جدار التربية1-2
شقوق في جدار التربية1-2

إذا آمنا بأن لكل جوهر قيمة عليا تحدد ماهيته؛ فإن العقلاء على الجانب الآخر سيؤمنون بأنه في كل جوهر ما يسمى بأعلى قيمة! وهذه الأخيرة هي التي من شانها أن تفرز الثالوث الأيدلوجي وهم الحدث والنتيجة ثم الشعور.
لقد كان يتساءل سقراط في قومه دون أن يعلم بالحافز الذي لا ولن يُمكن قومه من الإجابة عليه! كان يقول:(لماذا تهتمون بجمع المال ولا تهتمون بتربية أولادكم الذين سيرثون هذا المال؟) ومعنى هذا: أن قومه آمنوا بأن لكل جوهر قيمة عليا وهي هنا المال بالنسبة للحياة، ولم يؤمنوا في شكل أوسع بأن في هذا الجوهر ما نسميه بأعلى قيمة وهو الصلاح بالنسبة للحياة!
وفي كثير من الأحيان تكون هذه القيمة ’’التربية’’ عديمة الوزن المعنوي لدى كثير من البيئات الأخلاقية! يقرر ذلك ’’فولتير’’ بقوله:(التربية تطور المواهب ولكنها لا تصنعها) بمعنى أن التربية إذا شاءت أن تحدث تطورا على الشخصية الفردية؛ فإنها لا تقوم بوظيفة المربي في التغيير والتنوير! فكما يفرق النقاد مثلا في جنس الرواية الأدبية بين الكاتب وبين الراوي وبين البطل؛ يفرق علماء النفس بين التربية والمربي كدعوة إلى أخذ الحيطة عندما يلبس أحدهما ثوب الآخر، وهذا بالضبط ما أراده ’’فولتير’’! فهو يقول بما معناه: إنك لا تستطيع بعلم التربية أن تحدث فارقا جوهريا في شخصية ما! لكنك تستطيع بوسائل أخرى- لم يحددها- أن تشكل ما تريد لكن ببراءة التربية منك! بالعنف ربما تستطيع وبالإغراء السلبي ربما أيضا.
ولسبب هذا الفارق بين التربية والمربي أي: بين المادة والمستعمل أو الخام والمصنع، يقودنا التحليل إلى إمكانية إيجاد روابط تدلنا إلى التعرف الأمثل على هذه الفجوة الواسعة والتي نشاهد مثلها عند بعض الأطفال أو بعض الشباب حينما ينهل كثيرا من علوم التربية دونما تمثله بأي منها!
وإذا كنا نتفق على أن التربية بمعناها الفلسفي: غرس علم الأخلاق في الشخصية الفردية أو المجتمعية أو البيئية فإننا حينها يمكن أن نلحظ إجابة سريعة عند بعض المهتمين.
في مرت من المرات أثير نقاش حول موضوع الطلاق بحضور عدد من المهتمين بالفكر والتربية، وكان د. طارق السويدان أثناء المحاضرة شديد الالتفات إلى هذه القضية، يبين لنا خلالها أن من أهم أسباب عدم انحصار نسبة الطلاق هو تجرد الحكم الفقهي من موضوع الأخلاق!حيث يقول: (إن جميع كتب الفقه عدا النذر القليل منها تتجرد في أحكامها من الأخلاق أو إقرانها بالتربية) بمعنى أن الحكم الفقهي ينتهي بالمستفتي عند كلمة الحلال أو الحرام دون أن يربط ذلك بالخُلق الذي يجب أن يتخذ أو كان يجب أن يمتثل حتى لا يؤدي إلى مثل حكم الطلاق!
ولذلك لا يمكننا القول إن التربية أو علم الأخلاق بمعزل عن الأمور العقائدية، بل إن الحكم الفقهي كثيرا ما يأتي في مرحلة ما بعد الأخلاق! فمن شاء مثلا أن يُطلق أو أن يقع في أمور الخلع أو الرجعة أو سوى ذلك، يدله الشارع الحكيم إلى الكثير من النور، فقال على سبيل المثال (ولا تنسوا الفضل بينكم) فهو وإن بين لنا الحق في الطلاق أو الخلع رتب ذلك بالحواجز الأخلاقية ولم يخلط بين القيم والمصالح؛ فموضوع القيم والمصالح يتأتى كثيرا في علم التربية الحديث، ويؤكد ذلك لنا د. جيمس ب.ستيريا في كتابه ’’ثلاث تحديات أمام علم الأخلاق’’ حيث يبين أن التحديات الثلاث وهي: البيئوية والنسوية والتعددية الثقافوية لا يمكن أن تتم لشخص على وجه الانفتاح أو الانغلاق إذا ما تنقل بين محيطين اثنين! بمعنى أنه لا يستطيع الإنسان التوفيق بين قيمه ومصالحه أين شاء! هذه قوة لا تجابه من النفس البشرية عدا العظماء، وأعظمهم نبينا محمد صلى الله عليه وسلم؛ فهو بعد صلح الحديبية لم تؤججه مشاعر اختراق الهدنة إلى هدم قيمة الصلح! وبعدها لم تؤججه مصالح القوة إلى التخلي عن قيمه الإنسانية يوم الفتح!
ومن هنا تكمن ضرورة ممارسة التربية أو غرس الأخلاق على الوجه الأسهل! لأنه من الصعب اجتثاث أو استنبات القيم والمثالية في الشخصية الفردية! كان يقول المفكر الغربي ’’جان جاك روسو’’: (قبل أن أتزوج كان عندي ست نظريات في تربية الأطفال! والآن عندي ستة أطفال وليس معي لهم أي نظرية!)
وعلى هذا الوجه البيئوي يمكننا أن نقول: إن أسهل عملية للتربية هي عملية الاستمطار! بمعنى أن التوجيه والقدوة هما أقرب درجات السلم من الأسفل!

وللحديث بقية......
عبدالله بن سعد العمري
*تربيتنا
أضافة تعليق