مركز الوفـــاق الإنمائي للدراسات والبحوث والتدريب

2014/08/17 20:10
زمن شرعية القواعد العسكرية -
زمن شرعية القواعد العسكرية -
فهمى هويدى
زفَّت إلينا صحف الأربعاء الماضي (5/27) خبر الافتتاح الرسمي لأول قاعدة عسكرية فرنسية على سواحل الخليج العربي. ورأينا على الصفحات الأولى صور الرئيس الفرنسي وهو يتمشى مختالا في أبوظبي، مصحوبا ببعض المسؤولين الإماراتيين. وقد ظهرت في خلفيته بارجة فرنسية ضخمة اصطف أمامها طابور طويل من جنود البحرية الفرنسية. وعلمنا من الكلام المنشور أن هذه ليست أول قاعدة عسكرية فرنسية في منطقة الخليج فحسب، وإنما هي الأولى منذ خروج الاحتلال الفرنسي من أفريقيا. علمنا أيضا أن تجهيز القاعدة استغرق 18 شهرا تقريبا، وسيعمل بها ما بين 400 و500 عسكري فرنسي، يتوزعون على ثلاثة مواقع هي: قاعدة بحرية في ميناء أبوظبي، وقاعدة جوية. إضافة إلى معسكر للتدريب على القتال في المدن وفي المناطق الصحراوية.
في الافتتاح أعلن أن «معسكر السلام البحري»، وهو الاسم الحركي للقاعدة العسكرية، يشكل مرحلة جديدة من التعاون بين البلدين في اطار «معاهدة الدفاع المشترك» التي سبق توقيعها عام 1994، وقال الرئيس ساركوزي في تسويقه للعملية ان القاعدة العسكرية تشكل «رسالة سلام» إلى المنطقة بكاملها، وأضاف أن الوجود العسكري في أبوظبي دليل على ان فرنسا كقوة عالمية تمارس مع «حليفتها الإمارات» دورا في الدفاع عن الاستقرار في منطقة تشكل قلقا عالميا.
في حدود علمي فإن هذه هي المرة الأولى التي يحتفل فيها باقامة قاعدة عسكرية أجنبية على أرض عربية. صحيح أن ثمة قواعد عسكرية أميركية كثيرة في العالم العربي (كانت مجلة نيوزويك قد نشرت في شهر فبراير عام 2003 «قبل غزو العراق» خريطة لـ 35 قاعدة عسكرية في العالم العربي)، لكن هذه القواعد لاتزال غير معلنة رسميا وبعضها أقيم تحت مسميات مختلفة (تسهيلات مثلا). وفي التراشق السياسي الذي يحدث احيانا بين الدول العربية، يعير البعض ويجرَّحون جراء اتهامهم باستقبال قواعد أجنبية على أراضيهم. وبالمناسبة فإن وجود قاعدة فرنسية في منطقة يفترض أنها ساحة للقواعد الأميركية يثير الانتباه. ولا يفسر إلا بحسبانه من مظاهر التنافس أو التنسيق بين الدولتين الكبيرتين. وقد علق على ذلك أحد الخبراء بقوله اننا في الماضي كنا نتحدث عن تنويع مصادر السلاح، لكننا الآن دخلنا طورا جديدا انتقلنا في ظله إلى مرحلة تنويع القواعد العسكرية الأجنبية.
جيلنا كان يعتبر وجود القواعد العسكرية الأجنبية من الكبائر المحرمة سياسيا. وإلى عهد قريب كانت الثقافة السائدة في العالم العربي تصنف تلك القواعد بحسبانها فعلا فاضحا لا يتحقق الاستقلال إلا بعد الخلاص منه. ولكن هذه الثقافة انتكست بشدة خلال العقود الثلاثة الأخيرة، بحيث أصبح وجود تلك القواعد حدثا عاديا يحتفى به رسميا وعلنا، وتبرزه الصحف وكأنه انجاز سياسي، الأمر الذي يشهد بمدى تدهور الثقافة السياسية السائدة.
الحدث يستدعي ملف أزمة النظام العربي، الذي كانت اتفاقية الدفاع المشترك بين الدول العربية من افرازاته. ويثير أكثر من سؤال حول الملابسات التي دفعت دولة الإمارات وغيرها من دول الخليج إلى محاولة البحث عن «كفيل» غربي يؤمنها، كما يثير سؤالا حول خيارات دولة الإمارات في مواجهة ما تعتبره تطلعات إيرانية، وهل تكون بالسعي لإحياء النظام العربي أم بتوقيع اتفاقية عدم اعتداء مع إيران أو الاحتماء بالدفاع المشترك مع فرنسا وإقامة قاعدة عسكرية لها على أراضيها؟. أيا كانت الإجابة عن تلك الأسئلة، فليتنا نتفق على أن الكبائر والموبقات السياسية لا ينبغي لها تحت أي ظرف أن تصبح من المباحات، لأنه في السياسة كما في الدين يظل الحرام بيِّنا والحلال بيِّنا. ولا مجال لاعتبار التطوع باستقدام القوات الأجنبية من المشتبهات.
أضافة تعليق