مركز الوفـــاق الإنمائي للدراسات والبحوث والتدريب

2014/08/17 20:10
اختيار صادف أهله
اختيار صادف أهله - فهمى هويدى

هذه بشارة ينبغي ألا نمررها دون أن نعطيها حقها من التقدير. ذلك أنه أعلن يوم الثلاثاء الماضي 6/16 أنه تم الاتفاق على اختيار طرابلس الليبية مقرا للتحالف العربي من أجل الديموقراطية والتنمية وحقوق الإنسان. وقد وقع هذا الاتفاق ممثلون عن 32 منظمة مختصة في 14 دولة عربية. وهو ما يعني أنه من الآن فصاعدا ستكون العاصمة الليبية أهم معاقل الدفاع عن الديموقراطية والتنمية وحقوق الإنسان في العالم العربي.
ليس في الأمر أي هزل، لأن الخبر تم بثه من خلال وكالة الأنباء الليبية ووكالة أنباء الشرق الأوسط المصرية، وعنهما نقلت الخبر وسائل الإعلام العربية، وهي مصادفة دالة، أن يحدث ذلك في العام الأربعين لتولي العقيد القذافي السلطة في ليبيا عام 1969، وبعد أن توافقت بعض القبائل والمجتمعات الأفريقية على تنصيبه ملكا لملوك القارة في مؤتمر حاشد عقد في ليبيا قبل أشهر قليلة. وهو اللقب الذي أصبح الأخ العقيد يعتز به، حتى ردده أمام القمة العربية الأخيرة، مذكرا بأنه أيضا إمام المسلمين وعميد الحكام العرب، وببقائه طوال تلك المدة في منصبه فإنه أصبح ثالث أقدم حكام العالم، بعد ملك تايلاند بومبيبول أدوليادج الجالس على العرش منذ عام 1946، وملكة بريطانيا الثانية التي جلست على عرش بلادها في عام 1952، وبعد الاثنين يأتي العقيد القذافي رئيس ليبيا وملك ملوك عموم أفريقيا.
طوال تلك السنوات الأربعين ظل العقيد القذافي صاحب الكلمة الأولى والأخيرة في ليبيا، تغيرت مواقفه وشعاراته وانتماءاته وأرديته، لكنه ظل الثابت الوحيد في الجماهيرية «العظمى»، أدري أن بيتنا من زجاج فيما يتعلق بالمدة، وإن بدرجة أقل، لكن ذلك لا يمنعنا من التعبير عن الرفض لكل صور احتكار السلطة وإدامتها. وتحويل الجمهوريات إلى ملكيات معدلة، سيرا على درب الراحل كيم إيل سونج في كوريا الشمالية، الذي ورث ابنه السلطة، وقرأنا أخيرا أن الحفيد جاء دوره، وأنه يعد الآن لكي يخلف أباه المريض.
هو شأن ليبي أن تصبح الدولة عظمى، وجماهيرية أيضا، وأن يكون الكتاب الأخضر كتابها المقدس، وأن يكون العقيد ملكا للملوك، وأن يكون لليبيا تقويمها الخاص في تسمية الشهور الإفرنجية، وابتداء الشهور العربية بوفاة الرسول وليس بهجرته. ذلك كله يخص ليبيا السلطة والمجتمع، وليس لنا فيه كلام، لكن حين يقام تحالف عربي للديموقراطية والتنمية وحقوق الإنسان، وتشارك فيه 32 منظمة عربية، وحين يختار هذا التحالف الوليد طرابلس مقرا له، فلابد أن يكون لنا في الموضوع كلام.
إذ لا أخفي أن الخبر استفزني لأول وهلة، حين استغربت أن تشارك 32 منظمة عربية في إقامة ذلك التحالف في الجماهيرية العظمى التي لم يُعرف لها رصيد لا في الديموقراطية أو التنمية، وسجلها في حقوق الإنسان لا تحسد عليه، لكنني حين فكرت في الأمر مرة ثانية وجدت أن الاخفاق في تلك المجالات الثلاثة حاصل أيضا في أغلب الأقطار العربية. وحين استعرضت ما أعرفه عن تلك الأقطار وجدت أن الاختلاف بين ليبيا وبينها هو في الدرجة فقط وليس في النوع. بمعنى أن احتكار السلطة قائم فيها كما أن التنمية متعثرة وانتهاكات حقوق الإنسان لعنة حلت بالجميع. وهو ما جعلني لا أستغرب أن تأتي 32 منظمة في تلك الأقطار لتقيم تحالفها في ليبيا، حيث أدركت أن العاصمة الليبية هي حقا المكان الأمثل لإقامة تحالف من أجل الديموقراطية المغشوشة التي تطبق فيها. مصداقا للمثل الشامي الذي يقول: هيك ديموقراطية ليس لها إلا هيك عاصمة. وهو تأويل امتص شحنة الغضب عندي، ودفعني إلى التفكير في إرسال برقية تهنئة إلى أمانة التحالف أقول فيها إنه اختيار صادف أهله.. مبروك علينا.
أضافة تعليق