نيجيريا وأزمة الخطاب الإسلامي المعاصر
د. حمدي عبدالرحمن / أستاذ العلوم السياسية بجامعتي القاهرة وزايد
بيد أن النظام السياسي في نيجيريا شهد في عام 1999 مع بداية الجمهورية الرابعة جدلاً جديداً حينما قام الحاج أحمد ساني حاكم ولاية زمفرا بالإعلان عن تطبيق الشريعة الإسلامية في قانون العقوبات. وهي الخطوة التي تبعها إعلان أحد عشر ولاية أخرى في الشمال عن تطبيق الشريعة. دفع ذلك إلى ظهور خطاب جديد أطلق عليه علي مزروعي اسم ’’Shariacracy’’، لوصف حالة تطبيق الشريعة في ظل نظام رئاسي.
تطرح المواجهات العنيفة التي قامت بها جماعة ’’بوكوحرام’’ Boko Haram، أو ما اصطلح بتسميته إعلاميا ’’طالبان نيجيريا’’ في عدد من الولايات الشمالية أواخر يوليو الماضي إشكاليات العلاقة بين السياسي والديني في الخطاب السياسي المعاصر في نيجيريا وغرب أفريقيا بشكل عام. فقد بدأ الحديث عن ’’أفرقة’’ ظاهرة طالبان، بما يعنيه ذلك أن ينحى الخطاب الإسلامي في أفريقيا منحى سلفياً محافظاً ومعادياً للغرب ولمؤسسات الدولة المدنية الحديثة!
ولعل أهمية الخبرة النيجيرية تنبع من كونها تعكس المشهد الأفريقي العام، وما ينطوي عليه من تعدد في الأديان والأعراق والثقافات. وطبقا لبعض التقديرات الحديثة، يبلغ تعداد سكان نيجيريا نحو 140 مليون نسمة، نصفهم تقريبا من المسلمين، ونحو 40% من المسيحيين، في حين لا يزال نحو 10% منهم يؤمنون بالديانات التقليدية.
والمتتبع لتاريخ دخول الإسلام إلى نيجيريا، يجد أنه قد مر بمرحلتين أساسيتين، تغطي أولهما الفترة من القرن الحادي عشر الميلادي وحتى القرن السابع عشر الميلادي، بينما تشمل الثانية سنوات القرن التاسع عشر، حيث ارتبط الإسلام في هذه المرحلة بظهور حركة الجهاد الإسلامي وتأسيس خلافة سوكوتو، تحت زعامة عثمان بن فودي.
كما أن الاستعمار البريطاني مثَل هو الآخر نقطة حاسمة في تاريخ الإسلام وانتشاره على الأراضي النيجيرية، فقد سمح نظام الحكم غير المباشر الذي طبقته الإدارة الاستعمارية البريطانية بالمحافظة على استمرار وترسيخ النظام السائد في الشمال النيجيري، بما يعنيه من هيمنة الأمراء والسلاطين المسلمين، بل ودعم نفوذهم وسلطاتهم المحلية على السكان المحليين.
وفي مرحلة ما بعد الاستقلال، أضحى الخطاب الديني، بشقيه الإسلامي والمسيحي، أحد أدوات التعبئة والتنافس على السلطة، وهو ما أضفى على علاقة الدين بالسياسة طابع التعقيد والتشابك الشديد في ظل الانقسام الحاد الذي تطرحه الخبرة النيجيرية. وعلى أية حال، فقد شهد الخطاب الديني في نيجيريا محاورات وسجالات حامية الوطيس، خاصة في مناسبات معينة، كتلك الخاصة بتطبيق الشريعة الإسلامية أو الهوية الإسلامية لنيجيريا.
وسوف نحاول هنا تقديم نموذجين يعكسان أزمة الخطاب الديني في نيجيريا بعد الاستقلال:
أولا: خطاب الشريعة
سيطر هذا الخطاب على قضايا الحركة الإسلامية في نيجيريا منذ الاستقلال عندما كان الشمال المسلم يربط فعالياته السياسية بتمكينه من تحقيق قناعاته الدينية. بيد أن المشروع الوطني الفيدرالي للدولة الجديدة ارتكز على دعائم العلمانية والوطنية. وقد تمكن الحكام العسكريون من السيطرة على هذه الدعوات الشمالية المطالبة بتطبيق الشريعة.
غير أن ثمة أمرين هامين ارتكزت عليهما حركات الإسلام السياسي في نيجيريا في نضالها من أجل أسلمة الدولة والمجتمع. وهما: أولا، النص في دستور 1979 على المحاكم الشرعية وإعطائها ولاية قانونية على الأحوال الشخصية والمدنية، وهو ما يعني العودة إلى سياسة الأمر الواقع التي كانت مطبقة في العهد الاستعماري. وقد تمّ إعادة التأكيد على هذا النص في التعديل الدستوري عام 1999. أما الأمر الثاني، فقد تمثل في قيام الجنرال إبراهيم بابنجيدا (الذي حكم البلاد خلال الفترة 1985-1993) بتغيير وضع نيجيريا كمراقب في منظمة المؤتمر الإسلامي إلى عضو كامل العضوية.
وقد دفع ذلك إلى معارضة داخلية، سيما من جانب مسيحيي نيجيريا، الذين لجأوا إلى تشكيل ’’جمعية مسيحيي نيجيريا’’ عام 1986م، وهي تضم تحالفاً بين الجماعة البروتستانية والكاثوليكية، بالإضافة إلى الكنائس الأفريقية المستقلة. وطالبت هذه الجمعية الحكومة الفيدرالية بأن تعطي المسيحية وضعاً مماثلاً للإسلام في المجال العام.
بيد أن النظام السياسي في نيجيريا شهد في عام 1999 مع بداية الجمهورية الرابعة جدلاً جديداً حينما قام الحاج أحمد ساني حاكم ولاية زمفرا بالإعلان عن تطبيق الشريعة الإسلامية في قانون العقوبات. وهي الخطوة التي تبعها إعلان أحد عشر ولاية أخرى في الشمال عن تطبيق الشريعة. دفع ذلك إلى ظهور خطاب جديد أطلق عليه علي مزروعي اسم ’’Shariacracy’’، لوصف حالة تطبيق الشريعة في ظل نظام رئاسي.
ويمكن تصنيف خطاب الشريعة المؤيد والمعارض وفقاً لطبيعته والقضايا التي أثارها: فثمة مستوى للخطاب شارك فيه غير المسلمين، خاصة حينما طرحت مسالة شرعية ومشروعية إجراء تطبيق الشريعة في ظل دستور علماني ومجتمع يشهد تعددية دينية.
ويمكن أن نشير في هذا السياق إلى ظهور مصطلحات، مثل ظاهرة طالبان نيجيريا، الإسلام الراديكالي، قانون الشريعة المتطرف، خطاب الجهاد والحاكمية وغيرها التي ميزت مفردات الخطاب الديني في هذا المستوى. ولعل التقرير الذي أعده مركز أبحاث الحرية الدينية التابع لبيت الحرية الأمريكية عام 2001 يمثل نموذجاً واضحاً على هذا الخطاب.
المستوى الثاني لخطاب الشريعة في نيجيريا، طرح إطاراً تفسيرياً عاماً للدوافع الحقيقية وراء خطوة تطبيق الشريعة الإسلامية: إذ ترى بعض التوجهات الفكرية في عملية تطبيق الشريعة محاولة انتهازية من جانب النخب الفاسدة في الشمال، والتي أرادت من خلال التوظيف السياسي للإسلام أن تستعيد مكانتها السياسية في أعقاب انتخاب رئيس مسيحي من الجنوب عام 1999.
وثمة من يرى أن تطبيق الشريعة، يعد بمثابة أحد أدوات التعبير المتاحة عن السخط العام لتفشي الفقر والأمية وعدم العدالة الاجتماعية في المجتمع النيجيري.
ثانيا: الخطاب الثوري
يقصد بالتيار الثوري هنا ذلك النمط الذي يحاول إحداث تغيرات جذرية في بنية كل من الدولة والمجتمع، بما يعني إقامة المجتمع الإسلامي والوصول إلى النظام الإسلامي. ولعل الشيخ إبراهيم الزاكزكي، يطرح أنموذجاً واضحاً لهذا التيار. فقد بدأ الزكزاكي تحت تأثيرات الثورة الإيرانية عام 1979 النضال من أجل إقامة دولة إسلامية في نيجيريا، حيث تأثر كذلك بأفكار سيد قطب، وخاصة كتابه معالم في الطريق، والذي كان بمثابة المرجع الرئيس لأعضاء الحركة الإسلامية من الإخوان أتباع الزاكزكي.
ومن المعروف أن فكرة سيد قطب عن الانقسام بين الإسلام والجاهلية والصراع بينهما، أي بين الدين والكفر، قد أسهمت بشكل أساس في صياغة الفكر السياسي لجماعة إخوان نيجيريا.
ولعل كتابات المفكر الاخواني سعيد حوى قد مثلت هي الأخرى رافداً مهماً لفكر حركة الزاكزكي. بيد أن ارتباط الجماعة بإيران، واتهامها بأنها تمثل إخوان الشيعة، رغم إنكار الشيخ إبراهيم ذلك أدى إلى حدوث انقسام داخل صفوفها. ومع ذلك حافظت الجماعة ككل على توجهاتها الثورية المطالبة بإقامة الدولة الإسلامية.
ويميل الخطاب الديني الذي يمثله تيار الإخوان إلى التأكيد على وحدة الأمة الإسلامية، وأن الصراع الأساسي الذي تخوضه الجماعة هو ضد السلطة الحاكمة، ومن ثم يعتبر مطلب الإطاحة بها شرعياً وأساسياً. أما الصراع مع بعض قيادات المجتمع المدني، فإنه يدخل في إطار الصراع مع قوى الجاهلية المعادية للثورة الإسلامية.
ويُلاحظ على خطاب الإخوان النيجيريين أمران مهمان، أولهما: التركيز على مفهوم الشهادة، باعتبارها محورية في فكر الجماعة. والشهادة ضرورية لإقامة الدولة الإسلامية والمجتمع المسلم، وعليه فإنه طبقاً للزاكزكي لا بد من التضحية بالنفس من أجل أسلمة الدولة والمجتمع.
وقد أصدرت الحركة الإسلامية موسوعة لتخليد أسماء شهدائها، كما أسست منظمة خيرية لدعم أسر الشهداء.
وهكذا فقد طرح خطاب الشريعة والخطاب الثوري في الحالة النيجيرية إشكاليات وتحديات مهمة أمام العقل المسلم ليس فقط في أفريقيا ولكن في المجتمعات الإسلامية عموماً، حيث إنه يعيد نفس التساؤلات القديمة والمتجددة دائماً حول العلاقة بين النص والعقل وآفاق الاجتهاد في الفكر الإسلامي المعاصر؟
*العصر
د. حمدي عبدالرحمن / أستاذ العلوم السياسية بجامعتي القاهرة وزايد
بيد أن النظام السياسي في نيجيريا شهد في عام 1999 مع بداية الجمهورية الرابعة جدلاً جديداً حينما قام الحاج أحمد ساني حاكم ولاية زمفرا بالإعلان عن تطبيق الشريعة الإسلامية في قانون العقوبات. وهي الخطوة التي تبعها إعلان أحد عشر ولاية أخرى في الشمال عن تطبيق الشريعة. دفع ذلك إلى ظهور خطاب جديد أطلق عليه علي مزروعي اسم ’’Shariacracy’’، لوصف حالة تطبيق الشريعة في ظل نظام رئاسي.
تطرح المواجهات العنيفة التي قامت بها جماعة ’’بوكوحرام’’ Boko Haram، أو ما اصطلح بتسميته إعلاميا ’’طالبان نيجيريا’’ في عدد من الولايات الشمالية أواخر يوليو الماضي إشكاليات العلاقة بين السياسي والديني في الخطاب السياسي المعاصر في نيجيريا وغرب أفريقيا بشكل عام. فقد بدأ الحديث عن ’’أفرقة’’ ظاهرة طالبان، بما يعنيه ذلك أن ينحى الخطاب الإسلامي في أفريقيا منحى سلفياً محافظاً ومعادياً للغرب ولمؤسسات الدولة المدنية الحديثة!
ولعل أهمية الخبرة النيجيرية تنبع من كونها تعكس المشهد الأفريقي العام، وما ينطوي عليه من تعدد في الأديان والأعراق والثقافات. وطبقا لبعض التقديرات الحديثة، يبلغ تعداد سكان نيجيريا نحو 140 مليون نسمة، نصفهم تقريبا من المسلمين، ونحو 40% من المسيحيين، في حين لا يزال نحو 10% منهم يؤمنون بالديانات التقليدية.
والمتتبع لتاريخ دخول الإسلام إلى نيجيريا، يجد أنه قد مر بمرحلتين أساسيتين، تغطي أولهما الفترة من القرن الحادي عشر الميلادي وحتى القرن السابع عشر الميلادي، بينما تشمل الثانية سنوات القرن التاسع عشر، حيث ارتبط الإسلام في هذه المرحلة بظهور حركة الجهاد الإسلامي وتأسيس خلافة سوكوتو، تحت زعامة عثمان بن فودي.
كما أن الاستعمار البريطاني مثَل هو الآخر نقطة حاسمة في تاريخ الإسلام وانتشاره على الأراضي النيجيرية، فقد سمح نظام الحكم غير المباشر الذي طبقته الإدارة الاستعمارية البريطانية بالمحافظة على استمرار وترسيخ النظام السائد في الشمال النيجيري، بما يعنيه من هيمنة الأمراء والسلاطين المسلمين، بل ودعم نفوذهم وسلطاتهم المحلية على السكان المحليين.
وفي مرحلة ما بعد الاستقلال، أضحى الخطاب الديني، بشقيه الإسلامي والمسيحي، أحد أدوات التعبئة والتنافس على السلطة، وهو ما أضفى على علاقة الدين بالسياسة طابع التعقيد والتشابك الشديد في ظل الانقسام الحاد الذي تطرحه الخبرة النيجيرية. وعلى أية حال، فقد شهد الخطاب الديني في نيجيريا محاورات وسجالات حامية الوطيس، خاصة في مناسبات معينة، كتلك الخاصة بتطبيق الشريعة الإسلامية أو الهوية الإسلامية لنيجيريا.
وسوف نحاول هنا تقديم نموذجين يعكسان أزمة الخطاب الديني في نيجيريا بعد الاستقلال:
أولا: خطاب الشريعة
سيطر هذا الخطاب على قضايا الحركة الإسلامية في نيجيريا منذ الاستقلال عندما كان الشمال المسلم يربط فعالياته السياسية بتمكينه من تحقيق قناعاته الدينية. بيد أن المشروع الوطني الفيدرالي للدولة الجديدة ارتكز على دعائم العلمانية والوطنية. وقد تمكن الحكام العسكريون من السيطرة على هذه الدعوات الشمالية المطالبة بتطبيق الشريعة.
غير أن ثمة أمرين هامين ارتكزت عليهما حركات الإسلام السياسي في نيجيريا في نضالها من أجل أسلمة الدولة والمجتمع. وهما: أولا، النص في دستور 1979 على المحاكم الشرعية وإعطائها ولاية قانونية على الأحوال الشخصية والمدنية، وهو ما يعني العودة إلى سياسة الأمر الواقع التي كانت مطبقة في العهد الاستعماري. وقد تمّ إعادة التأكيد على هذا النص في التعديل الدستوري عام 1999. أما الأمر الثاني، فقد تمثل في قيام الجنرال إبراهيم بابنجيدا (الذي حكم البلاد خلال الفترة 1985-1993) بتغيير وضع نيجيريا كمراقب في منظمة المؤتمر الإسلامي إلى عضو كامل العضوية.
وقد دفع ذلك إلى معارضة داخلية، سيما من جانب مسيحيي نيجيريا، الذين لجأوا إلى تشكيل ’’جمعية مسيحيي نيجيريا’’ عام 1986م، وهي تضم تحالفاً بين الجماعة البروتستانية والكاثوليكية، بالإضافة إلى الكنائس الأفريقية المستقلة. وطالبت هذه الجمعية الحكومة الفيدرالية بأن تعطي المسيحية وضعاً مماثلاً للإسلام في المجال العام.
بيد أن النظام السياسي في نيجيريا شهد في عام 1999 مع بداية الجمهورية الرابعة جدلاً جديداً حينما قام الحاج أحمد ساني حاكم ولاية زمفرا بالإعلان عن تطبيق الشريعة الإسلامية في قانون العقوبات. وهي الخطوة التي تبعها إعلان أحد عشر ولاية أخرى في الشمال عن تطبيق الشريعة. دفع ذلك إلى ظهور خطاب جديد أطلق عليه علي مزروعي اسم ’’Shariacracy’’، لوصف حالة تطبيق الشريعة في ظل نظام رئاسي.
ويمكن تصنيف خطاب الشريعة المؤيد والمعارض وفقاً لطبيعته والقضايا التي أثارها: فثمة مستوى للخطاب شارك فيه غير المسلمين، خاصة حينما طرحت مسالة شرعية ومشروعية إجراء تطبيق الشريعة في ظل دستور علماني ومجتمع يشهد تعددية دينية.
ويمكن أن نشير في هذا السياق إلى ظهور مصطلحات، مثل ظاهرة طالبان نيجيريا، الإسلام الراديكالي، قانون الشريعة المتطرف، خطاب الجهاد والحاكمية وغيرها التي ميزت مفردات الخطاب الديني في هذا المستوى. ولعل التقرير الذي أعده مركز أبحاث الحرية الدينية التابع لبيت الحرية الأمريكية عام 2001 يمثل نموذجاً واضحاً على هذا الخطاب.
المستوى الثاني لخطاب الشريعة في نيجيريا، طرح إطاراً تفسيرياً عاماً للدوافع الحقيقية وراء خطوة تطبيق الشريعة الإسلامية: إذ ترى بعض التوجهات الفكرية في عملية تطبيق الشريعة محاولة انتهازية من جانب النخب الفاسدة في الشمال، والتي أرادت من خلال التوظيف السياسي للإسلام أن تستعيد مكانتها السياسية في أعقاب انتخاب رئيس مسيحي من الجنوب عام 1999.
وثمة من يرى أن تطبيق الشريعة، يعد بمثابة أحد أدوات التعبير المتاحة عن السخط العام لتفشي الفقر والأمية وعدم العدالة الاجتماعية في المجتمع النيجيري.
ثانيا: الخطاب الثوري
يقصد بالتيار الثوري هنا ذلك النمط الذي يحاول إحداث تغيرات جذرية في بنية كل من الدولة والمجتمع، بما يعني إقامة المجتمع الإسلامي والوصول إلى النظام الإسلامي. ولعل الشيخ إبراهيم الزاكزكي، يطرح أنموذجاً واضحاً لهذا التيار. فقد بدأ الزكزاكي تحت تأثيرات الثورة الإيرانية عام 1979 النضال من أجل إقامة دولة إسلامية في نيجيريا، حيث تأثر كذلك بأفكار سيد قطب، وخاصة كتابه معالم في الطريق، والذي كان بمثابة المرجع الرئيس لأعضاء الحركة الإسلامية من الإخوان أتباع الزاكزكي.
ومن المعروف أن فكرة سيد قطب عن الانقسام بين الإسلام والجاهلية والصراع بينهما، أي بين الدين والكفر، قد أسهمت بشكل أساس في صياغة الفكر السياسي لجماعة إخوان نيجيريا.
ولعل كتابات المفكر الاخواني سعيد حوى قد مثلت هي الأخرى رافداً مهماً لفكر حركة الزاكزكي. بيد أن ارتباط الجماعة بإيران، واتهامها بأنها تمثل إخوان الشيعة، رغم إنكار الشيخ إبراهيم ذلك أدى إلى حدوث انقسام داخل صفوفها. ومع ذلك حافظت الجماعة ككل على توجهاتها الثورية المطالبة بإقامة الدولة الإسلامية.
ويميل الخطاب الديني الذي يمثله تيار الإخوان إلى التأكيد على وحدة الأمة الإسلامية، وأن الصراع الأساسي الذي تخوضه الجماعة هو ضد السلطة الحاكمة، ومن ثم يعتبر مطلب الإطاحة بها شرعياً وأساسياً. أما الصراع مع بعض قيادات المجتمع المدني، فإنه يدخل في إطار الصراع مع قوى الجاهلية المعادية للثورة الإسلامية.
ويُلاحظ على خطاب الإخوان النيجيريين أمران مهمان، أولهما: التركيز على مفهوم الشهادة، باعتبارها محورية في فكر الجماعة. والشهادة ضرورية لإقامة الدولة الإسلامية والمجتمع المسلم، وعليه فإنه طبقاً للزاكزكي لا بد من التضحية بالنفس من أجل أسلمة الدولة والمجتمع.
وقد أصدرت الحركة الإسلامية موسوعة لتخليد أسماء شهدائها، كما أسست منظمة خيرية لدعم أسر الشهداء.
وهكذا فقد طرح خطاب الشريعة والخطاب الثوري في الحالة النيجيرية إشكاليات وتحديات مهمة أمام العقل المسلم ليس فقط في أفريقيا ولكن في المجتمعات الإسلامية عموماً، حيث إنه يعيد نفس التساؤلات القديمة والمتجددة دائماً حول العلاقة بين النص والعقل وآفاق الاجتهاد في الفكر الإسلامي المعاصر؟
*العصر