مركز الوفـــاق الإنمائي للدراسات والبحوث والتدريب

2014/08/17 20:10
إسلاميو اليمن بين برجماتية السياسة والعرف الإجتماعي!!
إسلاميو اليمن بين برجماتية السياسة والعرف الإجتماعي!!

نبيل البكيري / 12-05-2009

نبيل البكيري
ليس من قبيل المبالغة القول إن الإصلاح هو الحزب الأقرب في الحياة السياسية اليمنية الذي يمكن أن يقال عنه إنه حزب سياسي بما تعنيه الكلمة، وليس من قبيل المجاملة أيضا القول إنه لولا وجود مثل هذا الحزب ومدرسته الفكرية لكان مشروع التدين في اليمن عبارة عن مشاريع طائفية مذهبية مقيتة.فالمتابع لنشأة هذا الحزب منذ انطلاقته السياسية في سبتمبر 1990م وحتى اليوم، يدرك مدى أهمية هذا الحزب في الحياة السياسية اليمنية وأي مذاق لها بفضل وجوده فيها.. حزب فاعل ومؤثر أضفى على الحياة السياسية اليمنية مزيدا من الحيوية والتجدد والنشاط، فضلا عن كونه إنجازا كبيرا لهذا الوطن الذي لمّا يتحرر حتى اليوم من ربق الفوضى والتخلف القبلي.

فالإصلاح، فكرا هو الامتداد الطبيعي لمدرسة التجديد الدينية والفكرية والإصلاحية اليمنية التي أمدت العالم الإسلامي بكوكبة من علمائها ومفكريها وأعلامها الكبار من أمثال المقبلي والجلال وابن الأمير وابن الوزير والشوكاني قديما والزبيري والبيحاني والوريث والحكيمي حديثا، هؤلاء الأعلام الذين تركوا بصماتهم واضحة في سماء التجديد الديني على امتداد الثلاثة القرون الماضية، مؤسسين بفكرهم واحدة من أبرز مدارس التجديد الديني في العالم الإسلامي.

إن المدرسة الإصلاحية اليمنية التي فرض عليها كل هذا التجاهل والتهميش المتعمد، لهي بالفعل المدرسة الفكرية الوسطية التي استطاعت أن تنشر أفكارها في كل أنحاء العالم الإسلامي بدون أي حوافز مالية سلطوية، بل لقد فرضت هذه المدرسة أفكارها بوسطيتها واعتدالها وعقلانيتها. أما اليوم وبعد كل تلك الجهود الرائدة لمدرسة الاعتدال والوسطية اليمنية نلاحظ بجلاء حجم وهول الفاجعة مما أصاب هذه المدرسة التجديدية من جمود وتراجع كبيرين على الصعيدين الديني والفكري بفعل التأثير الكبير لأفكار المدرسة السلفية النجدية التي استطاعت أن توجد لها أنصارا ومحازبين على الساحة الدينية اليمنية بفعل فورة النفط التي اجتذبت الكثير من الشباب اليمني للدراسة والعمل في المملكة السعودية.

غير خافٍ على أحد من المتابعين، مدى التأثير الذي أحدثته المدرسة السلفية في ظاهرة التدين اليمنية تاركة بصماتها بقوة في كثير من إشكاليات التدين العقدي والفقهي، مما أدى إلى مزيد من المناكفات والتشدد المضاد من قبل المذهبيين اليمنيين الذين باتوا يرون في السلفية النجدية تحديا واضحا لهم ولمذاهبهم، بفعل جمودها وتزمتها ورفضها للآخر المختلف معه فقهيا جملة وتفصيلا.إننا في هذه المحاولة الهادئة للنقاش سنحاول أن نعرج على بعض القضايا القابلة للنقاش في الإصلاح حزبا وحركة، منطلقين من حرصنا على هذا الحزب وإعجابنا به، لا أقل ولا أكثر، وإننا هنا نسجل فقط ملاحظاتنا التي قد نكون مخطئين فيها، ولا نحتسب أجرها إلا على الله وحده، ولا ندعي أي قدرة على التنظير والجدل، بقدر إيماننا العميق بوجوب النقد البناء الهادف الذي يحثنا عليه ديننا الحنيف، سائلين الله سبحانه السداد في القول والعمل.

الإصلاح والعمل السياسي

من المفارقات الملفتة في مسيرة الحركة الإسلامية اليمنية هو وعيها السياسي المبكر، الذي سبقت به الكثير من الحركات الإسلامية الأخرى حتى تلك التي تدعي الأمومة السياسية لهذه الحركات، فقد سعت الحركة الإسلامية مبكرا إلى المشاركة السياسية مستخدمة كل الوسائل المتاحة للعمل السياسي، والتي بدأت أولى بواكيرها في أربعينات القرن الماضي والذي توج بالثورة الدستورية في عام 1948م وما ترتب عليها من نتائج اعتمدت عليها الحركة لاحقا في عملها السياسي.

فبعد هذه الثورة التي لم يكتب لها النجاح، تبنت الحركة عملا سياسيا هادئا وحذرا، متأثرا بما أدت إليه ثورة 48 من انتكاسة كبيرة، وهو ما جعل الإصلاحيين يتبنون نوعا من العمل السياسي المتماهي مع السلطة السياسية القائمة والتسليم لها وبها كأمر واقع وهو هنا ما أضر بالحركة كثيرا من خلال نظرة الآخرين لها، فضلا عن المشاركة السلبية في الحكم التي تنتج عن مثل هذا النوع من العمل السياسي الموارب -إن صح التعبير- وهو ذات الأسلوب الذي صار مصاحبا لأداء الإصلاحيين إلى مرحلة متأخرة إلى ما بعد حرب صيف 1994م.

فالملاحظ اليوم في العمل السياسي للإصلاحيين هو استباق الممارسة السياسية للمراجعة الفكرية وهو ما يعني أن السياسي هو الذي يقود توجهات الحزب وليس المفكر الذي صار تابعا للسياسي باحثا عن مبررات لهذه التصرفات السياسية فقط لا غير كوظيفة رسمية لهذا المفكر بعد أن كان هو القائد والموجه.

صحيح أن الإصلاح، قد تقدم كثيرا في ممارسته السياسية النخبوية القائمة على المشاركة والقبول بالآخر، مقابل تأخر كبير في طرح مثل هذه الرؤى والأفكار السياسية على مستوى القواعد التي لا زال الكثير من أفرادها يعيش مرحلة سياسية متأخرة، هي مرحلة ما قبل المشترك، وهي مرحلة المفاصلة والمخاصمة مع فرقاء الساحة السياسية الذين عانوا كثيرا جراء هذه الرؤية الحدية العقائدية للآخر.

غياب الاستراتيجية عند صناعة القرار السياسي وصياغته سمة بارزة لدى الإصلاح مما أدى وسيؤدي إلى الكثير من الإرباكات في العمل السياسي للحزب، في ظل خطاب غير واضح المعالم أحيانا وبعيد عن متطلبات الناس ومعاناتهم، وهو ما يرسم صورة غير جيدة وانطباعا سيئاً لدى الناس في رؤيتهم للحزب واهتماماته.انعدام المؤسسية وشخصنة المبادئ وطغيان الصفة الرمزية للقيادات، وغياب الشفافية السياسية في التداول القيادي للحزب كلها إشكاليات كبيرة تعيق وتعرقل دعوات التحديث والدمقرطة في هيكلية الحزب مما يؤدي إلى مزيد من الإحباط أمام نخب التحديث والتجديد الشابة الطامحة إلى القيادة والتغيير التي قد لا تجد خيارا آخر غير مغادرة مواقعها ولو إلى المجهول.

تماهي الديني والسياسي

من الإشكالات المعقدة في طريق العمل السياسي الإسلامي هو هذا الخلط الواضح وغياب التمييز بين الديني والسياسي الذي يقع فيه الإسلاميون كثيرا مندفعين بنية حسنة في نظرتهم للأمور، غير مدركين الانعكاس الحاصل جراء هذا الخلط الذي يلتبس على الآخرين محدثا ردة فعل عكسية وقوية أحيانا تجاه أي إخفاق قد يرتكب من قبل هؤلاء المحسوبين على الإسلام.

فمن تجليات هذا الخلط عند الإصلاح ما يأتي في قضية التنظيم والحزب، فالإصلاح خالف غيره من الحركات الإسلامية في قضية الجمع بين العمل الحزبي والدعوي في إطار تنظيمي واحد وهو، على عكس ما هو عليه الحال في الحركة الإسلامية الأردنية مثلا التي فصلت بين الحركة وهي حركة الإخوان المسلمين الدعوية والتربوية وحزب جبهة العمل الإسلامي الواجهة السياسية للحركة، وهو نفس الأمر تقريبا بالنسبة للحركة المغربية التي فصلت بين العملين من خلال جماعة التوحيد والإصلاح وحزب العدالة والتنمية. فإشكالية مثل هذا الخلط تكمن في احتكار المرجعية الدينية للمجتمع، فضلا عما يترتب على قضية العمل السياسي من أخطاء وإخفاقات سياسية بشرية قابلة لصواب أو الخطأ، وهذا ما يريده بعض المتربصين الذين يحبون أن يصوروا مثل هذه الإخفاقات وكأنها أخطاء ارتكبها الإسلام لا معتنقوه من البشر ومن باب سد الذرائع الأولى دينا ودنيا الابتعاد عن الوقوع في مثل هذا الإشكال!!

وهذا ما تنبه له بعض مفكري الحركات الإصلاحية في العالم الإسلامي كالرئيس التركي عبد الله جول الذي قال إن حزبه ليس حزبا إسلاميا بل حزبا تركيا محافظا، وإن الإسلام هو دين الشعب التركي كله، لأن الإسلام أكبر من أن يحصر في طائفة أو حزب وأننا نمارس أعمالنا السياسية كبشر معرضين للخطأ والصواب وأن أي خطأ قد يرتكب من قبل من يصفون أنفسهم بالإسلاميين هو خطأ ينسب إلى الإسلام والإسلام أقدس وأعظم أن ينسب إليه الخطأ.

غياب الفكر وطغيان الساسه

للمجتمعات خصوصيات لا يمكن إغفالها والقفز عليها في التعامل مع هذه المجتمعات، وهذا ما يجب الانتباه له جيدا، إذ يكاد يكون هذا الجانب بالنسبة للإصلاح الحركة والحزب معا، مغيبا في حساباتهم وتوجهاتهم القائمة على مناهج حركية وتربوية قد لا تتفق كثيرا مع خصوصية المجتمع اليمني فضلا عن قدمها وتغير الكثير من الظروف السياسية والاجتماعية والدعوية التي ارتكزت عليها مثل هذه المناهج، هذا عدا عن تحولات فكرية كبرى لدى منظريها ومفكريها ابتداء بفتحي يكن وليس انتهاء بأحمد الراشد.

وبتالي فإن مدرسة الإصلاح التربوية تقف اليوم أمام العديد من الإشكاليات الفكرية والتربوية والحركية التي يجب العمل على إعادة صياغتها ومراجعة مرتكزاتها الفكرية، للخروج من حالة الجمود والتقليد الحالية التي أصابت الجهود الكبيرة في هذا الجانب بالشلل التام فضلا عن ضحالة المخرجات الحركية وضعفها نتيجة لهذا الشلل.

و من هذا المنطلق فإن تجربة الحركة الإسلامية اليمنية «الإصلاح» فكراً وثقافةً حركية ودعوية أيضا تٌعد فقيرة نسبيا مقارنة بتراثها الفقهي والديني والفلسفي الذي ورثته عن أعلام المدرسة الإصلاحية اليمنية، إلا أن المفارقة العجيبة اليوم هي هذا الافتقار الشديد في الساحة اليمنية كلها لشخصية المفكر والمنظر وليس الحالة الإسلامية استثناءا منها. صحيح أن الحركات ليست ملزمة بإنتاج مفكرين، لكنها في الوقت نفسه ليست معفية من تهيئة ظروف خاصة وملائمة لوجود مثل هذا المفكر في صفوف أبنائها وأنصارها من خلال الدعم والتشجيع الدائم.

لا يمكن تصور حزب وجماعة بحجم الإصلاح اليوم تفتقر إلى مؤسسة علمية بحثية محترمة -على الأقل- متفرغة للبحث والدراسة ويعمل فيها عدد من الكوادر المثقفة، وذلك لدراسات متغيرات الواقع اليمني كلها، لصوغ قرار سياسي أو رؤية اجتماعية أو اقتصادية تساهم في تخفيف العبء الثقيل على كاهل الوطن المثخن بالأزمات المحطمة لأحلام وطموحات مواطنيه.ثقافيا لولا ظاهرة الإنشاد التي تقوم على جهود ذاتية لهذه الفرق الفنية لخلت الساحة الثقافية للحركة من أي نشاط ثقافي أو فني في ظل النظرة القاصرة للمسألة الثقافية في أجندة هذا الحزب الذي يفتقر إلى أي مؤسسة ثقافية رائدة تتبنى الاعتناء بالمشهد الثقافي رغم وفرة الكوادر المثقفة ذاتيا طبعا في صفوفه التي رفدت مسيرة الحزب الطويلة بالكثير من الإنتاج الثقافي والفني المبدع.

لم يعد مفهوم اليوم أيضا الاضمحلال المتزايد للوسائل الصحفية التابعة للحزب والناطقة باسمه والتي تعد بعضها بمثابة أول صحيفة أهلية منتظمة الصدور حتى اليوم، هذا عدا عن وقوف وتجمد هذه الوسائل عن التطور المطلوب في عصر الثورة المعلوماتية، إذ يفترض بهذه الوسائل وهي تمثل شريحة كبيرة بحجم الإصلاح أن تتحول إلى مؤسسات إعلامية كبرى وأن تتحول بعض الصحف إلي يومية، فضلا عما سيترتب علي هذه المؤسسات من إصدارات فكرية وسياسية وثقافية ترفد المجتمع بثقافة معرفية ملتزمة وموضوعية يفتقر إليها هذا المجتمع عدا عن كوادر الحزب وأنصاره.

في عصر الفضائيات اليوم وثورة المعلومات المعولمة التي اقتحمت عالمنا وأخص خصوصيات مجتمعاتنا فرض الإعلام نفسه كسلطة مطلقة في واقع اليوم قادرة على فرز وإعادة تشكيل الهويات وسلاحا فتاكا في إدارة الصراعات وإعادة تشكيل الرأي العام وتهيئة الأجواء تمهيدا للمتغيرات المتسارعة التي غدت متحكمة اليوم في كل سياسيات الاجتماع البشري.في ظل هذه المتغيرات والتحولات المذهلة لم يعد مقبولا أن يقف حزب كبير كالإصلاح موقفا سلبيا في قضية الإعلام وامتلاك وسيلة إعلامية ستساهم بشكل كبير في إيصال رسالة الحزب الفكرية والتربوية والسياسية إلى كل بيت، وستعمل على خلق رأي عام حر ومستنير في وجه الأحادية الإعلامية المحتكرة من قبل حزب السلطة الحاكم، عدا عما ستحققه هذه الوسيلة من مردود مادي كبير سيعود نفعه على هذه القناة والحزب معاً.

الإصلاح والمناطق الرمادية

لقد فرض الواقع الحالي على الإصلاح باعتباره حزبا كبيرا وفاعلا على الساحة الكثير من الواجبات والالتزامات الضرورية التي سيتوقف عليها نجاح أو فشل التجربة الديمقراطية اليمنية كلها، باعتبار أن مثل هذه القضايا مرتكزات أساسية لقيام أي عملية ديمقراطية حقيقة.
ويأتي في مقدمة هذه القضايا حقوق الإنسان والمشاركة السياسية للمرأة والشفافية الإدارية والمؤسسية للحزب فضلا عن سلاسة تبادل المواقع القيادية وتدويرها داخل الهيكل المؤسسي للحزب، هذا عدا عن الكثير من الآراء الفقهية والدينية التي يؤمن بها الحزب كإطار عقدي وثوابت أساسية لا يمكن الخروج عنها.

صحيح أن هناك مؤسسات حقوقية ناجحة محسوب أصحابها على الإصلاح، لكن هذا في الأخير ليس إلا مجرد نشاط فردي وذاتي من قبل هؤلاء الناشطين الذين لا يتلقون من قبل الحزب أي دعم أو تأييد إلا في حالة ما يكون نشاط هذه المؤسسات في صالح بعض قضايا الحزب الحقوقية البحتة.

المرأة و «الفيتو» الاجتماعي

بالنسبة للمرأة التي يعتمد عليها الإصلاح كثيرا كصوت انتخابي لا زالت بعيدة عن أدنى مستويات القرار السياسي المتعلق بها فضلا عن القرار السياسي للحزب بفعل «الفيتو الاجتماعي» الذي يحكم العلاقة القائمة بين المرآة والحزب التي أفسحت لها الاجتهادات الفقهية المعاصرة لدى جميع الحركات الإسلامية مكانا كبيرا وبارزا لا يتعدى التصويت الانتخابي بل والمشاركة السياسية كمرشحة فضلا عن تبوئها لمناصب إدارية عليا.تمثل المرآة حسابيا أكثر من نصف المجتمع، وواقعا هي المجتمع كله بكونها المدرسة الأولى التي يتخرج على يديها المجتمع ككل، مما يكسبها مكانة متقدمة ورائدة في كل المجالات وبحسب الدراسات العلمية اليوم فالمرأة أذكى من الرجل وأكثر التزاما منه تجاه مسؤولياتها الاجتماعية.هذه المكانة المتقدمة هي المكانة التي وضعها فيها الإسلام منذ بداياته الأولى، يدرك هذه المكانة جيدا فقهاؤنا وعلماؤنا الأجلاء، ويدركون جيدا ما لحق بالمرأة من ظلم وحيف لطغيان النظرة العرفية على النظرة الدينية المنصفة للمرأة والتي ظلمتها العادات والتقاليد القبلية باسم الدين.
.الإسلاميون
أضافة تعليق