عالمية الإسلام
أ. د. مها بنت محمد العجمي
ليس هناك دين من الأديان له صفة العمومية والعالمية إلا الإسلام، فقد قال تعالى: {تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيراً (1)}. وقال صلى الله عليه وسلم (كان كل نبي يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى كل أحمر وأسود).
فالإسلام هو وحده الذي جاءت هدايته شاملة لجميع مناشط الحياة ومعالجة كل القضايا، ويمكن تطبيق مبادئه في كل زمان ومكان، كما أنه يمكن استنباط حكم لكل حادثة تَجدُّ، فهو بهذا دين خالد عام، فقد قال عزَّ جلاله: {وَمَا هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ (52)}، وقال صلى الله عليه وسلم: (مثلي ومثل الأنبياء من قبلي كمثل رجل بنى بيتاً فأحسنه وأكمله إلا موضع لبنة من زاوية فجعل الناس يطوفون به ويعجبون له ويقولون هلا وضعت هذه اللبنة، فأنا تلك اللبنة وأنا خاتم النبيين).
ثم إن المنهج الذي سلكه الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم في دعوته يحمل طابع العمومية للناس، فقد دعا قومه أولاً وخصَّ منهم عشيرته وأقاربه، ثم عمم الدعوة وخرج بها إلى غير قريش من القبائل العربية في مواسم الحج وغيرها، ثم تجاوز العرب إلى الدول الأخرى في آسيا وإفريقيا، فدعا إلى الدخول في الإسلام أمثال كسرى وهرقل والنجاشي والمقوقس وأقوامهم ورعاياهم.
وقد حضَّ القرآن الكريم على استعمال العقل؛ لذلك أشاد بذوي العقول المفكرة فقال: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّأُوْلِي النُّهَى (54)}، كما دعا إلى التفكر في ملكوت السموات والأرض وما خلق الله من شيء، وندد بالذين لا يفكرون ولا يستعملون عقولهم في الخير والمعرفة فقال: {إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِندَ اللّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لاَ يَعْقِلُونَ (22)} وقد نهى القرآن الكريم عن التقليد احتراماً للعقل، فقال سبحانه: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللّهُ قَالُواْ بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلاَ يَهْتَدُونَ (170)}.
وكذلك دعا الإسلام إلى العلم وحض عليه ورغّب فيه، وقد أكرم الله سبحانه الإنسان بالحرية في جميع مظاهرها وأشكالها، فلا عبودية في الإسلام ولا تحكم ولا استبداد، فقال تعالى: {لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ }، كما أن الله جعل للإنسان الحرية والإرادة والقدرة على التمييز بين الخير والشر فقال: {فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ (7)وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ (8)}.
والتشريع الإسلامي وافٍ بكل ما يحتاج إليه البشر لأنه قائم على تنظيم جميع العلاقات بين الإنسان وربه، وبين الإنسان ونفسه، وبين الإنسان وغيره في شتى مجالات الحياة، فهو أكمل الأديان وأعظمها قال تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً }. وقوله سبحانه: {وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِيناً فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ (85)}.
والإسلام ينفي فكرة التمييز العنصري فهو يرى أن البشرية كلها ترجع إلى أصل واحد، ويقرر ألا فضل لجنس منها على جنس ولا ميزة لعنصر على آخر، وأن اختلاف الألوان واللغات إنما هو للتعارف والتحابب ولا شيء وراء ذلك. قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ (13)}.
وحين يزيل الإسلام الحواجز الجغرافية أو العنصرية التي تقوم عليها فكرة الوطن القومي، فإنه لا يلغي فكرة الوطن على الإطلاق، إنه يبقي على المعنى الطيب لهذه الفكرة، معنى التجمع والتآخي والتعاون وكذا معنى الهدف المشترك الذي تلتقي عليه الجماعة من الناس، فيجعل الوطن فكرة في الشعور لا رقعة من الأرض، هذه الفكرة يجتمع في ظلها الناس من كل جنس ولون وأرض، إخوة في الله متعاونين متحابين، قال تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ }. والإسلام تماشياً مع طبيعته العالمية قد احتضن الرسالات والديانات كلها، وقد قرر مع وحدة الإله وحدة العقيدة أي وحدة الدين الذي أرسل الله به رسله جميعاً، أما التشريع الذي ينظم حياة الجماعة فهو الذي يتطور في الرسالات الإلهية على أيدي الرسل تبعاً لحاجة الناس وتطور المجتمعات، وقد أبقى الإسلام الصالح من المبادئ والتشريعات والنظم في الرسالات السابقة، وأكمل ما كان بحاجة إلى إكمال أو زيادة منها وأتمه فقال عزَّ وجلَّ: { الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً }.
إن الإسلام هو النظام الإلهي الذي ختم الله به الشرائع وجعله نظاماً شاملاً لجميع نواحي الحياة، وارتضاه لينظم علاقة البشر بخالقهم وبالكون وبالدنيا والآخرة ولينظم جميع العلاقات والروابط التي يحتاج إليها الناس تنظيماً مبنياً على الخضوع لله وحده وإخلاص العبودية له، وعلى الأخذ بكل ما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم.
(*) أستاذ المناهج وطرق التدريس
كلية التربية للبنات بالرياض (الأقسام الأدبية).
.مؤسسة الدعوة
أ. د. مها بنت محمد العجمي
ليس هناك دين من الأديان له صفة العمومية والعالمية إلا الإسلام، فقد قال تعالى: {تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيراً (1)}. وقال صلى الله عليه وسلم (كان كل نبي يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى كل أحمر وأسود).
فالإسلام هو وحده الذي جاءت هدايته شاملة لجميع مناشط الحياة ومعالجة كل القضايا، ويمكن تطبيق مبادئه في كل زمان ومكان، كما أنه يمكن استنباط حكم لكل حادثة تَجدُّ، فهو بهذا دين خالد عام، فقد قال عزَّ جلاله: {وَمَا هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ (52)}، وقال صلى الله عليه وسلم: (مثلي ومثل الأنبياء من قبلي كمثل رجل بنى بيتاً فأحسنه وأكمله إلا موضع لبنة من زاوية فجعل الناس يطوفون به ويعجبون له ويقولون هلا وضعت هذه اللبنة، فأنا تلك اللبنة وأنا خاتم النبيين).
ثم إن المنهج الذي سلكه الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم في دعوته يحمل طابع العمومية للناس، فقد دعا قومه أولاً وخصَّ منهم عشيرته وأقاربه، ثم عمم الدعوة وخرج بها إلى غير قريش من القبائل العربية في مواسم الحج وغيرها، ثم تجاوز العرب إلى الدول الأخرى في آسيا وإفريقيا، فدعا إلى الدخول في الإسلام أمثال كسرى وهرقل والنجاشي والمقوقس وأقوامهم ورعاياهم.
وقد حضَّ القرآن الكريم على استعمال العقل؛ لذلك أشاد بذوي العقول المفكرة فقال: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّأُوْلِي النُّهَى (54)}، كما دعا إلى التفكر في ملكوت السموات والأرض وما خلق الله من شيء، وندد بالذين لا يفكرون ولا يستعملون عقولهم في الخير والمعرفة فقال: {إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِندَ اللّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لاَ يَعْقِلُونَ (22)} وقد نهى القرآن الكريم عن التقليد احتراماً للعقل، فقال سبحانه: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللّهُ قَالُواْ بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلاَ يَهْتَدُونَ (170)}.
وكذلك دعا الإسلام إلى العلم وحض عليه ورغّب فيه، وقد أكرم الله سبحانه الإنسان بالحرية في جميع مظاهرها وأشكالها، فلا عبودية في الإسلام ولا تحكم ولا استبداد، فقال تعالى: {لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ }، كما أن الله جعل للإنسان الحرية والإرادة والقدرة على التمييز بين الخير والشر فقال: {فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ (7)وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ (8)}.
والتشريع الإسلامي وافٍ بكل ما يحتاج إليه البشر لأنه قائم على تنظيم جميع العلاقات بين الإنسان وربه، وبين الإنسان ونفسه، وبين الإنسان وغيره في شتى مجالات الحياة، فهو أكمل الأديان وأعظمها قال تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً }. وقوله سبحانه: {وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِيناً فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ (85)}.
والإسلام ينفي فكرة التمييز العنصري فهو يرى أن البشرية كلها ترجع إلى أصل واحد، ويقرر ألا فضل لجنس منها على جنس ولا ميزة لعنصر على آخر، وأن اختلاف الألوان واللغات إنما هو للتعارف والتحابب ولا شيء وراء ذلك. قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ (13)}.
وحين يزيل الإسلام الحواجز الجغرافية أو العنصرية التي تقوم عليها فكرة الوطن القومي، فإنه لا يلغي فكرة الوطن على الإطلاق، إنه يبقي على المعنى الطيب لهذه الفكرة، معنى التجمع والتآخي والتعاون وكذا معنى الهدف المشترك الذي تلتقي عليه الجماعة من الناس، فيجعل الوطن فكرة في الشعور لا رقعة من الأرض، هذه الفكرة يجتمع في ظلها الناس من كل جنس ولون وأرض، إخوة في الله متعاونين متحابين، قال تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ }. والإسلام تماشياً مع طبيعته العالمية قد احتضن الرسالات والديانات كلها، وقد قرر مع وحدة الإله وحدة العقيدة أي وحدة الدين الذي أرسل الله به رسله جميعاً، أما التشريع الذي ينظم حياة الجماعة فهو الذي يتطور في الرسالات الإلهية على أيدي الرسل تبعاً لحاجة الناس وتطور المجتمعات، وقد أبقى الإسلام الصالح من المبادئ والتشريعات والنظم في الرسالات السابقة، وأكمل ما كان بحاجة إلى إكمال أو زيادة منها وأتمه فقال عزَّ وجلَّ: { الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً }.
إن الإسلام هو النظام الإلهي الذي ختم الله به الشرائع وجعله نظاماً شاملاً لجميع نواحي الحياة، وارتضاه لينظم علاقة البشر بخالقهم وبالكون وبالدنيا والآخرة ولينظم جميع العلاقات والروابط التي يحتاج إليها الناس تنظيماً مبنياً على الخضوع لله وحده وإخلاص العبودية له، وعلى الأخذ بكل ما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم.
(*) أستاذ المناهج وطرق التدريس
كلية التربية للبنات بالرياض (الأقسام الأدبية).
.مؤسسة الدعوة