النص والتأويل...
العلمانيون بين النصوص و المقاصد
19-8-2009
بقلم سلطان بن عواد البنوي
’’...وهكذا نعلم أن النص الجزئي و المقصد الكلي معتبران و مقصودان في التشريع الإسلامي ، فالجزئي يعمل لإقامة الكلي ، والكلي يعمل من خلال الجزئي ، وكذلك هي الشريعة الإسلامية نهجٌ متكامل ، و منهجٌ مترابط ، و نظامٌ شامل...’’
من يفحص و يرصد الواقع العلماني و خاصة منهم الذين يحاولون التقريب بين أفكارهم المستوردة و بين الشريعة الإسلامية ، يجدهم يكثرون من التشويه و التلفيق في كتاباتهم و أطروحاتهم الفكرية التي تحاول تفكيك المفاهيم و القيم الإسلامية في بنية النسيج الاجتماعي الإسلامي ، و استبدالها بنسخٍ ملفقةٍ من الاتجاهين الإسلامي و العلماني ، أملاً منهم في صُنع نماذج معرفية علمانية تساعدهم على تحقيق طموحاتهم و أمنياتهم ، فبعد أن يتم ترشيد السلوك و الوجدان الإنساني عبر زخمٍ تغريبي علماني متعدد القنوات ، يحكم الناس من خلال ذلك الترشيد العلماني على المفاهيم و الأنظمة الوافدة بأنها من مفردات الحقل المقاصدي الإسلامي عندهم .
بهذا الأسلوب نجد العلمانيين يتعاملون مع مقاصد و كليات التشريع الإسلامي ، بحيث يجردون المقاصد و الكليات من جزئياتها و أنظمتها الشرعية ، فيفرغون المقصد الكلي من نظامه و جزئياته ، فيكون التوجه و الطلب إلى المقصد الكلي المجرد دون التوجه و الطلب إلى الجزئيات ، ثم يجعلون ذلك المقصد الشرعي في نظام ٍ غير نظامه الأصلي ، لكي يضفوا على النظام العلماني المستورد ثوباً إسلامياً خالياً من الاعتراضات ، فلنضرب مثالاً توضيحياً لذلك ، نجد أن من مقاصد التشريع في النظام السياسي الإسلامي ( الحرية ) كما ذكر ذلك ابن عاشور في مقاصده ، حينئذ يتعامل العلمانيون مع هذا المقصد الكلي ( الحرية ) بطريقة تخرجه من نظامه السياسي الإسلامي ليجعلونه في نظامٍ ديمقراطي لا يمس للإسلام بأي صلة ، فيدّعون بعد ذلك أن الديمقراطية وسيلة إسلامية تحقق المقصد الكلي للشريعة ، وهكذا يتم تشويه المقصد الكلي ، وتُستبعد النصوص الجزئية الموصلة إليه .
و لنفهم العلاقة المتبادلة بين النص الجزئي و المقصد الكلي ، ينبغي أن نطرح سؤالاً ، و هو إذا خرج المقصد الكلي من نظامه و جزئياته الشرعية إلى أنظمة و جزئيات أخرى ، فهل يُطبق ذلك المقصد على أرض الواقع تطبيقاً صحيحاً أم لا ؟
إن الإنسان العاقل يستطيع أن يدرك الكليات و المقاصد التي تُسعده و تعينه في حياته الدنيا ، من مثل العدل و المساواة و الحرية وغيرها ، لكنه لا يستطيع وضع تلك المقاصد و الكليات في أنظمة و جزئيات تحققها بطريقة صحيحة خالية من الأخطاء و التجاوزات البشرية المعتادة ، ثم إن الكليات لا تعمل في الفراغ فهي كامنة في الأذهان وليس في الواقع الخارجي ، وإنما تعمل من خلال أنظمة و جزئيات تجعل ذلك المقصد الكلي ممكناً و واقعياً ، وإذا كان الإنسان لا يستطيع أن يجعل الكليات في أنظمة خالية من التجاوزات البشرية المعتادة ، أنزل الله له الدين الإسلامي مكتمل البنيان ، شاملاً للجزئيات الموصلة للمقاصد و الكليات .
وفي هذا السياق يقول الإمام الشاطبي - رحمه الله - ( . . . أن الجزئيات لو لم تكن معتبرة مقصودة في إقامة الكلي ؛ لم يصح الأمر بالكلي من أصله ، لأن الكلي من حيث هو كلي لا يصح القصد في التكليف إليه ، لأنه راجع لأمر معقول لا يحصل في الخارج إلا في ضمن الجزئيات ، فتوجه القصد إليه من حيث التكليف به توجه إلى تكليف ما لا يطاق ، فالقصد الشرعي متوجه إلى الجزئيات . . . فانحتم القصد إلى الجميع ، وهو المطلوب ) (1) والعلمانيون أثناء طرحهم لأفكارهم يستندون للإمام الشاطبي - رحمه الله - جهلاً منهم بنصوصه ، و تدليساً عليه ، و ذلك بسبب اهتمامه رحمه الله بالمقاصد الشرعية أكثر من غيره من العلماء ، ثم يهجمون على الإمام الشافعي- رحمه الله - لاهتمامه بطرق الاستدلال من النصوص الجزئية التي تقيد و تضبط استدلالاتهم المنحرفة فلا يستطيعون الخروج عنها .
وهكذا نعلم أن النص الجزئي و المقصد الكلي معتبران و مقصودان في التشريع الإسلامي ، فالجزئي يعمل لإقامة الكلي ، والكلي يعمل من خلال الجزئي ، وكذلك هي الشريعة الإسلامية نهجٌ متكامل ، و منهجٌ مترابط ، و نظامٌ شامل ، يهتدي به الناس في دروب حياتهم الحالكة و المتعبة فينير الله لهم السُبل و الطرق .
------------------
(1) الموافقات ج 2 ص 96-97 .
*شبكة القلم الفكرية
العلمانيون بين النصوص و المقاصد
19-8-2009
بقلم سلطان بن عواد البنوي
’’...وهكذا نعلم أن النص الجزئي و المقصد الكلي معتبران و مقصودان في التشريع الإسلامي ، فالجزئي يعمل لإقامة الكلي ، والكلي يعمل من خلال الجزئي ، وكذلك هي الشريعة الإسلامية نهجٌ متكامل ، و منهجٌ مترابط ، و نظامٌ شامل...’’
من يفحص و يرصد الواقع العلماني و خاصة منهم الذين يحاولون التقريب بين أفكارهم المستوردة و بين الشريعة الإسلامية ، يجدهم يكثرون من التشويه و التلفيق في كتاباتهم و أطروحاتهم الفكرية التي تحاول تفكيك المفاهيم و القيم الإسلامية في بنية النسيج الاجتماعي الإسلامي ، و استبدالها بنسخٍ ملفقةٍ من الاتجاهين الإسلامي و العلماني ، أملاً منهم في صُنع نماذج معرفية علمانية تساعدهم على تحقيق طموحاتهم و أمنياتهم ، فبعد أن يتم ترشيد السلوك و الوجدان الإنساني عبر زخمٍ تغريبي علماني متعدد القنوات ، يحكم الناس من خلال ذلك الترشيد العلماني على المفاهيم و الأنظمة الوافدة بأنها من مفردات الحقل المقاصدي الإسلامي عندهم .
بهذا الأسلوب نجد العلمانيين يتعاملون مع مقاصد و كليات التشريع الإسلامي ، بحيث يجردون المقاصد و الكليات من جزئياتها و أنظمتها الشرعية ، فيفرغون المقصد الكلي من نظامه و جزئياته ، فيكون التوجه و الطلب إلى المقصد الكلي المجرد دون التوجه و الطلب إلى الجزئيات ، ثم يجعلون ذلك المقصد الشرعي في نظام ٍ غير نظامه الأصلي ، لكي يضفوا على النظام العلماني المستورد ثوباً إسلامياً خالياً من الاعتراضات ، فلنضرب مثالاً توضيحياً لذلك ، نجد أن من مقاصد التشريع في النظام السياسي الإسلامي ( الحرية ) كما ذكر ذلك ابن عاشور في مقاصده ، حينئذ يتعامل العلمانيون مع هذا المقصد الكلي ( الحرية ) بطريقة تخرجه من نظامه السياسي الإسلامي ليجعلونه في نظامٍ ديمقراطي لا يمس للإسلام بأي صلة ، فيدّعون بعد ذلك أن الديمقراطية وسيلة إسلامية تحقق المقصد الكلي للشريعة ، وهكذا يتم تشويه المقصد الكلي ، وتُستبعد النصوص الجزئية الموصلة إليه .
و لنفهم العلاقة المتبادلة بين النص الجزئي و المقصد الكلي ، ينبغي أن نطرح سؤالاً ، و هو إذا خرج المقصد الكلي من نظامه و جزئياته الشرعية إلى أنظمة و جزئيات أخرى ، فهل يُطبق ذلك المقصد على أرض الواقع تطبيقاً صحيحاً أم لا ؟
إن الإنسان العاقل يستطيع أن يدرك الكليات و المقاصد التي تُسعده و تعينه في حياته الدنيا ، من مثل العدل و المساواة و الحرية وغيرها ، لكنه لا يستطيع وضع تلك المقاصد و الكليات في أنظمة و جزئيات تحققها بطريقة صحيحة خالية من الأخطاء و التجاوزات البشرية المعتادة ، ثم إن الكليات لا تعمل في الفراغ فهي كامنة في الأذهان وليس في الواقع الخارجي ، وإنما تعمل من خلال أنظمة و جزئيات تجعل ذلك المقصد الكلي ممكناً و واقعياً ، وإذا كان الإنسان لا يستطيع أن يجعل الكليات في أنظمة خالية من التجاوزات البشرية المعتادة ، أنزل الله له الدين الإسلامي مكتمل البنيان ، شاملاً للجزئيات الموصلة للمقاصد و الكليات .
وفي هذا السياق يقول الإمام الشاطبي - رحمه الله - ( . . . أن الجزئيات لو لم تكن معتبرة مقصودة في إقامة الكلي ؛ لم يصح الأمر بالكلي من أصله ، لأن الكلي من حيث هو كلي لا يصح القصد في التكليف إليه ، لأنه راجع لأمر معقول لا يحصل في الخارج إلا في ضمن الجزئيات ، فتوجه القصد إليه من حيث التكليف به توجه إلى تكليف ما لا يطاق ، فالقصد الشرعي متوجه إلى الجزئيات . . . فانحتم القصد إلى الجميع ، وهو المطلوب ) (1) والعلمانيون أثناء طرحهم لأفكارهم يستندون للإمام الشاطبي - رحمه الله - جهلاً منهم بنصوصه ، و تدليساً عليه ، و ذلك بسبب اهتمامه رحمه الله بالمقاصد الشرعية أكثر من غيره من العلماء ، ثم يهجمون على الإمام الشافعي- رحمه الله - لاهتمامه بطرق الاستدلال من النصوص الجزئية التي تقيد و تضبط استدلالاتهم المنحرفة فلا يستطيعون الخروج عنها .
وهكذا نعلم أن النص الجزئي و المقصد الكلي معتبران و مقصودان في التشريع الإسلامي ، فالجزئي يعمل لإقامة الكلي ، والكلي يعمل من خلال الجزئي ، وكذلك هي الشريعة الإسلامية نهجٌ متكامل ، و منهجٌ مترابط ، و نظامٌ شامل ، يهتدي به الناس في دروب حياتهم الحالكة و المتعبة فينير الله لهم السُبل و الطرق .
------------------
(1) الموافقات ج 2 ص 96-97 .
*شبكة القلم الفكرية