الحل .. فيدرالية ورئيس من الجنوب
أحمد الرباحي
إن مما ينبغي الاعتراف به اليوم من قبل الجميع أن الوحدة اليمنية تواجه مخاطر حقيقية وتحديات كبيرة تتزايد بصورة متسارعة. ومهما تغاضينا عن هذه الحقيقة المُرّة فلن يؤدي ذلك إلى تهدئه الأوضاع أو معالجة أسبابها وعواملها.
ولا شك أن تطورات الأوضاع وتوسع التذمر الشعبي وتعمق الفجوة النفسية يزيد مع مرور الوقت منذ حرب صيف 94م وبالذات عندما لم تجد القضايا مثار التذمر والاحتجاج معالجة حقيقية وعادلة، سيما فيما يتعلق بالحقوق والأراضي وموضوع الشراكة والفساد والفوضى، كل ذلك قد تطور إلى رغبة معلنة أو مكبوتة لدى شريحة تتسع يوماً بعد يوم إلى العودة إلى ما قبل 22 مايو 1990م.
وبمعنى أدق، إلى الانفصال مرة أخرى. وهذا الأمر يتضح من خلال التصريحات الصحفية والتعبيرات المتكررة في المظاهرات والاعتصامات والمهرجانات في عدة مناطق جنوبية.
وفاقم من هذه الأزمة أسلوب السلطة في التعاطي مع هذا الحراك، حيث تعمد دائماً إلى محاولات منعه أو قمعه بالقوة والعنف مما أدى إلى سقوط العديد من الضحايا، وبالتالي وفّر أرضية خصبة للسخط العام في تلك المناطق.
ودون الخوض في الأسباب والدواعي التي أدت إلى بروز هذه الأزمة واستفحالها فيكفي اعتراف السلطة رويداً رويداً بهذه المشاكل والمظالم، ولكن الذي نحبذه هو الدخول في موضوع المعالجات الجذرية لهذه الأزمة التي أرى أنها كفيلة بحماية الوحدة والحفاظ عليها وتحقيق الإصلاح الشامل لكافة الأزمات الوطنية. وأهم هذه المعالجات: أولاً: اعتماد نظام الفيدرالية: حيث سيوفر هذا النظام قدراً كبيراً من الاستقلالية للأقاليم وتخفيف القبضة المركزية على كافة الشؤون.
صحيح أن هذا الطرح كان يوازي في بداية الأزمة السياسية عام 93، 94م طرح العودة للتشطير، غير أن هذا الخيار أصبح في ظل المعطيات الجديدة والمخاطر المستقبلية أفضل الخيارات للحفاظ على الكيان الوطني الواحد للشعب اليمني، الجمهورية اليمنية. ولعل نموذج دولة الإمارات العربية المتحدة أقرب النماذج وأوضحها في هذا الصدد إذ حافظت على استقرارها منذ قرابة أربعين عاماً، وحققت تطوراً نوعياً، ليس اعتماداً على البترول فقط، وإنما من خلال تنافس كبير وخطط اقتصادية ناجحة بين الإمارات.
ثانياً: إقرار النظام البرلماني وعدم تركز السلطة بيد رئيس الجمهورية وبما يتيح تنافساً حقيقياً بين الأحزاب السياسية وتداولاً سلمياً للسلطة، فضلاً عن الفصل التام بين السلطات الثلاث وممارسة كل سلطة حقها الكامل باستقلالية تامة. ومن مقتضيات هذا النظام أن يكون رئيس الجمهورية مستقلاً عن أي حزب سياسي. ثالثاً: إجراء انتخابات رئاسية مبكرة، ولتكن مع الانتخابات النيابية القادمة في عام 2011م، وأن يكون الرئيس القادم حصراً من الجنوب لتهدئة المشاعر وإزالة الشعور بأن الجنوب تابع ومحتل.
ولنا في التجربة الألمانية خير مثال حين تداول على منصب المستشارية (الحكومة التنفيذية كاملة الصلاحيات) رؤساء من الغرب والشرق فلم يشعر الشرقيون –رغم تخلفهم اقتصادياً- أن الشطر الغربي تحكَّم أو سيطر على الشطر الشرقي. رابعاً: إجراء إصلاحات اقتصادية وإدارية ومالية حقيقية تضمن عودة الحقوق إلى أصحابها، ونزع الأراضي التي استحوذ عليها النافذون تحت أي مبرر، وتحقيق العدالة الاجتماعية والمساواة بين المواطنين، ووضع حد للفساد بتقديم كبار الفاسدين للعدالة واستعادة الثروات الوطنية التي نهبوها. أعتقد أن تلك المعالجات كفيلة (بإذن الله تعالى) بإخماد النزعات الانفصالية وكبح جماح الأزمات واستشراء الفساد الشامل.
أما ما ينادي به البعض من نقل العاصمة السياسية من صنعاء إلى عدن فلن يزيد الفاسدين والناهبين إلا ثراءً، فضلاً عن أن نقل العاصمة سيكلف عشرات المليارات من الدولارات لبناء المؤسسات ونقل الموظفين وتسكينهم، ويحتاج الأمر إلى فترة طويلة، ذلك بالإضافة إلى أن عدن من الناحية العسكرية غير مؤمنة ويمكن أن تسقط أمام أي غزو وفي أسرع وقت بعكس صنعاء. كذلك أن تشكل حكومة وحدة وطنية أو حكومة إنقاذ وطني غير مجد فلن تؤثر في شيء لوقف عجلة التدهور العام والانفلات المريع والتذمر الواسع، وتعمق الأزمات. والله من وراء القصد.
أحمد الرباحي
إن مما ينبغي الاعتراف به اليوم من قبل الجميع أن الوحدة اليمنية تواجه مخاطر حقيقية وتحديات كبيرة تتزايد بصورة متسارعة. ومهما تغاضينا عن هذه الحقيقة المُرّة فلن يؤدي ذلك إلى تهدئه الأوضاع أو معالجة أسبابها وعواملها.
ولا شك أن تطورات الأوضاع وتوسع التذمر الشعبي وتعمق الفجوة النفسية يزيد مع مرور الوقت منذ حرب صيف 94م وبالذات عندما لم تجد القضايا مثار التذمر والاحتجاج معالجة حقيقية وعادلة، سيما فيما يتعلق بالحقوق والأراضي وموضوع الشراكة والفساد والفوضى، كل ذلك قد تطور إلى رغبة معلنة أو مكبوتة لدى شريحة تتسع يوماً بعد يوم إلى العودة إلى ما قبل 22 مايو 1990م.
وبمعنى أدق، إلى الانفصال مرة أخرى. وهذا الأمر يتضح من خلال التصريحات الصحفية والتعبيرات المتكررة في المظاهرات والاعتصامات والمهرجانات في عدة مناطق جنوبية.
وفاقم من هذه الأزمة أسلوب السلطة في التعاطي مع هذا الحراك، حيث تعمد دائماً إلى محاولات منعه أو قمعه بالقوة والعنف مما أدى إلى سقوط العديد من الضحايا، وبالتالي وفّر أرضية خصبة للسخط العام في تلك المناطق.
ودون الخوض في الأسباب والدواعي التي أدت إلى بروز هذه الأزمة واستفحالها فيكفي اعتراف السلطة رويداً رويداً بهذه المشاكل والمظالم، ولكن الذي نحبذه هو الدخول في موضوع المعالجات الجذرية لهذه الأزمة التي أرى أنها كفيلة بحماية الوحدة والحفاظ عليها وتحقيق الإصلاح الشامل لكافة الأزمات الوطنية. وأهم هذه المعالجات: أولاً: اعتماد نظام الفيدرالية: حيث سيوفر هذا النظام قدراً كبيراً من الاستقلالية للأقاليم وتخفيف القبضة المركزية على كافة الشؤون.
صحيح أن هذا الطرح كان يوازي في بداية الأزمة السياسية عام 93، 94م طرح العودة للتشطير، غير أن هذا الخيار أصبح في ظل المعطيات الجديدة والمخاطر المستقبلية أفضل الخيارات للحفاظ على الكيان الوطني الواحد للشعب اليمني، الجمهورية اليمنية. ولعل نموذج دولة الإمارات العربية المتحدة أقرب النماذج وأوضحها في هذا الصدد إذ حافظت على استقرارها منذ قرابة أربعين عاماً، وحققت تطوراً نوعياً، ليس اعتماداً على البترول فقط، وإنما من خلال تنافس كبير وخطط اقتصادية ناجحة بين الإمارات.
ثانياً: إقرار النظام البرلماني وعدم تركز السلطة بيد رئيس الجمهورية وبما يتيح تنافساً حقيقياً بين الأحزاب السياسية وتداولاً سلمياً للسلطة، فضلاً عن الفصل التام بين السلطات الثلاث وممارسة كل سلطة حقها الكامل باستقلالية تامة. ومن مقتضيات هذا النظام أن يكون رئيس الجمهورية مستقلاً عن أي حزب سياسي. ثالثاً: إجراء انتخابات رئاسية مبكرة، ولتكن مع الانتخابات النيابية القادمة في عام 2011م، وأن يكون الرئيس القادم حصراً من الجنوب لتهدئة المشاعر وإزالة الشعور بأن الجنوب تابع ومحتل.
ولنا في التجربة الألمانية خير مثال حين تداول على منصب المستشارية (الحكومة التنفيذية كاملة الصلاحيات) رؤساء من الغرب والشرق فلم يشعر الشرقيون –رغم تخلفهم اقتصادياً- أن الشطر الغربي تحكَّم أو سيطر على الشطر الشرقي. رابعاً: إجراء إصلاحات اقتصادية وإدارية ومالية حقيقية تضمن عودة الحقوق إلى أصحابها، ونزع الأراضي التي استحوذ عليها النافذون تحت أي مبرر، وتحقيق العدالة الاجتماعية والمساواة بين المواطنين، ووضع حد للفساد بتقديم كبار الفاسدين للعدالة واستعادة الثروات الوطنية التي نهبوها. أعتقد أن تلك المعالجات كفيلة (بإذن الله تعالى) بإخماد النزعات الانفصالية وكبح جماح الأزمات واستشراء الفساد الشامل.
أما ما ينادي به البعض من نقل العاصمة السياسية من صنعاء إلى عدن فلن يزيد الفاسدين والناهبين إلا ثراءً، فضلاً عن أن نقل العاصمة سيكلف عشرات المليارات من الدولارات لبناء المؤسسات ونقل الموظفين وتسكينهم، ويحتاج الأمر إلى فترة طويلة، ذلك بالإضافة إلى أن عدن من الناحية العسكرية غير مؤمنة ويمكن أن تسقط أمام أي غزو وفي أسرع وقت بعكس صنعاء. كذلك أن تشكل حكومة وحدة وطنية أو حكومة إنقاذ وطني غير مجد فلن تؤثر في شيء لوقف عجلة التدهور العام والانفلات المريع والتذمر الواسع، وتعمق الأزمات. والله من وراء القصد.