مركز الوفـــاق الإنمائي للدراسات والبحوث والتدريب

2014/08/17 20:10
في مواجهة الانشقاقات المتزايدة
في مواجهة الانشقاقات المتزايدة
*د.عبد العزيز المقالح

ما يكاد يثير الفزع الآن في وجدان كل عربي صادق وشريف أن الانشقاقات العربية لم تعد مثلما كانت إلى وقت قريب تقوم بين نظام عربي أو آخر، أو حتى بين قطر عربي وآخر، وإنما وصلت مرحلة هي الأخطر حيث غدت الانشقاقات داخلية في مكونات الأقطار العربية نفسها، وصارت لهذه الانشقاقات كما يروج لذلك دعاة التفتيت والتقطيع أهداف لم تكن إلى وقت قريب تخطر ببال الشيطان نفسه، متضمنة دعوات علنية صارخة إلى تمزيق القطر الواحد وتفتيت إمكاناته تحت دعاوى مهما كان حظ بعضها من المصداقية فهي لا يمكن ولا يجوز أن يأخذ تصحيحها أو إصلاح مسارها طريق الانشقاق والتفتيت.

ومن هنا فقد أصبح العبء الملقى على كاهل المثقفين الوحدويين ثقيلاً والمسؤولية أكبر في التصدي لهذه الانشقاقات التي تعاني منها كل الأقطار العربية من دون استثناء بما فيها تلك الأقطار ضيقة المساحة قليلة العدد والتي تعاني من حالات الانشقاق المعلن أو الخفي، ومن الدور التفكيكي الذي تلعبه القوى المعادية في تغذية حالات التشرذم والانقسام، وبعض هذه الحالات، إن لم تكن كلها تتنافى مع الطبيعة الإنسانية المفطورة على التعايش والانسجام، ونبذ التعصب والاتجاه إلى الإخلاص في العمل، الذي يصرف الناس على الانسياق وراء الدعوات الانشقاقية، ويجعلهم أحرص على البحث في ملفات التاريخ الغابر عن أسباب انهيار الطموحات العامة وذرائع حضورها التي أدت إلى تدمير الهوية المشتركة. ومن المحزن أن تشهد أقطار الأمة العربية الآن، وفي الأعوام العشرة الأولى من القرن الحادي والعشرين سجالات تثير التقزز، وتستدعي الترفع عن مجرد الإشارة إليها، فضلاً عن الخوض في تفاصيلها.

لقد كان التوحد ومواجهة التسلل المعادي، هو شعار الأمة قبل نصف قرن، ولم يكن ذلك الشعار لسان حال النخبة السياسية والفكرية، كما يذهب إلى ذلك البعض، وإنما كان شعار الإنسان العادي أيضاً الذي مايزال يعرف مصلحته جيداً أكثر من كثير من المثقفين الذين فرقتهم الاستقطابات السياسية. أما اليوم فقد بات التفتيت تفتيت الأقطار وتفتيت الأمة هو الشعار السائد لا في أوساط الأقليات العرقية أو الدينية، وإنما في الوسط العربي، وفي أقطار خلت نهائياً من الأقليات الإثنية، وهذا ما يبعث على الفزع، ويستدعي موقفاً نظرياً وعملياً من جميع مثقفي الأمة، والمستنيرين منهم خاصة، على اختلاف اتجاهاتهم الفكرية، فالأخطار التي تترتب على التفكك لن يعاني من تبعتها هذا القطر أو ذاك، وإنما ستعصف بالجميع وسيكون اللاعبون بشعارات الانشقاق ودعاة التعصب في طليعة من تعصف بهم تلك الدعوات الخادعة والمضللة والمحكومة بالفشل.

لقد صار العالم الجديد جوارنا ومن حولنا يزحف نحو التوحد والتكتل الاقتصادي والسياسي، وشرعت كل أمة جاهدة إلى ترميم هويتها وتصحيح معاني وحدتها وفقاً لمستجدات العصر، وما يتطلبه من إقامة العدل وتطبيق نظام المواطنة المتساوية، ومن تضافر جهود أبناء الأمة الواحدة. بينما يصحو العرب على دعوات نشاز تسعى إلى تمزيق أواصر وحدتهم الوطنية والقومية خدمة لأهداف الأعداء الذين يجدون في وحدة الأمة وتماسك أبنائها ضربة موجهة لأحلامهم، ولما سبق أن أعدوا له من مخططات واضحة لا تخدم سوى مصالحهم الآنية على حساب الشعوب وأحلامها في الاستقرار والتنمية والتطور.
*التجديد العربي
أضافة تعليق